كان على عمال “طنطا للكتان” الانتظار لأكثر من أربعة أشهر. وذلك منذ إعلان إتمام عملية التسوية مع ورثة المستثمر السعودي عبد الإله كحكي. ونقل أسهم الشركة إلى “القابضة للصناعات الكمياوية”. من أجل انعقاد أول جمعية عمومية للشركة منذ الحكم التاريخي بعودتها للدولة قبل عشر سنوات.

وعلّق العمال أمالهم على الجمعية العمومية التي انعقدت قبل أيام لتعديل مسار الشركة المضطرب منذ 10 سنوات. استغرقتها المفاوضات بين الحكومة وورثة المشتري عبد الإله كحكي. وذلك لإتمام عملية التسوية تطبيقا لحكم القضاء الإداري بعودة الشركة للدولة وفسخ عقد البيع. لكن الجمعية العمومية التي طال انتظارها لم تحقق شيئًا من هذه الآمال.

“عمومية طنطا للكتان”.. جدول أعمال يثير الشكوك

في الحادي والعشرين من ديسمبر الحالي انعقدت الجمعية العمومية لشركة طنطا للكتان. وذلك بحضور ممثلي مجلس إداراة الشركة القابضة للصناعات الكمياوية وعضو من الاتحاد العام لنقابات مصر. كممثل عن العمال. ومجلس الإدارة المفوض بإدارة الشركة برئاسة المهندس إبراهيم الزيات.

تضمنت بنود جدول أعمال الجلسة: الموافقة على عودة طنطا للكتان “رسميًا”  للقابضة للصناعات الكيماوية. وهي إحدى شركات قطاع الأعمال. وانتقالها من الخضوع لقانون الشركات رقم 159 لسنة 1981 إلى مظلة قانون قطاع الأعمال رقم 203 لسنة 1991.

وتضمن جدول الأعمال تكليف القابضة للصناعات الكمياوية بتشكيل مجلس إدارة جديد لشركة طنطا للكتان بديلًا للجنة المفوضة. لكن بندًا غامضًا تضمنه جدول أعمال الجمعية العمومية أثار توجس عمال الشركة والقيادات العمالية السابقة لـ”طنطا للكتان”. وهو نقل تبعية “طنطا للكتان” من “القابضة للصناعات الكمياوية” إلى “القابضة للصناعات النسيجية”. وهو القرار الذي أرجأت الجمعية العمومية البت فيه لحين دراسته دراسة وافية -بحسب مصدر بالشركة تحدث لـ”مصر 360″.

لم تتطرق جلسة الجمعية العمومية لأي مناقشات تتعلق بخطط تطوير الشركة. أو ما تم خلال السنوات العشر الماضية ووضعيتها الإنتاجية كما يؤكد المصدر.

توافق النشاط مع “الصناعات الكمياوية”

القيادي العمالي جمال عثمان -أحد عمال “طنطا للكتان”- الذين تصدوا لقرار الخصخصة ليخوضوا بعد تسريحهم معركة قانونية انتهت بعودة الشركة. يقول لـ”مصر 360″ إنه ليس هناك مبرر لنقل تبعية الشركة إلى “القابضة للصناعات النسيجية”. وذلك لأن إنتاج الشركة يتوافق بشكل أكبر مع القابضة للصناعات الكمياوية. وأضاف: “المنتجات النسيجية لم تكن تتعدى 30% من إنتاج الشركة عندما كانت تعمل بكامل طاقتها”.

يستكمل “عثمان”: “متابعة القابضة الكيماوية لسنوات طويلة لشركة طنطا للكتان يجعلها الأجدر بإدارتها. ووضع خطط التطوير اللازمة لإعادتها لطبيعتها الإنتاجية قبل الخصخصة. هذا إن كان هناك نية للتطوير”.

وعود “القابضة الكيمياوية” تطير في الهواء

القرار الذي أرجأته الجمعية العمومية للدراسة بنقل تبعية الشركة لـ”طنطا للكتان” يجعل وعود القابضة للصناعات الكيمياوية بتطوير الشركة “تصريحات للاستهلاك”. هكذا يرى أحد عمال الشركة الذي تحدث لـ”مصر 360″ مفضلًا عدم نشر اسمه.

