بعد صدور مذكرة توقيف بحق نائب رئيس حركة النهضة نور الدين البحيري مؤخراً. وذلك على خلفية اتهامه بقضايا تتصل بالأمن القومي. عمدت الحركة الإخوانية إلى كيل الاتهامات للحكومة التونسية. بل وقامت بتعبئة عناصرها. ما تسبب في تورطهم باقتحام مركز أمني بمحافظة بنزرت “شمال غرب العاصمة تونس” للضغط من أجل إخراج “البحيري” بالقوة.
وقالت كتلة حركة النهضة بالبرلمان المجمّدة أعماله في بيان: “التهم الموجهة للأستاذ نور الدين البحيري تبقى من اختصاص القضاء وحده للبت فيها. وهو ما يؤكد الصبغة السياسية لكل ما تعرض له منذ اختطافه الجمعة الفائت”.
ووصفت الحركة في بيانها عملية القبض على نائب “الغنوشي” بأنها “اختطاف”. وطالبت بضرورة “إطلاق سراحه”.
وقالت إن “الخطوة تعيد البلاد مجدداً إلى مربع الاستبداد والمحاكمات السياسية”.
بيد أن عضو هيئة الدفاع عن القيادي اليساري شكري بلعيد -الذي اغتيل في فترة حكم النهضة- المحامية بسمة الخلفاوي ألمحت إلى أن القضاء التونسي لم يحسم قراره في قضية الاغتيالات السياسية. وذلك نتيجة نفوذ “البحيري” رغم مرور قرابة سبع سنوات على عملية اغتيال “بلعيد”.
توقيف البحيري وفتح ملفات الإخوان
كما اعتبر عضو الهيئة المستقلة للانتخابات سابقاً سامي بن سلامة القبض على “البحيري” بمثابة خطوة أولى تجاه فتح ملفات ظلت لسنوات حبيسة الأدراج المغلقة. وقال في حوار مع جريدة “النهار” اللبنانية إن “البحيري هو الصندوق الأسود للقضاء طوال فترة حكم الإخوان ومن الطبيعي أن يخشى كثيرون محاكمته”.
القيادي في حركة النهضة -الذي يخضع رهن الإقامة الجبرية مؤخرا- شغل منصب وزير العدل في حكومة الترويكا، التي قادتها النهضة بين 2011 و2014. بينما تطاله اتهامات عديدة. منها منح رخص سيارات لمتهمين في قضايا إرهابية. وكذا لأشخاص آخرين تم اكتشاف وفاتهم. فضلا عن تسييس الجهاز القضائي لصالح حركة النهضة. حيث قام نور الدين البحيري بعزل 82 قاضيا خلال توليه منصبه الوزاري.
وبحسب وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين، فإن هذه الإجراءات “جاءت وفق القانون”.
كما لفت الوزير التونسي إلى أن هناك “شبهات جدية حول تقديم شهادات جنسية وجوازات سفر وبطاقات هوية بطريقة غير قانونية”. وقال: “كانت هناك مخاوف حيال أعمال إرهابية تستهدف أمن البلاد. لذا كان علينا أن نتحرك”.
غير أن حركة النهضة “فرع الإخوان بتونس” اتهمت قوات الأمن بـ”خطف البحيري” عضو البرلمان المجمّد. وقالت إن عناصر أمنية بلباس مدني اقتادته صباح الجمعة الماضي إلى “جهة غير معلومة”.
وعدّ سمير ديلو -عضو عن هيئة الدفاع البحيري- قضية نائب رئيس حركة النهضة “سياسية بامتياز”. وأشار إلى أن “النهضة” تقدمت بشكوى ضد شخص رئيس الجمهورية قيس سعيد. ووزير الداخلية توفيق شرف الدين على خلفية ما اعتبرته “اختطاف البحيري”.
التمويلات وكل رجال النهضة
اللافت أن النيابة العامة في تونس أحالت – عقب توقيف البحيري- رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيس الحكومة الأسبق والأمين العام لحزب “تحيا تونس” -يوسف الشاهد- ورئيس حزب “قلب تونس” -نبيل القروي- ووزير الدفاع الأسبق عبدالكريم الزبيدي للدائرة الجنائية. وذلك في جرائم انتخابية وتلقي تمويلات مجهولة المصدر.
