سأل أحدهم هل لو كانت صور بسنت حقيقة كنت ستتعاطف معها؟ بين الكلام والفعل مساحة كبيرة من الكشف وضحايا سمعنا بهم ومئات وربما ألوف لم نسمع عنهم، وفي المجمل تقع النساء ضحايا دون إحداث تغيير في الوعي.

النساء ضحايا صورهن

عشرات الأفلام تعرض لقصص نساء يتعرضن للتهديد والابتزاز بسبب صور وخطابات. ففيلم برلنتي (1944- اخراج يوسف وهبي) تخضع الزوجة (أمينة رزق) لتهديد من خطيبها السابق بسبب خطابات لها. وفيلم لمين هواك (1954- اخراج إبراهيم عمارة) تخضع نوال (منى) لابتزاز حبيب قديم بسبب صورهما. وعشرات الأفلام التي يأتي فيها الابتزاز بواسطة الصور كمبرر تصاعد درامي. وفي كل الأفلام يتقدم أحدهم (رجل أو امرأة) ويحصل على الصور وتنتهي الحدوتة بسعادة وتضحية. ولم يحدث يومًا أن وقف أحدهم على الشاشة الفضية ليقول ما هي الأزمة في أن تمنح المرأة صورها لشخص تُحبه؟

ولأن قصص الابتزاز بالصور تعتبر من الفضائح المجتمعية، يسعى الجمع الشعبي للالتفاف على الحكاية وإسقاطها عمدًا في حيز النسيان. فهي وصمة كبيرة في شرف المرأة التي وافقت على التصوير أو أهدت حبيب صورة. ومع تطور التكنولوجيا ووجود مواقع التواصل الاجتماعي وانتشار الهواتف الذكية، صارت لدى كل امرأة آلة تصوير، وقنبلة موقوتة.

بسنت ضحية التواطؤ

منذ أيام انتشرت قصة بسنت التي قام أحدهم بفبركة صور لها وقام بتهديدها بهذه الصور. نشر الصور بين شباب القرية التي تعيش فيها. وأمام العار الاجتماعي لم تجد الفتاة سوى التخلص من حياتها مخرجًا من هذا العار الذي شمل أسرتها.

يطرح أحد أصدقائي عبر موقع التواصل سؤالًا: ماذا لو كانت الصور حقيقية هل ستتعاطف معها؟ تفاعل مع السؤال أقل من 40 فردًا. جاءت التعليقات التي تجاوزت المائة بقليل بأنها جميعًا ستتعاطف، مقرين بحرية الفتاة. ورغم أن هذا المنشور والتفاعل معه لا يمكن اعتباره عينة بحثية، إلا أنه كاشفا لحالة سرمدية نعيشها، بين الإقرار بحقوق النساء في الأحاديث وعبر مواقع التواصل. في حين أن المجتمع يُنكرها. ذلك أن كثيرون لا يجدون أن هناك أي حقوق حقيقية للنساء، خاصة إذا ما تعلق الأمر بجسدها.

المفترض أن هناك شرطة خاصة بالإنترنت، ومحاولات جادة وحقيقية للتصدى لمثل هذا الرجل. لكن هذه أمور لا يعرفها الجميع، وسواء كانت الصور حقيقية أو مفبركة سيظل العار أمر يلاحق الفتاة التي لم تحتمل وتخلصت من حياتها، دون أن يحدث حراك حقيقي خاص بهذا الفعل. لم يخرج شاب من محيطها الاجتماعي ويقر بحقها في تبادل صور تخصها. لم تخرج عائلتها لتحميها، وسط صمت مجتمعي وحزن رحلت شابة. فقط بعض المنشورات وأخبار متفرقة عن الواقعة سرعان ما سيبتلعها التكاثر المرعب للأحداث والأخبار، وحمى الترافيك.

هل يمكن ابتزاز الرجال بصورهم؟

حين يقول البعض إننا في مجتمع ذكوري قد يضحك آخرون، ويتعاملون مع الوصف كونه مادة للسخرية. خاصة أن هذا الوصف يرتفع من مدافعين ومدافعات عن النسوية. والحقيقة أن كوننا نعيش في مجتمع يمنح كل الحقوق للرجل لمجرد كونه ذكرًا، هو واقع وحقيقة نعيشها، سواء اعترفنا بها أو أنكرناها، سخرنا من الفكرة أم وافقنا عليها.

في فيلم القطط السمان (1978- إخراج حسن يوسف)، يقوم نبيل (حسن يوسف) بالحصول على صور لعلاقة حميمة بين حسن قدري وصديقه مصطفى، ويحاول أن يبتزه بها، وفي خلال ذلك يمارس ضغط على زوجته لتقوم بتهريب المخدرات. لكنها ترفض، وحين ترى الصور تنتحر. يمر الفيلم على واقعة انتحار الزوجة دون الوقوف لحظة واحدة. في حين نرى في مشاهد تالية الصديقين قدري ومصطفى في حياتهما بشكل طبيعي، دون أي خزى أو عار يلاحقهما. ومن السينما إلى الواقع، فغالبية الفيديوهات والصور التي تم تسريبها لشخصيات عامة وتكشف عن علاقات حميمة لهم، لم يكن المتضرر من تلك الصور أو الفيديوهات سوى النساء. في حين مضى الرجال في حيواتهم وأعمالهم غير مضارين سوى باختفاء مؤقت عن دائرة الضوء.

غض البصر عن الضحايا.. أين المجلس القومي للمرأة؟

ليست قضايا النساء قضايا فردية، والتعامل معها بوصفها كذلك أمر شديد السوء. فكل ما يتعرض له النساء من ضغوط وفخاخ هو من قبيل الوعي الاجتماعي بحقوق النساء. ذلك أننا نتقدم في الكثير من المجالات بينما يظل الوعي بحقوق المرأة في كهف لا يخرج منه بسهولة. فواقعة بسنت ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ولن تكون هناك حلول حقيقية طالما الوعي بحقوق المرأة لا يخرج عن الموائد المستديرة والأوراق البحثية. الأمر بحاجة إلى جهد حقيقي، وتوعية مجتمعية بمساواة الحقوق، وتعديل المفاهيم. فليس عارًا أن تقع المرأة في الحب، أو تقيم علاقة جسدية مع حبيبها، لأن المجتمع لا يصف الرجل بالعار لنفس تلك الأفعال.

ولأن كيان مثل المجلس القومي للمرأة منوطًا بالدفاع عن حقوق النساء، فمن المفترض وجود حملات توعوية على مستويات مختلفة، توعية بدور النساء ومكانتهن، توعية فعلية بمفهوم الشرف وحقوق كل امرأة، فالمجتمع لا يسير بطرف واحد، وإنما يتكاتف الطرفان لدفع عجلة الحياة.

العار الحقيقي أن نغض البصر عن الضحايا ونستكمل حياتنا بدماء باردة. فإن كانت بسنت قد ذهبت لمكان أفضل، فنحن النساء نسير في طرق القهر برضا، ونحن نصمت أمام هذه الوقائع، ونعتبر ما فعلته هي أو غيرها عارا وفضيحة نخجل منها ولا نناقشها.