جدد ظهور الفنان رشوان توفيق باكيًا مشتكيًا من دعوى حجر، رفعتها عليه ابنته وحفيده، الحديث عن قضايا الحجر في القانون المصري. وهي معمول بها في معظم دول العالم، وتختلف بحسب طبيعتها. فمنها ما يكون حجرًا على المريض عقليًا إلى الإفاقة من مرضه. وما قد يكون لمصلحة الغير كالحجر على المدين. وكذلك الحجر على الراهن، فيما يخص التصرف في العين المرهونة بعد لزوم الرهن، ضمانًا لحق الرهن.

والحجر بسيناريوهاته المتعددة ليس معروفًا بين أوساط العامة بقدر ما هو بين المشاهير والأغنياء. وهو أمر يثير الجدل حول دعاوى سلب الولاية. كما أنه يطرح تساؤلات عدة حول القانون؟ ومن الذي يحق له إقامة دعوى الحجر؟ وكيف يتم التنفيذ؟ وهل يحتاج القانون إلى أي تعديلات؟ وكيف تتعامل دول العالم سواء في الوطن العربي أو في أوروبا بشأن فرض الولاية على المال؟

تاريخ دعاوى الحجر

المستشار عبدالله الباجا رئيس محكمة جنح النقض، والنائب السابق لرئيس محكمة الأسرة لأكثر من 20 عامًا، يشير إلى تاريخ دعاوى الحجر في قانون الأحوال الشخصية. يقول إنه منذ قرابة 70 عامًا لم يطرأ أي تعديل على المرسوم بقانون رقم 118 لسنة 1952 حول تقرير حالات سلب الولاية على النفس. إذ لم يطلب أحد التعديل لا به ولا بقانون الولاية على المال المصاغ في 1955. والفرق بينهما أن الأول يختص بحرية التصرف في حال الزواج أو السكن أو السفر والتنقل والتعليم. بينما الولاية على المال معني بتقييد حرية التصرف في الثروة، وتكون لأسباب السفه في حال كان الشخص ينفق أمواله بشكل يضر بحقوق الورثة، على أمور غير نافعة. كأن يتزوج من فتاة أصغر منه بنحو 30 عامًا، ويكتب لها جزءًا كبيرًا من ممتلكاته. أو ينقل ملكيته لعاملة النظافة “الشغالة”. وكذلك المريض نفسيًا بشكل يمنعه من التصرف بعقل. وكذلك المسجون أو الأب إذا أساء التصرف وعرض مستقبل أبنائه للخطر.

ويكون التقدير بالحكم على الدعوى المرفوعة هل هي كيدية أو بدافع الطمع للقاضي. فله تقدير الموقف -وفق الباجا- وفي حال ثبوت كيديتها، يمكن للمشكو في حقه المطالبة بالتعويض.

الحجر في القانون المصري

وتنص مادة رفع الولاية على المال في قانون الأحوال الشخصية على أن تتولى النيابة العامة رعاية مصالح عديمي الأهلية وناقصيها والغائبين. وذلك بما تشملها من التحفظ على أموالهم، والإشراف على إدارتها وفقًا لأحكام هذا القانون. ولها أن تندب -فيما ترى اتخاذه من تدابير- أحد مأموري الضبط القضائي. كما يكون لها أن تستعين بمعاونين يلحقون بها، بقرار يصدره وزير العدل. ويعتبر هؤلاء المعاونون من مأموري الضبط القضائي في خصوص الأعمال التي تناط بهم أثناء تأديتهم وظيفتهم.

وللنيابة العامة أن تقدر نفقة وقتية من أموال مستحق النفقة إلى حين الحكم بتقديرها على الأقارب الذين كانوا يقيمون مع المتوفي في معيشة واحدة أو أكبر الراشدين من الورثة. وعليهم إبلاغها بواقعة وفاة شخص غائب أو عديم أهلية أو ناقصها أو حمل مستكن أو وفاة الولي أو الوصي أو القيم أو الوكيل عن الغائب خلال ثلاثة أيام من تاريخ حصول الوفاة. وعلى الأقارب إبلاغ النيابة العامة خلال ذات المدة عن فقد أهلية أو غياب أحد أفراد الأسرة إذا كان مقيمًا معه في معيشة واحدة. وعلى الأطباء المعالجين ومديرو المستشفيات والمصحات على حسب الأحوال إبلاغ النيابة عن حالات فقد الأهلية الناشئة عن عاهة عقلية، بمجرد ثبوت ذلك لديهم.

سلب الولاية أمر عارض ومؤقت

بحسب تصريحات المستشار عبدالله الباجا، لـ “مصر 360″، يحق لأي شخص من بين أفراد الأسرة بأي درجة أن يقيم الدعوى. وذلك بشرط أن يكون له منفعة ومتضرر من المشكو في حقه. ومن بين هؤلاء أي شخص له حق في الميراث بأي نسبة. وهم الأبناء أو الزوجة أو الأحفاد، وكذلك الآباء على أبنائهم والأشقاء والأقارب من الدرجة الثانية، ممن لهم الحق في الميراث. وفي حال الحكم بسلب الولاية يمكن للشاكي أن يختار قيّم على المشكو في حقه أو يكون هو القيم بنفسه. وإذا لم يتقدم المتضررون جميعهم بإقامة الدعوى هذا لا يقلل من موقف الشاكي ولا ينفي حقوق الآخرين.