يضيف العامل: “خلال السنوات الماضية تلقينا وعودًا كثيرة من الشركة القابضة للصناعات الكمياوية بوضع خطط تطوير وضخ المبالغ اللازمة للتطوير. وذلك بمجرد إتمام التسوية مع ورثة المشتري. لكننا نجد مسؤولي القابضة للصناعات الكيماوية يتنصلون الآن من وعودهم بنقل تبعية طنطا للكتان للقابضة للصناعات النسيجية”.

يعتقد العامل أن أحد أسباب القرار المزمع اتخاذه هو رغبة “القابضة الكمياوية” التخلص من رصيد “طنطا للكتان” الاحتجاجي المزعج لها. على حد وصفه. “فللشركة سمعة سيئة لدى مسؤولي القابضة الكيماوية. حتى العمال الجدد الذين عيّنهم المشتري بعقود مؤقتة نظموا خلال السنوات الأخيرة احتجاجات للمطالبة بتثبيتهم. وهي الاحتجاجات التي نجحت في انتزاعهم لعقود مفتوحة غير محددة المدة. وذلك بدلًا من العقود المؤقتة”.. الحديث لا يزال للعامل.

نوايا التصفية.. العيون على أرض الشركة

جمال عثمان يرى أن الهدف الأكثر منطقية من نقل “طنطا للكتان” إلى الشركة القابضة للصناعات النسيجية هو تذويب الشركة بين شركات الغزل والنسيج. والتي يجرى ضمها حاليًا في كيانات مجمعة ضمن سياسة تقليص شركات قطاع الغزل والنسيج بحجة الحد من الخسائر.

يستكمل “عثمان”: “حينها سيكون سهلا نقل العمال الـ400 إلى أي من شركات الغزل القريبة وبيع أرض الشركة ومساحتها 73 فدانًا دون مقاومة”.

يؤكد مصدر إداري بالشركة هذه الرؤية فيقول: “لا تستطيع الحكومة الضغط في اتجاه تصفية الشركة بشكل مباشر. سوف يتم مواجهة هذا الأمر بشكل كبير. سواء من العمال أو الرأي العام. فالشركة لم تعد رسميًا إلى الحكومة إلا منذ أشهر قليلة. سيكون من الصعب مواجهة الغضب من جراء قرار التصفية”.

نقل تبعية الشركة للقابضة للصناعات النسيجية سيوحي بأنه لا حاجة إلى تشغيل المصانع الثمانية المتوقفة عن العمل. وذلك لأن نشاطها لا يتوافق مع قطاع النسيج. ما سيجعل فكرة نقل نشاط المصنعين اللذين لا يزالان يعملان وبالطبع عمال الشركة الـ400 إلى إحدى شركات الغزل والنسيج القريبة أمرًا منطقيًا.

“سيكون هذا تمهيدًا مناسبًا من أجل بيع أرض الشركة التي صارت تحت أعين الكثيرين. بالطبع بعد تغيير نشاطها من صناعي إلى سكني مثلما حدث مع أرض حلوان للحديد والصلب” -بحسب المصدر الإداري.

عشر سنوات من التدهور.. تدوير المفوضين

تعاقب على إدارة الشركة منذ صدور الحكم التاريخي للقضاء الإداري في عام 2011 بعودة ملكية الشركة للدولة وفسخ عقد البيع مع رجل الأعمال السعودي عبد الإله كحكي ثم تأييده من “الإدارية العليا” في 2013 أربع لجان مفوضة.

في 2014 تم تعيين المهندس إبراهيم الزيات -المفوض الحالي- رئيسًا مفوضًا للشركة. لكنه لم يستمر سوى فترة قصيرة. ليحل محله في العام نفسه العميد أمجد علي الذي قام بتشغيل مصنعي الخشب الحُبيبي والكتان الشعر.

بعد نحو عامين أقيل العميد “أمجد” على خلفية صدامات وقعت بينه وبين العمال. ليعين راجح النجار مفوضًا للشركة عام 2016. لكنه لم يستطع خلال 4 سنوات تولى خلالها المسؤولية تحقيق أي طفرة في إنتاجية الشركة.

