عاودت أزمة الشحن العالمية ضرب الاقتصاد العالمي مجددا مع موسم أعياد الميلاد. لتثير مخاوف من امتداد أزمة التضخم العالمية حتى عام 2023.

كانت تكلفة الشحن حتى وقت قريب، لا تدخل ضمن حسابات الاقتصاديين للتضخم والناتج المحلي الإجمالي. وتميل الشركات إلى القلق بشأن المواد الخام وتكاليف العمالة أكثر من النقل، لكن الأمر تغير مع الأزمة الأخيرة.

مع شحن 90% من البضائع في العالم عن طريق البحر، فإن ارتفاع التكلفة للخدمات اللوجستية التي لم تعد ظاهرة عابرة. وأصبحت مثيرة للمتاعب بعدما قفزت بأكثر من 750% من مستويات عام ما قبل وباء كورونا.

قفزت أسعار شحن الحاويات حاليا من مستوى 2000 دولار للحاوية. التى يبلغ طولها 40 قدما في 2019 لأكثر من 17 ألف دولار عند الشحن من الصين إلى الساحل الغربى لأمريكا.

حاليا، توجد نحو 100 سفينة عالقة قبالة سواحل جنوب كاليفورنيا تتضمن كل شيء من الإمدادات الطبية إلى الأثاث. بحمولة إجمالية نصف مليون حاوية، ورغم حاجة الأسواق لها في موسم الأعياد.

سلاسل معقدة

سلاسل التوريد معقدة لكنها ببساطة تعني دولة مصنعة لديها منتج يتم شحنه لدولة مستوردة  يتولى فيها شركات تجارية بيعه أو توزيعه. وصولا إلى المستهلك النهائي الذي يتحمل تكلفة جميع المراحل السابقة.

شركات الشحن تريد الإبحار بسفن ممتلئة، ومع زيادة مخزون الحاويات الفارغة. بجانب انخفاض الإنتاج بشكل كبير من الشركات المصنعة في جميع أنحاء العالم. قللت شركات النقل عدد السفن التي تطفو في البحار بشكل كبير، مع تجاوز الموانئ الأصغر لتوفير تكاليف التنقل والتشغيل.

في أواخر الشهر الماضي، فرضت الصين، كجزء من سياستها “صفر كورونا”. حجرًا صحيًا إلزاميًا لمدة سبعة أسابيع لسفن الشحن وطاقمها الذين يخططون للعودة إلى الصين.

يتعين على سفن الشحن التي قامت بتغيير أو أي إضافة لطاقمها في الموانئ خارج الصين الانتظار 14 يومًا قبل السماح لها بالدخول. ما أجبر معظم السفن على تغيير مسارها، مضيفة تأخيرات وتكاليف جديدة.

إرهاق عالمي

دخول موسم الأعياد، اشتكت شركات الشحن من الإرهاق فهي غير  قادرة على شحن المنتجات والهدايا للوصول في الوقت المناسب. بسبب المشكلة المستمرة لنقص حاويات الشحن التي حدثت لأول مرة عندما بدأ جائحة كورونا عام 2019.

تتفاقم مشكلة  نقص الحاويات أيضا بسبب لوائح الإغلاق، ونقص الموظفين. فالمملكة المتحدة عانت نقصًا في سائقي الشاحنات الثقيلة التي أدت إلى قيام فيلكس ستو. أكبر ميناء في المملكة المتحدة. بابعاد السفن القادمة من آسيا الشهر الماضي للعجز عن نقل محتوياتها.

حاولت بعض شركات الشحن العالمية مثل  Hapag-Lloyd حل الأزمة بتوظيف أفضل الحاويات المتاحة. فأوقفت تشغيل الحاويات المبردة للسماح بإرسال البضائع الجافة مثل الأحذية والإلكترونيات إلى المواقع المطلوبة للحاويات المبردة. بينما أعادت بعض الشركات استخدام الحاويات القديمة، وشراء أكبر عدد ممكن منها عند طرحها في السوق.

