تراهن وزارة التموين على البورصة السلعية المنتظر تدشينها خلال ثلاثة أشهر، لضبط أسعار العديد من السلع الغذائية والإستراتيجية. وذلك عبر تقليل حلقات تداول السلع من منتجها حتى وصولها للمستهلك النهائي.
الاختصار الذي توفره بورصة السلع يعني التعاقد على شراء المنتجات بشكل مباشر بين المنتج والموزع الأخير غالبًا. لكن اسمها المزدوج بين السلعة والبورصة لا يعني أنها بمثابة سوق للشراء مفتوح أمام التجار.
ما هي البورصة السلعية؟
البورصة السلعية هي سوق إلكترونية شبيهة بتداول الأسهم في البورصة. مع اختلاف أن ما يتم تداوله عبرها إما سلع سواء منتجات غذائية أو عقود على سلع مستقبلية. فهي منصة لتداول العقود، وليس السلع نفسها.
ببساطة، هي موقع إلكتروني ستنشئه وزارة التموين يتم خلاله عرض مجموعة من السلع جاهزة للتسليم الفوري وتحديد الكميات المتاحة منها. ويبدأ التجار في تقديم عروض لشرائها إلكترونيًا أو المزايدة على السعر وصولاً إلى قبول المنتج البيع.
هل يستفيد المستهلك؟
تتحدث وزارة التموين عن أن تلك الوسيلة التي تقرب المنتج بالتاجر دون حلقات وسيطة ستقلل السعر النهائي الذي سيصل للمستهلك. وبالتالي يستفيد حتى لو لم يكن طرفًا مباشرًا في عملية التداول.
لتقريب الصورة، يمكن ضرب مثال بمحصول البطاطس الذي يباع في أنحاء مصر بأسعار مختلفة للكيلو الواحد، بحسب المحافظة والمنطقة السكنية. فالمناطق الراقية يصل فيها سعر الكيلو إلى 10 جنيهات بينما يصل في الشعبية إلى نصف المبلغ (5 جنيهات للكيلو).
يخرج محصول البطاطس تسليم الأرض الزراعية بسعر لا يتجاوز جنيهين للكيلو من “تاجر الأرض” الذي يشتري المحصول من أرض المزارع. وبعدها يقوم الأخير بتوريد المنتج لتاجر الوكالة أو صاحب ثلاجة بسعر يصل إلى 3 جنيهات. ليبيعه الأخير لتاجر تجزئة بسعر 4 جنيهات وقد يبيع تاجر التجزئة لآخر. ويضيف الأخير عليه القيمة التي يريدها، وتسمى تلك المراحل الحلقات الوسيطة التي ترفع السعر على مدار رحلة توزيعه.
رقمنة القطاع الزراعي
تسعى البورصة السلعية أيضًا لضم المزارعين إلى منظومتها الإلكترونية. وهو ما يمكنهم من عرض سلعتهم والحصول على أعلى سعر بعد مزايدة أكثر من تاجر على السعر. وبالتالي تعتبر تشجيعًا للفلاح على استمرار الزراعة ورفع العائد مقابل الارتفاع المستمر في تكاليف الإنتاج من أسمدة وري وحرث وحصاد.
كما أن البورصة السلعية إحدى وسائل تعزيز الصادرات عبر تقليل الفاقد من المنتج. فبعض المحاصيل سريعة التلف تتعرض كميات كبيرة منها للهدر مع طول فترات النقل من الأرض للمستهلك النهائي. خاصة مع النقل العشوائي الذي لا يراعي طبيعة المحصول فيتم في درجات حرارة مرتفعة.
الحد من الفاقد والتلف
تتراوح نسبة الفاقد في محاصيل الخضر والفاكهة بمصر بين 15 و30%. وتستهدف استراتيجية التنمية الزراعية حتى 2030، خفض الفاقد في الإنتاج الزراعية بنسبة 50% من مستوياته الحالية.
وتشير دراسات لوزارة الزراعة إلى أن الفاقد في الخضراوات مثل الفاصوليا الخضراء يناهز 17% والخيار 18% والطماطم 25% والفلفل 15% البصل 11% والبطاطس 8%.
بالنسبة للفاكهة، تبلغ نسبة الفقد في البرتقال 9% والتفاح 20% والعنب 9% والموز17% والمانجو 15%. وكلها بسبب تأخر التجار في نقل المحصول أو عجز المنتِج عن تسويقه قبل موعد الحصاد. أو عرضه بصورة بدائية في ظروف غير ملائمة.
كما تستهدف الدولة أيضًا إدخال سلع أساسية مثل الحديد والذهب والدواجن المجمدة والسكر والأرز للبورصة السلعية أيضًا. وخضعت للتجربة في الموسم القمح خلال يوليو\تموز الماضي بتسوية إلكترونية في 450 نقطة تجميع. بحيث تم تسجيل الأقماح الموردة من التجار إلى الموردين رقميًا .
طبيعة المنتجات في بورصة السلع
وبسبب طبيعة المنتجات المطروحة في البورصات السلعية من العمر الطويل، تضم قائمة السلع الأكثر تداولًا في العالم: النفط الخام الذي يعتبر أحد أهم السلع العالمية، وهو منتج بترولي غير مكرر يتم إنتاجه بشكل طبيعي، والذهب، والخشب اللين والخشب الصلب. يستخدم الخشب اللين بشكل أساسي في البناء، بينما يستخدم الخشب الصلب في تشييد الأرضيات والأثاث، والغاز الطبيعي، والقطن وهو الألياف الأكثر استخدامًا في العالم.
