شهد عام 2021 إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسي الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وإعلان عام 2022 باعتباره عامًا للمجتمع المدني. وهو أمر نظر إليه الحقوقيون والعاملون في حقل المجتمع المدني بشيء من التفاؤل، المحمول بتساؤلات حول إتاحة مناخ أكبر للعمل، وتخفيف القيود المفروضة على المنظمات والمؤسسات المدنية والحقوقية.
وقبيل نهاية العام، استطلع “دام” آراء مجموعة من الحقوقيين المصريين، حول الخطوات الأخيرة. وكذا توقعاتهم حول ما قد يحمله العام المُقبل من انفراجات أو عقبات يجب التغلب عليها. فيما أجمعت الآراء على أنه لابد من إتاحة حريات أكبر للمنظمات الأهلية. ذلك إذا ما كنا نريد تحقيق خطوات ملموسة على الأرض. مع أهمية وجود قنوات اتصال دائمة مع الدولة.
نحتاج تسهيلات أكبر للقيام بعمل أفضل
لا يمكن أن يشهد المجتمع المدني أي نوع من التقدم إذا ما ظل الوضع على هذا الحال. يجب تفعيل الاستراتيجية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية، مع إتاحة الحريات للمنظمات والعاملين بها، وعدم إعاقة حركتهم. الوضع في الأيام الحالية لا يُبشر بالخير. خاصة بعد الأحكام التي صدرت في حق الحقوقيين أمثال باقر وأكسجين وغيرهم.
كذلك يجب أن يتم فك قيود التمويلات بصورة أكبر، لا أن تستغرق التصاريح الخاصة بها مددًا طويلة قد تصل إلى ثمانية أشهر. نعم شهدنا انفراجه واضحة في الفترة الأخيرة بخصوص التمويلات. لكن يجب تسهيل الأمور أكثر من أجل إتاحة الفرصة للقيام بعملنا لا تعطيله.
يجب أن تقوم الحكومة بتفعيل الاستراتيجية وتنظيم آليات العمل ومنح الحقوقيين فرصة للقيام بعملهم.
بالنسبة لمؤسسة قضايا المرأة، فإنها ستواصل خلال العام القادم ما شرعت فيه هذا العام؛ فلدينا مشروع قانون الأحوال الشخصية. وقد تبنته النائبة نشوى الديب لتقديمه إلى مجلس النواب والحكومة وحشد الأصوات لإقراره. ولدينا أيضًا قانون لحماية الشهود خلال المحاكمات الجنائية. وكذلك نسعى لفتح حوار مجتمعي مع مؤسسة الأزهر الشريف للنقاش. وأيضًا نسعى لأن تقوم الحكومة بتنفيذ التوصيات التي صدرت في الاجتماع الأخير لاتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة “السيداو”.
عزة سليمان هي محامية حقوقية، ومؤسس وعضو مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة المصرية ومركز المساعدة القانونية للمرأةCEWLA وهو تجمّع نسائي يعمل على تعزيز المساواة بين الجنسين، ويركز بصفة خاصة على الإصلاح التشريعي والتوعية. حازت على العديد من الجوائز عن عملها المستمر في مؤسسة قضايا المرأة على ملفات العنف الأسري والجنسي ضد النساء. ومؤخرًا تم إسقاط الاتهامات الموجهة إليها القضية رقم 173 لسنة 2011، والمعروفة إعلاميًا بـ “قضية التمويل الأجنبي”.
لا توجد إشارات بشأن ما سيحدث
لا يُمكن توقع ما الذي يُمكن أن يحدث للمجتمع المدني خلال العام المقبل. إلى الآن لا توجد أي إشارات من الحكومة بخصوص ما سيحدث.
مثلاً، لا تزال هناك مشكلات في تسجيل الجمعيات وفقًا للقانون الجديد. وهناك بعض ممن يعملون في المجتمع المدني لا يزالون محبوسين، مثل عمرو إمام ومحمد الباقر وغيرهم. سواءً في مسائل متعلقة بعملهم في المجتمع المدني، أو حتى بسبب آرائهم. كذلك لا نعرف هل سيتم قبول عودة التمويلات أم لا. لذلك كل من سيتحدث حاليًا لن يخرج حديثه عن نطاق التخمين.
نحن نتمنى أن يتم تسهيل حركة المجتمع المدني. رئيس الجمهورية نفسه طلب هذا، أن يقوم المجتمع المدني بدوره في 2022. لن نستطيع القيام بهذا الدور إلا لو قامت الحكومة بترجمة هذه التوجيهات الرئاسية أو الأمنيات الرئاسية أو وجهة نظر الرئيس إذا جاز أن نُطلق عليها هذا، إلى خطوات حقيقية وصورة عملية، يُمكن أن نبني عليها ما أردنا أن نطلق عليه عام المجتمع المدني.
لذلك يجب أن ننتظر ونتمنى في الوقت نفسه أن تصدر قرارات بتسهيل عمل المنظمات، وأداء دورها، والحصول على تمويل، والإفراج عن المعتقلين.
