أظهر عدد من السيدات تضامنهن مع المهتمتين بقضايا المرأة رشا عزب وعايدة الكاشف. وذلك على خلفية ملاحقة قضائية ضدهما بسبب تضامنهما مع شهادات فتيات اتهمن مخرجًا بالتحرش والاغتصاب.

المفارقة في تفاصيل القضية أن المخرج إسلام العزازي لاحق قضائيًا الناشطتين رشا عزب وعايدة الكاشف، بتهمة التشهير والسب والقذف. بينما تجاوز الشهادات التي أدلت بها الفتيات ضده، وهو ما اعتبره مدافعون عن حقوق المرأة محاولة للترهيب. وذلك كون المتهم لم يختصم الشاكيات وحاول الانتقام من المتضامنات معهن.

ومع تطور القضية، أدلت سيدات شهادتهن في القضية دعمًا للناشطتين. وهو ما حدث أمس الثلاثاء، عندما استمعت نيابة البساتين للأقوال مجموعة أدلين بشهادتهن في القضية رقم 589 إداري البساتين. وهي القضية المتهم فيها رشا عزب وعايدة الكاشف، إثر بلاغ مقدم من المخرج إسلام العزازي في يناير الماضي. والذي يتهم الناشطتين بسبه وقذفه في ضوء انتشار 6 شهادات عنف جنسي ضده من نساء أخريات. بينما تستكمل النيابة الاستماع إلى أقوال متضامنات أخريات لاحقاً.

أول ملاحقة من نوعها

‌ويعد بلاغ عزازي الأول من نوعه في ملاحقة المتضامنات مع ضحايا العنف الجنسي. وهي محاولة اعتبرها حقوقيون “محاولة لإسكات الناجيات والمتضامنات معهن”.

وكان العزازي تقدم ببلاغ إلى مباحث الإنترنت في 13 يناير الماضي، يتهم فيه رشا عزب وعايدة الكاشف بالسب والقذف والتشهير. وذلك بعد أن اتهمت سيدتان “لم يتم تسميتهما” في ديسمبر 2020، المخرج بالتحرش والاغتصاب، وجرى نشر شهادتهما على مدونة “دفتر حكايات”. والتي تقدم شهادات ضحايا العنف الجنسي في مصر مع حفظ هوية مقدم الشهادة.

وقتها اتهمت السيدتان شخصًا عرفته المدونة فقط بالأحرف الأولى لاسمه (إ.ع)، وقالت إنه “سينمائي مصري”. ثم لاحقًا جرى الكشف عن تفاصيل أكثر مع تتابع الشهادات ضد إسلام العزازي. وتزامنت تلك الأحداث مع عرض فيلمه الروائي الأول “عنها” في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ 42، ما أثار حالة من الجدل ضد المخرج.

تطور الأمر بعدما راجت القضية بشدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وهو ما شجّع فتيات أخريات لكشف تعرضهن لمحاولة تحرش من نفس المخرج منذ عشرات السنوات.

تعليق رشا وعايدة

وردت رشا عزب وعايدة الكاشف، على دعوى المخرج بأنهما يفتخرن كونهما “جزء من المتضامنات مع أصحاب الشهادات. التي شقَّت طريقها كبركان طبيعي في مواجهة رجل يغوص بجرائمه في عوالم السينما المستقلة منذ سنوات. مستغلا موقعه كمخرج ومدرب يلتف حوله صناع السينما المبتدئين”.

الناشطتان استنكرتا “استخدام القانون لمعاقبة المتضامنات”، معتبرتين أن “إسلام لم يستطع عقاب الناجيات المعروفات بالاسم فقرر اختصام المدافعات عن قضيتهن”. وذلك حسبما ورد في بيان مشترك لهما.

بيان من رشا عزب وعايدة الكاشف حول تفاصيل الدعوى المقدمة ضدهما من المخرج المنشور بحقه شهادات الاغتصاب والتحرش
بيان من رشا عزب وعايدة الكاشف حول تفاصيل الدعوى المقدمة ضدهما من المخرج المنشور بحقه شهادات الاغتصاب والتحرش

وتابع البيان: “بعد حفظ البلاغ لعدم جدية الاتهامات. تقدم محامي الشاكي بتظلم لفتح البلاغ من جديد في 16 فبراير/شباط راجيًا النيابة لأن تفتح التحقيق معنا. معللاً ذلك بأنه تعرض لأضرار مادية بسبب إلغاء مؤتمر الفيلم بمهرجان القاهرة تحت ضغط الدعاوي التي أطلقناها نحن. ذلك رغم معرفة الجميع بأن المهرجان ألغى المؤتمر الصحفي لإنقاذ صناع الفيلم من أسئلة الحضور عن الاتهامات التي تلاحق المخرج”.