وفي مطلع 2020 عُين المهندس إبراهيم الزيات مفوضًا للشركة. وذلك عقب احتجاجات عمالية شهدتها الشركة اعتراضًا على قرار فصل راجح النجار 8 عمال.

الغريب أنه تم اختيار راجح النجار المفوض السابق مساعدًا له رغم فشله في إدارة الشركة لمدة أربع سنوات متتالية.

لم يختلف الوضع في عهد إبراهيم الزيات عن سابقيه. فظل إنتاج الشركة مقتصرًا على مصنعين فقط. أحدهما لإنتاج الخشب الحُبيبي السادة. والآخر لإنتاج الكتان الشعر. واستمرت الشركة في تحقيق خسائر 10 ملايين جنيه سنويًا.

يؤكد أحد العمال أنه خلال السنوات العشر لم تجر عملية صيانة واحدة لخط إنتاج بشكل كامل. كما أهملت طاقات الشركة الإنتاجية وخلت السنوات العشر من أي خطط لتطوير الإنتاج ولو بشكل محدود.

ويجزم العامل أن المفوض الحالي المهندس إبراهيم الزيات لا يعلم شيئًا عن الشركة. ولم يتحدث مرة واحدة إلى العمال. فهو يدخل مكتبه في التاسعة صباحًا ولا يغادره إلا في الثانية ظهرًا عند مغادرته مقر الشركة. مضيفًا: “خلال عامين لم يزر الزيات المصانع سوى من شهرين بعد انتهاء التسوية والحديث عن قرب عقد عمومية للشركة”.

مخالفات.. ملف الموردين

أحد القرارات التي اتخذتها الجمعية العمومية للشركة الثلاثاء الماضي هو دعوة لجنة من الجهاز المركزي للمحاسبات لزيارة الشركة. وذلك لبحث الأمور المالية خلال الفترة الماضية –بحسب إداري بالشركة. وهو ما قد يحدث في الأيام القليلة المقبلة.

يتوقع الإداري الذي تحدث إلينا رافضًا نشر اسمه بأن تضع اللجنة يدها على مخالفات كثيرة إذا تم تسهيل عملها.

أحد الملفات التي يشوبها الفساد -بحسب الإداري- هو ملف الموردين. يقول: “يحتكر شخص واحد توريد خام الكتان للشركة. حيث يتعاقد معه مفوض الشركة بالسعر الذي يحدده دون الحصول على عرض أسعار. يقوم المورد بالتعاقد مع الفلاحين على زراعة الكتان بأسعار لا تعلم عنها الشركة شيئًا”.

يضيف أن المورّد نفسه هو من يقوم بتوريد الخامات اللازمة لصناعة الخشب الحُبيبي. يستكمل: “الأدهى أن المورّد هو من يشتري المنتج النهائي ويصدره لحساب شركته. كما أن جزءًا من الإنتاج لحساب الغير الذي تقوم به مصانع الشركة هو في الأساس ملك لمصانع المورد نفسه”.

ويشير المصدر إلى أن هناك موظفة تم نقلها 6 مرات لـ6 إدارات مختلفة بسبب كشفها لفساد مالي.

وبحسب القيادي العمالي جمال عثمان فإن “طنطا للكتان” كانت تشرف في الماضي على زراعة الكتان بعد تعاقدها مع الفلاحين. وتقوم بفحص  المنتج لضمان الحصول على جودة عالية من خام الكتان. ما يحسن بالطبع من جودة المنتجات الصناعية المستخلصة من الكتان. وهو ما كان يضمن حصول الشركة أيضًا على أسعار مناسبة وعادلة بالنسبة للفلاح. حيث لم يكن هناك مجال للوسطاء التجاريين أو الموردين وتلاعبهم بالطرفين.

قرارات “عمومية طنطا للكتان” محل تشكيك

كلفت الجمعية العمومية الشركة القابضة للصناعات الكيماوية بتعيين مجلس إدارة جديد لشركة “طنطا للكتان” وذلك بعد مخاطبة القوى العاملة لاختيار أحد العمال كممثل في مجلس الإدارة.

