تشهد سجون الاحتلال الإسرائيلي الكثير من الفظائع والانتهاكات في حق الأسرى الفلسطينيين، والذين يتعرّضون إلى أنماط مختلفة من الانتهاكات. التي تطال مجموعة واسعة من الحقوق المكفولة لهم، بموجب المعايير الدولية الخاصة بالأسرى.
ويكشف التقرير السّنوي المشترك لعام 2021. والذي تصدره مؤسّسات الأسرى وحقوق الإنسان الفلسطينية. رصداً لكافّة السّياسات والإجراءات والمُتغيّرات التي طبقّتها وأحدثتها سلطات الاحتلال فيما يتعلّق بالأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، وواقعهم داخل سجون الاحتلال.
ويستند التّقرير الذي تصدره كل من هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني. ومؤسسة الضّمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز معلومات وادي حلوة بالقدس. إلى حصيلة أعمال الرّصد والتّوثيق والمتابعة القانونية والميدانية. والانتهاكات المرافقة لعمليات الاعتقال اليومية وظروف التّحقيق والاحتجاز، وضمانات المحاكمة.
الإهمال الطّبي الممنهج
يلفت عبد الناصر فروانة، رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين بالسلطة الفلسطينية. وعضو اللجنة المكلفة بإدارة شؤون الهيئة في قطاع غزة. إلى أن عام 2021. لم يكن عامًا عاديًا بالنسبة للأسرى والمعتقلين، وفق تأكيده.
ويقول لـ “مصر 360”: الحصاد كان مؤلمًا وقد سقط أسير شهيدًا نتيجة الاهمال الطبي. والمعطيات الإحصائية صادمة لضخامة الأرقام وزيادتها اللافتة عن العام الذي سبقه،
وتعتبر منهجية حرمان الأسرى من الرعاية الطبّية الحقيقية السّليمة، والمماطلة المتعمّدة في تقديم العلاج للمرضى منهم والمصابين. من أهم الأساليب الإسرائيلية لإضعاف الإرادة والجسد على حدّ سواء. ومن خلال رصد الوضع الصّحي للأسرى. يتّضح أن مستوى العناية الصحية “شديد السّوء”، وفق التقرير. لا سيما مع انتشار كوفيد 19 بين صفوف الأسرى نتيجة لبيئة السّجن ولضعف الإجراءات الصّحية المتّبعة.
مساومة وابتزاز وضّغط
وتسببت الظّروف الصحية الصعبة داخل السجون الإسرائيلية في وفاة عشرات الأسرى وزيادة عدد المرضى منهم. وصار علاجهم موضوعاً تُخضِعه إدارات السجون الإسرائيلية للمساومة والابتزاز والضّغط على المعتقلين. كما أثبتت شواهد تغوّل إدارة سجون الاحتلال -بما فيها من سجانين وطواقم طبية- في تكثيف الظروف التي تضاعف عذاب الأسير عند اشتداد مرضه.
وقد استشهد 72 أسيرا في سجون الاحتلال جراء سياسة الإهمال الطبي منذ عام 1967. ووصل عدد الأسرى المرضى في السّجون إلى 600 أسيراً بحاجة لرعاية طبّية مكثفة، علاوة على ارتفاع عدد من أصيبوا بالسّرطان إلى 4 من بينهم الأسير ناصر أبوحميد. و14 أسيراً على الأقلّ مصابون بأورام بدرجات متفاوتة.
وجاءت أبرز الجرائم الطّبية للاحتلال خلال عام 2021 قتل الأسير سامي العمور في 18 تشرين الثّاني/ نوفمبر. وكان قبل ذلك قد تعرّض لسلسلة من الانتهاكات، من خلال نقله المتكرّر عبر “البوسطة” وانتظاره لساعات طويلة قبل وصوله للمستشفى، حيث مكث 14 ساعة منتظرًا في معبار سجن “بئر السبع”. قبل نقله إلى المستشفى رغم وضعه الصحيّ الصعب والخطير. إضافة إلى الأسير حسين مسالمة الذي رحل عن عالمنا بعد الإفراج عنه بفترة وجيزة خلال هذا العام.