توجد نحو 25 مليون شاحنة على سطح السفن والناقلات الضخمة في البحار والمحيطات بسبب قيود الحكومات التي فرضتها على الناس. للحد من تفشي العدوى بالفيروس المميت.

ارتفع عدد الأيام التي تنتظرها السفن والناقلات البحرية الضخمة بالموانئ من أقل من يوم واحد تقريبا عام 2019 إلى 8 أيام في بداية 2020. ثم إلى 13 يوما بنهاية 2021 مع تزايد الإصابات من كورونا وطفراته المتعددة.

الأسوأ في 20 عاما

شركات التوريدات الأمريكية تؤكد أن نقص الحاويات التي سجلت أعلى مستوى في عقدين. جعلت دول أوروبا تعاني أزمة بإمدادات المكونات اللازمة للتصنيع خاصة بعد ظهور متحوري دلتا وأوميكرون.

تكررت عبارة أزمة أو مشكلة سلسلة التوريدات أكثر من 3 آلاف مرة في خطابات رؤساء الشركات. المدرجة على مؤشر “ستاندرد آند بورز 500”  بالبورصة الأمريكية  وأحاديثهم للمستثمرين والمستهلكين، بحسب تقرير لوكالة بلومبرج.

يستبعد محللين بقطاع النقل البحري عودة قطاع الشحن بسهولة لما كان عليه عام 2019 قبل ظهور الوباء إلا فى عام 2023 على الأقل.

تعرضت سلاسل التوريد إلى مشكلات مع ارتفاع أسعار الشحن. بسبب تنفيذ قرار المنظمة البحرية الدولية بتقليل نسبة الكبريت المسموح بها في وقود السفن إلى 0.50%  مقابل 3.5%  لمواجهة التغير المناخي الذي رفع سعر التكلفة.

منذ تطبيق القرار تعاطت السفن مع الاشتراطات إما بتطوير المحركات كي تنتقل إلى وقود الديزل منخفض الكبريت. أو تركيب وحدات تنقية لإزالة الكبريت من الوقود الذي يحتوي على نسب عالية؛ أو التحول بالكامل إلى وقود بديل مثل الغاز المسال وغيرها من أنواع الوقود الأخرى، وكلها خيارات مكلفة.

ويدعو المحللون العالم حاليًا إلى التأقلم مع الواقع الجديد لأن قطاع الشحن يعاني من مستويات نقص تاريخي.، بدءاً من المواد الخام مروراً بالسلع الغذائية ونهاية بالسلع المصنعة مثل السيارات، بجانب غياب الرؤية حول موعد الحل.

تأثيرات أزمة الشحن العالمية

تتزامن مشكلات النقل البحري مع أزمات النقل بالطائرات، فالصين قررت عدم نقل البضائع جواً إلى أمريكا الشمالية وأوروبا بدءا من 2022 الحالي. ولكنها عادت وأرجأت تنفيذ القرار حتى  يونيو القادم.

لم تكن تكاليف الشحن الجوى بأسعد حال بعدما تضاعفت الأسعار مرتين لخطوط الطيران التي تربط الصين بمستهلكيها خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وقفزت الأسعار على خط شنجهاي– أمريكا من 8 دولارات إلى 14 دولاراً للكيلوجرام في 4 أشهر.

تأثيرات أزمة الشحن العالمية على الاقتصاد المصري ملحوظة، وتسببت في ارتفاع أسعار العديد من السلع فوفقا لمستوردون. فإن حركة الاستيراد تأثرت بنسبة تتجاوز  30%، وسجلت أسعار الأدوات المنزلية ارتفاعا بنسبة 11% ومنتجات غذائية مستوردة بنسبة ملحوظة على رأسها الفول بنسبة 20%.

سامح جبرة، الرئيس التنفيذي لشركة شرق بورسعيد للتنمية الصناعية، من أنصار مبدأ وجود فرصة للاقتصاد المحلي في أزمة الشحن. بعدما أكد في مؤتمر اقتصادي أخير، أن شرق بورسعيد على بُعد 48 ساعة بحرًا من أوروبا. وهي ميزة يمكن استغلالها فى جذب الاستثمارات والتوريد لأوروبا.