تحركت الأزمة في اليمن صعودًا وهبوطًا، تفاعلاً مع المتغيرات الدولية والإقليمية على مدار العام 2021، اقتربت من التسوية السياسية قليلاً، ثم ابتعدت إلى أقصى نقطة على يسار الحوار السياسي بنهاية العام مستندة إلى مقاربة الحل العسكري. وبالمثل شهدت الساحة السياسية بين المكونات المحلية حالات من الشد والجذب حتى وصلت مرحلة جديدة من التفاهمات خاصة في الجنوب، يراها مراقبون مؤشرًا على توجه توحيد جهود الطرف المناهض لجماعة أنصار الله (الحوثيون).

في مطلع العام استفاقت الأزمة على موقف أمريكي، حين ترك الرئيس دونالد ترامب ورقة تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية قبل أن يغادر منصبه، ما دفع الجماعة للنظر إلى  التسوية السياسية بعين شبه جادة، لكن مجيئ جو بايدن وإلغاء تصنيفها، شجع الحركة المدعومة من إيران لاعتماد الحل العسكري، عكستها ميدانيا من خلال تكثيف تحركاتها مستفيدة من تغيرات، استندت لاتفاق استوكهولم بإعادة الانتشار في الحديدة.

وفيما شهد العام مبادرتين، الأولى سعودية والثانية حوثية، فإنَّ كلتاهما أُحيلا للأدراج، مع استئناف واحدة من أعنف المواجهات المسلحة، بهجمات للتحالف الذي تقود السعودية، خاصة على مواقع للحوثيين في صنعاء، ردا على سيطرة الجماعة على مواقع استراتيجية في الجوف وقربها من حدود المملكة.

لتشريح الموقف السياسي والعسكري للحالة اليمنية خلال العام 2021 واستشراف سيناريوهات العام 2022 تحدث مراقبون ومحللون لـ”مصر 360″ عن رؤيتهم للأزمة، ومستقبل حلها:

بداية عام سياسي في اليمن

بدأ العام 2021 بضغوط أمريكية وغربية كبيرة على الحكومة اليمنية، وهو ما أدى لانتزاع تنازلات ضخمة لم يحلم بها الحوثيون، من أجل أن يقبلوا بالمفاوضات، وما حدث هو أن تمتع الحوثي بالامتيازات وفي المقابل رفضوا الانصياع للحل السياسي والدبلوماسي.

كانت البداية في يناير الماضي بتصنيف جماعة أنصار الله الحوثي، كجماعة إرهابية، ووقتها كادوا أن يقبلوا بتسوية سياسية، لولا مجيء إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن التي ألغت تصنيفهم، وأعطتهم ضوءًا أخضر للسيطرة على مناطق عديدة، وهو ما حدث بالفعل، وحققوا مكاسب وانتصارات ميدانية كبيرة.

وفي مارس طرحت المملكة العربية السعودية مبادرة للحل السياسي، ووقف شامل لإطلاق النار، لكن الحوثيين رفضوها، وماطلوا لكسب الوقت، وبعدها حققوا انتصارات كبيرة، بالتوازي مع الضغط الدولي على الحكومة، وهو ما جعل الأخيرة تقف في موضع المدافع عن النفس.

ثم لاحقًا، طرح الحوثيون “مبادرة مآرب”، وهي تعني استسلام الحكومة اليمنية، التي رفضتها هي الأخرى، وبعدها سيطرت الجماعة على محافظة البيضاء الاستراتيجية، بالإضافة إلى الأجزاء الجنوبية في “الحديدة”، بناءً على اتفاق ستوكهولم، الذي جرى تنفيذه من طرف واحد.