العزل الانفرادي
يُعّد “العزل الانفرادي” أبرز السّياسات الممنهجة والمتصاعدة التي تستند عليها إدارة السجون الإسرائيلية في استهداف المعتقلين الفلسطينيين جسدياً ونفسياً. والتي تُشكّل أقسى وأخطر أنواع الانتهاكات التي تمارسها سلطات الاحتلال.
ووفق المنظمات الحقوقية الفلسطينية، يتم احتجاز المعتقل لفترات طويلة بشكلٍ منفرد، في زنزانة معتمة ضيّقة قذرة ومتّسخة. تنبعث من جدرانها الرطوبة والعفونة على الدوام، وفيها حمام أرضي قديم، تخرج من فتحته في أغلب الأحيان الجرذان والقوارض. ما أدى إلى ازدياد في عدد حالات الأسرى الذين بدأوا يعانون من أوضاع نفسية سيئة جراء هذه السياسة، مقارنة مع السنوات الماضية.
وتخضع عمليات العزل في سجون الاحتلال لعدة مستويات، حيث شهد الأسرى عمليات عزل جماعية. وذلك بتحويل بعض أقسام الأسرى إلى زنازين عبر تجريدهم من كافة المقتنيات.
قمع وتنكيل
يتزامن التنكيل بالأسرى وعزلهم مع عمليات الاقتحام والقمع الواسعة التي شهدتها كافة السجون. وكان آخرها ما جرى مع الأسيرات في سجن “الدامون” من عمليات اعتداء وتنكيل غير مسبوقة وعزل ثلاث منهن وهن “شروق دويات، ومرح باكير، ومنى قعدان”. تلا ذلك عملية قمع واسعة في سجن “نفحة”، على إثرها ما يزال عدد من الأسرى في العزل الانفرادي “كعقوبة” حتى تاريخ إصدار التقرير.
وخلال عام 2021، رصدت مؤسسات الأسرى عزل العشرات من الأسرى. وتضاعفت عمليات العزل بعد عملية “نفق الحرّيّة” مع احتدام مستوى المواجهة بين الأسرى وإدارة سجون الاحتلال. حيث جرى عزل مجموعة كبيرة من أسرى الجهاد الإسلاميّ خاصّة. منهم الأسرى الستّة الذين تمكّنوا من تحرير أنفسهم من سجن “جلبوع” خلال شهر أيلول/ سبتمبر. كون خمسة من الأسرى الستة ينتمون لنفس الفصيل.
كذلك تمّ تحويل بعض الأقسام لأقسام عزل، كقسم 6 في سجن “النقب” الذي تم حرقه احتجاجاً على العقوبات بحقّ فصيل الجهاد. وتمّ عزل 14 أسيراً في غرف متفحّمة وبدون أي مقتنيات أو فراش لأكثر من 35 يوماً.
سياسة العقاب الجماعي
صعّدت إدارة سجون الاحتلال استخدام سياسة العقاب الجماعي بعد عملية “نفق الحرّيةّ”. تمثلت في سلسلة من الإجراءات التّنكيلية والانتهاكات المنظّمة، وفرض مستوى أعلى من العنف خلال عمليات القمع. وما تلاها من عمليّات عزل ونقل. وحرمان من الزيارة و”الكانتينا”، وفرض الغرامات الماليّة الباهظة، وتجريد غرف الأسرى من احتياجاتهم الأساسية.
وواجه الأسرى الفلسطينيون هذه السياسة بخطوات نضالية منظمة شارك فيها كافة الأسرى. وشكّل إضراب أسرى الجهاد الإسلاميّ، والبرنامج المساند الذي نفّذته كافة الفصائل في السجون. إحدى أبرز المحطّات التي تمكّن الأسرى من خلالها حماية جُملة من المنجزات التي حققوها.
