الكتاب الجامعي أحد أهم الوسائل التعليمية للطالب والأستاذ. فالنسبة للطالب يعتمد عليه بشكل مباشر في دراسة المنهج المقرر في السنة الدراسية، وبالنسبة للأستاذ يعد الكتاب الجامعي أحد وسائل تحسين الدخل لأعضاء هيئة التدريس داخل الجامعات. ويرتبط ذلك بقدرة الدكتور على فرض كتابه، ووضعه في مقدمة المصادر التعليمية الجامعية، ليشتريه جميع الطلاب، فيحقق عائدًا ماديًا مجديًا، مستفيدًا بنظام “البولة” المتبع داخل الجامعات المصرية.

نظام “البولة”.. تقاسم إيراد الكتاب الجامعي

يحقق عائد الكتاب الجامعي مبالغ مالية لا بأس بها تستقطع نسبة منها لصالح الجامعة. بينما يذهب باقي المبلغ للأقسام الداخلية بالكليات. كل قسم حسب إنتاجه من التأليف يقتسمه الأساتذة، فيما يعرف بنظام “البولة”.

أنشئ نظام “البولة” بهدف توزيع أموال الكتب الدراسية في شكل حصص متساوية على كل أعضاء القسم. وذلك في سبيل إنهاء نزاع أعضاء هيئة التدريس على السيطرة والاستحواذ على الدفعات بتوزيع عدد أكبر من الكتب الدراسية على الطلاب.

هذا النظام الأكاديمي رغم استقراره وقدمه بعض الشئ، فإنه يواجه انتقادا ورفضا حاليا من عدد من أعضاء هيئة التدريس داخل بعض الكليات. يمتنع هؤلاء عن المشاركة فيه، مبررين امتناعهم بأنه نظام لا يخضع للقانون أو الرقابة. كما أنه لا تحكمه ضوابط ولوائح. وبموجبه يتساوى الأستاذ الذي ألف الكتاب مع من ليس له أي إسهامات أو كتب مطبوعة.

المحسوبية والربح على حساب القيمة.. اتهامات تواجه نظام البولة

من بين الانتقادات التي توجه لنظام البولة، أنه يقوم على المحسوبية في توزيع الحصص. هذا فضلاً عن أن الكتب التي تطرح لتدريس المنهج للفرق الدراسية المختلفة توصف بأنها هشة وضعيفة. وهي لا ترقى إلى المستوى العلمي. ذلك لأنها تعتمد في أغلبها على الاقتباس من المراجع العلمية المختلفة لتجميع المادة في تخصص معين وطرحها للطلاب في شكل كتاب يهدف إلى الربح لا إلى تعزيز المنهج العلمي.

ويلقى هذا الأسلوب في حشو الكتاب الجامعي تنديدًا من فريق معتبر من أعضاء هيئة التدريس. وهؤلاء يرون أن أي كتاب جامعي يتم وضع اسم أحد أساتذة الجامعة عليه يجب أن يقوم على جهد علمي خاص بصاحبه (بحث). على أن يمثل خلاصة فكره ورأيه في مسألة أو قضية علمية معينة. أو يكون على الدكتور أن يرشد الطالب إلى بعض المراجع التي تخدمه في دراسته ويستقي منها المادة الدراسية التي يدرسها.

أيضًا، يختلف حجم عائد الكتب الدراسية من كلية إلى أخرى. فالكليات العملية صاحبة حظ قليل في هذه العملية أما النظرية فصاحبة نصيب الأسد. إذ يعتمد طلابها على الكتاب الجامعي مرجعًا أساسيا في المنهج الدراسي. وكذلك يختلف العائد من جامعة إلى أخرى، وحسب عدد الطلاب بالجامعات الكبرى في القاهرة ووجه بحري بالإسكندرية والمنصورة، وبين الجامعات الإقليمية الحديثة نسبيًا.

“كل أستاذ وشطارته مع رئيس القسم”

الدكتور ياسر العدل، أستاذ الإحصاء بكلية التجارة جامعة المنصورة، أحد المعترضين على نظام “البولة”. يشير إلى أن عائد الكتاب بنظام البولة يوزع على المستفيدين، حسب توافقات وحياءات ومفاوضات وأعراف شخصية. “كل أستاذ وشطارته مع رئيس القسم”. لذلك فالنظام يختلف بين كلية وأخرى وبين قسم وقسم وعضو وآخر.

ويصف العدل عائد “البولة” بأنه مال “سحت” صريح -على حد قوله. ذلك لأنه لا يحكمه قانون مكتوب. وبذلك فهو أحد وسائل “الدولة الرخوة” التي تغمض عينيها لزيادة دخول بعض أعضاء هيئة التدريس بالجامعات.

ويشير إلى أن هذا النظام سائد في الجامعة ومتعارف عليه. وهو مشكلة عامة بين أعضاء هيئة التدريس في الجامعات المصرية. بينما التيار الرافض لهذه العملية لا يعبر سوى عن مواقف فردية ولا يعول عليه في تغيير الوضع. رغم ما قد يقوم عليه من دواعي أخلاقية.

ويطالب العدل بوضع نظام قانوني لهذه العملية يكون ملزمًا للجماعة المتشاركة فيه. بما يمكن أن يعول عليه في تناول إحدى قضايا الفساد الجامعي.