توجه دولي مغاير ومسرح عمليات في 3 محافظات

مع نهاية العام 2021، شهد الملف اليمني تغيُّرًا في اللهجة الدولية إزاء الأزمة، خاصة ضد الحوثيين، التي يبدو أنها ضوء أخضر جديد، لكن هذه المرة للحسم العسكري لصالح الحكومة اليمنية، على وقع تطورات في صنعاء ومأرب وغيرها، وحديث التحالف العربي عن تورط إيرانيين وأعضاء بحزب الله اللبناني في الحرب الدائرة باليمن، بالإضافة إلى الإشارة لمساعدة الأمم المتحدة جماعة الحوثي في “الحديدة”.

لذلك، الأجواء تتهيأ حاليًا للحسم، وفق مسرح عمليات في ثلاث محافظات هي شبوة وتعز والحديدة، على وقع تحشيدات عسكرية من الحكومة والتحالف العربي، بالتوازي مع موقف دولي يبدو منفتحًا على هكذا خيار.

إجمالاً، أثبب العام 2021 أن الخلاف مع إيران ذات أبعاد مختلفة في المنطقة العربية، كما أن الخلافات داخل الطرف المناهض لجماعة الحوثي داخليًا وخارجيًا أثّر بشكل كبير في تحقيق الجماعة انتصارات ميدانية عديدة، بيد أن هناك حاليًا توجهًا أمريكيًا لإصلاح الحكومة اليمنية وتوحيد الأطراف المناوئة لجماعة الحوثي، وهي الخطوات التي بدأت بالضغط على الرئيس عبدربه منصور هادي لتغيير محافظ المصرف المركزي، وبعدها شهدت العملية تماسكًا بعد انهيار كبير ومدمر، كما جرى إقالة قيادات إخوانية، لاسيما محافظ شبوة، وهي إجراءات إذا ما جرى وضعها بجوار محاولات توحيد القوات الحكومية والجنوبية، يشير إلى أنّ ثمة توجهًا دوليًا، لاسيما أمريكيًا لحسم المعركة عسكريًا ضد الحوثيين في العام 2022.

(المحلل السياسي اليمني محمود الطاهر)

محمود الطاهر
محمود الطاهر

سياسي يمني متخصص في الشؤون العربية والدولية، ومشارك في دوريات سياسية عديدة عن الحالة اليمنية، كما لديه حضور إعلامي يتناول العملية السياسية في اليمن خلال فترة ما بعد الحرب.

قراءة عسكرية.. تصعيد متبادل

حققت جماعة أنصار الله الحوثيون مكتسبات ميدانية على الصعيد العسكري خلال الأشهر الأخيرة من العام الجاري. وكان أبرزها الانسحابات التي حدثت في الحديدة التي ملأت الجماعة الفراغ. ثم امتدت المعارك إلى محاور مجاورة، لاسيما في غرب تعز، حيث حقق الحوثي إنجازات هناك، ثم في شبوة وجنوب وغرب مأرب.

الانتصار الأهم في البيضاء قبل أسابيع ساعد على توسيع المكتسبات الحوثية على الأرض. ومن ثمّ تصاعدت المواجهات في الجوف ومأرب. وهو ما يعني أن الجماعة تريد توظيف هذه الانتصارات الميدانية لصالح مكتسبات سياسية، خلال عمليات التفاوض المفترضة.

لكن التطور البارز هو انسحاب القوات المشتركة من الحديدة، وليس كما جرى تسويقه على أنه إعادة تموضع أو إعادة انتشار، فالذي جرى هو عملية إخلاء حوالي 90 كيلو متر، سواء كانت بأمر سياسي أو خطأ عسكري، لكن قوات الحوثي استغلت الانسحاب بملء الفراغ، وتقدمت بلباس المهاجم، بينما بقيت القوات الحكومية في هيئة المدافعة.

لذلك، فإن التصعيد الحوثي هدفه تحقيق مكستبات على الأرض قبل الذهاب لأية مفاوضات، في ظل المبادرة السعودية أو حتى مبادرة مأرب التي طرحتها الجماعة. لذلك صعّد من استخدامه للطائرات المسيرة والصواريخ باتجاه الأراضي السعودية. وهو ما دفع الرياض للرد بتصعيد عسكري واسع، لتقويض الهدف الحوثي العسكري الملاصق للآخر السياسي.