يرى أحد العمال الذين تحدثوا إلى “مصر 360” أنه سيتم التسويف في تنفيذ القرار مع استمرار عمل اللجنة المفوضة لأطول وقت.

التخوفات ذاتها عبر عنها إداري بالشركة: “الثلاثة المفوضون تترواح أعمارهم بين 68 و73 عامًا. وهم يتقاضون مبالغ كبيرة شهريًا. في المقابل لم يحدثوا أي تطوير كما لم يسهموا في زيادة الإنتاجية. ناهيك بالتدهور الكبير في وضع الشركة قياسًا بوضعها عام 2013”.

وطالب الإداري باستبعاد المفوضين فورًا وتشكيل مجلس إدارة جديد يهتم بإعادة تشغيل مصانع الشركة وتطويرها.

خطوات للإنقاذ وإثبات حسن النوايا

إعادة تشغيل المصانع المعطلة بخطة تطوير مدروسة وليس بشكل عشوائي وتعديل القانون الأساسي للشركة وتعيين فنيين ومهندسين يتمتعون بالكفاءة. وتدريب العمال الحاليين وتثبيتهم. وإعادة توزيع العمالة حسب احتياجات العمل. إضافة لضخ الأموال اللازمة للتطوير. هي شروط وضعها العمال الذين تحدثنا إليهم للعودة بالشركة لمكانتها الإنتاجية. وهي أيضًا مقدمة لحسن النوايا لاستبعاد الشكوك التي يتم إثارتها حول تصفية الشركة العريقة.

يؤكد أحد عمال الشركة لـ”مصر 360″ أن نحو 25% من عمال الشركة موزعون بين إداراتي الأمن (70 عاملًا) والماليات (40 عاملًا). رغم أن غالبيتهم من العمالة الفنية. بينما لا يوجد بالمصانع مهندس واحد. وتفتقد الشركة إلى الخبرات الفنية بعد تسريح الشركة لها خلال معركة الخصخصة والتخلص من جميع العمال المهرة. وإعادة تشكيل إداراة التعاقدات الزراعية مع الفلاحين وأقسام الجودة.

ويطالب العمال بوضع خطة لتنفيذ مشروع إنتاج الغاز ذاتيًا. وذلك لتوفير الوقود اللازم للتشغيل وتقليل النفقات. مشيرين إلى أنه من المشروعات الهامة التي لم يتم استكمالها لتوقف الإنتاج. حيث كان سيتم إنتاج غاز التشغيل ذاتيًا من خلال عملية التعطين.

تاريخ الشركة العريقة

تأسست شركة طنطا للكتان عام 1954. وذلك باندماج ثلاثة مصانع للكتان. هي مصنع فركوح للكتان لصاحبه إميل فركوح لإنتاج ألياف الكتان ومشتقاته. ومصنع إنتاج دوبارة وحبال الكتان “الجملين” والذي كان يمتلكه إدوارد ناصر. ومصنع روبير خوري لإنتاج الكتان وزيت بذرة الكتان.

وتم تأميم الشركة خلال فترة الستينيات ليتم التوسع في مصانع الشركة ومنتجاتها. والتي وصلت عند خصخصتها إلى عشرة مصانع كانت تنتج عشرات المنتجات. ومنها الكتان الشعر ودوبارة الكتان وشريط الكتان الصحي وزيت بذرة الكتان النيئ. وزيت الكتان المغلي للبوية. والخشب الحُبيبي السادة والخشب الحُبيبي المكسي بالملامين والفلاكسمين. والمنتجات الخشبية والراتنجات- الغراء والكونتر والخشب الفويل. فيما كان إنتاج الرشكة يتم تصديره إلى العديد من الدول.

ولم يعد يعمل سوى مصنعين “وردية واحدة” أحدهما لإنتاج الكتان الشعر والآخر للخشب الحُبيبي السادة. وذلكبنسبة لا تتخطى 5% من طاقة الشركة الإنتاجية -بحسب العمال.