لو تمت ترجمة هذا إلى شكل فعلي، عندها نقول إننا في عام المجتمع المدني. لكن دون ذلك سيكون عام مثل بقية الأعوام. المنظمات يمكن أن تفعل الكثير؛ فالرئيس قال بنفسه إن المنظمات يجب أن تنشر الوعي بحقوق الإنسان وتساهم في أهداف التنمي المستدامة. لكنها لن تفعل هذا دون الحصول على التسهيلات المطلوبة من الحكومة. وهي تسجيل التسهيل وإتاحة التمويل، وألا تكون هناك ملاحقات أمنية مرة أخرى.
نجاد البرعي هو محام حقوقي وباحث قانوني ومحلل سياسي،ورئيس وحدة الشؤون القانونية في “المجموعة المتحدة محامون ومستشارون قانونيون”. لأكثر من أربعين عاماً، عمل كمحام مترافع في العديد من القضايا الجنائية الكبرى. وحرر العديد من العقود ذات الصفة الإقليمية والدولي. وهو واحد ممن تم اتهامهم في القضية رقم 173 لسنة 2011، والمعروفة إعلاميًا بـ “قضية التمويل الأجنبي”.
يجب إقامة حوار واسع لحل الخلافات
إعلان الاستراتيجية مثّل نقلة نوعية فيما يخص تناول الدولة المصرية لحقوق الإنسان وتعاطيها معه. خلال الفترة الماضية شهدت المنظمات هجمات كبيرة من الإعلام، حملت نظرة سلبية للنشطاء الحقوقيين وتناولهم لبعض القضايا.
إن التفكير في الاستراتيجية نفسه يحمل اعتراف صريح بوجود انتهاكات تعمل الدولة على إنهائها، وهو أمر إيجابي. لكن المنقوص في الأمر هو دعوة العديد من المنظمات للنقاش في البداية، وما تلاه من تخفيض هذا العدد بشكل كبير جدًا، حتى فوجئنا بخروج الاستراتيجية دون حوار مجتمعي.
كان من الممكن أن يكون الأمر أفضل من هذا. لكن ربما علينا أن نرتضي بالموجود حتى تتاح لنا فرصة أخرى لتغييره أو تطويره.
هناك العديد من الحقوق المدنية والسياسية التي نتحدث عنها. مثل إلغاء الحبس في قضايا النشر وحرية تداول المعلومات، وسرعة إنفاذ المحاكمات وغيرها. كل هذه تحتاج إلى تشريعات جديدة تتناسب مع ما تم إعلانه.
أمام المجتمع المدني المصري فرصة كبيرة تتمثل في التشريعات التي تم إعدادها خلال الأعوام السابقة، وظلت حبيسة الأدراج لدى المنظمات. لو طلبت اللجنة المشرفة على الاستراتيجية ثلاثة مشروعات قوانين لحرية تداول المعلومات أو إلغاء العقوبات السالبة للحريات في قضايا الرأي أو غيرها ستجد لدى المنظمات على الفور.
بالطبع هذه المشروعات من زاوية رؤية المنظمات الحقوقية. وقد تخالف رؤى بعض الموجودين في جانب الدولة. لذلك يجب أن يكون هناك حوار واسع حتى يتم الاتفاق على رؤية يتم تقديمها للبرلمان.
الجهات المانحة مثل الوكالة الأمريكية والاتحاد الأوروبي لا تزال تنتظر أن يكون هناك توافقًا بين المنظمات والحكومة المصرية على شكل التمويلات حتى لا تدخل أي صراعات جديدة، أو تكون هناك قضايا أخرى للتمويل الأجنبي.
شادي عبد الكريم هو المدير التنفيذي لمؤسسة الحق للديمقراطية وحقوق الإنسان. وهو واحد ممن تم اتهامهم في القضية رقم 173 لسنة 2011، والمعروفة إعلاميًا بـ “قضية التمويل الأجنبي”.
القضية ليست من يشكل الحكومة وإنما أن يكون هناك حوار مستمر مع هذه الحكومة
يجب على الدولة أن تترك المنظمات تعمل بحرية واستقلال. فقد تم الإعلان عن عام 2022 باعتباره عامًا للمجتمع المدني. وهو بمفهومه الواسع يضم النقابات والجمعيات الأهلية وروابط المهن واتحادات رجال الأعمال. باختصار كل ما هو له شكل طوعي. وكل هؤلاء يحتاجون للعمل باستقلالية دون ضغوط، وأن يكون بينهم وبين الدولة حوار دائم. هؤلاء يختلفون عن الأحزاب السياسية التي تسعى للوصول إلى الحكم.
الطبيعي أن يكون بين الأحزاب صراع تنافر. لكن هذا الصراع لا يجب أن يكون بين الدولة والمجتمع المدني بالمفهوم الواسع. ذلك لأن كل منهما يقوم بإكمال مهام الآخر. والمجتمع المدني شريك في كافة خطط التنمية في العالم كله وليس مصر وحدها. وبالتالي فهو يحتاج إلى الدعم والمعلومات اللازمة، وكل ما يمكن أن يخدم أهدافه التنموية. لأنه يخدم أكثر من 70% من الشعب المصري.