وأوضحت صحيفة “الشروق” التونسية أن هؤلاء ستتم محاكمتهم في مجموعة تهم. منها مخالفة قوانين الإشهار السياسي وعدم الإفصاح عن الموارد المالية للحملة الانتخابية. بالإضافة إلى العديد من الجرائم المنصوص عليها في القانون الانتخابي.
وبعد قرارات 25 تموز/يوليو 2021 الدستورية التي قام بها الرئيس قيس سعيد. بدأ جهاز القضاء في تونس تحقيقات واسعة بخصوص ما يُعرف بـ”عقود اللوبيينغ”، والتي تتعلق بالتمويل الأجنبي للحملات الانتخابية. وكذا الحصول على تمويلات مجهولة المصدر. وذلك بحسب ما تم كشفه في التقرير الختامي لدائرة المحاسبات حول نتائج مراقبة تمويل الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والانتخابات التشريعية لعام 2019.
تبدو عملية اعتقال القيادي بحركة النهضة نور الدين البحيري ووضعه رهن الإقامة الجبرية “خطوة جديدة” بين الخطوات التي شرع رئيس الجمهورية قيس سعيد في تنفيذها لتحقيق الإصلاح السياسي والأمني. وذلك منذ القرارت الدستورية التي أصدرها في 25 تموز/ يوليو العام الماضي. وذلك بحسب المحلل السياسي التونسي بسام حمدي. إذ رفع “سعيد” الحصانة البرلمانية عن كل النواب.
قادة “النهضة” وتهم الاغتيالات
ويوضح “حمدي” لـ”مصر 360″ أن “البحيري” يعد “جزءا مهما ومؤثرا” في الجهاز القضائي بتونس. كما سبق وألمح الرئيس التونسي إلى دوره الذي يعيق مهام التحقيق وفتح ملفات تتعلق بالفساد وتبييض الأموال والإرهاب.
ويتابع: “البحيري متورط في قضايا عديدة. منها إتلاف معلومات تتصل بقضايا الاغتيالات. لا سيما المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي عام 2013”.
وتؤشر عملية التكتم على طبيعة القضية التي يتهم فيها القيادي بالنهضة إلى أن الملفات التي يتهم فيها حساسة وذات أهمية بالغة -حسب “حمدي- ومن ثم لا يمكن الإفصاح عنها بصورة كاملة لوسائل الإعلام.
ويرجح المحلل السياسي التونسي أن اعتقال “البحيري” سيكون بداية لملاحقات أخرى للمتورطين في قضايا الإرهاب والفساد. بحيث تؤكد قضية “البحيري” أن الرئيس “سعيد” ينطلق في مشروعه السياسي وخياراته من فكرة محاربة الفساد ومحاولة تخليص السلطة القضائية من سطوة الأحزاب.
“النهضة” تكتوي بالنار التي لعب بها
وتشير الباحثة التونسية رباب علوي إلى أن المتمعن في قضية “البحيري” يلاحظ أن القانون الذي تم بمقتضاه تطبيق هذه الإجراءات عليه -بينما تهاجمه قيادات النهضة حاليا- يعود إلى عام 1978، ويختص بتنظيم حالة الطوارئ.
وتوضح “علوي” لـ”مصر 360″ أن “هذا القانون المثير للجدل والذي يسمح لوزير الداخلية بوضع أي شخص تحت الجبرية يعتبر نشاطه خطيرا على الأمن والنظام العامين، كان ساري المفعول حين كان البحيري وزيرا للعدل. ولم يشكل هذا القانون لوزير العدل السابق أو حركة النهضة الإخوانية التي حكمت 10 سنوات أي مصدر قلق أو إزعاج. بل استغلت الحركة القانون لتصفية حساباتها السياسية”.
وتشدد الباحثة التونسية على أن إيقاف أي مواطن وإخضاعه بالقوة دون مذكرة توقيف أو إذن قضائي أمر مرفوض. وذلك وفق الدستور التونسي والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تونس على غرار الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري لسنة 2007. لكن الملاحظ أن القانون الذي تم بمقتضاه تطبيق هذه الإجراءات الأخيرة لم يشكل لوزير العدل السابق –البحيري- وكذا حركة النهضة الإخوانية أي إزعاج.
ورغم دعوات الأحزاب اليسارية والمجتمع بضرورة تغيير القانون وإلغائه فإن الحركة لم تُعِر هذه الأصوات أي اهتمام –حسب “علوي”. بل استغلت القانون لتصفية حساباتها السياسية. بينما تقوم بإدانته عندما طاول أحد قياداتها.