رغم أن التحرش ظاهرة عالمية تعانيها النساء في دول عدة، إلا أن معدلاته والعنف المرتبط به في مصر، والظروف الخاصة التي تحيط بضحايا هذه القضايا، باتت تفرض ضرورة وجود أخصائية اجتماعية في أقسام الشرطة أكثر من ذي قبل. وهو الأمر الذي نادت به توصيات عديدة وحملات حقوقية ألقت الضوء على ضرورة وجود معالجة حقيقية لتفشي هذه الظاهرة، تعزز من إجراءات الدولة في هذا الشأن.
يدعم ذلك أن مسألة وجود أنثى في الأقسام أو خلال التحقيقات إجراء متبع في أغلب الدول الأوروبية. خاصة في تلك القضايا المرتبطة بوجود أطفال أو نساء. وهو أمر يتم التدريب عليه، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع مختلف الأنماط ودرجات الخطورة المتباينة في كل حالة.
ولا يمكننا أن نغفل أن هناك الكثير من القضايا يتم التغاضي عن الإبلاغ فيها، خشية التعامل داخل أقسام الشرطة، أو لتلافي الحرج من الضابط مسؤول التحقيق. خاصة في قضايا التحرش وبعض الجوانب المتعلقة بالعنف والاعتداء الجنسي.
الوحدة المجمعة لحماية المرأة من العنف
في أغسطس الماضي، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارًا بتعديلات جديدة لقانون العقوبات لمواجهة التحرش الجنسي، وتغليظ العقوبة على المخالفين. وجاءت أبرز تعديلات القانون الجديد رقم 141 لسنة 2021 متضمنة “عقاب المتحرش بمدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز 4 سنوات لكل من تعرّض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأي وسيلة كانت، بما في ذلك وسائل التواصل السلكية واللاسلكية والإلكترونية أو أية وسيلة تقنية آخري”.
وفي سبتمبر الماضي، أصدر رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، قرارًا بإنشاء “الوحدة المجمعة لحماية المرأة من العنف”. وقد تضمن أن تتبع مجلس الوزراء، ويكون مقرها الرئيسي في نطاق القاهرة الكبرى. على أن يجوز إنشاء فروع لها في مختلف المحافظات، بقرار من رئيس مجلس الوزراء، وبناءً على اقتراح المشرف العام.
وفق القرار، فإن الهدف من هذه الوحدة تلقي الشكاوى والبلاغات المتعلقة بقضايا العنف ضد المرأة. على أن يكون ذلك عبر ممثلي الوزارات والجهات المعنية بالوحدة، لاتخاذ الإجراءات اللازمة لفحصها والتصرف فيها، وفقًا للقواعد القانونية المقررة.
وتضم الوحدة ممثلين عن وزارات: العدل، والداخلية، والصحة والسكان، والتضامن الاجتماعي، وممثلين عن النيابة العامة. إضافة إلى المجلس القومي للمرأة، والمجلس القومي للطفولة والأمومة. كما يجوز إضافة ممثلين لوزارات وجهات أخرى بقرار من رئيس مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح المشرف العام.
ويعين هذا المشرف العام بقرار من رئيس الوزراء. وتكون مهامه الإشراف على الوحدة، وإدارة شؤونها المالية والإدارية. وكذلك التنسيق مع الجهات المعنية، وتوفير المتطلبات الخاصة لأداء عملها، بما يتفق وطبيعة وهدف الوحدة. على أن يعاونه ممثلو الوزارات والجهات التي تضمها الوحدة. بالإضافة إلى عدد كاف من الموظفين المتخصصين يتم ندبهم من الجهات الحكومية.
لماذا نحتاج لأخصائية اجتماعية؟
هذا القرار بإنشاء هذه الوحدة المتخصصة جاء ضمن إجراءات وسياسات شهدتها الآونة الأخيرة، أظهرت اهتمام حكومي بملف المرأة. وخاصة ما يتعلق بالعنف ضدها. ووفق المحامية النسوية نسمة الخطيب مؤسسة مبادرة “سند للدعم القانوني للنساء”، فإن هذه الوحدة تعد “بداية الغيث وانتصار حقيقي للمرأ”.ة بل إنها خطوة في المسار المأمول التي تنادي بها المنظمات النسوية، والخاصة بالعمل على إيجاد باحثة اجتماعية في أقسام الشرطة.
تقول “الخطيب” إن إنشاء وحدة للعنف على هذا النحو المقام يعتبر البداية. فهذه الوحدة تتلقى البلاغات والشكاوى الخاصة بقضايا العنف. كما أن تضم ممثلين عن الوزارات المعنية، وتستهدف البت في ما يتقدم لها من شكاوى، مع حفظ حقوق الضحايا ودعمهم القانوني والنفسي والاجتماعي إذا اقتضى الأمر. لكنها تبقى خطوة تستلزم العمل على إقرار باحثة اجتماعية في أقسام الشرطة. ذلك لما سيكون له من دور في تسريع الإجراءات، بالاستماع للنساء في القضايا المختلفة، على حد قولها.
