حتى من دون  الابتزاز المرير الذي تعرضت له الفتاة بسنت ابنة كفر الزيات، ودفعها إلى إنهاء حياتها، فإنها بحكم مرحلتها العمرية كمراهقة، وبحكم نوعها كأنثى، كانت من فئات البشر الأكثر عرضة للتهديد، فالانتحار  هو ثاني سبب للوفاة في المرحلة العمرية من 15 إلى 29 عاما، وكان الانتحار  ثالث سبب لوفاة المراهقين حول العالم بتعداد بلغ 67 ألف وفاة عام 2015، وقد احتل المرتبة الثانية بالنسبة للمراهقات. أما الوفاة نتيجة العنف من المقربين فقد شكلت أكثر من نصف وفيات النساء حول العالم في 2017، فمن بين 87 ألف امرأة قتلت في ذلك العام، قتلت 30 ألف امرأة على يد زوج أو شريك، و20 ألف امرأة على أيدي قريب، وحسب أرقام الأمم المتحدة  فإنه في كل يوم تلقى حوالي 140 امرأة حتفها على يد زوج أو شريك أو قريب.

هكذا يمكننا القول، بأنه حتى في تلك الإحصاءات التي تجمع أطراف العالم بمختلف ثقافاته، ومستوياته الحضارية، يكاد الرجل – بصفة عامة – أن يكون أحد أكبر الأخطار التي تهدد حياة المرأة حرفيا، ويمثل أحد أكبر أسباب وفياتها، من بين أسباب أخرى كالمرض والفقر والكوارث الطبيعية. يقول الكوميدي الهوليودي الشهير لوي سي كي، إن خروج امرأة وحدها مع رجل يكاد يقترب من خطورة الخروج مع أحد الدببة، ومن المفارقات أن لوي سي كي نفسه قد أقر بعد ذلك بإدانته في اتهامات بالتحرش الجنسي وجهتها إليه خمس نساء في 2017.

لايجب أن ننسى “عالمية” تلك الأرقام والأخطار حين نتكلم عن أشكال العنف ضد النساء، لا لنخفف من وقع حضور ذلك العنف في منطقتنا، بل على العكس تماما، لكي “نضيف” إلى تلك التعديات التي قد تتعرض لها المرأة في نيويورك أو لندن أو طوكيو، التعديات الأخرى النابعة من “ثقافتنا”، والتي – لسخرية القدر- تتخفى خلف مسمى “الشرف”.

إن جرائم الشرف لا تقتصر على الأب أو الأخ الذي يقتل إحدى بنات الأسرة حماية لما يظنه شرف العائلة، ولا تقتصر على الجرائم التي لا نعرف عنها شيئا لأنها لم تتخذ زخما إعلاميا أو حتى لأنها لم يتم اكتشافها من الأصل، ولكن واقعة انتحار بسنت هي بدورها واحدة مما يسمى جرائم الشرف، فقد اعتمد الجانيان على تفشي تلك الثقافة الرجعية ليضعا العبء النفسي على الفتاة الضحية، والتي وجدت نفسها مضطرة للدفاع عن نفسها لا في مجتمع قريتها فحسب بل داخل أسرتها نفسها، لكن العبء النفسي، والتنمر، وثقافة لوم الضحية والخوف على “الشرف” الذي “يراق على جوانبه الدم”، كانوا أكبر من قدرة الفتاة المسكينة على التحمل، فتخلصت من حياتها.

وصحيح أن كون الصور التي وزعها الجانيان مفبركة لا ينبغي أن يكون هو أساس النقاش، فالجريمة أولا وأخيرا هي الابتزاز، ولكن ذلك لا ينبغي أن ينسينا أن نسبة كبيرة من “جرائم الشرف” تقوم على الشائعات وفبركة الأخبار، وتطالعنا صفحات الحوادث كل يوم بأخبار من قتلوا شقيقاتهم أو زوجاتهم بداعي “سوء السمعة”، أو بترجمة أخرى “الشائعات”، ناهيك عمن يفبركون حوادث “الشرف” لزوجات أو شقيقات لإجبارهن على التنازل عن ميراث أو نفقة زوجية، إن المفارقة لا حد لها في أن ذلك السلوك الذي يفتقر تماما إلى الشرف يتعلل تحديدا بالشرف، مفارقة لولا الدماء التي تسيل من جرائها لقلنا إنها تنتمي إلى الكوميديا السوداء، وبالطبع لولا ما توفره القوانين من ثغرات للاستفادة منها – أو الهرب من تبعاتها – لما فكر فيها مرتكبوها.

وبالطبع فإن ما جرى لبسنت لا يقتصر على مناطق الريف حتى وإن كان مجتمع القرية المغلق أشد حكما على الأفراد وأصعب إفلاتا من شباكه، كما إن مثل تلك الجرائم يمكن العثور عليها بوفرة في “الإقليم” الذي نحيا فيه، في مصر وفي فلسطين وسوريا والأردن وغيرها، إنها ثقافة منطقة إذا أضفنا أسبابها الخاصة للعنف ضد النساء إلى الأسباب العامة التي تشيع في العالم كله، سنعترف بسهولة أنها قد تكون المنطقة الأخطر على العالم لمعيشة نون النسوة.