على سبيل المثال، لا يقلل من شأن القضية أن يتقدم ابن واحد من بين 4 أبناء بدعوى حجر على والده. وفي حال الحكم له يستفيد باقي الأبناء من سلب الولاية عن أبيهم. والتقاضي لا يحتاج إلى مدة كبيرة. فبمجرد تقديم كافة الأدلة واطمئنان القاضي للأسباب، يصدر الحكم. يقول الباجا: “نحرص على قصر مدة التقاضي حرصًا على أموال كل الأطراف وقد لا يتجاوز التقاضي الشهرين”.

أما عن المحجور عليه، فيقول الباجا أنه يحكم له بمبلغ نفقة يعيش منه، بينما يظل في منزله، ولا يطلب نقله إلا في حال كانت حالته النفسية أو العصبية غير مستقرة. حينها يمكن أن ينتقل للعيش مع أحد الشاكين إذا رغبوا في ذلك أو نقله إلى مستشفى إذا تطلب الأمر.

ويحق للمحجور عليه أن يستأنف الحكم ويقدم أدلة تثبت صحة عقله وسلوكه للمحكمة. كما يمكنه بعد الحكم بالحجر أن يقيم دعوى لرفع سلب ولايته على ماله ونفسه في حال زوال السبب. ذلك لأن الأصل في القانون هو حرية التصرف، وسلب الولاية أمر عارض مؤقت. كما أن الوصي إذا أساء التصرف وتمكن المحجور عليه من إثبات ذلك، يمكن نقل الولاية لشخص آخر أو رفع الحجر عنه، وفق الباجا.

دعاوى الحجر في الإحصائيات

تؤكد الإحصائيات الرسمية أن أكثر من 93% من قضايا الحجر كيدية، تصدى فيها القضاء لمؤامرات الأبناء وأنصف الوالدين. ووفق إحصائية أصدرتها محكمة الأسرة في النصف الأول من عام 2015، رُصدت 7000 دعوى حجر، من بينها 3000 دعوى كيدية، تم رفضها. بينما خلال 2014 رصدت الدفاتر عدد 19 ألف دعوى حجر، قضي في 8700 دعوى منها بالرفض. وفي عام 2013 وصلت لـ15 ألف دعوى، قضي بالرفض في 6 آلاف منها.

فقدان الإدراك سببًا في إسقاط الولاية

منذ أيام قليلة، تفاجئ جرجس بباوي محامي الصحفية هيام نيقولا، بأن أشقائها الثلاثة الذين تتنازع معهم على حقها في الميراث، لتتساوى معهم بحسب شريعتها المسيحية، أقاموا عليها دعوى حجر دون علمها أو علم المحامي. يقول بباوي، لـ “مصر360″، أن الدعوى حكم فيها منذ أغسطس الماضي، لكنني لم أعرف سوى مطلع شهر ديسمبر 2021. والقضية التي تحمل رقم 33 لسنة 2021 بدأ التقاضي فيها منذ أغسطس وسبقتها دعوى بطلان إعلام وراثة، والمطالبة بتطبيق الشريعة المسيحية والمساواة مع الأشقاء الذكور في الدعوى التي حملت 1501 لسنة 2021 أسرة عين شمس.

عن سير إجراءات قضايا الحجر، يقول بباوي إنه يجب ألا تكون هناك أي خصومة قضائية بين الشاكي والمشكو في حقه حتى تقبل القضية من الأساس.

وفي حال ادعاء أن المشكو في حقه غير كامل أو فاقد للأهلية نتيجة مرض نفسي، يجب أن يكون هذا المرض قد تسبب في إتلاف جزئي للعقل، وأن يكون هذا التلف أدى إلى عدم الإدراك، وقد يؤذي المريض نفسه بسببه. ولذلك ليست كل الأمراض النفسية تستوجب الحجر. فالاكتئاب مثلاً مرض نفسي لكنه لا يُفقد الشخص الأهلية. أيضًا، التوحد مرض نفسي لكن الذي يعاني منه يتسم بالذكاء الشديد.

إجراءات إثبات فقدان القدرة العقلية

ولإثبات فقدان القدرة العقلية، يقدم الشاكي تقريرًا طبيًا من مستشفي أمراض عقلية حكومي، وعليه تطلب النيابة الحسبية مقابلة الشخص المشكو في حقه لرؤيته، ومن ثم تحويله إلى مستشفي العباسية للأمراض النفسية. هناك يتم إيداعه مدة 45 يومًا للملاحظة، وتقديم تقرير طبي عن حالته. وفي بعض الحالات قد تشك جهات التحقيق في تلقي المشكو في حقه بعض العقاقير علي يد الشاكي للتلاعب في قواه العقلية، لذلك يطلب العرض على الطب الشرعي لتوقيع الكشف وإجراء تحليل دم للتأكد من خلو المشكو في حقه من أي عقاقير أو كيماويات تسببت في حالته.