لكن التلويح باستهداف هذه المنجزات كجزء أساسي من عمليات العقاب الجماعي تعود بين الفينة والأخرى. لاستهداف أي حالة “استقرار” يمكن أن يعيشها الأسير. مع محاولة فرض مزيد من السيطرة والرقابة.
ومنذ عام 2019 شهد الأسرى تصاعدت عمليات القمع كإحدى أبرز أدوات هذه سياسة. حيث سُجّلت أعنف عمليات القمع منذ أكثر من عشر سنوات، خلالها أصيب العشرات من الأسرى بدرجات متفاوتة.
استمر مستوى العنف خلال العام الجاري 2021، وسُجلت أبرز هذه العمليات بحقّ أسرى سجن “جلبوع” تحديدًا بعد عملية “نفق الحرّيّة”. حيث جرى قمع العشرات من الأسرى، وفرضت عقوبات جماعية بحقّهم. وسُجلت إصابات تحديدًا بين صفوف الأسرى في قسم 3. بعد احتدام المواجهة بين الأسرى وإدارة السجن.
بعد ذلك امتدت المواجهة في عدة سجون، أبرزها كان في سجني “النقب”، و”ريمون”.
العقاب بمنع الزيارات
نصت المادة 116 من اتفاقيات جنيف الرابعة الخاصة بحقوق الأسرى أنه “يسمح لكل شخص معتقل باستقبال زائريه -وعلى الأخص أقاربه- على فترات منتظمة. وبقدر ما يمكن من التواتر. ويسمح للمعتقلين بزيارة عائلاتهم في الحالات العاجلة، بقدر الاستطاعة. وبخاصة في حالة وفاة أحد الأقارب أو مرضه بمرض خطير”.
رغم ذلك، ظلّت النّصوص والمواثيق الدولية مجرد “لفتات إنسانية” تمنحها سلطات الاحتلال الإسرائيلي للأسير الفلسطيني وقتما وكيفما شاءت. وتصادرها تحت ذرائع مختلفة أبرزها “الأمن”. دون مساءلة، ودون أن تشعر بأدنى حاجة لتبرير ذلك.
جعلت إسرائيل من حق الزيارة وسيلة للعقاب الجماعي لكل من الأسير وزائريه. فمنعت الغالبية العظمى من الأقارب بداعي “المنع الأمني”، بمن فيهم أطفال صغار وآباء كبار وأمهات طاعنات في السن.
وحينما تسمح لبعض الأفراد من درجة القرابة الأولى بالزيارة، فإنها تحمَّلهم أعباء الطريق الطويل. ومشاق السفر، ومضايقات الحواجز العسكرية، وأحياناً اعتداءات المستوطنين. في رحلة تمتد من شروق الشمس حتى غروبها.
بعد هذا، على الزائر أن يتحمل استفزازات السجانين واجراءات التفتيش وغيرها. وأحيانا يصل الأهل إلى بوابة السجن بعد عناء طويل فيصدمون بأنه تم نقل الأسير الى سجن آخر، أو أنه “معاقب” من الزيارة.
فن التعذيب
وفق التقارير الأخيرة، يتفنن الاحتلال في تعذيب الأسرى جسدياً ونفسياً، وسلب الحقوق المكفولة دولياً تحت ذرائع متعددة. حتى تحولت زيارات الأهالي إلى ورقة ضغط ومساومة ووسيلة للعقاب لأتفه الأسباب. ليُعاني الأسرى وعائلاتهم جراء عدم انتظامها، ومنع الكثير من الأهالي لذرائع أمنية. وتوقفها منذ سنتين بالنسبة لأهالي أسرى غزة.
ويلفت فروانة في حديثه لـ “مصر 360” إلى أن مصادرة حق الأسرى وذويهم في التزاور، ووضع العراقيل أمام انتظام الزيارات. ليس إجراء إسرائيلياً استثنائياً تفرضه ظروف أمنية طارئة ومؤقتة بحقّ عدد من الأسرى أو مجموعة صغيرة من أقربائهم. وإنما أضحت إجراءات ثابتة، وتُطبّق في إطار سياسة عليا وعامّة بحقّ جميع الأسرى والمعتقلين.
