في ظل تأزم الأوضاع بين روسيا والولايات المتحدة على خلفية الأزمة الأوكرانية، طالب مجلس الشيوخ الأمريكي بضرورة تزويد أوكرانيا بأنظمة متقدمة من الأسلحة المضادة للطائرات والدبابات والسفن. قال السيناتوران الجمهوري روب بورتمان، والديمقراطي جين شاهين، إنهما طلبا “زيادة المساعدات الأمنية”. وذلك رغم أن المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا بلغت هذا العام نحو 400 مليون دولار. كما منحت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، كييف أنظمة “جيفلين” الصاروخية المضادة للدبابات.

وبحسب صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، فإن السيناتورين الجمهوري والديمقراطي شددا على ضرورة رفع مستوى الدعم الأمني والعسكري. مع “تقديم أنظمة للدفاع الجوي والمضادة للدبابات والسفن”. فضلاً عن وسائل التشويش الإلكتروني.

على هامش الأزمة الأوكرانية.. رسائل واشنطن للغرب

اللافت أن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، أمر حاملة طائرات أمريكية بالبقاء في البحر المتوسط، بغية طمأنة الحلفاء الأوروبيين. ذلك بعد حشد موسكو عشرات آلاف العسكريين عند حدودها مع أوكرانيا. وقد تنامت المخاوف من غزو روسي محتمل، وطلب أوستن من حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس اس هاري إس ترومان” تأجيل رحلتها المقررة إلى الشرق الأوسط والبقاء. بينما أشار مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية، إلى هذا التغيير في برنامج رحلة حاملة الطائرات باعتباره يعكس الحاجة إلى وجود دائم في أوروبا. وهو “ضروري لطمأنة حلفائنا وشركائنا بالتزامنا بالدفاع المشترك”، على حد قوله.

أيضًا من المرجح أن تبدأ محادثات، مطلع العام المقبل، بخصوص القضايا والملفات الخلافية بين موسكو وواشنطن. ومن بينها أمن أوروبا والأزمة الأوكرانية. ومن المقرر أن يلتقي في هذه المحادثات المرتقبة ممثلون عن حلف شمال الأطلسي مع مسؤولين روس.

اقرأ أيضًا: بين خليج الخنازير وأزمة أوكرانيا.. من ينتصر في الحرب الباردة الجديدة؟

ووفق المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، فإن الحوار سيركز على “الأهداف المتبادلة”. بينما ستتمسك واشنطن بمبدأ “لا شيء عنهم بدونهم”، فيما يخص الملفات المرتبطة بحلفاء الولايات المتحدة في أوروبا. يقول برايس: حوار الاستقرار الاستراتيجي مع روسيا سيأخذ شكل الحوار الثنائي. كنا نقوم دائمًا بإطلاع حلفائنا بشكل كامل وشامل في أعقاب اجتماعاتنا السابقة. نحن متحدون كحلف (شمال الأطلسي) الناتو على التداعيات التي ستواجهها روسيا، إذا تحركت ضد أوكرانيا. لكننا متحدون أيضًا في استعدادنا للانخراط في دبلوماسية قائمة على المبادئ مع روسيا.

ونقلت وكالة “فرانس برس” عن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي أن الولايات المتحدة تنتظر بفارغ الصبر بدء حوار مع روسيا. ونقلت أن الاجتماع الأول، مطلع العام المقبل، قد يليه في 12 من الشهر ذاته يناير/كانون الثاني اجتماع ثان سيعقد هذه المرة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي. وفي اليوم التالي، أي في 13 الشهر ذاته، اجتماع ثالث سيعقد بين روسيا و”منظمة الأمن والتعاون في أوروبا”. وتضم في عضويتها الولايات المتحدة.

“عندما نجلس لنتحاور، يمكن لروسيا أن تطرح مخاوفها على الطاولة وسنضع مخاوفنا على الطاولة، خاصة أنشطة روسيا”؛ يقول المتحدث.

صور المخابرات الأميركية التي تظهر الحشود العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا
صور المخابرات الأميركية التي تظهر الحشود العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا

الغزو الروسي المحتمل يقلق أوروبا

في حديثه لـ”مصر 360″، يوضح الباحث المتخصص في العلوم السياسية مصطفى صلاح، أن التوترات على الحدود الروسية الأوكرانية تثير مخاوف كييف والغرب من غزو روسي محتمل لأوكرانيا.

