مع رحيل رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، لم يعد هناك أمام الأوربيين مُحاور واحد شرعي على الجانب المدني. فقد حل محل الرجل عدد كبير من الأحزاب السياسية وهياكل الحركات الاحتجاجية. بينما يبقى التساؤل دائرًا حول ما إذا كان الإعلان الدستوري لعام 2019 وما ولد عنه من حكومة انتقالية هو الوسيلة المقبولة لحكم السودان، بالنسبة للجمهور المدني الأوسع.
اتخذ حمدوك القرار المصيري بالاستقالة فجر الإثنين. وقد تذرع بفشله في إقناع تحالف الأحزاب السياسية المدنية -قوى الحرية والتغيير- بمزايا الاتفاق السياسي الذي وقعه في 21 نوفمبر/تشرين الثاني مع الفريق عبدالفتاح البرهان. وهو قرار ترك فراغًا دستوريًا في أعقابه. كما خلف أزمة لشركاء السودان الدوليين. وقد حاولوا تجنب هذه الاستقالة. وكانوا يرون أنه من الأفضل العمل مع الأمور -أي الاتفاق السياسي، مهما كان غير كامل- بدلاً من البدء من جديد وسط المجهول.
3 خطوات واجبة بعد استقالة حمدوك
لقد بات هذا التحول الخطير في المشهد السياسي السوداني -بعد استقالة حمدوك- بحاجة ملحة لتعديل رئيسي في السياسة الأوروبية، كما يقول تيودور ميرفي، مدير برنامج إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. وهو يشير إلى البيان الأخير الصادر عن الترويكا الغربية المعنية بالسودان، وتضم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج. والذي شدد على ضرورة استمرار صلاحية الإعلان الدستوري لعام 2019. بينما أصبح على الأوروبيين -وفق “ميرفي”- التعامل مع ثلاثة مجالات تتطلب تركيزًا فوريًا: الجيش – إشراك الجمهور المدني الأوسع – والوساطة.
ما على الأوروبيين فعله تجاه الجيش السوداني
يرى “ميرفي” أن الجيش والحركة الاحتجاجية حاليًا على استعداد خطير للتصعيد. وهو تصعيد إن كان يعني مزيدًا من الاحتجاج السلمي للحركة الشعبية، فإنه بالنسبة للجيش يعني مضاعفة القمع. خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار سجل المؤسسة العسكرية في اكتساب القوة مؤخرًا، وما يُظهره ذلك من نية في الاستيلاء على السلطة كاملة. لذلك يحتاج الشركاء الدوليون إلى التركيز أولاً على الجيش، حسب “ميرفي”.
في سبيل تحقيق ذلك، يجب جعل الدعم الدولي المستمر للسودان مشروطًا بإعادة تشكيل المكون المدني للحكومة الانتقالية. على أن يوجه تحذير جاد بضرورة أن يحظى التشكيل الحكومي القادم بدعم قطاع عريض من حركة الاحتجاج الأوسع والأحزاب السياسية المرتبطة بها. ذلك لضمان إلا يختار الجيش رئيس وزراء مدني “دمية”، أو يتحكم في من يحق لهم الترشح.
ويشمل الدعم الدولي للسودان مساعدات يتلقاها من خلال المؤسسات المالية الدولية (IFIs) بغرض تخفيف أعباء الديون. وكذلك برامج البنك الدولي مثل مشروع دعم الأسرة في السودان. والتي تدفع بعض الدول الأوروبية نصيب الأسد فيها. ما يمكنها من خلق العبء المطلوب على صانعي السياسات، ويضمن توافق الأموال المقدمة مع الهدف السياسي المعلن عنه: دعم حكومة انتقالية سودانية ذات مسار نحو الديمقراطية.
هنا، يحذر “ميرفي” من احتمالية نجاح الجيش السوداني في اختطاف البنك المركزي السوداني. حيث توجد أموال المؤسسات المالية الدولية، ومن ثم يمكنه إعادة توجيهها إلى غاياته الخاصة.
