لا يزال الموت يواجه الصحفيين حول العالم في ظل الإفلات من العقاب الذي يشوب الجرائم المرتكبة بحقهم. بينما تزيد وتيرة الاحتجاز والتعنت ضد البعض الآخر، مما يعوق الحق في الحصول على المعلومة. كأحد حقوق الإنسان التي تكفلها المعاهدات الدولية.

وفي عام 2021 مثلا فإن ما مجموعه 45 صحفيا قتلوا في جميع أنحاء العالم بحسب الاتحاد الدولي للصحفيين، والذي يعتبر الرقم الأقل في عدد الضحايا عبر السنوات الماضية.

الاتحاد الدولي للصحفيين ومقره بروكسل قال في بيان “رغم أن هذا الانخفاض نبأ محل ترحيب. إلا أن مسار مواجهة العنف ضد الصحفيين لم ينته”.

وشمل عدد القتلى تسعة في أفغانستان وهو أعلى رقم تتعرض له دولة بمفردها. كما قتل ثمانية في المكسيك وأربعة في الهند وثلاثة في باكستان. وهذه الدول إلى جانب أفغانستان، شكلت أعلى حصيلة من الصحفيين القتلى.

وقال الاتحاد إن العاملين في مجال الإعلام “يُقتلون في أغلب الأحيان لفضحهم الفساد والجريمة وإساءة استخدام السلطة في مجتمعاتهم ومدنهم وبلدانهم”.

وتدين منطقة آسيا والمحيط الهادئ بموقعها الأول في قائمة القتلى لوضع الصحفيين في أفغانستان. بعد عودة تنظيم طالبان إلى السلطة مع عدم تسامحها المعلن تجاه التقارير المستقلة والموقف العدائي لمشاركة المرأة في الحياة العامة. بما في ذلك العمل كصحفيين. وانهيار الحكومة الأفغانية وانسحاب القوات الغربية وترك آلاف الصحفيين يتدافعون للوصول إلى بر الأمان. خارج بلادهم والتخلي عن حياتهم المهنية ومعيشتهم.

المراقبة الجماعية للصحفيين

ليست هذه هي الانتهاكات الوحيدة بحق الصحفيين في ممارسة مهنتهم بأمان واستقلالية بحسب المنظمة. إذ شجب الاتحاد الدولي للصحفيين الشكل الجديد للمراقبة الجماعية للصحفيين، Pegasus. والذي يستخدم للتدخل في اتصالات آلاف الأشخاص، بما فيهم الصحفيون.

حتى التطور الإيجابي الوحيد النادر للصحفيين، وهو منح جائزة نوبل للسلام لعام 2021 للصحافيين ماريا ريسا وديمتري موراتوف. كان بمثابة تذكير بالتضحيات التي قدموها في خدمة حرية الصحافة والديمقراطية في بلدانهم، مثل كثيرين. أي من زملائهم في جميع أنحاء العالم وفقا للمنظمة.

ولازالت “تهديدات عصابات الجريمة وعصابات المخدرات من الأحياء الفقيرة في المكسيك إلى شوارع المدن الأوروبية في اليونان وهولندا في ازدياد مستمر بحسب التقرير.

الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين، أنتوني بيلانجر قال “على العالم أن يستيقظ على الانتهاكات المتزايدة لحقوق الصحفيين والحريات الإعلامية في جميع أنحاء العالم. فقوائم الصحفيين المسجونين والزملاء الذين قتلوا هي دليل واضح على أفعال متعمدة لقمع التقارير المستقلة”.

وتابع “إن مثل هذه الجرائم تؤشر إلى انتهاك الحق الأساسي للأشخاص في الوصول إلى معلومات دقيقة وموضوعية وعادلة. حتى يتمكنوا من اتخاذ خيارات مستنيرة بشأن الشؤون العامة، وهو أمر ضروري لمجتمع شامل وحكم ديمقراطي حقيقي”.

ويحث الاتحاد الدولي للصحفيين الأمم المتحدة على اعتماد اتفاقية بشأن سلامة الصحفيين لتعزيز وحماية وضمان سلامة الإعلاميين في أوقات السلم وأثناء النزاع المسلح. وحماية قدرتهم على ممارسة مهنتهم بحرية واستقلالية دون مواجهة المضايقات أو الترهيب أو الاعتداء على سلامتهم الجسدية.

صحفيون رهن الاحتجاز

ورغم تراجع خطر الحروب، والنزاعات الأهلية المسلحة، في ظل عدم قدرة عدد كبير من الصحفيين على التنقل وإرسال تقارير مفصلة. إلا أن ذلك يؤشر إلى خطر يخص حرية الصحافة التي زادت المحرمات بشأنها.