وفتحت النيابة البلاغ من جديد، ووجهت اتهامات للناشطتين. بينما أشارتا في بيانهما إلى أنه في حال إحالة هذه الاتهامات إلى المحكمة، فإنّهما يواجهن غرامة مالية تصل إلى 300 ألف جنيه، بالإضافة إلى عقوبة السجن لمدة عامين.

تقول رشا عزب إن كل من تضامن وحضر اليوم من السيدات لا يرى أن القضية تتعلق برشا عزب وعايدة الكاشف فقط، بل تتعلق بالحملة التي شارك بها الآلاف الذين شاركوا بمشاركة جرائم إسلام عزازي وغيرهم من المتضامنات، يرون أن عليهن الإدلاء بشهادتهن في القضية التي يعلمن بها أو عايشنها.

وتضيف، هي ليست قضية وقذف عادية، وإنما مواجهة الناجيات والضحايا وإسكاتهن، ولذلك كان شعارنا اليوم ومنذ الكشف عن هذه القضية “مش هاتسكتنا”. مشيرة إلى أن الهدف من بلاغ عزازي هو ليس الوصول للحكم سب وقذف، ولكن الحصول على حكم قضائي بأنه برئ، لينفي كل ما قيل من الضحايا الست في شهادتهن.

وأضافت أن تلك ليست المجموعة الوحيدة التي تذهب للنيابة. ولكن هناك مجموعات نسائية عديدة من المقرر أن تحضر، وعليه سنكمل معركتنا. نحن نرى أن تلك اللحظة هامة، ولن نكتفي بالنشر على الإنترنت، ولكن من يستطيع الحضور للنيابة سيفعل ذلك على الفور.

تضامن واسع

عند تلك المرحلة، أظهرت مجموعة من السيدات دعمهن للناشطتين، وبدأن في الإدلاء بشهادتهن أمام نيابة البساتين. ومن بينهن الناشطة النسوية إلهام عيداروس وكيلة حزب العيش والحرية، التي قالت إنها ذهبت للإدلاء بأقوالها. وذلك بداية من قراءتها شهادات الناجيات من التحرش الجنسي وحتى مشاركة تلك الشهادات، تعبيرًا عن استيائها وتضامنها مع عزب والكاشف.

وأشارت عيداروس إلى أن البلاغ ضد رشا عزب وعايدة الكاشف جاء منتقيًا من بين عدد ضخم من المتضامنات. كما لفتت إلى أنه “من غير المنطقي اتهامهما بالسب والقذف”. وذلك باعتبار أن ما يحدث حاليًا هو نوع من الترهيب ضد الناجيات من العنف الجنسي والمتضامنات معهن أيضًا. ومحاولة لإيقاف موجة نسوية فرضت مفاهيم جديدة لآليات العنف ضد المرأة على المجتمع. متابعة: “بدلاً من تطوير آليات الإنصاف الرسمية الجنائية والآليات المؤسسية يتم العودة للخلف باتهام المتضامنات”.

وكانت مجموعة من طلاب معهد السينما قد دشنوا مبادرة تطالب بوضع آليات لتحقيق العدالة والإنصاف بالمعهد. جاءت تحت اسم Women of Cinema Institute. لذلك طالبت إلهام بتطوير آليات للإبلاغ عن العنف والتحرش الجنسي بدون حماية وتعجيز أصحاب الشكاوي بالترهيب وتصدير بلاغات سب وقذف والتشهير ضد المتضامنات.

عقوبة التحرش

قضايا التحرش في مصر بدأت تأخذ منحنى جديدًا في الآونة الأخيرة، وبدأت فتيات في نشر شهادات عن حوادث. لذلك جرى تشديد عقوبة التحرش في عام 2014 والتي باتت تتراوح بين الغرامة 3 آلاف جنيه كحد أدنى. والحبس 5 سنوات مع غرامة 20 ألف جنيه كحد أقصى إذا ما كان المتحرش له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليها.

وتنص المادة 306 مكرر (أ) على أن يُعاقب المتهم بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه، ولا تزيد عن خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية.

وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه وبإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجنى عليه، وفي حالة العودة تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى.

ونصت المادة 268 من قانون العقوبات على أن كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع في ذلك يُعاقب بالأشغال الشاقة من ثلاث سنين إلى سبع، وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ست عشرة سنة كاملة، أو كان مرتكبها ممن نص عنهم في الفقرة الثانية من المادة 267، يجوز إبلاغ مدة العقوبة إلى أقصى الحد المقررة للأشغال الشاقة المؤقتة. وإذا اجتمع هذان الشرطان معًا يحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة.