تكفل غالبية دساتير العالم حماية الملكية الخاصة للأفراد، ولا تجيز تجريدهم من ملكياتهم بطريقة تعسفية، وفي ذات الوقت تضع الدساتير للدولة كسلطة حاكمة الحق في سحب أو نزع ملكية مواطنيها في حالة الاحتياج لها لأغراض النفع العام لجميع المواطنين، ويمثل الدستور البرازيلي نموذجاً مثالياً لذلك الأمر، حال كونه قد وضح بشكل صارم حالات إجازة نزع الملكية من الأفراد بغرض النفع العام، فقد جاء النص في المادة 170 من الدستور البرازيلي تجعل الملكية الخاصة واحدة من المبادئ العامة للنظام الاقتصادي الوطني. وتكفل المادة 5 الحق في الملكية كحق أساسي لجميع البرازيليين والأجانب المقيمين في البلاد. ومع ذلك فإن المادة 5 من الدستور البرازيلي تسمح لسلطات الدولة أن تستخدم الملكية الخاصة فقط “في حالة وجود خطر عام وشيك.

وقد جاء الدستور المصري الذي تمت صياغته حديثاً 2014 مشابه جداً لدستور 2012 فيما يتعلق بحقوق الملكية الخاصة. فالمادة 33 من دستور 2014 تنص على أن “الدولة تحمي الملكية، وهي ثلاثة أنواع: الملكية العامة، والملكية الخاصة، والملكية التعاونية، وتحمي المادة 35 حق ملاك العقارات في أن ينقلوا أصولهم إلى الورثة كما تحميهم من المصادرة إلا في الحالات التي يحددها القانون. ولكن على صعيد آخر، فإن هذه المادة تحمي حق الدولة في مصادرة الملكية الخاصة من أجل المنفعة العامة، وذلك بقولها إن : “الملكية الخاصة مصونة، وحق الإرث فيها مكفول، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون، وبحكم قضائي، ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل يدفع مقدماً وفقاً للقانون”.

ويمثل قانون نزع الملكية لغرض المنفعة العامة أحد أهم أدوات السلطة في تطوير وتحديث المشروعات العمرانية، وهو ما يتيح لها وينظم للسلطة كيفية نزع ملكية الأفراد الخاصة بإرادة منفردة من السلطة لتنفيذ تلك المشروعات العامة، ومن أهم الأمثلة في ذلك توسعة الطرقات والكباري وإناء المدارس وما إلى ذلك من مشروعات تتصف بالنفع العام. وعلى الرغم من كون تعديلات قانون نزع الملكية قد حددت حالات نزع الملكية للنفع العام، إلا أنه قد تركت الباب مفتوحا للسلطة التنفيذية في أن تضيف ما تراه من مشروعات عامة بموجب قرارات من مجلس الوزراء، وهذا نوع من التوسع في التشريعات، مستخدمة نصوص الإحالة، وهو ما يعني أن هناك استحداث تشريعي دون أن يخرج من رحم السلطة التشريعية المختصة، كما أنه من زاوية أكثر عمقاً ما يخرج عن نطاق اللوائح والقرارات الوزارية، ومن ناحية الواقع يجعل السلطة التنفيذية هي صاحبة الاختصاص في التحديد والتشريع والتنفيذ.

