منذ أيام أعلنت الأمم المتحدة اغتصاب 13 امرأة سودانية. بينما وثّقت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل 9 حالات اغتصاب واغتصاب جماعي في محيط القصر الجمهوري. وإحدى اللواتي تعرضن للعنف طفلة في العاشرة وقد تم اغتصابها من 10 رجال -على الأقل- من القوات الحكومية.
كما أوردت لجان الأحياء في تقارير تعرض عشرات الفتيات للتحرش وأنواع مختلفة من الاعتداءات الجسدية والجنسية في أثناء اعتقالهن بمراكز الشرطة.
وأدان الاتحاد الأوروبي ودول الترويكا بشدة استخدام “الاغتصاب والعنف الجنسي” أسلحة لإبعاد النساء عن التظاهرات وإسكات أصواتهن. مع مطالبة السلطات السودانية بالتحقيق الفوري في هذه الانتهاكات.
الواقعة السودانية ليست الأولى عبر الأقطار العربية. فيما يخص ممارسة العنف ضد النساء ومنذ بزوغ زمن الربيع العربي. واللافت في المسألة أن هذا العنف تزامن مع انتعاشة واضحة في قضية حقوق المرأة التي خطت بقوة نحو تحقيق أهدافها. فلماذا؟
إن الثورة فعل فوضوي غير محسوب الخطوات والأفعال يميزه الانفلات الأمني. والنزوع إلى العنف سواء الجنسي أو الطائفي أو حتى القبلي. وهو ما انسحب على ثورات الربيع العربي بطبيعة الحال.
العنف ضد المرأة مقابل التحرر
يؤرخ المحامي الحقوقي مايكل رؤوف لفترة حكم الإخوان بأول عنف جنسي ممنهج من قبل بعض الجماعات الرجعية. حين برزت ظاهرة الحلقات ولأول مرة خلال الإعلان الدستوري المكمل. والتي بدأت عبر إحاطة مجموعة من الرجال بفتاتين ثم فوجئ الناس بتعرية الفتاتين. لاحقا تكررت تلك الظاهرة في كل مظاهرة يشارك فيها النساء ضد الإخوان. وكان موقف الإخوان السلبي موثقا عبر كلمات النائبة المعروفة بـ”أم أيمن”. والتي قالت حينها “إيه الي وداها هناك؟”. ومع تكرار الاعتداءات تم استخدام الأسلحة البيضاء في تشويه تلك السيدات.
وفي ظل خطاب محرض وعنيف ضد النساء تكررت الوقائع. والتي لم تكن مواقعة جنسية كاملة كالتي يعرفها القانون المصري كشرط للاغتصاب. ولكنه كان اغتصابا بالمعنى الدولي. حتى اختفت تلك الظاهرة في أعقاب حادثة التحرش بفتاة خلال الاحتفالات بتنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي -وفق “رؤوف”.
ويعتبر “رؤوف” أنه منذ أواخر 2011 حتى 2012 أعلى فترة لارتفاع وتيرة العنف بالشكل الذي أدهش كثيرا من الحقوقيين آنذاك. حتى داخل البيوت المحافظة والتي رأت في لحظة صعود الإخوان فرصة لفرض قيمها.
بالتوازي مع ذلك نشطت الحركات النسوية وزاد نزوع النساء للمشاركة السياسية والاجتماعية. كذلك اتخاذ خطوات تجاه الاستقلال بحياتهن. وهو ما أغضب الجماعات المحافظة التي لجأت إلى العنف كرد فعل رافض لتلك الخطوات “التحررية” بحسب “رؤوف”.
تطبيع العنف ضد المرأة قبل الثورة
توثيق العنف بالنسبة لمديرة مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب الطبيبة -ماجدة عدلي- موغل في القدم وقبل الربيع العربي بسنوات. حيث تضرب المثل على ذلك بإحصائيات مؤتمر بكين عام 1994. والذي وجهت أوراقه إلى أن أكثر من 90% من النساء يتعرضن للعنف.
وتعتبر “عدلي” أن مصر من المجتمعات “المطبّعة مع العنف”. وتعتبره أحد طرق التربية الفعالة. ومن واقع ملاحظاتها فإن نسبة العنف الجنسي بعد الثورة ارتفعت عن باقي أشكال العنف. سواء البدني أو غيره. وهو ما دفع المركز للبحث في هذه المسألة عام 2014.
حالات الناجيات المترددات على مركز “النديم” للوقوف على مناسيب العنف الجنسي. والتي زادت وتيرتها بالفعل. سواء في المجال العام أو الخاص تفسر زلزال الثورة الذي هز المجتمع الذي مورس ضده القمع والكبت على مدار سنوات طويلة. فخرج في صورة عنف مورس ضد النساء باعتبارهن “الحلقة الأضعف”. وذلك بخلاف جرائم العنف المتعمدة من قبل البعض. كحادث “الأربعاء الأسود” في عام 2005، الذي تعرض فيه مجموعة من النساء للانتهاك والتحرش من “رجال مبارك” –بحسب “عدلي”.
وفي البيوت انتقل الطرف الممارس للعنف من الرجال للنساء كعنف الأمهات تجاه بناتهن. وخلال العام الماضي والسابق زادت حالات العنف داخل المنزل من قبل الأمهات. وذلك من خلال استخدام سلطتهن الاجتماعية والاقتصادية وبتواطؤ من الأب. وذلك في ظل غياب الوعي والسياسات العامة التي تكافحه، لتستمر حالات العنف. وعليه حذرت “عدلي” من ارتفاع وتيرة العنف الأسري خصوصا.
ومع ذلك لا تعتبر “عدلي” أن عاملَي التطبيع مع العنف وأحداث الثورة العاملان الوحيدان المسببان لتفاقم تلك الظاهرة. بل ترجعها أيضا لبوح الفتيات بما يواجهن عبر عقود من الصمت. متحديات سلطة المجتمع التي تدفعهن للسكوت خوفا من الوصمة المجتمعية.
وبدأ البعض منهن اللجوء لمواقع التواصل الاجتماعي وكذلك القضاء. كما أن تلك الهزات أنبتت العديد من المبادرات الشابة المهتمة بحقوق النساء. ما شجع الكثيرات على البوح في ظل وجود أشكال مساندة لهؤلاء النساء وأسهم في حدوث نقلة حتى في مسألة توفر المعلومات.
العنف ضد المرأة والقوانين
أعربت ماجدة عدلي عن أسفها للتقدم البطيء الذي يحدث في ملف العنف. والذي يتم العمل عليه منذ الثمانينيات دون تقدم كبير. فيما عدا سَنّ بعض القوانين الخاصة بالعنف. والتي في رأيها “لا تكفي للقضاء على تلك الظاهرة في غياب الوعي”. خاصة أن القائمين على تنفيذ القانون كثيرا ما يكونون عقبة في طريق أي امرأة تحاول الحصول على حقها بعد تعرضها للانتهاك.
وطالبت “عدلي” بضرورة تعدد أشكال مساندة للنساء بجانب القوانين. وذلك مثل آليات الحماية التي يأتي على رأسها توفير البيوت الآمنة. وجميعها أمور تتوافر في حال توافر الإرادة السياسية.
وفي القوانين ينبه مايكل رؤوف إلى الخطوات التي قطعتها الدولة في مسألة المواد الخاصة بالعنف. إذ بدأ الأمر من المجلس العسكري عبر قانون رقم 11 لسنة 2011. كذلك خلال عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور. كما ذكرت القوانين لأول مرة لفظة التحرش وتم تغليظ العقوبات على تلك الأنواع من الجرائم.
ولجأت الدولة للتدخل السريع بعد ازدياد وتيرة العنف مما يسيء لسمعة مصر خارجيا ويوثق لارتفاع العنف في تلك المرحلة بشكل غير مسبوق.
وعن القوانين أيضا أكدت الباحثة النسوية إلهام عيداروس حدوث تقدم على مستوى القوانين المكافحة للعنف نتيجة المسار التاريخي الذي دفع إلى ذلك. كذلك فرض النظام العام بعد تكرار حالات العنف الجنسي التي رأت الدولة أنها تسيء لها. خاصة أن الجماعات النسائية لم تكفّ عن الضغط حتى اللحظة.
ولكن تلك المواد كما ترى “إلهام” لم تسهم في إحداث تغيير حقيقي ومستدام وشامل. وذلك لتركيزه فقط على تغليظ العقوبات.
وترد “عيداروس” ذلك إلى النهج الاقتصادي المتقشف وكذلك المحافظ. حيث إن محاولات التغيير الحقيقية تنبع من نشر الوعي وبناء الملاجئ وتدريب الموظفين. كذلك تمكين النساء وشغلهن لوظائف في بعض القطاعات بالجهاز الشرطي وما يتطلب ذلك من موارد مالية. فضلا عن نظرة البعض لمسألة العقوبة كرادع وحيد لأي جريمة كما لو أن التغيير يتم من خلال منظور أبوي.
الجماعات “الرجعية” وانتهاك جسد النساء
تتفق “عيداروس” مع الآراء السابقة القائلة بأن الثورة سبب في رفع الغطاء الأمني عن المجتمع والنزوع إلى العنف. ليس الجنسي فقط ولكن القبلي والطائفي حتى في ظل غياب الجهاز الأمني.
ولكنها أيضا تلفت إلى أن ثورات الربيع العربي كانت فرصة لتطبيق الجماعات الرجعية لأجندتها وممارسة أشكال التحريض على النساء “المتحررات”. ليس في مصر فقط وإنما في كافة بلدان الربيع.
تتذكر “إلهام” خطاب رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل في أعقاب ثورة ليبيا. إذ بدأ خطابه حول التغيير المزمع بعودة تعدد الزوجات. وسخرت إلهام: “كأن الثورة قامت من أجل التعدد”.
وفي ليبيا يذكر أحد المصادر -فضّل عدم نشر اسمه- كيف أن القبائل المتحاربة استخدمت الجرائم الجنسية ضد النساء كنوع من إذلال الطرف الآخر. وكان الانتهاك الجنسي الوسيلة الأهم خلال الحرب الأهلية الداخلية عبر انتهاك جسد المرأة ثم تشويهه. للدرجة التي لجأ فيها المحاربون حينها إلى استخدام كميات ضخمة من الفياجرا.
وفي العراق وسوريا ارتكبت الجماعات الإرهابية جرائم ضد النساء غير مسبوقة. وكذلك فعلت القوات الحكومية.
أما في مصر فرغم استغلال الجماعات الإرهابية للثورات. فإن الأمر تزامن مع اعتبار جماعات الضغط النسوي قضية العنف من الأولويات خلال آخر 15 عاما. كما أن الأشكال التنظيمية المختلفة للمجموعات النسوية ساعدت على استمرارها حتى في أشد لحظات القمع بحسب “عيداروس”.