المعارضة هنا ليست بمعني المخالفة، وإن ناقضت في مقالي بعضا من سرديته الأساسية، ولكنها من باب المعارضات الشعرية.
تُعرّف المعارضة لغةً على عدة أوجه، فيُقال عارض الشخص بالمسير أي سار، ومشى حياله، ويقال عارض الكتاب بالكتاب أي قابله، وعارض الشخص بمثل ما صنع أي أتى بمثل ما فعل. أمّا اصطلاحا فقد تم تعريف شعر المعارضات بأنّه نظم شعرٍ موافق لشعرٍ آخر في موضوع معين، حيث يلتزم نظم الشعر الآخر في قافيته، وبحره، وموضوعه التزاما تاما يحرص فيه الشاعر على مضاهاة الشاعر المعَارَض في شعره إن لم يتفوق عليه، وقد يلجأ الشاعر إلى هذا النوع من الشعر عندما يرى في شعر غيره من الشعراء ما يمتاز به من فصاحة، وروعة صياغة، أو صور معبرة، وغيرها من أمور تثير في نفسه العجب.
وبالفعل، فقد أثار المقال في نفسي العجب لما امتاز به من رؤية تاريخية ممتدة لقرنين يرسم فيها علاقة الدولة المصرية الحديثة بالمعارضة السياسية، وبمجتمعها وثوراته فـ”الدولة الحديثة -في كل عهودها- أقوى من الشارع ورموزه من عمر مكرم إلى محمد البرادعي، وأقوى من كل القوى المنظمة من المماليك إلى الإخوان، وأقوى من كل الثورات من الثورة العرابية إلى ثورة 1919م إلى ثورة 25 يناير”-على حد قوله.
وهو إذ ينطلق من هذه السردية الكبرى -بما تتضمنه من اختزال توجبه الرؤية التاريخية الممتدة، وما تستند إليه من أسس يجب تبيانها لمناقشتها- يضعنا أمام المهمة التاريخية التي تنتظر المصريين في هذا القرن والتي تحددت بيناير 2011 “فإن ثورة 25 يناير كانت مجرد نقطة بداية لمهمة تاريخية طويلة، هذه المهمة هي نقل ملكية مصر وحكمها إلى عموم المصريين”، والجميل في الأمر أنه يجعل منها -أي يناير- امتدادا لثورة 23 يوليو 52 “ثورة 25 يناير 2011 للوهلة الأولى كانت خطوة متقدمة تُضاف إلى رصيد ثورة 23 يوليو 1952م، وذلك من زاوية أن تنقل ملك مصر وحكمها من الجيش إلى الشعب نفسه من خلال حكم مدني ومن خلال انتخابات حقيقية، ولو حدث هذا الإنجاز العظيم لكان مساويا في جدارته الوطنية للإنجاز الذي حققته ثورة 23 يوليو 1952م عندما نقلت ملك مصر وحكمها من سلالة محمد على إلى الجيش المصري”.
هذه المهمة التاريخية -نقل ملك مصر وحكمها للمصريين- لها متطلبات ثلاثة- وفقا للهواري:
1- طبقات مدنية جاهزة لتولي مهمات الحكم بمعناه التاريخي وليس فقط بمعناه الانتخابي أو الإداري أو القانوني، والحكم بمعناه التاريخي يقصد به أن توجد طبقة حكم ناضجة ورشيدة ومسؤولة ولديها مشروع وطني للحاضر والمستقبل.
2- إدراك الطبقة الوسطى المصرية- التي يراد لعجزها الكامن أن يستمر- موقعها في المائة الثالثة من تاريخ الدولة الحديثة، فهي الإطار المستقبلي لكل تغيير محتمل.
3- عملا سياسيا منفتحا على الدولة دون خصام معها ولا اصطدام بها ولا انسحاق أمامها، فلا إصلاح ممكنا دون كسب الدولة، ولا تغيير واردا إلا من داخلها وبتعاونها ورضاها.
سرديات متعددة لواقع معقد
هذه السردية اكتسبت قدرا كبيرا من الذيوع والانتشار لدى قطاع كبير من المثقفين المصريين بما جعلها سردية كبرى يمكن من خلالها تفهم المسار التاريخي للقرنين الماضيين، ولكنها تستند إلى عدد من المرتكزات كما تغفل عددا آخر منها بما يحول دون تقديم سرديات أخرى لا تلغيها ولكن قد تثريها وتغنيها.
