تبدو أهمية الصناديق السيادية، إذا ما تم استخدامها في الأساس في تطوير الفوائض المالية وإعادة استخدامها في التنمية المستدامة، ولكن وبحسب معظم الدراسات الاقتصادية فإن هذه الصناديق تقوم بإعادة تدوير واستثمار الأموال الفائضة من عوائد البترول بشكل أساسي في الدول التي باكرت بإنشاء هذه الصناديق، وتعظيم عائد فوائد الاحتياطات المالية، وتبدو أهمية هذه الصناديق في التعرف على سبل تمويلها وكيفية استثمار ما يرد إليها من أموال، وكيفية إداراتها، والشفافية والرقابة على كيفية إدارة هذه الصناديق لما بها من أموال وكيفية تأثيرها على النمو الاقتصادي، وهي الطريقة المثلى للدول التي تتمتع بفائض مالي حالي تدخره لأي حدث أو طارئ أو أزمة مالية اقتصادية في المستقبل، ويجب أن يتم إنشاء أكثر من صندوق حتى يكون هناك تنوع وتوازن بالاستثمارات، وأن تتمتع بالحذر، وأن يتم إدارتها من خلال نخبة إداريين محترفين للحصول على النتائج المطلوبة وليس العكس.

ومن أسباب نشأة الصناديق السيادية، هو حاجة البلدان التي تمتلك مدُخرات كبيرة وتريد الحفاظ على هذه المدخرات، بل وتسعى لزيادة أرباحها، ولكن لا يتم استثمارها في أصول عالية الخطورة، حيث إنها مملوكة للدولة وتستثمر بالأصول التقليدية، حيث إن مدخرات بعض الدول تكون عبارة عن ملكيتها لثروة السلع (خصوصا النفط والغاز)، كما هو الحال في الصين وسنغافورة اللتين لديهما فائض تجاري كبير.

ويتم تصنيف صناديق الثروة السيادية على أساس مجموعة الأهداف التي تسعى لتحقيقها، مثل تمويل الالتزامات والتنمية المحلية، وتوزيع الاقتصاديات الوطنية والادخار للأجيال المقبلة، وتعد صناديق الثروة السيادية أحد أهم الفاعلين على مستوى الساحة المالية الدولية، وقد عرفها صندوق النقد الدولي على أنها صناديق أو ترتيبات مالية استثمارية عمومية ذات أهداف خاصة ومحددة، وأهم معايير تلك الصناديق أنها مملوكة ومراقبة لصالح الدولة، وأنها تستخدم ما يوكل لها من أموال في عمليات استثمارية، وأنها ترمي إلى تحقيق بعض الأهداف الاقتصادية الكلية، وأهم ما يميز الصناديق السيادية أنها تحتفظ بالأصول وتتولى توظيفها وإدارتها لتحقيق أهداف مالية مستخدمة في ذلك استراتيجيات استثمارية، وفي الغالب يتكون رأس مال الصناديق السيادية من فوائض الأموال في الميزانية وفوائض صادرات وعوائد المواد البترولية والمنتجات المحولة، ويتمثل الطموح الأساسي لصندوق الثروة السيادي في جمع المدخرات الوطنية طويلة الأجل لصالح الأجيال المقبلة، وذلك بتنويع الاستثمارات على الصعيدين القطاعي والجغرافي.

وقد تأسس الصندوق السيادي المصري وفق القانون الصادر من رئيس الجمهورية رقم 177 لسنة 2018، وهو مملوك بالكامل لجمهورية مصر العربية، ويتمتع باستقلال مالي وإداري، وذمة مالية مستقلة عن الدولة، ويهدف الصندوق الذي تم تغيير اسمه من “صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية” ليصبح “صندوق مصر”، إلى المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال إدارة أمواله وأصوله وتحقيق الاستغلال الأمثل لها وفقا لأفضل المعايير والقواعد الدولية لتعظيم قيمتها من أجل الأجيال القادمة، وذلك حسب ما ورد بالمادة الثالثة من القانون رقم 177 لسنة 2018 . ثم جاء التعديل الوارد بالقانون رقم 197 لسنة 2020 موسعا من دائرة أهداف الصندوق أو أغراضه ومضيفا إدارة أموال وأصول الجهات والشركات والكيانات المملوكة للدولة أو التابعة لها أو التي تساهم فيها والتي يُعهد إلى الصندوق بإدارتها.

