مر العام 2021 هادئًا على الكنيسة، فلا دماء ولا تفجيرات مرعبة ولا خسائر في الأرواح إلا تلك التي خلفها الوباء. لقد كان عامًا هادئًا ولكنه وسع فجوة الاستقطاب الكنسي بين التيار الإصلاحي والتيار التقليدي. فجوة تزيد يومًا بعد يوم تغذيها أحداث ورؤى وكأنها عوامل مساعدة تؤجج الصمت وتحرك الراكد في النفوس.
وفاة جورج بباوي.. أحد أشرس خصوم البابا شنودة وتلاميذه
مر يناير 2021 هادئًا حاملًا نسمات ميلاد المسيح، الذي صار مولده موعدًا لزيارة رئاسية في كاتدرائية العاصمة الجديدة. ثم جاء فبراير في عقبه يحمل خبر وفاة جورج بباوي اللاهوتي الذي لا يشق له غبار، والعالم الذي حمل اسم كنيسته في المحافل الأكاديمية العالمية. حيث ترأس قسم اللاهوت بجامعة كامبريدج البريطانية العريقة إلا أن كل تلك الشهادات لم تحمه من نار العراك مع البابا شنودة. الذي أصدر قرارا بحرمانه كنسيا، وهو الخلاف الذي تجدد من القبر فوق جثة بباوي مع تلاميذ البابا الراحل ومريديه.
لقد جاء موت بباوي كلحظة فاصلة تؤجج نار الاستقطاب بين التيار التنويري الذي انتمى له بباوي بكتبه ولاهوته. وبين التيار التقليدي الذي رأى بباوي مهرطقا خارجا عن الإيمان الأرثوذكسي القويم.
واقعة جورج بباوي استلزمت بالضرورة إقحام البابا تواضروس فيها كخصم للتيار التقليدي. إذ انتقد هؤلاء سماح البابا لجورج بباوي بالتناول قبل وفاته على يد قس أرثوذكسي. وهو الأمر الذي يعني رفع عقوبة الحرمان الكنسي عن اللاهوتي الفقيد. حيث تمت الصلاة على جثمانه في أحد الكنائس الأرثوذكسية بالمهجر كتأكيد لإزاحة قرار الحرمان الذي تم بلا محاكمة بل بتوقيع الأساقفة بالتمرير دون نقاش أو مداولة.
عودة المجمع المقدس للاجتماع بعد توقف بسبب كورونا
بينما شهد شهر مارس عودة المجمع المقدس وهو الهيئة العليا للكنيسة للانعقاد مرة أخرى بعد توقف فرضته ظروف وباء كورونا. حيث جاء المجمع المقدس انعكاسا لتلك الظروف فأكد على ضرورة الحصول على اللقاح. وفي الوقت نفسه ألقت وفاة جورج بباوي بظلالها على المجمع. حيث أكد البابا أن الفقيد تم حرمانه دون محاكمة مجددا تحذيره من مواقع بعينها تروج الشائعات ضد الكنيسة وآبائها.
وعلى المستوى الإداري وطد البابا تواضروس من سلطته الكنسية متخذا قرار تأخر ثلاث سنوات وهو تقسيم إيبراشية المنيا وأبو قرقاص إلى ثلاثة ايبراشيات. مع منح الأنبا مكاريوس مقعد المنيا وتوابعها ضمن هذه التقسيمات الجديدة. كما رسم البابا أساقفة جدد في الإيبراشيات التي رحل أساقفتها في العام السابق ليؤكد انحياز غالبية أعضاء المجمع المقدس له ولقراراته. بعد أن تمكن البطريرك من استمالة الأغلبية لصالحه ليستطيع بموجب ذلك تمرير القرارات التي يرى فيها صالح الكنيسة.
إعدام إشعياء المقاري يجدد الجدل حول مقتل الأنبا ابيفانيوس
مر شهر أبريل حاملًا أيام الصوم الكبير وقيامة المسيح من بين الأموات، ليأتي مايو بخبر جديد يجدد الجدل في الشارع القبطي. فقد أعلنت وزارة الداخلية عن إعدام وائل سعد تواضروس الراهب السابق. الذي كان يحمل اسم إشعياء المقاري وذلك لضلوعه في مقتل الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير وادي النطرون الراحل عام 2018.
لم يمر خبر الإعدام مرور الكرام بل أعاد تدوير القضية التي شغلت المحاكم ثلاث سنوات حتى إن مراسم الدفن والوفاة فتحت الباب أمام الاستقطاب الكنسي من جديد. ففي حين نال إشعياء المقاري عقوبة الشلح أي التجريد من رتبته الكهنوتية جرت معاملته كشهداء الكنيسة. وتمت الصلاة عليه بملابس كهنوتية وكأن قرار الشلح لم يتم.. كل ذلك جرى في كنيسة تربى فيها الراهب بأبوتيج. وكأنه خرق واضح لقرارات الكنيسة التي قضت بشلحه وإعادته لاسمه العلماني. هذا الجدل بين طريقة دفنه وبين استنكارها، بين من وصفه بالقاتل وبين من رآه شهيدا تسببت في توسيع الفجوة بين الصقور والحمائم مرة أخرى. خاصة وأن الأنبا ابيفانيوس الراحل كان يمثل أحد أهم رموز التيار الإصلاحي. إلا أن مجلة الكرازة الناطقة باسم الكنيسة قد وصفته بالقاتل صراحة مطالبة الأقباط بعدم الانسياق وراء البلبلة والشائعات.