بعبارة أخرى، فأنا أنتمي إلى مدرسة لم تعد تصدر في نظرها للواقع المركب عن عامل واحد أو عدد من العوامل التي لا رابط بينها ولا تفاعل بين مكوناتها، فالظواهر والأنماط التاريخية الممتدة تتشكل من تناسق synergy بين عدد كبير من العوامل والمتغيرات، وقد أثرت الدراسات الحديثة لمصر رؤيتنا، وقدمت لنا منظورا أكثر تركيبا وتعقيدا من هذه السردية المشتهرة.
بعبارة اخري، فإن السردية الكلية قد تكون صحيحية، لكن الاستثناء عليها هو الأهم، لأن الاستثناء يخلق سرديات أخرى، وهذه السرديات المتعددة تثري فهمنا لذواتنا المتعددة، كما تساعد على إغناء الفعل السياسي والدفع به قدما.
قصة مصر لا تبدأ بنظام حاكم ومعارضة ومجتمع مسيطرا عليه، إن قصة مصر كما نقولها لا تبدأ بممثل واحد حاكم، أو نظام، أو دولة، كما أنها لا تتشكل بعامل واحد الدين أو الاقتصاد أو العوامل الخارجية، إنها قصة تحول في التفاعل بينهم: سلسلة من الحكام الذين بنوا أو أعادوا تشكيل أنظمة تكافح للسيطرة على جهاز دولة مترامي الأطراف، ومجتمع يموج بالتغيرات، وسوق تتفاعل فيه العوامل الاقتصادية في الداخل والخارج، وسياق خارجي له تداعيات كثيرة مربكة لأي نظام سياسي ومؤسسات دولة ومجتمع في حالة تحول.
بين النظام والدولة
تصدر هذه السردية عن خلط واضح بين النظام والدولة المصرية، فدولة 23 يوليو -التي أتفق مع الكاتب على انتهائها- المقصود بها عند الهواري “تلك الصيغة من الحكم التي تقوم على عمود وحيد هو رئيس الجمهورية، يكون من ضباط الجيش، يصل للسلطة باستفتاء شكلي أو بانتخابات شكلية، ثم بعد وصوله للسلطة يكتب دستورا جديدا أو يعدل دستورا قائما ليضمن بذلك: بقاءه في السلطة أطول فترة ممكنة، واستحواذه على كل السلطات، وإبعاد أي منافس حقيقي على السلطة، وتجميد طاقات المجتمع ومبادرات الأفراد، ووضع كل شيء تحت سيطرة أجهزة الدولة الأمنية والبيروقراطية، ومنع التداول السلمي للسلطة، وتأسيس حقبة من الحكم الفردي المطلق يملك هو فيها حق مساءلة الجميع ولا يملك أحد مساءلته ولا محاسبته ولا مراجعته في قليل أو كثير”.
هذا هو النظام وليس الدولة؛ أي مجموعة القواعد التي تحدد من يمارس سلطة الدولة، لكن الدولة الحديثة في مصر بنت مؤسسات قوية، كما قادتها أنظمة حاولت السيطرة وقيادة تلك المؤسسات مع بعض النجاح المستمر ولكن دون نجاح دائم -على حد قول ناثان براون في كتابه الحديث (صدر 2021 بالانجليزية) الذي حمل عنوان مصر: الدولة المثقلة والمجتمع المضطرب.
الشائع أن السياسة في مصر تصنع من أعلى وهذا في المجمل قد يكون صحيحا، ولكنه مشروط، لأن السياسة أيضا تصنع من أسفل حتى في ظل تصاعد القمع ومنع المعارضة. لذا يجب أن يدمج تحليلنا المجتمع المصري من خلال النظر إلى السياسة من مجموعة متنوعة من وجهات النظر، وليس فقط من أعلى إلى أسفل.
شخصياتنا الرئيسية -عندئذ- ليست مجرد رؤساء، ولكن أيضًا بيروقراطيون وضباط وقضاة ونسويات ونقابيون ونشطاء ومستثمرون ومزارعون.
“نحن نتحدث عن مصر التي تتحدث بأصوات عديدة ولكن فيها صوت واحد -صوت القيادة الاستبدادية- يسعى جاهدا ليكون أعلى من كل الأصوات الأخرى” – هكذا فهم ناثان براون السياسة في مصر وبه أسس تحليله في الكتاب المتقدم.
أظهر المصريون -طوال تاريخهم- علامات متفاوتة على النشاط الاجتماعي، وحاولت المجموعات القوية التأثير على السياسة الرسمية، وكانت سياسة الرئيس هي اكتشاف والتعبير عن ذلك أو المناورة معه أو استيعابه.
بعد قولي هذا، تحسن الإشارة إلى نقطتين علمتنا إياهما الخبرة التاريخية وسيظلان يحكمان المستقبل:
الأولي: أن الدولة المصرية في حالة سيرورة مستمرة وليس كيانا ثابتا. الدولة المصرية لم تولد في لحظة واحدة ولم يتم إنشاؤها بفعل متعمد. بدلا من ذلك، إنها مجموعة من التأثيرات، كثير منها غير مقصود، تنبع من اتجاهات اجتماعية وسياسية طويلة الأمد، وتاريخ من الإمبريالية وبناء دولة مستقلة، خلق على مدى فترة طويلة مجموعة واسعة ومتداخلة من أجهزة الدولة، وسلسلة من استراتيجيات النظام.
لذا يصبح من المهم دمج تحليل طويل الأجل وقصير المدى، وهي أحد ميزات مقال الهواري حين أشارة إلى النمط الممتد لعلاقة الدولة بالمجتمع على مدار القرنين الماضين، لكنه في إطار النمط العام هذا بين خصائص كل نظام بالنظر إلى الأنظمة الاستبدادية المختلفة التي شهدتها مصر على أنها نتاج التطور بمرور الوقت.
والثانية: وهي ضرورة متابعة العلاقة بين النظام وبين الدولة، ففجوات هذه العلاقة مما يسمح بتحقيق المهمة التاريخية التي أشار إليها الهواري.
النظام المصري يرسم الدولة ويوجهها، لكن قدرته على السيطرة على جوانب عديدة منها تتباين، وهذا التباين يسمح للمجتمع بالاستقلال أحيانا أو بالحركة المضادة لتوجهات النظام أو إبراز الشقوق في النظام.
خلال سنوات عهد عبد الناصر (1954-1970) -التي أفاض الهواري في تحليل سماتها- أعيد تشكيل الدولة المصرية بطريقة تجعلها تحت سيطرة النظام الذي نمت سيطرته بقوة ومباشرة لدرجة أنه أصبح من الصعب التحدث عن جهاز دولة متميز.
في عهد السادات (1970-1981) لا يزال النظام يقود الدولة، لكنه لم يعد قادرًا على التحكم فيها، وفي آخر 10 سنوات من حكم مبارك (1981-2011) اجتمعت عدة اتجاهات لإعادة تشكيل النظام ككل وفي علاقته بالدولة. سمح هذا النمط من العلاقات بين النظام والدولة للنظام بتوجيه الدولة ككل، لكنه أدى أيضًا إلى نتيجة غير متوقعة: في عام 2011، عندما تعرض النظام لضغوط شعبية قوية، اكتشفت أجزاء قيادية أن لديها أجهزة دولة مستقلة عن النظام.
أما يناير فقد جعلت الدولة بلا نظام لفترة وجيزة (2011-2014)، حتي تم استردادها بما أطلق عليه لاحقا الجمهورية الجديدة -كما أشار الهواري- باعتبارها “امتدادا طبيعيا وأصيلا للدولة المصرية الحديثة”.
الدولة والمجتمع
كان ولايزال منزع الدولة المصرية على مدار القرنين الأخيرين هو الهيمنة على المجتمع ومؤسساته، وقد اختلفت الأدوات المستخدمة والسبل التي أنتهجتها الدولة من فترة تاريخية لأخرى، ويظل التساؤل مطروحا: هل استطاعت الدولة المصرية بكامل عنفوانها أن تسيطر على المجتمع تماما؟ وإذا صلح ذلك في الماضي فهل يمكن أن يستمر في المستقبل؟ ويرتبط بذلك تساؤل آخر هو: كيف تم التعبير عن مصالح الفئات الاجتماعية من فترة لأخرى لأن الاضطراب في التعبير عن هذه المصالح قد يقود إما إلى القمع أو خلق سياسة تنافسية (كما جرى في الفترة الليبرالية 1923-1952) أو الجمع بينهما، كما جرى في فترة مبارك.
تدلنا خبرة دولة يوليو أنه يتم تنظيم المجتمع في مجموعة من المنظمات التي تتمتع كل منها بالسيطرة المضمونة على قطاعاتها الخاصة (على سبيل المثال، مع اتحاد عمال واحد مرخص من الدولة). ثم يتم تنسيقها من قبل الدولة، التي تأخذ دورًا قويًا من خلال رعاية تكوين فئات اجتماعية مختلفة، ومنحها احتكار التمثيل في قطاعاتها، وتشكيل هياكلها التنظيمية الداخلية، وتوجيه مطالبها عبر المؤسسات الرسمية. لذلك، يسعى الفاعلون الاجتماعيون إلى تنسيق العلاقات مع مجموعاتهم وطبقاتهم وقطاعاتهم، وتتحكم منظماتهم في صنع الطلب والتفاعل مع المؤسسات العامة.
لكن هذه السيطرة يمكن أن تتحلل. يمكن أن تفقد الأنظمة المؤسسية قبضتها على مجموعة متنوعة من الأسباب الداخلية والخارجية، كما يمكن للدوائر التي شكلتها الأنظمة أن تكشف عن أصواتها وتتحرك من تلقاء نفسها، وتعمل على تأمين المكاسب (مثل الأجور الأعلى) خارج القنوات الرسمية.
قد تشعر الأنظمة بأنها مجبرة على تقديم تنازلات (أجور أعلى، حقوق أكثر ديمقراطية) أو قمع (مزيد من القمع) من أجل الحفاظ على وضعها عندما تبدأ أدواتها في التلاشي. وعادةً ما يمثل تراجع هذه الهياكل المؤسسية منعطفًا حاسمًا تواجه فيه الأنظمة الاستبدادية خيارًا بين مسارين متباينين: يمكنها التحول إلى الديمقراطية، والاعتراف بفقدانها للسيطرة على المجموعات الاجتماعية، أو يمكن أن تتضاعف من خلال استخدام مزيد من القمع، ولكن يمكن بناء أنظمة تنافسية تسمح للديمقراطية بالاستمرار ضمن حدود المسار الأول (الاستبدادي) -كما جرى في مصر مبارك.
مصر تمثل حالة محيرة -وفقا لناثان براون- لأن النظام في فترتي السادات ومبارك تجنب أيًا من الخيارين الموصوفين أعلاه. فهي لم تقم بإضفاء الطابع الديمقراطي عليها ولم تضاعف من استخدام الأدوات القمعية. ما قبل السيسي كانت هناك عملية تحرير من تنظيم المصالح الاجتماعية بطريقة عبدالناصر، لكنها لم تكن مصحوبة بديمقراطية كاملة – ومع ذلك لم تتسبب في مزيد من الميول القمعية والسياسات الإقصائية لقمع المطالب الشعبية.
لماذا نجح النظام في ذلك؟- تقدم عديد الدراسات عن مصر إجابة عن ذلك مما يحتاج إلى مقال آخر.
نعود إلى سؤالنا الأول هل نجحت الدولة المصرية في السيطرة على المجتمع تماما؟
لقد تم بناء الدولة في الوقت الذي طور فيه أفراد المجتمع المصري دائمًا طرقًا رسمية وغير رسمية قوية لتنظيم أنفسهم، وهذا مايستحق أن نوليه اهتماما لأن أحد محددات المهمة التاريخية التي أشار إليها صديقنا أنور، خاصة أن جهاز الدولة وإن نما إلى مجالات عديدة في المجتمع والاقتصاد والدين، لكنه اضطر في العقود الأخيرة إلى التراجع الجزئي، والفاعلون الاجتماعيون المصريون نظموا أنفسهم بنجاح متفاوت وعبر مجموعة متنوعة من المجالات (السياسة والاقتصاد والدين)، وبطرق مختلفة لتشكيل الدولة وسياساتها.