(الخبير العسكري اللواء فايز الدويري)

اللواء فايز الدويري
اللواء فايز الدويري

خبير عسكري وإستراتيجي أردني، يعتبر واحدًا من أشهر المحللين العسكريين في الوطن العربي. وله العديد من الأبحاث والدراسات السياسية والعسكرية، يهتم بالأوضاع في اليمن، لاسيما الخريطة العسكرية للعمليات الجارية منذ سنوات.

 

ماذا يحدث في شبوة؟

الوضع في الجنوب اختلف تمامًا خلال الأسبوع الأخير. ذلك أنّ استراتيجية التحالف تغيّرت بـ180 درجة. وقد توفر الآن دعمًا لا محدود لألوية العمالقة الجنوبية لتحرير مديرية بيحان (إحدى مديريات محافظة شبوة)، التي سقطت بيد الحوثيين بدون مقاومة أو اشتباكات طيلة العامين الماضيين اللذين كانا فيهما حزب الإصلاح مسيطرًا في شبوة.

في نظري ألوية العمالقة في الوقت الحالي عملها العسكري لن يقتصر فقط على شبوة. سيكون هناك توغل في جنوب مأرب والبيضاء وحتى إلى محافظة إب. ذلك لأنها مناطق وإن كانت في الشمال لكن لها ثقل سني. نعم العمل حاليًا لتحرير شبوة، لكن ما بعد شبوة هناك عمل عسكري، وتحرك لجبهات البيضاء وجنوب مأرب، بحسب معلوماتي.

الوضع في شبوة كان مزريًا بعد ثلاث سنوات من الهيمنة الإخوانية عليها وسقوط 3 مديريات بيد الحوثيين في ظل حكمهم. لكن التحالف أعطى الضوء الأخضر حاليًا للمجلس الانتقالي الجنوبي لدخول هذه المنطقة لتحريرها. وبذلك يكون داعمًا وحليفا هامًا في مكافحة الإرهاب. خاصة أن أبين وشبوة بها تواجد لعناصر القاعدة وداعش. كما أن المجلس الانتقالي وقوات العمالقة والنخب الأمنية أثبتت جدارتها في مكافحة الإرهاب، وعدن خير مثال. والنخبة الشبوانية عندما كانت موجودة في شبوة كان هناك اختفاء كامل للمظاهر المسلحة، وكانت شبوة في ظل وجود النخبة الشبونية آمنة.

عمليات استخباراتية

بخصوص الشمال، الحوثي يتلقى ضربات موجعة، وهناك عمل استخباراتي دؤوب من التحالف. وقد بدأ الحوثي يشكك في قياداته، مع وجود إحداثيات وقصف دقيق لمواقع الجماعة. لذلك، فإن حلم مأرب بالنسبة للحوثي بدأ يتضاءل. خصوصًا مع انتشار ألوية العمالقة في شبوة، ووجود عمل عسكري لتحرير مديرية بيحان التي لها حلول مع مأرب. وهو ما يشكل ضغطًا عسكريًا آخر على الحوثيين، مع قصف التحالف المكثف.

كما أن العمليات في الساحل الغربي مستمرة. حتى ألوية العمالقة تقول إن القوات التي قيل إنها انسحبت هي من قوات الاحتياط. وهي ادعاءات إخوانية تقول إنهم تركوا الساحل الغربي وانتقلوا لتحرير شبوة. والدليل أن العمليات مستمرة الآن في الساحل الغربي. فالأمر منفصل تمامًا، ولولا اتفاق ستوكهولم لكانت الحديدة محررة بالكامل.

(الناشط الجنوبي عيضة أحمد بن لعسم)

عيضة أحمد بن لعسم
عيضة أحمد بن لعسم

صحفي وناشط إعلامي جنوبي، متابع للعمليات العسكرية في الجنوب اليمني، ولديه شبكة مصادر ميدانية.