كما أن قانون نزع الملكية على الرغم من تحديثه بموجب القانون رقم 187 لسنة 2020 لم يضف جديداً لصالح المواطنين سوى في إلزام الحكومة في دفع التعويضات مقدماً عن طريق إيداع قيمة التعويضات أحد البنوك الحكومية، ولكن لم يلتفت القانون إلى ضرورة موافقة المواطنين المنزوعة ملكيتهم، أو إلى تقدير قيمة التعويض قبل النوع بما يتناسب مع قيمة ما يتم نزعه بما يعني أن يكون التعويض عادلاً بما يتناسب مع قيمة ما تم نزعه من ملكيات الأفراد، حتى ولو كان القانون قد أفسح المجال للمواطنين للطعن على تقديرات التعويضات المقررة لهم عن نزع ملكياتهم، إذ أن الموضوع في حالات نزع الملكية يتجاوز مبدأ جبر الضرر، حيث يكون المواطنون في حالة ملحة لاستبدال ما تم نزعه منهم من ملكية والتي في غالبيتها تكون مساكن أو أراضي زراعية، وهو ما يرتبط بالحق في السكن أو الحق في العمل، وتأخير مبلغ التعويض في حالة الطعن يصيب المتضررين بأضرار بالغة الخطورة على مستوى حياتهم. وهذا ما نجده في تشريعات بلدان لم تكن أسبق من مصر في مجال التطوير القانوني، فنجد مثلاً في السعودية فقد أعلنت الهيئة العامة لعقارات الدولة عن تحديثات في نظام نزع الملكية بما يضمن تقييم قيمة التعويضات بشكل جدي، وكذلك يضمن سرعة الفصل في إجراءات نزع الملكية وطعون التعويضات.

ولابد وأن نلفت نظر القائمين على التشريع وأيضاً القائمين على شؤون الدولة إلى مراعاة الملكية الخاصة المحمية بموجب نصوص الدستور، بما يضمن أن تكون الغاية الحقيقية من وراء نزع الملكية لا تخرج عن نطاق المصلحة العامة، وهو الأمر الذي يعني أن تقوم الدولة بالبحث عن البدائل المتاحة لإقامة مشروعاتها العامة وأن تتوخى الحذر في حالة نزع ملكة المواطنين، بحيث لا يكون هناك بديل عن إجراء النزع لإقامة ذات المشروع، ونضرب لذلك مثلاً من الحياة العامة في مصر، فقد قامت الحكومة المصرية بنزع ملكية قطعة من الأرض الزراعية من أجل إقامة مشروع الصرف الصحي بناحية منشآة القناطر لبعض القرى الواقعة في هذا النطاق، ولكن ذات السلطة وقبل أن يبدأ ذلك المشروع في العمل، قامت الدولة بنزع ملكية قطعة أرض زراعية جديدة ملاصقة لذات القطعة الأولى لإقامة مشروع صرف صحي لقرية أم دينار، وهي قرية من قرى نطاق زمام منشاة القناطر، وكان من الأجدر أن تقوم الدولة بضم هذه القرية لذات المشروع الأول دون الحاجة لإقامة محطة جديدة للصرف الصحي حرصاً منها على الرقعة الزراعية، وحرصا على المال العام كذلك. وهذا من قبيل الإجراءات الإدارية التي يجب أن تراعي فيها الهيئة القائمة على إجراءات نزع الملكية وإقامة المشروع العام مراعاتها، لكونها تنفق من الموازنة العامة للدولة بما يمثل إهداراً للمال العام في صورة حية للإهدار.

ومن هنا فإن الأمر لا يقف عند حد التشريعات التي يجب تطويرها بما يتناسب مع حفظ الحقوق واحترام الملكية الخاصة، وكذلك أن يكون خيار نزع الملكية هو الخيار الأخير للدولة، إذ عليها أولاً أن تسعى لإيجاد البدائل عن ذلك، كما أنه يجب أن يتم تقدير قيمة التعويض بما يتناسب بشكل أساسي مع قيمة ما تم نزعه من ملكية المواطنين، إضافة إلى ضمان ما يكفل تعويضهم عن الأضرار التي يسببها قرار النزع سواء كانت أضرار مادية أو معنوية، ذلك جميعه علاوة على أن تحسن السلطة استغلالها واستخدامها للمال العام على نحو لا يسمح بتبديده في طرق لا تعبر عن حقيقة دور الدولة، وبما يضمن الحفاظ على ثروات البلاد وحقوق المواطنين في المال العام.