وفيما تنفي موسكو أي نية للقيام بعملية عسكرية وتتهم الغرب بالتهويل، يبقى حجم الحشد على حدود الجمهورية السوفيتية السابقة كبير. وهو ما يعزز التكهنات بأن حربًا تلوح في الأفق. يقول الباحث مصطفى صلاح إن حدة التوترات تصاعدت مرة أخرى هذا العام وسط تقارير عن زيادة القوات الروسية بالقرب من الحدود الأوكرانية. ويخشى المسؤولون الأوكرانيون والغربيون أن تشير إلى خطة موسكو لغزو جارتها السوفيتية السابقة. في ظل مخاوف روسية من انضمام أوكرانيا إلى حلف “الناتو”. وهو ما سيؤدي إلى نقل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إلى الحدود الغربية لروسيا.

ويلفت إلى اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع في ليفربول، أخيرًا، وقد نددوا بالمناورات الروسية عند الحدود الأوكرانية. كما كررت واشنطن دعوة روسيا الى احتواء التوتر. وأكدت أن القوى الغربية مستعدة لفرض عقوبات شديدة على موسكو في حال وقوع هجوم. فيما سعت لإثناء روسيا عن غزو أوكرانيا، وشكلت جبهة موحدة للتحذير من العواقب الوخيمة لأي خطوة مثل هذه. وحثت روسيا على العودة إلى طاولة التفاوض.

الأداة الأكبر في ترسانة الغرب

ويبدو أن أكبر أداة في ترسانة الغرب هي العقوبات، بحسب صلاح. إذ تحدث بايدن عن “تكاليف حقيقية للغاية” إذا اتخذت روسيا أي إجراء عسكري. وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت الإدارة الأميركية أنها ستوفد مساعدة وزير الخارجية المكلفة بشؤون أوروبا كارين دونفريد إلى أوكرانيا وروسيا سعيًا إلى إحراز تقدم دبلوماسي يضع حدًا للنزاع في دونباس بشرق أوكرانيا. ذلك عبر تنفيذ اتفاقات مينسك الموقعة في عام 2015 لإنهاء النزاع، الذي اندلع قبل عام في هذه المنطقة الأوكرانية بين قوات كييف وانفصاليين موالين لروسيا.

وإلى ذلك، قال وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، إن موسكو ستدافع عن مصالحها بحزم ولن تقدم تنازلات من طرف واحد، خلال المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن ضمانات الأمن. وتابع: “نحن الآن نعمل على حقيقة أن هذا الخط الحازم يهدف إلى الدفاع عن مصالحنا ورفض تقديم تنازلات أحادية الجانب. لا تأخذ في الاعتبار توازن المصالح، وذلك من أجل تنفيذ هذا النهج بأكبر قدر ممكن من النجاعة”. كما أكد أن “من أولويات موسكو خلق ظروف مواتية لتنمية روسيا، وضمان أمنها، ورفع مستوى رفاهية مواطنيها”.

ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تشر بأنها ستتدخل عسكريًا في حالة هجوم القوات الروسية على أوكرانيا. لكنها أكدت على أولوية فرض عقوبات اقتصادية على روسيا.

وعقد الرئيس جو بايدن محادثات مغلقة مع الرئيس الروسى فيلاديمير بوتين. وكان ذلك ضمن محاولات وضع حلول دبلوماسية بدلاً من التصعيد العسكري. الأمر الذي يبعث بتساؤلات متفاوتة حول مسارات الأزمة. خاصة في ظل ما تتسم به من استقطاب غربي لأوكرانيا وتصعيد عسكري روسي.

أبعاد الأزمة الأوكرانية

اتجهت الولايات المتحدة والناتو إلى توسيع نطاق نفوذهما في منطقة البحر الأسود، بحسب مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. وفي المقابل حاولت أوكرانيا استغلال هذه المساعى في استقطاب الدعم الغربي في الإقليم لمواجهة روسيا. وكلا الموقفين السابقين يصطدمان بسياسة روسيا، التي لا تسمح بالمساس بمصالحها الإقليمية وخاصة من قبل منافسيها. وفي هذا الإطار، تعددت الأبعاد التي عبرت عنها الأزمة الأوكرانية.

