أعلنت حركة طالبان إعداد مشروع لموازنة البلاد يتم تمويلها بالمواد الذاتية لأول مرة منذ عشرين عاما بدون مساعدة دولية. تتضمن إيرادات ومصروفات الدولة لعام 2022 دون تحديد أي تفاصيل عنها. سواء حجمها أو الناتج المحلي المتوقع أو حتى مخصصات مكوناتها.

تثير تلك الموازنة تساؤلات في دولة كانت تعيش على المعونات الدولية سواء على المستوى الفني أو المالي. ووسط تحذير برنامج الأغذية العالمي من خطر مجاعة محتملة، وانعزال عن العالم فيما يتعلق بحركة التبادل التجاري.

حركة طالبان ظهرت في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، شمالي باكستان. عقب انسحاب قوات الاتحاد السوفيتي السابق من أفغانستان. وتتكون غالبيتها من عناصر البشتون، ويعتقد على نطاق واسع بأن طالبان بدأت في الظهور لأول مرة من خلال المعاهد الدينية. التي كانت تمولها في ذلك الحين مؤسسات سعودية.

لم يهتم العالم بحركة طالبان إلا عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر2001 على مركز التجارة العالمي بالولايات المتحدة. التي اتهمت الحركة بتوفير ملاذ آمن لزعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن. وأعضاء التنظيم الذين اتهموا بالمسؤولية عن هذه الهجمات، ليطيح بها تحالف دولي بقيادة واشنطن.

وبعد 20 عاما عادت طالبان مرة أخرى للحكم بعد انسحاب القوات الأمريكية وهزيمة سريعة للجيش الأفغاني. ووسط أزمة إنسانية خانقة لنحو 18.8 ملايين شخص يعانون انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي بأفغانستان ويعجزون عن تأمين الغذاء لأنفسهم يوميًا. ومن المتوقع أن يزداد العدد ليصل إلى 22.8 ملايين شخص مع حلول نهاية 2021.

جاء إعلان وزارة المالية في حكومة طالبان أنها أعدت مشروع ميزانية للدولة. يمول للمرة الأولى منذ عشرين عاًما بدون مساعدة دولية. ليثير مخاوف جيرانها من حدوث مجاعات وموجات من النزوح إلى الجيران خاصة روسيا وباكستان.

كانت ميزانية 2021، التي وضعها النظام السابق بإشراف صندوق النقد الدولي. تتألف من 219 مليار أفغاني (1,75 مليار يورو بسعر الصرف الحالي). بشكل مساعدات دولية و217 مليار أفغاني في الإيرادات. والأفغاني هو اسم العملة الأفغانية.

يأتي إعلان طالبان في وقت تعاني فيه من أزمة في سعر الصرف. بعدما هبطت العملة من ليبلغ اليورو 120 مقابل “الأفغاني الواحد” مقابل 90 “أفغاني” قبل استيلاء طالبان على السلطة. كما عزت طالبان حتى الآن عن حل أزمة الرواتب المتأخرة على مدار 3 أشهر.

مؤشرات أولية

لم يتضح بعد كيفية تمويل طالبان لمواردها في الميزانية الجديدة لكن يبدو أنها ستعتمد على الضرائب والجمارك. بعدما أعلن المتحدث باسم الحركة عن استحداث ضريبة جديدة لتمويل مشاريع لمساعدة الأيتام والفقراء.

قبل شهر، قالت ما يسمى بإدارة الإيرادات بحكومة طالبان أنها جمعت 26 مليار أفغاني. في الشهرين ونصف الشهر الماضي بما في ذلك 13 مليارا من الرسوم الجمركية.

تعد الزراعة العمود الفقري للاقتصاد الأفغاني وتمثل الدخل لنحو 70% من الأفغان في المناطق الريفية. وتستحوذ على ما لا يقل عن 25% من الناتج المحلي الإجمالي. في حين تعتمد نسبة تقدّر بحدود 80% من مجمل سبل العيش بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الزراعة، وفقا لمنظمة الفاو.

لكن الزراعة تأثرت بقوة بسبب موجهة جفاف واسعة الانتشار حتى اضطرت منظمات دولية قبل سيطرة طالبان على الحكم. لتقديم مناشدات بتقديم مساعدة عاجلة للمزارعين والرعاة بموازاة الدعوة إلى تقديم مزيد من الدعم الفوري للإنتاج الزراعي.

وقالت منظمة الفاو إنها تحتاج على وجه السرعة إلى مبلغ 115 مليون دولار أمريكي للوصول إلى خمسة ملايين رجل وامرأة وطفل خلال الشتاء والربيع المقبل. على أن يتم تخصيص دولار واحد من كل خمسة دولارات من هذا المبلغ لتقديم دعم مباشر للنساء في أفغانستان.