وترى إيمان محمد، الأخصائية الاجتماعية بمؤسسة “قضايا المرأة”، أن وجود باحثة أو أخصائية اجتماعية في أقسام الشرطة سيكون له أثر كبير في مسار القضايا. خاصة المرتبطة منها بالعنف ضد النساء أو أي انتهاك آخر. حيث ستتمكن الضحية من البوح بالتفاصيل أسرع. وسيجنبها ذلك الإجراء حرج التعامل مع ضابط قسم الشرطة محرر البلاغ أو المسؤول عن التحقيق.
والأمر هنا -وفق “إيمان محمد” لا يرتبط فقط بـ”الإدلاء بالأقوال والاستماع”، وإنما أيضًا متعلق بتسريع الإجراءات. فهناك قضايا قد تُمحى دلائلها نتيجة تأخر الضحية في سرد التفاصيل. وهناك قضايا لا يتم الإبلاغ عنها من الأساس، لأن القائمين على متابعتها ذكور.
وهذا الرأي يتفق معه أيضًا الاستشاري الاجتماعي، وحيد الدسوقى. إذ يؤكد أن الوعي بالفعل زاد مؤخرًا في أقسام الشرطة، وأنه حضر شخصيًا في أحد القضايا واستمع إلى واحدة من الحضور في القسم، معتبرًا أن وجود أخصائي اجتماعي ذكرًا كان أو أنثى يساهم في سرعة التواصل الجيد مع الضحية، أثناء سير التحقيقات.
الخوف من قسم الشرطة يؤجل تحقيق العدالة
الخوف من أقسام الشرطة وطريقة التعامل مع الجمهور وخاصة السيدات أحد أهم الأمور المعطلة لتحقيق العدالة في قضايا التحرش. فالشائع حول قسم الشرطة أنه مكان يقصده المجرمون عادة. وهو الأمر الذي يجعل الخوف من التواجد به أكبر من الشعور بالاعتداء والانتهاك في حد ذاته عند البعض.
تقول الثلاثينية نجوى السيد، إنها أثناء سيرها في أحد الشوارع رفقة صديقاتها اعتدى أحد سائقى التوكتوك على إحداهن. ورغم تعرفهن عليه وإمكانية جلبه إلى قسم الشرطة، إلا أنهن فكرن كثيرًا فيما قد يتعرضن له أثناء التحقيق معهن.
تضيف نجوى أن الفتايات يخشين الإبلاغ عن وقائع التحرش في أقسام الشرطة لعدد من الأسباب، منها عدم تيقنهم أن الإجراءات ستتم من الأساس، فبعض ضباط الشرطة يخيفونهن بشأن مستقبل التحقيقات، وأن القضية ستصل للنيابة والوضع قد يتطور. كما أن بعضهن على حد قولها “يتعرضن للتحرش هناك”. وهي ترى أن وجود متخصصة تستمع لشكوى النساء أفضل كثيرًا، وسيشجع الفتايات على الإبلاغ دون تردد، في حال تعرضهن لأية انتهاكات، متمنيةً أن تكون هذه الأخصائية منتدبة من جهة أخرى خارج سلطة وزارة الداخلية.
“نساء رهن القانون” أوصت بوجودها
تقول المحامية نسمة الخطيب، إن المطالبة بوجود أخصائية اجتماعية داخل الأقسام، تكون معنية بالتعامل مع النساء، خاصة فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة والتحرش، أمر تم طرحه في توصيات حملتها “نساء رهن القانون” التي انطلقت تزامنًا مع فعاليات الـ 16 يوم لمناهضة العنف، مضيفة أن النساء يتحملن الكثير من الأعباء نتيجة إلزامهن بالإثبات في جرائم العنف الجنسي. وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان لحفظ الشكاوى والبلاغات التي يتم تقديمها.
وتلفت الخطيب إلى أن الحملة الصادرة عن مبادرة “سند للدعم القانوني”، أوصت كذلك بـ “بضرورة تبني الدولة آلية لتوفير إتاحة المعلومات بشكل أكثر تعمقًا في قضايا النساء وغيرها من أجل تحقيق الشفافية، وتأسيس نظام إحالة يربط المختصين في القضاء والأمن بالمختصين في الرعاية الصحية والمنظمات غير الحكومية التي تقدم الخدمات إلى الناجيات من العنف وبالأخص الاغتصاب والاعتداء الجنسي”.
وقد أكدت وحدة الدراسات والبحوث بملتقى الحوار والتنمية لحقوق الانسان أن واحدة من كل ثلاث نساء يتعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي في حياتهن بمصر.