السنوات التي أعقبت الموجه الأولي والثانية من الانتفاضات العربية لا تشير إلى أن العالم العربي لم يتغير، أو على الأقل عرف محاولات للتغيير. صحيح أنه في بعض الحالات عرف  تغيرات للأسوأ، إلا أن ذلك لا ينفي تكرار محاولات الإصلاح والتغيير في ظل تحديات داخلية وخارجية جديدة.

والمؤكد أن هناك جملة من التحولات التي شهدتها المنطقة العربية والعالم قد تجعل صورة 2022 مختلفة، ولو في بعض الجوانب عن 2021. ذلك بعيدًا عن خرافات بعض المنجمين أو تزييف بعض السياسيين.

بقاء الحال من المحال

توقع التغيير لا يعني بالضرورة إنه سيكون للأفضل. ولكن العمل من أجل الإصلاح سيكون خطوة للأفضل. والسؤال هل حصيلة ما جرى في العامين الماضيين في أكثر من بلد عربي ستكون نتائجه أفضل في العام الجديد؟ الحقيقة، أن هناك احداث كبيرة شهدتها 5 بلاد عربية، وهي: السودان والجزائر ولبنان والعراق وتونس. وباستثناء الجزائر التي ترجم فيها الحراك الشعبي في مسار سياسي جديد جاء بالرئيس عبد المجيد تبون، الذي سبق واستبعد من موقعه الوزاري، بسبب محاربته للفساد وأرائه الإصلاحية. وقدمت الجزائر خبرة آمنة وحذرة للإصلاح من داخل النظام حتى لو اعتبر الكثيرون إنها إصلاحات غير كافية. ولكنها تجربة مؤهلة في العام الجديد لإحداث مزيد من الإصلاحات، إذا حرصت معظم قوى الحراك الشعبي على الدخول في المسار السياسي الشرعي، وتحقيق مكاسب بالنقاط من داخل العلمية السياسية والمؤسسات الشرعية.

أما تجربتا العراق ولبنان فكلاهما لم يسفر الحراك به عن أي تغيير في منظومة المحاصصة الطائفية، التي تطبق على النظام السياسي. رغم إجراء انتخابات في التجربة الأولى وتغيير  الحكومة مرتين في الثانية. وفي كلا الحالتين تغير الشكل دون المضمون.

أما تونس، فنتوقع أن تكون سنة 2022 حاسمة على الوضع السياسي. فلن تستطيع إجراءات الرئيس التونسي الاستثنائية، والتي نالت شعبية كبيرة من أغلب التونسيين، أن تستمر دون تقديم بديل للمنظومة القديمة التي سيطرت عليها حركة النهضة. وإما سينجح الرئيس في إجراء تعديلات على دستور 2014 المعيب ويؤسس لنظام رئاسي ديمقراطي جديد ويجري إصلاحات اقتصادية وإدارية مطلوبة، أو يتعثر في تحقيق أهدافه وتعود البلاد إلي مربع ما قبل إجراءات 25 يوليو، وتستمر في عملية انتقال ديمقراطي مأزوم ومتعثر.

في ليبيا، فإن عام تأجيل الانتخابات قد يتكرر في العام المقبل، أو تجري انتخابات تكون مصدر للانقسام وليس صناعة التوافق.

تغيير المشهد في ليبيا لن يكون بتأجيل الانتخابات، إنما بخلق بيئة آمنة لإجرائها واحترام نتائجها، وأيضًا وهو الأهم معالجة الثغرات التي أظهرتها تجربة 2021. سواء على مستوى التفاهمات السياسية أو درجة الاستقطاب وشكل تدخل القوي الإقليمية والدولية. وهي أمور لا يزال إنجازها العام المقبل صعبًا، ولكنه غير مستحيل.

حدود العامل الخارجي

العامل الخارجي حاضر في كثير من التفاعلات الداخلية التي تجري في العالم العربي، ولكنه ليس العامل الوحيد. وفي معظم الأحيان ليس العامل الأساسي.