من بين الأبعاد الاستراتيجية التي تجعل الأزمة الأوكرانية عاملاً مؤثرًا ومهمًا في العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب وروسيا “أهمية البحر الأسود لدى روسيا والغرب”. إذ تمثل منطقة البحر الأسود رئة مهمة لروسيا تحقق بها العديد من المصالح الاقتصادية في مجالات الطاقة والتجارة والاقتصاد. ويعد البحر الأسود المياه الوحيدة الدافئة التي تستطيع السفن العبور منها شتاءً. كما تستخدم روسيا أيضًا قواعدها في البحر الأسود، التي يقع كثير منها في شبه جزيرة القرم، لشن عمليات عسكرية في سوريا.

جندي من حلف الناتو.

وقد دفعت السياسات الروسية حلف الناتو إلى تبني خطوات للتدخل في الإقليم، حسبما يوضح مركز الأهرام. إذ استخدمت روسيا سلاح الطاقة كورقة ضغط على أوكرانيا عام 2006 ومرة أخرى عام 2009 حين أوقفت روسيا إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا من خلال أوكرانيا. كما زادت من سعر الغاز الأوروبي، ووسعت نفوذها في الشرق الأوسط. وكذلك تعاونت مع دول من إقليم البحر المتوسط، التي ترى دول الاتحاد الأوروبي أنها منطقة نفوذ لها. ثم غزت جورجيا والقرم عام 2014.

عليه، اتجه حلف الناتو إلى استقطاب دول الإقليم الآسيوي لإعادة فرض القوة لصالحه في الإقليم. وشملت المحاولات توسيع النطاق الجغرافي للحلف ليضم رومانيا وبلغاريا. الأمر الذي أدى إلى وجود ثلاث دول من المطلة على البحر الأسود داخل الحلف. وتشارك أوكرانيا وجورجيا في برنامج الناتو للشراكة من أجل السلام، في حين باتت جورجيا مرشحة رسميًا للانضمام للحلف.

اقرأ أيضًا: هل يحمل العام الجديد تحالفا استراتيجيا بين روسيا وإيران؟

كابوس التقارب الروسي الصيني

في ظل ذلك كله، يبدو التقارب الحاصل حاليًا بين روسيا والصين في مواجهة الولايات المتحدة أشبه بـ”كابوس استراتيجي حقيقي” لواشنطن، كما يصفه الكاتب والخبير السياسي الأمريكي، كلينت مالوري. وهو يوضح -عبر منصة “19fortyfive” المعنية بشؤون الجيش والاستراتيجية العسكرية- أنه في حال قامت كل من بكين وموسكو بتوحيد جهودهما وقدراتهما العسكرية، فإن ذلك سيصبح تهديدًا للولايات المتحدة؛ لأنه من المستحيل هزيمة الصين وروسيا معًا.

يرى مالوري أن واشنطن قادرة على إثارة توترات بين روسيا والصين، وذلك ضروريًا لتضييع جهودهما، على حد قوله. كما يجب على الإدارة الأمريكية في الوقت نفسه البدء بحوار موضوعي مع موسكو من أجل انتزاعها من حضن بكين.

وترى روسيا التهديد الفعلي لها أوروبيًا، وهذا منطقي طالما هناك توسع للناتو باتجاه الشرق وصولاً إلى الحدود الروسية. كما أنه يعني أن حتى مساهمة إيجابية صغيرة من الولايات المتحدة يمكن أن يكون لها تأثير على سلوك روسيا، نحو تغيير موقفها تجاه الصين. وهذا في صالح واشنطن، كما يرى مالوري.

ومن ثم، فإن الولايات المتحدة مطالبة -وفق مالوري- بمفاوضات جادة مع روسيا بشأن توسع حلف شمال الأطلسي شرقًا. وأيضًا تعديل قانون “مواجهة أعداء أمريكا من خلال العقوبات”. وفي الأخير إعادة موسكو إلى مجموعة الدول السبع الكبرى، وبدء حوار مع الكرملين. وذلك كله “مجرد نقطة انطلاق”.