ويضيف أن الأمر لا علاقة له بالأمن، كما تدّعي سلطات الاحتلال دوماً “إلى درجة أن رأينا ما يقارب من ثلثي أهالي الأسرى -بل وأكثر من ذلك- لا يحظون بالزّيارة. بفعل القانون الإسرائيلي -الذي أُقرّ عام1996- والذي يسمح فقط لمن هم من فئة القرابة الأولى. أو تحت ذريعة “المنع الأمني”.
ذريعة كوفيد 19
منذ انتشار جائحة كوفيد 19 في آذار/مارس عام 2020، أوقفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي كافة الزيارات. بذريعة الخشية على الأسرى، وتجنبا لنقل العدوى إليهم.
فيما لم تتخذ إسرائيل الإجراءات اللازمة لحماية الأسرى في سجونها. ولم توفر آليات للتواصل الإنساني فيما بين الأسرى وذويهم، كبديل عن الزيارات، كي يطمئن كل طرف على الآخر.
فاقم القرار الإسرائيلي من معاناة الأسرى الفلسطينيين وذويهم. وزاد من قلق كل طرف على الآخر في ظل تزايد أعداد المصابين بين صفوف الأسرى وانتشار الفيروس في المجتمع الفلسطيني. استمر الوضع كذلك حتى سُمح بعد شهور طويلة بزيارات متقطعة وفي أوقات متباعدة لأسرى القدس والضفة.
لكن ما زالت الزيارات تسير بصعوبة في ظل وجود عراقيل كثيرة. فبالرغم من تلقي الأسرى وذويهم الّلقاح المضاد، بقيت زيارات أسرى قطاع غزة متوقفة دون أسباب حتى كتابة هذا التقرير نهاية عام 2021. رغم أن التّنقل من وإلى قطاع غزة باتّجاه الدّاخل قائم وحركة التّجار والعمّال مستمرّة.
وجددت المنظمات الحقوقية الفلسطينية المشاركة في التقرير النداء للمؤسسات الدولية. خاصة منظمة الصليب الأحمر المسؤولة عن برنامج الزيارات، بضرورة التدخل والضغط على سلطات الاحتلال، من أجل انتظام زيارات الأهل وبرنامج الزيارات لكافة الأسرى والمعتقلين دون معوقات. واستئناف برنامج زيارات أسرى غزة، الذين لم يسمح لهم بالتزاور منذ عامين تقريبا.
اتساع الحراك
يلفت رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين. إلى أن الواقع داخل السجون الإسرائيلية “يزداد وجعًا وألمًا”. وفق تعبيره.
يُضيف فروانة : اليوم، ونحن نتابع واقع السجون، نرى كثير من الانتهاكات والجرائم. وخاصة تصاعد عمليات القمع والتنكيل واستخدام القوة المفرطة واستمرار سياسة الإهمال الطبي، واستهداف الاسيرات وغيرها.
ويشير إلى أن الإجراءات الإسرائيلية تُفاقم من معاناة الأسرى طوال العام. حتى أن تلك الإجراءات “تُشعل السجون”. لافتًا إلى ما حدث حينما استهدفت ادرأه السجون الأسيرات في سجن الدامون.
وأكد الأسير السابق وعضو اللجنة المكلفة بإدارة شؤون الهيئة في قطاع غزة. أن الاوضاع داخل السجون “تنذر بانفجار إذا ما استمرت إدارة السجون في تعاملها القاسي واستهدافها للأسيرات. يقول: اليوم بدأ المعتقلون الإداريون في مقاطعة المحاكم احتجاجًا على استمرار اعتقالهم دون تهمة أو محاكمة. وهذا لربما يؤدي إلى اتساع الحراك النضالي داخل وخارج السجون.