قضية المجتمع المدني ليس من يقوم بتشكيل الحكومة. وإنما أن يكون هناك حوار دائم ومستمر مع هذه الحكومة، وألا تفرض عليه قوانين تقوم بتقييد حركته، وأن تتركه يعمل باستقلال في إطار خطة التنمية العامة للدولة.
لو تحدثنا عن منظمات حقوق الإنسان، وهي أصغر مكون في المجتمع المدني، سنجد أن نسبة صغيرة جدًا استطاعت توفيق أوضاعها إلى الآن، ولأن طبيعتها أن يكون صوتها أعلى من الجمعيات الأخرى، فبالتالي تخشاها الحكومات، خاصة أنها تفضح الانتهاكات التي تقوم بها، وتشمل الحقوق السياسية والمدنية وحتى الحقوق الثقافية، وهي باقة واحدة، إما أن تأخذها كلها أو تتركها كلها، ولا يمكن أن تقول إن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مقدمة على الحقوق السياسية والمدنية.
مجدي حلمي هو نائب رئيس المؤسسة المصرية للتدريب وحقوق الإنسان
المنظومة الإلكترونية ستحل العديد من المشاكل الإدارية
الجميع الآن يسعى لتوفيق الأوضاع بناءً على القانون الجديد، إذ أصبح التعامل عبر المنظومة الإلكترونية، وهو مايسهم في تقليل الوقت اللازم لاستخراج التصاريح، وينعكس على سرعة الأعمال المنجزة، ويؤدي إلى كثرتها.
أتوقع أن تحل المنظومة الإلكترونية العديد من المشاكل الإدارية في الفترة المُقبلة. وبالنسبة لما يخص التمويل، فقد تم تحديده في القانون، والجمعيات الآن لن تسلم أي أوراق، وإنما سترسلها عبر المنظومة الإلكترونية، وتنتظر الرد خلال ستين يومًا، وفي حال عدم الرد يُعتبر ذلك موافقة من الحكومة.
تستعد مصر العام المقبل لاستضافة القمة السابعة والعشرين للمناخ في شرم الشيخ في نوفمبر المُقبل، والتي تُعطي مساحة كبيرة لمشاركات المجتمع المدني. المفترض أن نبدأ العمل من الآن حول كيفية مشاركة المنظمات بشكل واسع وقوي وفعّال، وهذا لن يحدث دون ترك مساحة أكبر للجمعيات للعمل بفاعلية على الأرض، حتى تستطيع المشاركة في مفاوضات القمة.
لذلك يجب أن تكون هناك حرية حركة متاحة على الأرض، واعتراف بالشخصية الاعتبارية للجمعيات. كما يجب على القطاع الخاص مشاركة مؤسسات المجتمع المدني عبر مؤسسات المسؤولية الاجتماعية. لأن الكثير منها يتم التعامل معه باعتباره مؤسسة تمويلية كالهيئات الدولية، سواء في القواعد أو المواعيد أو حتى الرؤية في بعض الأحيان. بينما يمكن التيسير بشكل أكبر في الأنشطة والفعاليات، ولا نتحدث هنا عن المشروعات الكبيرة.
زينب خير هي المدير التنفيذي للجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
هذا وقت المزيد من الآليات الضامنة للحقوق والحريات
رغم أن العام المنصرم شهد العديد من الخطوات من أجل تحسين وضع المجتمع المدني في مصر، ومن بينها إطلاق الرئيس السيسي الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وبدء منظومة إصلاح وتأهيل السجون المصرية. إلا أن العام نفسه شهد العديد من الأزمات الحقوقية، ربما آخرها عودة من يُطلق عليهم “المواطنون الشرفاء”، ومن بينهم من قدّموا أخيرًا بلاغات في الكاتب الصحفي خالد البلشي، ما أدى لاستدعائه أمام النيابة العامة بعدة تهم.
هذا يعني أن هناك حاجة لمزيد من الآليات الضامنة للحقوق والحريات وإتاحة حرية التعبير. وهو ما يجعلنا نتساءل عن المسؤول عن التضييق في ظل إعلان رئيس الدولة إتاحة الفرصة للعمل الأهلي.
عام 2022 قد يشهد انفراجة بالنسبة للعمل المدني، أتوقع إتاحة فرصة أكبر للجمعيات والمنظمات الأهلية مع إعلان الاستراتيجية. فالمجتمع المدني ليس فقط مجموعة المؤسسات الحقوقية، التي تشكل نسبة ليست كبيرة وسط ما يقرب من خمسين ألف جمعية موجودة وعاملة في مصر بالفعل، وتقوم بأنشطتها في العديد من الأماكن البعيدة عن إصلاحات الدولة إلى الآن. هكذا هي شريك أساسي في التنمية.
لذلك، أتمنى أن تكون هناك آليات حقيقية لتفعيل هذا الدور وسط مناخ يسمح بعمل حقيقي. كذلك أتمنى أن تكون هناك قنوات اتصال مفتوحة مع الدولة تجعل المواطن يشعر بأنه يستطيع عبر المنظمات الحقوقية أو الجمعيات الأهلية الوصول إلى مؤسسات الدولة.
وليد فاروق رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات