انضم البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية إلى شيخ الأزهر في رفضه لما يسمى بالديانة الإبراهيمية. وهو الأمر الذي حظي بقبول بين قساوسة ورعايا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، المعروف عنها تمسكها بالإيمان التقليدي، منذ نشأتها على يد القديس مرقس الرسول مؤسس كنيسة الإسكندرية وأحد كتاب إنجيل المسيح.

“غير مقبولة شكلاً وموضوعًا ولا يجوز زعزعة ثوابت الدين فهي فكرة سياسية غريبة يتم الترويج لها”. هكذا رد البابا تواضروس على ما تم الترويج له منذ شهور.

تعود تلك الدعوة إلى الوقت الذي شهد توقيع الإمارات والبحرين اتفاقية السلام مع إسرائيل برعاية أمريكية. إذ أطلق عليها دونالد ترامب الاتفاق الإبراهيمي. بينما نص إعلان الاتفاق، المنشور على صفحة وزارة الخارجية الأمريكية، على ما يلي: “نحن نشجع جهود دعم الحوار بين الثقافات والأديان للدفع بثقافة سلام بين الديانات الإبراهيمية الثلاث والإنسانية جمعاء”.

كيف ظهرت فكرة الديانة الإبراهيمية؟

رغم أن الاتفاقية الإبراهيمية تلك قد نالت هذا الوصف كدلالة على روابط تجمع ما بين اليهود والمسلمين متمثلة في إبراهيم أبو الأنبياء. إلا أنها في الوقت نفسه تحمل قدرًا كبيرًا من الخلط بين “الصهيونية” كحركة سياسية استعمارية وبين “اليهودية” كدين إبراهيمي. وهي تتجاهل وجود يهود معادين للصهيونية ولتأسيس دولة إسرائيل التي قامت على أساس استعماري.

وفي الوقت نفسه، فإن الترويج لتلك الاتفاقية لم يخلو من تأسيس مراكز حوار أديان تتبنى الفكر نفسه الذي يرمي إلى خلق مساحات من الحوار والتواصل بين جميع الشعوب. وهو أمر لا يختلف عليه أحد. إلا أن المتتبع لأهدافها يجدها وثيقة الصلة بتلك الاتفاقية التي تم توقيعها.

وهذا ما أثار ذعر شيخ الأزهر والبابا تواضروس من إمكانية الترويج لدين جديد يحمل اسم الديانة الإبراهيمية، وهو ذعر ترجمه الشيخ باعتباره رمزًا لأكبر مؤسسة للإسلام السني في العالم مع البابا، الذي قال بوضوح في حوار له مع التلفزيون الرسمي المصري إن “الدين الإبراهيمي” فكرة سياسية غربية يتم الترويج لها، ويهدف لجمع الأديان – الإسلامي والمسيحي واليهودي – تحت مسمى دين واحد واختاروه على اسم إبراهيم أبو الآباء لأنه لا اختلاف عليه. حيث تقوم الفكرة على تنحية الاختلافات والتوافق على الأمور المشتركة بين الديانات الثلاث لتكون ديانة جديدة مشتركة وموحدة. هذا شيء غير مقبول بالطبع، لأن كل دين له ثوابت وأصول لن تتغير مشددًا هذه الفكرة غربية ولا تصلح لنا في الشرق.

المسيحية حياة كاملة غير قابلة للاستبدال

من جانبه، انضم القمص يسطس فانوس الباحث في التراث المسيحي، إلى ما طرحه قداسة البابا تواضروس الثاني. وقد أكد في تصريحات خاصة إن الأديان السماوية ثلاثة لا زيادة ولا نقصان.

وأوضح القمص يسطس إن المسيحية ليست ديانة. بل هي حياة كاملة مع المسيح. ومن ثم لا يمكن استبدال تلك الحياة بأفكار أخرى تخرجنا عن هذا المفهوم، وكأنها من وضع البشر. مضيفًا: نؤمن أن هناك ثلاث رسالات سماوية، اليهودية والمسيحية والإسلام، كما تعلمنا وعرفنا. بينما كل ما يأتي بعد ذلك ليس من السماء. وهو أمر مات حينما ولد فهو غير مقبول عند جميع المؤمنين.

أشار القمص يسطس أيضًأ إلى أن اليهود لا يعترفون بالمسيح وينتظرون السيد المسيح حتى اليوم، ويقولون عنه كان ضالاً ومضلاً. ومن ثم لا يمكن الوقوف معهم في تلك المساحة. فنحن كمسيحيين نؤمن بالكتاب المقدس بالعهدين القديم والجديد. بينما اليهود لا يقبلون الاعتراف بالعهد الجديد أي إنجيل المسيح.

الكنيسة امرأة منتصرة واليهودية فتاة مخذولة

يقول كيرلس بشرى الباحث في العهد القديم بجامعة فيينا بالنمسا إن الديانة الإبراهيمية مجرد فكرة غير واضحة المعالم. وهو لا يظن أنها ستلقى قبولاً. ذلك لأنها ليست واقعية. مبينًا: هناك عدة أسباب تجعل الاتحاد بين الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام أمرًا مستحيلاً. فكل دين داخله طوائف كثيرة وأفكار مختلفة. على سبيل المثال هناك الكاثوليكية والروم الكاثوليك، وأرثوذكس الشرق وأرثوذكس الروم، والبروتستانت لديهم مذاهب كثيرة جدًا. متسائلاً: كيف لنا أن نفكر في الجمع بين كل تلك الفروق.

بشرى يشير أيضًا إلى أن التاريخ الإنساني يقف عائقًا أمام تلك الفكرة. فالمسيحية واليهودية قد انفصلا في زمن الكنيسة الأولى. ولكنها احتفظت بالتناخ، لأنها ترى إن لاهوت المسيح داخله. وكطريقة لجذب اليهود لدخول المسيحية. مؤكدًا أن التاريخ يزخر بالعداء بين اليهودية والمسيحية. فالكنيسة كانت تصور في التماثيل كفتاة منتصرة وجميلة بينما اليهودية كفتاة منهزمة ومخذولة.

الإبراهيمية كديانة فانتازيا خيالية

ويؤكد الباحث في العهد القديم أن التعايش بين أتباع الأديان مبدأ لا يمكن الخلاف عليه. ولكن مع التمسك بهوية كل دين ومعتقداته وتقاليده. فاليهودية ترى المسيح مجرد شخص كان له تأثير في المجتمع اليهودي. فأي قواعد وأسس إيمانية يمكن أن تجمع بين اليهود والمسيحيين على سبيل المثال؟ هناك قوانين تحكم الإيمان المسيحي وكذلك الإسلام ومن ثم فإن فكرة الديانة الإبراهيمية مجرد فانتازيا خيالية.

ومن هذه الفانتازيا واستحالة التطبيق على أرض الواقع، ينطلق الأب بولس جرس الأمين العام السابق لمجلس كنائس مصر بأن مخاوف المؤسسات الدينية المصرية مبالغ فيها تجاه هذا الأمر. يقول: نحن نقبل إيجاد أرضية مشتركة بين أتباع الديانات الثلاث وليس المعنى المراد هنا هو خلق ديانة جديدة كليًا للجمع بينها.

ووفق جرس، الديانات الثلاث إبراهيمية، وبينها قاسم مشترك هو إبراهيم. إذ أن اليهود يقولون للمسيح نحن أولاد إبراهيم والمسيح رد عليهم إن الله قادر على أن يقيم من هذه الحجارة أبناءً لإبراهيم فأقام الكنيسة. والدعوة لديانة جديدة باسم الإبراهيمية مجرد استنتاجات لتصور يدعو للبحث عن قيم مشتركة.

شيخ الأزهر يصف الديانة الإبراهيمية بنهاية التاريخ

في أكتوبر الماضي انتقد شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب الدعوات التي يطلقها البعض بأنه يمكن أن يكون هناك دين واحد يسمى “الإبراهيمية” أو “الدين الإبراهيمي”.

وشبه الدكتور أحمد الطيب تلك الدعوات بدعوات “العولمة”، و”نهاية التاريخ”، و”الأخلاق العالمية”، مضيفًا: “وإن كانت تبدو في ظاهر أمرها كأنها دعوى إلى الاجتماع الإنساني وتوحيده والقضاء على أسباب نزاعاته وصراعاته، إلَّا أنها، هي نفسها، دعوةٌ إلى مُصادرة أغلى ما يمتلكُه بنو الإنسانِ وهو: حرية الاعتقاد وحرية الإيمان، وحرية الاختيار”.

وفرّق الطيب بين دعوات العيش بأمن وسلام بين الناس وبين امتزاج الأديان وإذابة الفروق بينها، “وبخاصة في ظل التوجُّهات التي تدعي أنه يمكن أن يكون هناك دين واحد يسمى -بـ”الإبراهيمية”- أو الدين الإبراهيمي وما تطمحُ إليه هذه الدعوات –فيما يبدو– من مزج اليهودية والمسيحية والإسلام في رسالةٍ واحدة أو دِين واحد يجتمعُ عليه الناس”.