ومن خلال تلك الأهداف المرسومة يجب أن يكون القانون المنظم لعمل الصندوق مراعيا لتلك الأهداف، حريصا على المال العام الموكل إليه، لكن قانون الصندوق المصري في مادته الخامسة قد اعتبر المال المملوك للصندوق ضمن أملاك الدولة ملكية خاصة، وهو الأمر الذي يبيح للصندوق حرية التصرف في تلك الأموال على اختلاف أنواعها بكافة أشكال التصرف أو الاستعمال أو الاستغلال، وإذا ما أضفنا إلى أنه لا يوجد ما يحجب سلطة رئيس الدولة في تحويل المال العام المملوك للدولة ملكية عامة، إلى مال مملوك للدولة ملكية خاصة، وذلك ما أكده نص القانون (م 6 من القانون رقم 177 لسنة 2018) على أن نقل ملكية أي من الأصول غير المستغلة المملوكة ملكية خاصة للدولة إلى الصندوق أو أي من الصناديق التي يؤسسها والمملوكة له بالكامل، يكون بقرار من رئيس الجمهورية، بناء على عرض رئيس مجلس الوزراء ووزير التخطيط، وبالنسبة للأصول المستغلة يكون نقلها للصندوق بقرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض من رئيس مجلس الوزراء ووزير التخطيط بالاتفاق مع وزير المالية وبالتنسيق مع الوزير المعني بهذه الأصول، وبالتالي فيتم تحويلها إلى ملكية الصندوق، وهذا ما يخل باعتبارات المال العام ويتصادم مع نصوص الدستور التي تضفي حماية على المال العام وثروات البلاد، وإذا ما أضفنا إلى ذلك القول ما جاء مستحدثا بالقانون رقم 197 لسنة 2020، المعدل لقانون الصندوق السيادي، نصا جديدا ليؤكد فكرة خروج هذا الصندوق عن كافة معايير الرقابة، وتمتعه باستقلالية مطلقة، حيث تم استبعاد الطعن على كل تعاقداته، حيث قرر أنه “لا ترفع الدعاوى ببطلان العقود التي يبرمها الصندوق أو التصرفات التي يتخذها لتحقيق أهدافه، أو الإجراءات التي اتخذت استنادا لتلك العقود أو التصرفات إلا من أطراف التعاقد دون غيرهم، وذلك ما لم يكن قد صدر حكم بات بإدانة أحد أطراف التعاقد أو التصرف في إحدى الجرائم المنصوص عليها في البابين الثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، وكان التصرف قد تم إبرامه بناء على هذه الجريمة.. ويمكننا إجمال القصد وراء إصدار هذا التعديل، هو حجب الرقابة القضائية عن كافة أعمال الصندوق، وجعل ما يفعله في مأمن من أي طرق رقابية قانونية، وذلك إضافة إلى غياب الرقابة المحاسبية. ولإن كانت هذه السلسلة من القوانين غير المنطقية، حتى ولو بتوخي الغرض من إصدار التشريع، وبحسب القاصد للدافع للمشرع، لم تكن سوى نتيجة لتجربة مريرة قاستها السلطة في مواجهة مجموعة أحكام متعلقة ببطلان تصرفاتها في بيع شركات القطاع العام (قضايا الخصخصة).

وبمعنى شمولي، فإنه يمكننا القول بأن إخراج الصندوق عن معادلة سيادة القانون بمعناها الفعلي والحقيقي، بوضعه في منطقة بعيدة عن الرقابة القضائية، أمر لا يليق بخصوص نشاط يتعلق بأموال المصريين، وحجب الرقابة القضائية لا يصح فيما يتعلق بحقوق المصريين، وليس من الحكمة أن تضع السلطة بعضا من  تصرفاتها خارج نطاق سيادة القانون بالمعنى العام، أو بمنأى عن الرقابة القضائية، إذ إن ذلك الأمر يدعو إلى الشك والريبة في هذه التصرفات.