من نجل محمد الهواري لحفيد كريم أبو علي وقبلهما كثيرين، تعددت الوقائع واختلفت الأسماء، والعناوين واحدة، أخطاء توصف بـ”الجرائم” يرتكبها أبناء الأثرياء أحيانا في حق بعضهم البعض، دائما في حق الفقراء.
وخلال الأسابيع الماضية شهدت مدينة الشيخ زايد حادثا مروعا راح ضحيته 4 شباب. قام به كريم الهواري نجل رجل الأعمال الشهير، وذلك أثناء قيادته لسيارته الفارهة ماركة (أستون مارتن). بسرعة جنونية بشارع النزهة إلى أن اصطدم بأخرى فتسبب في وفاة جميع من بداخلها في الحال.
وتبين من خلال تقرير الإدارة المركزية للمعامل الكيماوية بمصلحه الطب الشرعي. أنه قد عثر بعينات الدماء والبول للمتهم على الكوكايين المدرج بالجدول الأول من جداول قانون المخدرات. وكذا عثر بعينة الدماء على الكحول الإيثيلي.
وتضمنت قائمة أدلة الإثبات في الواقعة مقطعا مرئيا مقدما من أحد الشهود أنه في غضون 1:44 دقيقة صباحا بيوم الواقعة. حيث ظهرت سيارة المجني عليهم أثناء دورانها للسير في اتجاه محور 26 يوليو وعقب اتمام دورانها بـ 6 ثوان. واتخاذها نهر الطريق ظهر انطلاق مركبة المتهم من خلفها “سهمًا نافذًا” ليصطدم بها من الخلف. مخلفا آثار غبار كثيف جراء التصادم، وهو الفيديو الذي أكد رعونة السائق وكذب ادعاءاته.
كما ثبت بالتقرير الطبي الصادر من مستشفى الشيخ زايد المركزي والخاص بالمتوفين الأربعة. بأنهم قد وصلوا جثثًا هامدةً وبالكشف الطبي الظاهري عليهم تبين أن بعضهم به كسور بقاع الجمجمة ونزيف بالأنف والفم والأذن. وكسور وجروح وسحجات وكدمات متفرقة بالجثامين الأربعة.
العقوبة ليست على قدر الجريمة
وجهت النيابة لكريم اتهامات بحيازة مخدر الكوكايين بقصد التعاطي، وتسببه خطأً في موت 4 طلاب. بسبب إهماله ورعونته وعدم احترازه ومراعاته للقوانين واللوائح والأنظمة، والقيادة بسرعة هائلة تجاوزت السرعة المقررة قانونًا. وكانت ذلك تحت تأثير تعاطي مخدر الكوكايين، دونَ مراعاته المسافة بينه وبين سيارة المجني عليهم. فصدمها من الخلف مطيحًا بها، فحدثت إصابتهم التي أودت بحياتهم، فضلًا عن اتهامه بجنح أخرى.
وكان أحد الشهود وفي أعقاب تسليمه مقاطع الفيديو التي رصدت الحادث للنيابة العامة. فوجئ بمن جاءوا لمحل سكنه وادعوا صفة قضائية لمعاينته ومعاينة مكان تثبيت كاميرات المراقبة الخاصة به. وحين اكتشف حيلتهم و محاولتهم التعرض لدليل الواقعة للعبث به. تقدم للنيابة العامة ببلاغ ضدهم، كما سلم النيابة جهاز تسجيل كاميرات المراقبة الرئيسي للتحفظ عليه بمعرفتها.
المحامي ياسر سعد أكد أن مثل هذه الحوادث يعاقب عليها القانون كتهمة قتل بالخطأ. وينص القانون 238 من قانون العقوبات على أن “من تسبب خطأ فى موت شخص بأن كان ذلك ناشئًا عن إهماله. أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تتجاوز مائتى جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين”.
وفي كل الأحوال تنتهي الحوادث بعقوبات خفيفة، والعهدة على سعد الذي يرى أن المشكلة تكمن في أن قوانين العقوبات. غير مبنية على النتائج، فالقانون لا يختلف في تأويله، أو عقوباته المترتبة. سواء كانت نتيجة الحادث إصابة، أو اخلاف ضحية، أو حتى أكثر من ضحية كما في حالة كريم. كما أن الحد الأدنى من العقوبات كسحب رخصة القيادة مثلا لا يتم تنفيذه.
يزداد الوضع تعقيدا في حال كان مرتكب الحادث من الطبقة المخملية “أغنياء”، حيث يمكن للأمر أن ينتهي قبل أن يذهب للمحكمة، بالضغط، والمحسوبية، فالنفاذ إلى القانون يشوبه الكثير من العقبات، وفي رأي ياسر أن جريمة كريم كانت مختلفة أكثر إلى حد ما وتم الوصول إلى المحكمة، لأن الضحايا من نفس الطبقة.