الافتراض الذي تثبته التجربة التاريخية المصرية أن الدولة فيها لم تستطع أن تسيطر على مجمل المجتمع، وإنما اكتفت بقشرة بسيطة تضمن لها ممارسة السيطرة المحسوبة والدليل الذي تقدمه لنا هذه الخبرة التي امتدت لقرنين أو يزيد قليلا -وهي بالمناسبة ليست طويلة بعمر الشعوب- قيام خمس ثورات.
وأخيرا، يحسن أن نشير إلى أن تطورات المستقبل ستفرض حدودا على قدرة الدولة على ممارسة هذه السيطرة نتاج عوامل متعددة فرضتها عوامل عديدة أهمها: العولمة وتدفق المعلومات وتطورات التكنولوجيا، وانسحابها الدائم والمستمر عن أدوارها التقليدية تحت ضغط عجزها، ووصفات الصندوق والبنك الدوليين لصالح فواعل غير رسمية محلية وعبر وطنية.
مصر ليست طبقة وسطى فقط
من أساطير المثقفين المصريين وبدائع صنعهم إسناد التغيير للطبقة الوسطى، وبصراحة شديدة لم أعد متأكدا من قدرة هذه الطبقة على إحداث التغيير في المستقبل، ليس لعجزها الكامن والذي يراد له أن يستمر كما أشار المقال، ولكن لاعتبارات عدة أهمها :
1-في علاقة المتعلمين في المنطقة العربية بقيم التحرر السياسي والاجتماعي، تقدم لنا الدراسات حقائق صادمة، ومنها دراسة إسحاق ديوان في كتاب الاقتصاد السياسي للتعليم في المنطقة العربية يقدم لنا إسحاق من خلال تحليلات معمقة لاستطلاعات الرأي ثلاث حقائق: الأولى أن الفئة المتعلمة تميل إلى أن تكون في الجانب المنخفض من التحرر. الثانية: الأنظمة الاستبدادية في المنطقة تتلاعب بقطاعاتها التعليمية من أجل تعزيز قيم الطاعة واحترام السلطة بطرق تعزز حكمها. الثالثة: المصالح الاقتصادية للمثقفين، والخوف من العقوبات التي تفرضها الأنظمة الاستبدادية إذا نظر إليهم على أنهم يدعمون المعارضة السياسية، تلعب أيضًا دورًا في منعهم من تبني السلوكيات السياسية التحررية.
2-وجود فئات اجتماعية أخرى في المجتمع يزداد دورها ووزنها النسبي على حساب الطبقة الوسطى، وهي “الرأسمالية البلدي”- وفق تعبير عمرو عدلي في كتابه الرأسمالية المشطورة.
هذه الفئة يعمل بها أكثر من خمسين في المائة من القوى العاملة في مصر بعيدا عن الدولة ومؤسساتها وعن الرأسمالية الكبيرة أيضا، وهنا يصبح السؤال مشروعا: هل يمكن أن يكون هناك مشروع سياسي لهذه الفئة يجعل من السياسة المعارضة في مصر تتجاوز مأزقها التاريخي وهو عجزها عن التجذر اجتماعيا واكتفائها بالاحتجاج وهيمنة الثقافي عليها؟
3- ما يجري من إعادة تعريف للسياسة في منطقتنا منذ الربيع العربي حين قادها الشباب والشابات المتعلمون المنفتحون على العالم من حولهم في وقت تتغير فيه اهتمامات العالم المستقبلية وتختلف فيه أجندته لتحتل مسائل اللامساواة داخل الدول وبينها أهمية متصاعدة، بالإضافة إلى قضايا التغير المناخي وتدفق المعلومات والتغير التكنولوجي واقتصاد المعرفة أهمية كبيرة بما يعيد تشكيل خصائص الطبقة الوسطي وطنيا وعالميا.
ألم أقل لكم إن قصيدة الهواري تتسم بفصاحة، وروعة صياغة، وصور معبرة.. إلخ بما يقتضي معارضتها.
أما حديثه عن الجمهورية الجديدة وخصائصها فيستدعي منا حديثا آخر لأنها من وجهة نظري نقلة نوعية مختلفة عما سبقها من خبرة تاريخية مصرية وإن كان لها نظائر وأشباه في تجارب الدول الأخرى.