“البولة”.. إسراف في الإنتاج للتربح أم حق مشروع؟

ويتفق الدكتور ياسر العدل مع أن نظام البولة يؤثر بشكل سلبي على القيمة المضافة للكتاب الجامعي. يقول -في حديثه لـ”مصر 360″- إن كتب المواد الأساسية في المراحل الأولي من الدراسة الجامعية لا تحتاج ما يحدث حاليًا من تأليف وإعادة طبع ونشر بشكل دوري كل عام لإجبار الدفعات الجديدة عليها دون إضافة محتوى مفيد. وهو يرى في ذلك إسرافًا. فضلاً عن وجود أخطاء علمية ولغوية في الكثير من المعروض منها. ذلك دون مبرر موضوعي. خاصة مع وجود كتب أساسية مستقرة محلية وأجنبية تقدم الكافي والمطلوب.

يختلف مع الدكتور ياسر زميله الدكتور ناجي خشبة الأستاذ بجامعة المنصورة. وهو يرى أحقية أعضاء هيئة التدريس ممن يبذلون الجهد ويؤلفون المراجع في الحصول على هذه الأموال. لذا فإنه ينظر لنظام البولة باعتباره أحد الوسائل المشروعة لتحسين دخل أعضاء هيئة التدريس.

وقال ناجي لا توجد شبه أخلاقية ولا علمية للمشاركة في هذا النظام المتعارف عليه بالجامعات من سنين ،فالأساتذة الذين يؤلفون المراجع العلمية ويبذلون الجهد العلمي الكبير هو مقابل جهد علمى متميز لهم ، أما من ينتقدونه هم بعض الأساتذة الذين لا يؤلفون كتبا ،ويعتمدون على كتاب أجنبي مترجم .

مهارة البحث العلمي.. هل يحتاج الطالب كتابًا جامعيًا؟

يرفض الدكتور محمد محي الدين، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس، يرفض فكرة الكتاب الجامعي من الأساس. ويرى أن الطريق الأفضل هو أن يبحث الطالب بنفسه داخل المكتبات عن المادة العلمية التي يدرسها، ويقوم بتجميعها من بين المراجع والمصادر المختلفة. ذلك بغرض تنمية مهارة البحث لديه بدلاً من الاعتماد على الحفظ والتلقين.

يقول: لم أشارك في “البولة” ولو مرة واحدة على مدار 33 سنة من التدريس الجامعي. لأنني غير مقتنع بها. ولذلك لم يبع للطلبة كتابًا طوال فترة تدريسه إياهم. “استنكر موقف الجامعة الذي يكاد يكون عامًا من قضية البولة، رغم ما عليه من ملاحظات، وإن كنت اتفهم دوافع البعض لقبول هذا النظام والتعامل معه تحت ضغط شظف العيش وتدني دخل أعضاء هيئة التدريس.

صراع الكبار

يقول الدكتور أحمد عمر، أستاذ الفلسفة بجامعة جنوب الوادي، إن اختراع نظام “البولة” في الأساس كان بهدف الحد من سيطرة بعض الأساتذة الكبار على الدفعات الكبيرة لتوزيع الكتب. الأمر الذي كان يتسبب في نزاع داخل الأقسام بين الأعضاء. فجاء هذا النظام بهدف القضاء على هذه الظاهرة، وتحقيق نظام تشاركي بين الجميع. لكنه مع الوقت خلق مراكز قوى ومجموعات مصالح داخل الأقسام.

وهو يصف عملية توزيع عائد الكتب الدراسية بأنها “صراع الكبار”، والذي يتم بتوافقات وترتيبات معينة في توزيع النسب والمخصصات من العائد، لا يمكن من خلالها معرفة حجم العائد في كل قسم ونسبة كل عضو. فقط توزع في شكل “إكراميات”، على حد قوله.

ويشير الدكتور أحمد إلى أن نظام الكتاب الجامعي “الإلكتروني” الذي وضعته وزارة التعليم العالي في الجامعات هذا العام بعد إضافة ثمن الكتب الدراسية على المصروفات لم يفلح في الحد من ظاهرة “البولة”. إذ رفض أغلب الأساتذة الكبار ممن يتعاملون مع مطابع خارجية منذ سنين طويلة تحميل الكتب على مواقع الكليات، وقد شكلوا بذلك “مراكز قوى” بالكليات النظرية الكبيرة مثل (الآداب، والتجارة، والحقوق)، ولم تستطيع الجامعة إجبارهم على التعامل مع النظام الجديدة لصالح الطلاب.

ويطالب عمر الجامعات إذا ما أصرت على “البولة” أن تضع لائحة تنظيمية للعمل به، وأن تكون نسب الحصص حسب إسهامات كل عضو هيئة تدريس من كتب كل عام، وأن يُفرض على الجميع التعامل بنظام موحد في طبع وتوزيع الكتب الدراسية، بما يمنع حالة الإرباك التي خلقها النظام، وينهي وجود مطابع خارج رقابة الجامعة.

وقد أثر تأخر الكتب الدراسية بسبب تغيير النظام إلى إلكتروني بالسلب على الطلاب. فلم يتمكنوا من الحصول على الكتب إلى الآن، رغم انتهاء الترم الأول وتسديد الطلاب ثمنها. ولم تطرح بدائل، بينما عجزت الأقسام عن مواجهة الأزمة ومعالجتها داخليًا.