كما تشمل السلع الأخرى التي يتم تداولها في بورصات السلع بصورة واسعة: الفضة، والبلاتين، والأرز، والسكر، البرتقال، والشوفان، والماشية، والذرة، والنحاس، والكاكاو، وفول الصويا، والبن.
آلية العقود الآجلة
تركز الحكومة حاليًا جهودها على التعاملات ذات التسليم الفوري. لكن البورصات السلعية مرتبطة أكثر بالعقود الآجلة “المستقبلية“، التي يتم فيها الاتفاق بين بائع ومشتر، على بيع كميات من سلعة معينة بوقت لاحق بسعر متفق عليه مقدماً بدون التقيد بسعرها الجاري في السوق.
وأكثر بورصة السلع شهرة في أوروبا هي بورصة إنتركونتيننتال، وهي بورصة سلع إلكترونية بدون أرضية تداول فعلية. وبورصة لندن للمعادن، وهي بورصة تداول السلع المادية الوحيدة المتبقية في أوروبا، وتعتبر المركز العالمي لتجارة المعادن الصناعية. حيث يتم التعامل هناك بأكثر من ثلاثة أرباع جميع الأعمال الآجلة للمعادن غير الحديدية.
بالنسبة لسوق الدواجن، فسيتم تدشين بورصة سلعية لها تتضمن ثلاثة قطاعات رئيسية. الأولي المزارع والثانية شركات الأدوية والثالثة الأعلاف، بما يسمح بتحديد سعر مناسب لتداول الدواجن، ومن ثم علاج أي خلل في عملية التسعير.
ما خصائص السلع المتداولة؟
توجد خصائص محددة للسلع التي يتم تداولها ببورصات السلع. أولها أن تكون ذات إقبال من التجار وبأوزان كبيرة، وقابلة للوضع ضمن فئات أو أنماط بجانب التخزين لفترات طويلة. وبالتالي من المقرر أن تكون بعض المنتجات فيها مجمدة، وليست طازجة خاصة بالنسبة للدواجن.
ويجرى وضع تصنيف للسلعة وإعطاء درجات لجودة المحاصيل التي سيتم تداولها مباشرة على المنصة الإلكترونية للبورصة. وهي مشكلة بالنسبة لتقدير الفلاح نفسه لدرجة جودة منتجه، وكذلك بالنسبة للتاجر الذي قد يكون لديه تقييم أقل.
خلل محتمل في أسعار وجودة سلع التداول
يطالب البعض بعدم ترك التسعير في البورصة السلعية وفقًا للعرض والطلب. وأن يتم وضع هوامش للسعر حتى تضمن حقوق المنتج والمستهلك على حد سواء. وذلك بجانب التعامل مع البورصات الخارجية، بحيث تمتلك مرونة في التعامل مع المنتجات الغذائية المستوردة من الخارج، وعدم الخضوع لتقلباتها السعرية.
تعتبر بورصة سنغافورة، مثالاً حيًا على ذلك. فعقود زيت النخيل الماليزي التي تتم فيها تأتي بأحجام تداول وكفاءة أعلى من البورصة الماليزية نفسها. في دليل على المرونة التي يمكن أن تكتسبها تلك النوعية من البورصات.
لمحة تاريخية
تأسست أول بورصة سلعية بالعالم في شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1848. وتطورت على مدار عمرها حتي يبلغ متوسط عدد العقود بها سنويًا أكثر من 3 مليارات عقد.
كانت بورصة الإسكندرية من أقدم البورصات بالعالم. إذ تمت أول صفقة قطن محلية مسجلة عام 1885 بمقهى أوروبا السكندري الذي سمى لاحقاً ميدان محمد علي. حيث كان تجار القطن يعقدون صفقات قائمة على العرض والطلب بشأن القطن طويل التيلة (كرنك ومنوف) أو متوسط التيلة (أشمونى، جيزة وزاجورا) ثم امتدت لاحقا لبذور القطن.
ويوجد نموذج حديث نسبيًا للبورصة السلعية، جرى تدشينه بمحافظة البحيرة. ويضم نحو 680 وكالة و120 محلاً للأنشطة المكملة ومدخلات الإنتاج الزراعي و130 ثلاجة بمساحات مختلفة. لكنه لم يستطع تحقيق الهدف الرئيسي من إنشائها، بسبب غياب ثقافة تعامل المزارعين معه واستمرار تعاملهم بالطرق التقليدية.
تأسست البورصة السلعية بالبحيرة، بمنطقة التحرير بمركز بدر على مساحة 57 فدانًا و14 قيراطًا قبل ثلاثة أعوام. وهدفها زيادة صادرات الحاصلات الزراعية عبر إقامة محطات تصدير، وتقليل الفاقد من المحاصيل، ومواجهة مشكلة المخزون الراكد. وتقليل تكاليف النقل والاستفادة من طبيعة محافظة تنتج نحو 80% من الخضروات والفاكهة على مستوى الجمهورية.
تعتبر البورصة الإثيوبية، التي بدأت نشاطها عام 2008، أحد نماذج البورصات السلعية الرائدة حاليا في إفريقيا. فتتداول المنتجات الزراعية المشهورة بها إثيوبيا، مثل: القهوة، والسمسم، والقمح، والذرة، ويقترب حجم التداول بها من مليار طن سنويًا، بقيمة تقترب من 2 مليار دولار.