وفي السياق نفسه أعلنت منظمة مراسلون بلا حدود قبل نحو أسبوعين وجود 488 عاملًا في مجال الإعلام مسجونًا في العالم حاليا. بينما قالت إن عدد القتلى بلغ 46 صحفيا، وأشارت أيضًا إلى أن الرقم هو الأدنى منذ أن بدأ الإحصاء في عام 1995.

وقالت المنظمة الحقوقية الدولية “لم يكن يومًا عدد الصحافيين المسجونين مرتفعًا إلى هذه الدرجة منذ إنشاء التقرير السنوي لمنظمة مراسلون بلا حدود عام 1995”.

وانتقدت المنظمة الزيادة في أعداد الصحفيين المحتجزين بنسبة 20% في عام واحد. والتي تخص ثلاث دول بشكل أساسي هي بورما وبيلاروس والصين خاصة بعد إقرار الأخيرة قانونا للأمن القومي والذي فرضته في هونج كونج عام 2020. والذي تسبب في ارتفاع حاد في عدد الصحفيين المعتقلين.

كما أوضحت المنظمة ارتفاع عدد الصحفيات المعتقلات بشكل غير مسبوق إذ يبلغ ستين صحفية. بنسبة زيادة تتخطى 30% مقارنة بالعام 2020.

وكانت بيلاروس هي الدولة التي احتجزت 17 صحفية امرأة، وذلك أكبر من عدد الصحافيين الذكور الذي بلغ 15 صحفي رجل.

أما الدول الخمس التي سجّلت أعلى عدد صحفيين معتقلين حتى الأول من ديسمبر هي الصين بواقع 127 صحفي. وبورما 53 صحفي، وفيتنام 43 صحفي، وبيلاروس 32، والسعودية 31 صحفي على التوالي.

كما اعتبرت مراسلون بلا حدود أيضًا عدد 65 صحافيًا ومتعاونًا مع وسائل إعلام. بمثابة رهائن في العالم أي بنسبة أكبر من العام الماضي.

فيروس “التضليل الإعلامي” وكورونا

كان مؤشر “RSF”  لهذا العام، والذي يقيم حالة حرية الصحافة في 180 دولة ومنطقة سنويًا، قال إن الصحافة التي تعد أفضل لقاح ضد فيروس “التضليل الإعلامي”. محجوبة تمامًا أو معاقة بشكل خطير في 73 دولة ومقيدة في 59 دولة أخرى، والتي تمثل مجتمعة 73% من الدول التي تم تقييمها.

وتعكس بيانات المؤشر تدهوراً كبيراً في وصول الناس إلى المعلومات وزيادة في العقبات التي تعترض التغطية الإخبارية. كما تم استخدام جائحة الفيروس التاجي كأساس لمنع وصول الصحفيين إلى مصادر المعلومات والتقارير الميدانية.

وقد أظهرت البيانات أن الصحفيين يجدون صعوبة متزايدة في التحقيق في الأخبار الحساسة والإبلاغ عنها. خاصة في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا.

يكشف مقياس Edelman Trust لعام 2021 عن مستوى مقلق من عدم ثقة الجمهور بالصحفيين. حيث قال 59% من المشاركين في 28 دولة إن الصحفيين يحاولون عمدًا تضليل الجمهور من خلال الإبلاغ عن معلومات يعرفون أنها خاطئة.

وفي الواقع، تعمل التعددية الصحفية والتقارير الصارمة على مكافحة المعلومات المضللة. بما في ذلك المعلومات الخاطئة والمضللة.

الصحافة أفضل لقاح ضد التضليل الإعلامي

وفي هذا الصدد اعتبر الأمين العام لمنظمة “مراسلون بلا حدود” كريستوف ديلوار أن “الصحافة هي أفضل لقاح ضد التضليل الإعلامي، والتي غالبًا ما يتم عرقلة إنتاجه وتوزيعه بسبب عوامل سياسية واقتصادية وتكنولوجية وأحيانًا ثقافية”.

وفي ظل انتشار المعلومات المضللة عبر الحدود وعلى المنصات الرقمية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي. توفر الصحافة أكثر الوسائل فعالية لضمان أن يستند النقاش العام إلى مجموعة متنوعة من الحقائق الثابتة بحسب ديلوار.

ولاتزال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا محافظة على المركز الأخير في الترتيب من حيث حرية الصحافة. ويتم استخدام النظام القضائي لإسكات الصحفيين كما تعد كل من السعودية ومصر وسوريا أكثر دول الشرق الأوسط استبدادا باحتلالها المرتبة 170، 166، 173 بالترتيب، كما تحتل الجزائر المرتبة 146 والمغرب 136.