عودة أزمة دير وادي الريان
وفي الشهر نفسه عادت أزمة دير وادي الريان مرة أخرى إلى الساحة حين تحركت معدات وزارة البيئة وقوة شرطية تنفذ قرار ضم المزرعة لصالح الوزارة. بعدما عجز الدير عن سداد نفقات حق الانتفاع لوزارة البيئة وهو ما فتح ملف الدير الأزمة مرة أخرى. بعدما تم غلقه عام 2018 حين قررت الدولة تقنين مساحته وشق طريق الفيوم الدولي ليمر من منتصفه.
عدم الاعتراف بالدير كنسيا حتى اللحظة دعا الكاتدرائية لإصدار بيان تؤكد فيه ميلها نحو قرار وزارة البيئة في هذا الصدد في لهجة حادة. وصفت رهبان هذا الدير بساكني المنطقة وكأن الكنيسة تؤكد عدم الاعتراف بهم أمام الرأي العام. ثم تم الإعلان عن تشكيل لجنة لحل تلك الأزمة مع وزارة البيئة في شهر يونيو بعد أسبوع من اندلاع تلك الأحداث.
وفي يوليو أعلنت الكنائس المصرية عن الوصول إلى اتفاق مبدئي حول مسودة قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين وتسليمه لوزارة العدل. بعدما يقرب من خمسة سنوات على بدء النقاش حوله بين الطوائف المختلفة. حيث تم الاتفاق على تخصيص باب لكل طائفة تحفظ لها شرائعها المتباينة أمام الدولة. إلا أن هذا القانون وحتى كتابة هذه السطور لم يصل إلى البرلمان ليبدأ النقاش حوله في هذا الفصل التشريعي.
وفاة اللاهوتي هاني مينا ميخائيل
فيما شهد أغسطس وفاة اللاهوتي هاني مينا ميخائيل أحد لاهوتيي التيار الإصلاحي أيضا حيث فتح وفاته ملف المحرومين كنسيا في عصر البابا شنودة. إذ نال ميخائيل عقوبة الحرمان الكنسي بقرار من المجمع المقدس في جلسته يوم 25 مايو 1999م. كما تم تأكيد حِرمانه في جلسة المجمع المقدس يوم 10 يونيو 2006م. حين أشرف الأنبا بيشوي مطران كفر الشيخ الراحل ورئيس لجنة المحاكمات الكنسية على القرارين دون أن يستمع إليه أحد ودون أن تعقد له محاكمة يتم فيها تفنيد أفكاره وهو نفس السيناريو الذى حدث مع جورج بباوي أيضًا.
وفي سبتمبر، عقدت الكنيسة منتدى للشباب بإشراف البابا تواضروس وحضوره شخصيًا نال إعجاب قطاع كبير منهم. خاصة وأن البطريرك قد أصر على حضور الجلسات بنفسه مستمعا إلى ملاحظات الشباب الأقباط في سابقة لم تعرفها الكنيسة طوال الأربعين سنة الماضية.
أما شهر أكتوبر فقد خطفت فيه الكنيسة الأسقفية الأنجليكانية الأضواء حين دشنت إقليما جديدا لها في مصر يحمل رقم 41 بين أقاليم الكنيسة. حول العالم وذلك بحضور جاستن ويلبي رئيس أساقفة كانتربري والرئيس الروحي لتلك الطائفة في العالم كله. إذ جاء إلى القاهرة وقضى خمسة أيام زار فيهم شيخ الأزهر والبابا تواضروس ودير الأنبا مقار. وهي الزيارات التي جددت الجدل بين التيار التقليدي والكاتدرائية إذ انتقد هؤلاء استضافة الكنيسة لطوائف مختلفة معها في الإيمان مثل الكنيسة الأنجليكانية.
سيمنار المجمع المقدس
وفي نوفمبر انعقد سيمنار المجمع المقدس للكنيسة بعد أن غيب الوباء وجوها كثيرة من الأساقفة. إلا أن تلك الدورة قد تم تخصيصها للحلقات النقاشية حول دور الأسقف دون أن تصدر عنها أية قرارات كتلك التي تصدر في مايو من كل عام.
فيما كانت قضية المرأة في الكنيسة الأكثر إثارة للجدل في شهر ديسمبر حين اعتذرت راهبة عن القراءة في السينكسار القبطي (سير القديسين). مما فتح مناظرات كبيرة بين من يطالبون بإعادة النظر في وضع المرأة في الكنيسة ومن يتمسكون بوضعها القديم.