الهيروين سيكون مصدرًا أساسيا لاقتصاد طالبان، فمنذ عودتها زاد سعر الأفيون الذي يحول إلى هيروين في البلاد أو في باكستان وإيران. ثلاث مرات ليبلغ سعر الكيلو نحو  90 يورو، ما يعني ارتفاع عوائد الحركة على البيع.

ارتبط الأفيون بما بين 20% و30% من الناتج القومي الإجمالي الأفغاني في وقت سيطرة طالبان على الحكم عام 2000. ورغم إصدارها أمرا يجرم الأفيون باعتباره مخالفا للإسلام لكن حركة البيع والشراء كانت منتعشة وفرضت الحركة ضرائب على المزارعين الذين يزرعون الخشخاش لتمويل مواردها حينها.

طالبان ومالية التنظيمات

كما هو الحال مع الدول تقوم التنظيمات مثل داعش وطالبان بتحصيل ضرائب من نشاط الأعمال التجارية والسكان. وغرامات من الأشخاص على انتهاكات أيما قواعد قانونية تدخلها حيز التنفيذ.

تلك التنظيمات تقوم أيضًا بأنشطة الجمعيات الخيرية وجماعات الجريمة المنظمة على السواء. مثلما حدث مع تنظيم القاعدة في العراق الذي مول أنشطته عبر تبرعات بعضها خارجي والتجارة بالنفط والأثار في السوق السوداء والجريمة المنظمة باختطاف الأجانب وتلقي الفديات.

يتكرر ذلك النموذج حتى في التنظيمات شبه العسكرية في العالم مثل الجيش الجمهوري

الأيرلندي المؤقت والتنظيمات شبه العسكرية الموالية للحكومة في أيرلندا الشمالية على

سبيل المثال. التي جمعت المال من خلال المزج بين تجميع أموال من خارج البلد، والسرقة

المسلحة، وجرائم ابتزاز مقابل الحماية، ورسوم العضوية من ناحية الموالين للحكومة.

أفغانستان ليست فقيرة

تمتلك أفغانستان ثروات ضخمة على مستوى المعادن وفقا للمراكز البحثية العالمية. لكنها محتاجة لاستثمارات أجنبية لاستخراجها، ولا يعتقد أن مستثمرين أجانب سيدخلون سوقا تحت سيطرة حركة متشددة.

في عام 2010 أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية مذكرة داخلية بعنوان “أفغانستان المملكة العربية السعودية لليثيوم”. بعد أن اكتشف الجيولوجيون الحجم الهائل للثروة المعدنية للبلاد والتي تقدر قيمتها بما لا يقل عن تريليون دولار، بحسب موقع روسيا اليوم.

والليثيوم وهو معدن فضي يدخل في صناعة السيارات الكهربائية وبطاريات الطاقة المتجددة. ويعتقد أن أفغانستان تمتلك أكبر احتياطي منه في العالم.

ومن المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على الليثيوم 40 ضعًفا فوق مستويات 2020 بحلول عام 2040. بجانب العناصر الأرضية النادرة والنحاس والكوبالت والمعادن الأخرى التي تعد أفغانستان غنية بها بشكل طبيعي، بحسب الدراسات الأكاديمية العالمية.

ذكر موقع “كوارتز” أن المسؤولين في الحكومة الأفغانية السابقة ألمحوا في الماضي إلى احتمال إبرام عقود تعدين مربحة مع نظرائهم الأمريكيين. لإغرائهم وإطالة أمد الوجود العسكري الأمريكي في البلاد، ومع وجود طالبان في الحكم من المحتمل أن يكون هذا الخيار خارج الطاولة.

ووفقا لوزارة المناجم والبترول فإن قيمة الثروة المعدنية في أفغانستان تقدر بنحو تريليون دولار. لكن هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية تختلف مع هذه التقديرات وتقول إن القيمة الحقيقية لها تصل إلى 3 تريليونات دولار.

تمتلك أفغانستان ثاني أكبر احتياطي من النحاس عالميا بنحو 88 مليار دولار، إضافة إلى نحو 2.2 مليار طن من خام الحديد. و5 مناجم للذهب و400 نوع من الرخام واحتياطيات من البريليوم تقدر بقيمة 88 مليار دولار، وتجني 160 مليون دولار من بيع الأحجار الكريمة سنويا.

لكن الخبير الاقتصادي المختص بالصناعة النفطية، المهندس عبد العزيز المقبل، يشكك في تلك البيانات. مؤكدًا أن تقديرات الثروات المعدنية لأفغانستان خصوصا معدن الليثيوم، لا تستند إلى عينات ميدانية من المناجم.

تحاول طالبان حاليا تغيير الصورة النمطية لها لتشجيع العالم على التعامل معها واستثمار أي موارد مالية تقع تحت أيديها. وآخرها قرار فتح متحف أفغانستان الوطني أمام الجمهور للتمتع بآلاف القطع المعروضة فيه والعائدة بغالبيتها إلى حقبة ما قبل الإسلام في تناقض لافت مع فترة الحكم الأولى لحركة طالبان عندما دمرت تماثيل بوذا.