فهو حاضر في تعاون ودعم اقتصادي وسياسي وعسكري لبعض الدول كما هو حال الولايات المتحدة مع مصر ودول الخليج العربي والمغرب. وهو حاضر أيضًا في بعض التفاعلات السياسية الداخلية. رغم أن عام 2021 أثبت إنه كان عام انتصار الداخل بامتياز. خاصة بعد ما جرى في أفغانستان، حين سقط حكم “مندوبي الخارج” (الولايات المتحدة) أمام حركة طالبان بجذورها القبلية والدينية المحلية.

ومع ذلك، فإن العامل الخارجي مازال عاملاً مهمًا في بعض الأزمات العربية. وهو حاضر في الأزمة السودانية بحدود. وقد لعبت الضغوط الخارجية بجانب ضغوط الشارع دورًا حاسمًا في عودة حمدوك إلى رئاسة الحكومة. لكن الأولى لن تستطيع أن تضمن نجاح الانتفاضات الحالية ولا أن تحول دون سقوط البلاد في الفوضى والمواجهات الأهلية.

أما في ليبيا فلا يزال العامل الخارجي حاضرًا بقوة. فالمبعوثة الأممية (الأمريكية ستبفاني ويليام) هي التي رتبت ملتقي الحوار الليبي الذي انتخب الحكومة الحالية ومجلس الرئاسة. كما أن اجتماعات برلين وباريس التي ضمت طوال العام الماضي أطراف الصراع الليبي لم تستطع جامعة الدول العربية أن تقوم بها. وأيضًا حضور تركيا وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا ومصر والإمارات داخل الساحة الليبية يجعل دورها حاسمًا في حل هذا الصراع.

ولأن العامل الخارجي ليس وحيدًا حتى في أكثر البلاد التي حضر فيها مثل ليبيا، فلم ينجح في حل الصراع ولا في إجراء الانتخابات في موعدها ولا يزال حتى اللحظة لم يحسم شكل تدخله لفرض إجراء الانتخابات العام المقبل وفرض احترام نتائجها. ذلك لأن الأمر هنا قد ينقل العامل الخارجي من القوة الدبلوماسية الناعمة التي يفضلها إلى القوة العسكرية الخشنة. وهو ما لا تفضله الدول الغربية بعد انتكاسات العراق وأفغانستان.

العامل الخارجي حاضر أيضًا وفق حسابات في ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان. وكثيرًا ما يظهر قرب صفارة النهاية، ويبدي انحيازه للطرف الفائز. وكثيرًا ما كان هذا الانحياز لأطراف كانت تبدو فائزة قبل النهاية. لكنها دخلت وقت إضافي وخسرت، وخسر معها الغرب حساباته.

في تونس ومصر، سنجد حضور القويى الخارجية. فلم ترحب في الأولى بإجراءات الرئيس قيس سعيد، لكنها لم تقاومها أو تضغط لدفعه إلى التراجع عنها. وبدت وكأنها منتظرة مصير التفاعلات الداخلية لتختار شكلاً جديدًا لحضورها.

أما مصر، فهناك ضغوط “قطّاعي” من أجل تحسين ملف حقوق الإنسان، وهناك حديث عن أسماء بعينها. كما أن هناك بيانات لوزارات خارجية غربية (ألمانيا) حددت أسماء أشخاص محالين للمحكمة أضرت ولم تفيد. وهناك بالقطع حملات صحفية في كبريات الصحف العالمية تنتقد أوضاع حقوق الإنسان في مصر. إلى جانب بيانات وضغوط المنظمات الحقوقية العالمية من أجل اتباع حكومتها سياسة صارمة ضد الحكومة المصرية، لم تأخذ بها الدول الغربية.

لم يقبل الحكم في مصر الضغوط الخارجية ورفض أن تصاغ علاقته بالدول الغربية بمنطق الإملاءات أو فرض الشروط. إلا أنه دخل في حوارات واجتماعات و”أخذ ورد” فتح فيها هذا الملف مع الدول الغربية، وأسفرت في بعض الأحيان عن الإفراج عن عدد من الحقوقيين والنشطاء.

العامل الخارجي حاضر، ولكنه ليس العامل الوحيد ولا الرئيسي، والتجارب التي صنع فيها التغيير كانت نتائجها كارثية. إن تكتيكاته الجديدة التي ربما نرى تجلياتها في العام المقبل تقوم على المتابعة وانتظار نتائج التفاعلات الداخلية ليكون حضوره مختلفًا وربما أكثر تأثيرًا.