تعاني مصر فجوة غذائية كبيرة في عديد من المحاصيل الزراعية الهامة، مثل القمح والذرة والأرز. بينما تستورد نسبة كبيرة من الغذاء من الخارج. ويسهم قطاع الزراعة بنسبة 11% تقريبًا من الناتج المحلي الإجمالي. وبذلك يكون من الصعب على البلاد تحقيق مفهوم الأمن الغذائي، الذي بات واقعًا عالميًا تفرضه ظروف السنوات الأخيرة المناخية، وتعززه أزمة جائحة كورونا التي لا يزال العالم يجابهها. وهو أمر أدركته الدولة في الفترة الأخيرة وأولته اهتمامًا بعدد من الخطط والمشاريع. من بينها مشروع “العيادة الزراعية الذكية، الذي بدأ العمل عليه نهاية العام الماضي.
العيادة الزراعية.. كيف بدأت الفكرة
بدأ المشروع في شهر ديسمبر عام 2020، ويستمر لمدة عامين، كما يقول مصطفى العطار، رئيس الفريق البحثي للمشروع والباحث في مجال الذكاء الاصطناعي بجامعة النيل الأهلية بمصر.
ووفق العطار، فإن جامعة النيل تتعاون مع مركز البحوث الزراعية بمصر في إطلاق نسخة تجريبة من المنصة. وذلك استجابةً لنداء أطلقته أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، بتقديم مقترحات تدعم الزراعة الذكية في مصر. وقد تقدمت الجامعة بمقترح رأت فيه لجنة التقييم أن جانبه التقني قوي للغاية، أما الجانب الزراعي فأقل بكثير. وفي المقابل تقدم المركز بمقترح ضعيف تقنيًّا وقوي من الناحية الزراعية. وفي ضوء ذلك، تحالف الجانبان لإطلاق مشروع “العيادة الزراعية الذكية”، بتمويل 13 مليون جنيه مصري.
تعتمد الفكرة الأساسية للمشروع على إطلاق منصة إلكترونية، في إطار مشروع لمساعدة صغار المزارعين المصريين، في تشخيص أمراض محاصيل القمح والأرز والشعير والذرة، واقتراح العلاج المناسب لها.
وتعمل المنصة من خلال بصمة صوتية لكل فلاح، يدخلها بجملة قصيرة في المرة الأولى، وهي كلمة مروره. على أن تظهر له صورًا بالمحاصيل الزراعية مرفقة بمقاطع الفيديو الشارحة للأمراض التي تصيب المحاصيل وبتعليق صوتي بالعربية. وقد أوضح القائمون على هذا المشروع أن المنصة المزمع إنجازها تحتوي على تطبيق بسيط باللغة العربية، بينما تعمدوا أن يكون التفاعل باستخدام الصوت لتمكين من لا يجيدون القراءة والكتابة من التعامل مع المنصة. ويمتد ذلك إلى إتاحة تسجيل المستخدمين مقاطع صوتية موضحة للمشاكل الزراعية التي يواجهونها.
وتساهم “العيادة الزراعية” في تمكين الفلاح من إدراك الأزمة في بدايتها، وبالتالي العمل على علاجها من خلال الإرشادات المقدمة عبر التطبيق، والمتابعة في مراحل لاحقة.
ما تم إنجازه من المشروع؟
من المقرر أن تنطلق المنصة الإلكترونية التجريبية للمشروع في فبراير المقبل. بينما أول المحاصيل التي ستُدرج بها القمح، ويليه الأرز في الصيف المقبل، ثم الشعير والذرة.
وقد أدخل الفريق التابع لمركز البحوث الزراعية 400 ألف صورة مصحوبة بتعليق صوتي يصف الصور على برنامج الذكاء الاصطناعي الخاص بالتطبيق، الذي صممه فريق جامعة النيل.
وتغطي الصور والتعليقات عَشر مشكلات خاصة بالقمح، بعضها يغطي الأمراض التي تصيبه، بينما بعضها الآخر يتعلق بمشكلات تحدث في أثناء التسميد، وحشرات تصيب الأوراق، وذلك لتغذية برنامج التطبيق. وجرى اختبار قدرة التطبيق في التعرُّف على الأمراض، فكانت دقته 97%، وهو معدل غير مسبوق، كما يؤكد رئيس الفريق البحثي للمشروع.
الفلاح والتكنولوجيا التي تقدمها “العيادة الزراعية”
يشكك البعض في نجاح استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الزراعة بمصر. وتبني هذه النظرية حكمها على حقيقة قدرة الفلاح البسيط على التعامل مع تلك الأدوات. خاصة أن الغالبية العظمى من الفلاحين لا تجيد القراءة والكتابة. وهو الأمر الذي يجعل تصور الفشل أقرب إلى المنطق من القدرة على الاستفادة من الأدوات التقنية الحديثة.
إلا أن هذه النظرة في تقييم الفلاح المصري حاليًا يختلف معها نقيب الفلاحين، حسين أبو صدام. يقول إن المنصة الجديدة أشبه ما تكون بالإرشاد الزراعي، ولكن في ثوب جديد. فالمرشد المترجل اختفى تمامًا، وبالكاد تقوم بدوره على استحياء بعض البرامج أو الصحف. بينما المنصة الجديدة ستُعيد إحياء الفكرة.
يضيف أبو صدام أن الزراعة الذكية والرقمية هي التطور الطبيعي للأمور، وأن الفلاح مطالب حاليًا بضرورة التأقلم مع التكنولوجيا لتحقيق أكبر إنتاجية ينشدها. بينما يشير إلى أن معظم الفلاحين اليوم من خريجي الجامعات، وأن الفكرة القديمة المترسخة في عقول الكثيرين عن جهل الفلاح غير حقيقية. إذ لا يوجد فلاح لا يحمل هاتف نقال، ولا يخلو منزل من وجود أبناء في الجامعات والمدارس وأجهزة الكمبيوتر.
وقد باتت ثقافة وسائل التواصل الاجتماعي واستخدام المنصات الإلكترونية ومنها الخدمية الحكومية سائدة في مصر بين مختلف طبقاتها الثقافية في السنوات الأخيرة، ومن بين هذه الطبقات الفلاح الذي يصل إليه حاليًا كل ما ينشر بشأن تسعير المحاصيل. وبالتالي فإن قدرته على استيعاب فكرة التطبيق الجديد، الذي يعتمد بالأساس على التفاعل الصوتي قد تكون لها اعتبارها، حسب ما يرى أبوصدام، وإن كان البعض يميل إلى افتراض أن أكثر المستفيدين من التطبيق الجديد هم فئة شباب المزارعين، لأنهم الأكثر قدرة على التفاعل مع التكنولوجيا.