يضيف بباوي أن تقديم مستندات أو معلومات مزيفة في قضايا الحجر يستوجب العقوبة الجنائية والمدنية، وهي الحبس وتعويض المشكو في حقه. وقد أشار في حال موكلته أنه سيطالب النيابة بالتحقق من سلامتها بعرضها علي الطب الشرعي لإثبات “زيف” المستندات المقدمة من الخصم، على حد قوله.

طارق العوضي المحامي بالنقض والمتطوع في الدفاع عن الفنان رشوان توفيق في دعوى الحجر المقامة بحقه، يقول إن القانون جيد ولا يحتاج إلى تعديل سوى أنه أغفل حق المرأة في أن تكون وصي. فالقاضي يختار بين الأب أو الجد أو الأبناء، بينما في حالة وفاة الزوج والأبناء قصر يتم اختيار الأم كوصي على الصغار.

الحجر حول العالم

رغم المخاوف بشأن نية المدعين في قضايا الحجر. إلا أن معظم دول العالم تعترف بدعاوى الحجر، ولا تختلف نصوصه كثيرًا فيها عن القانون المصري. ففي الإمارات تقول المادة 159 “الأهلية كل شخص أهل للتعاقد ما لم تسلب أهليته أو يحد منها بحكم القانون”.

وبشأن أهلية الأشخاص، يعتبر فاقد الأهلية الصغير غير المميز، والمجنون والمعتوه. بينما يعتبر ناقص الأهلية الصغير المميز السفيه.

وتسلب الولاية وجوبًا في الحالات الآتية: إذا اختل فيه بعض شرائط الولاية المنصوص عليها في هذا القانون – وحال ارتكب الولي مع المولى عليه أو مع غيره جريمة الاغتصاب أو هتك العرض أو قاده في طريق الدعارة أو ما في حكمها – وإذا صدر على الولي حكم بات في جناية أو جنحة عمدية أوقعها هو أو غيره على نفس المولى عليه أو ما دونها – وإذا حكم على الولي بعقوبة مقيدة للحرية مدة تزيد على سنة. وإذا أصبحت أموال القاصر في خطر بسبب سوء تصرف الولي أو لأي سبب آخر، فعلى المحكمة أن تسلب ولايته أو تحد منها.

أما في الولايات المتحدة الأمريكية، وبحسب قرين وهبة المحامي المصري المقيم والممارس لمهنة المحاماة بأمريكا، فإنه لا يختلف القانون هناك عن مثيله المصري. كما لا توجد فوارق مع أي دولة. وقد تختلف فقط الإجراءات. يقول “وهبة” إن مواد قانون الوصاية الأمريكي أداة قيمة يمكن استخدامها لحماية الأفراد الذين لم يعودوا يمتلكون القدرة على اتخاذ القرارات الشخصية أو المالية المناسبة لأنفسهم. ويُفرض على الوصي واجب رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة أو أصولهم. وتحتفظ المحكمة بالإشراف لتقليل مخاطر الاستغلال أو الإساءة من قبل ولي الأمر.

قبل توفيق.. مشاهير طالتهم دعاوى الحجر

توفيق لم يكون الوحيد بين المشاهير ممن طالتهم دعاوي الحجر. فقد سبقه الفنان الراحل سعيد صالح الذي أقامت ابنته دعوى حجر عليه في حياته. وظلت القضية متداولة في المحاكم حتى رحيله، وحكم لها بعد وفاته. كذلك أقامت غادة نافع دعوى حجر على والدتها الفنانة ماجدة. وأيضًا رفعت بنات النجم الراحل سيد زيان دعوى حجر على والدهم أثناء إصابته بالشلل، خوفًا من سيطرة شقيقهم الوحيد على مال أبيهم. كما أقام زوج الفنانة سعاد نصر دعوى حجر قبل رحيلها وبعد دخولها في الغيبوبة التي رحلت على إثرها. كما رفعت ابنة الفنان الراحل سعيد طرابيك دعوى حجر عليه، واتهمته بأنه ينفق بـ”سفه” على زوجته الجديدة.

وينتظر مشروع قانون رعاية المسنين مناقشته من البرلمان، بعد أن وافق عليه مجلس الشيوخ. وينص في مادته 39 -حسبما انتهى إليه مجلس الشيوخ- على أن يُعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل شخص مكلف برعاية شخص مسن، أهمل في القيام بواجباته نحوه، أو في اتخاذ ما يلزم للقيام بهذه الواجبات، أو تحصل لنفسه على المساعدة المالية المقررة للمسن.

وتكون العقوبة الحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مكلف برعاية المسن امتنع عمدًا عن القيام بواجبات الرعاية أو استغل المسن. فإذا ترتب على أي مما سبق جرح أو إيذاء شخص المسن تكون العقوبة الحبس. وإذا نشأ عنه عاهة أو وفاة المسن تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على خمس سنوات.