جرائم الأثرياء الجدد
في يونيو من العام الماضي أودعت محكمة جنايات البحر الأحمر، حيثيات حُكمها القاضي بحبس المتهم هيثم كريم كامل أبوعلي سنة مع إيقاف تنفيذ العقوبة في واقعة قتله بالخطأ المهندسة مي إسكندر في حادث تصادم، كما برأته من تهمة تعاطي الحشيش المخدر والقيادة تحت تأثيره.
وكان محامي المتهم التمس براءته مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية، ودفع ببطلان الإقرار المنسوب صدوره للمتهم بالتحقيقات لعدم إجادته التحدث باللغة العربية نظرا لكونه يحمل الجنسية السويسرية.
ويحمل الزمن الكثير من الجرائم التي وقعت من أبناء الأثرياء، التي أحيانا ما تكون في حق أشخاص من نفس الطبقة، ومن لا يتذكر جريمة مطلع القرن الجاري والتي عرفت حينها بجريمة “أركاديا مول”، والتي بطلها ينتسب لعائلة الهواري أيضا، وهو رجل الأعمال عمر الهواري، بينما كان رجل الأعمال محمود روحي ضحيته، وقد التقيا في أحد بارات المول. وتشير التحقيقات إلى أنه كانت هناك منافسة ما سابقة بين الشابين على فتاة مما أوغر صدريهما على بعضهما، وحدث فى ذلك اليوم شجارا عنيفا بينهما إنتهى إلى مقتل محمود روحي بالطعن بمطواة فى القلب، وها هو رجل الأعمال طلعت مصطفى حيا يرزق يباشر أعماله الضخمة، بعد قضائه بضع سنوات، رغم اتهامه بجريمة قتل الفنانة سوزان تميم مع سبق الإصرار والترصد بواسطة قاتل مأجور.
حينها طرح الشارع سؤال مفاده ماذا حدث للأثرياء؟ ويبدو أنه السؤال الذي لا يزال يبحث عن اجابة.
في الفيلم الكوري الحاصل على جائزة الأوسكار parasite او الطفيلي، تتيح الدراما لأسرتان متمايزتان في المستوى الاجتماعي العيش في مساحة واحدة، وبالرغم من اسم الفيلم الذي يعني اعتماد كائن على آخر في العيش فيتهيأ لنا في اللحظة الأولى أن المعنى هم الأسرة الفقيرة، فهي الأسرة التي تحتال على الأسرة الثرية والعيش في الحجرة السرية وسرقة الأكل من الثلاجة.
إلا أنه ومع الوقت، يتضح أن الأسرة الغنية لم تستطع العيش بدون الأسرة الفقيرة، فاعتمادهم عليهم كامل، من مأكل لمشرب، لتعليم، لكل شئ، فمن هو الطفيلي حقا؟
طبقة طفيلية غير منتجة
في مصر جاءت حقبة السبعينات مع نهج جديد انتهجه الرئيس الراحل أنور السادات. إذ سادت سياسة الانفتاح الاقتصادى العشوائى، بكل ما يترتب عليه من تحولات اجتماعية خطيرة وغير محسوبة. والتي أهمها يتمثل في بروز طبقة طفيلية غير منتجة، مسلحة بكل ما هو سلبي من القيم. طبقة من الأثرياء الجدد التي اغتنت بشكل مفاجئ ودون مؤهلات دالة على ذلك سوى منطق أمراء الحرب، وفي المقابل عانت الطبقة المتوسطة من محاولات البقاء، وتدهورت أحوال الفقراء.
أما الأخطر على الاطلاق فكان التغيير الذي طرأ على منظومة القيم، في ظل ازدهار مبدأ الربح السريع أيا كانت الوسيلة وعلى الطريقة المكيافيلية، ومعها تدهورت منظومة التعليم والثقافة، في مقابل صعود غير مسبوق للإسلام السياسي، بكل تشعباته، والذي ميزه حينها التعصب الديني، ظهر ذلك في حركات الطلبة الإسلاميين في الجامعة، ومعارضتهم للمظاهر الثقافية مثل المسرح وغيره بدعوى أن العلمانية كفر بين.
لاحقا وفي فترة المخلوع محمد حسني مبارك، والتي يمثلها خير تمثيل فيلم “البيه البواب” حين رفعت الطبقة الوسطى الراية البيضاء، حين اشتغل الموظف ذو الدرجة الحكومية الرفيعة مساعدا للبواب، بينما أصبح النصاب من الأثرياء، وانقلب المجتمع رأسا على عقب خاصة بعد القضاء على القطاع العام، وظهرت سياسات مثل الخصخصة، وتقديم كل الدعم لرجال الأعمال الجدد، وبيع أراضي الدولة بالبخس، مما ساهم في تضخم ثروات الأغنياء الجديد، والأبناء من الجيل الثاني، وهاهم جيل الأحفاد، لتستمر تلك الطبقة في حصد الاموال، والأرباح معا.