وبالإضافة إلى ذلك، يحتاج صانعو السياسات الغربيين أيضًا إلى تحديد “العصي” التي سيتعاملون بها مع الوضع السوداني. إذ يجب -وفق “ميرفي”- أن تستهدف العقوبات الأفراد الذين يمكّنون الجيش من التخريب السياسي. وكذلك الشركات المرتبطة بشبكة الأمن الاقتصادي العسكري الأوسع.
هنا، يقول “ميرفي” إن فعالية العقوبات تعتمد على قابلية تطبيقها بين التوسع والتدرج. إذ يجب أن تركز كل “ضربة” متصاعدة على نقطة قرار جديدة للجيش وعناصره التمكينية. “البحث عن مأزق أو مواجهة المزيد من الألم”.
في كيفية إشراك الجمهور المدني
يقول “ميرفي” إن شركاء السودان الدوليين بحاجة الآن إلى طريقة جديدة لإشراك جمهور سياسي مدني أوسع. ولتحقيق هذه الغاية، يجب عليهم أن يطلبوا من قوى الحرية والتغيير تشكيل آلية تمثيلية مؤقتة، تشمل حركات الاحتجاج.
وهنا، يشير “ميرفي” إلى هيئة قصيرة الأجل معنية بالاستجابة للأزمات، تكون مهمتها التفاعل مع الشركاء الدوليين من جهة، وبين قوى الحرية والتغيير وحركة الاحتجاج الأوسع من جهة أخرى. بينما يلفت إلى بعثة الأمم المتحدة الموجودة على الأرض لآداء مثل هذه المهمة.
يقول “ميرفي” إنه إلى الآن، لم تنخرط حركة الاحتجاج السودانية في السياسة. بل فضلت العمل كرقابة شعبية على الحكومة الانتقالية دون المشاركة فيها، ولو حتى بتشكيل حزب سياسي. وهو ما أدى إلى فجوة سياسية كبيرة. فالجانب المدني من النوايا الديمقراطية الحقيقية للحكومة الانتقالية مستمدة من الحركة الاحتجاجية. لكن تفويضها الرسمي انبثق من قوى الحرية والتغيير.
يرى “ميرفي” أن الحزب السياسي -الممثل في قوى الحرية والتغيير- فهم أنه يمثل المدنيين. لكنه ابتعد بمرور الوقت عن حركة الاحتجاج. والآلية التمثيلية المؤقتة المقترحة حاليًا للتعامل مع هذه الأزمة، يمكن أن تساعد حركة الاحتجاج في الاستعداد لتولي دور سياسي أكثر مباشرة وحوكمة.
الوساطة المطلوبة حاليًا بعد استقالة حمدوك
يرى “ميرفي” -في تحليله للوضع السوداني- أن هناك حاجة إلى وساطة من جهة فاعلة ذات مصداقية وثقل سياسي، لكن غير حزبية. ويقول إنه قبل أن تبدأ المفاوضات، لا تزال هناك حاجة إلى إصلاح نقاط الهدف السياسية التي سيتم من خلالها التفاوض على اتفاقية جديدة.
يضيف أنه إذا تمكنت حركة الاحتجاج من شل حركة الحكومة التي يقودها الجيش الآن، فقد تحقق مطلبها الأقصى؛ الإزالة الكاملة للجيش من الحكومة الانتقالية المستقبلية، ومن ثم خروجه من الحياة السياسية في السودان.
ومع ذلك، فإن بعض القادة السياسيين المدنيين في قوى الحرية والتغيير (وليس قادة الحركات الاحتجاجية) قد أعربوا بالفعل عن مطالب أخرى بدلاً من عزل الجيش عن الحكومة. وهي تتمثل في شراكة حقيقية.
هنا، يقول “ميرفي”: إذا افترضنا أن الجيش يمكنه تغيير حساباته لصالح مثل هذه الشراكة، فسيلزم إيجاد وسيلة لتربيع دائرة الموقف المتطرف للحركة الاحتجاجية. قد يكمن الحل النهائي في إشراك الجيش كمؤسسة، مع استهداف قيادته الحالية، بتحميلها المسؤولية عن الأفعال السيئة خلال فترة ولايتهم. الحل في المقايضة نحو هذه الشراكة هو تنحية القيادة الحالية للجيش. ومن ثم توفير تشجيع غربي لإمكانية قيام قيادة عسكرية جديدة باتباع نهج أفضل.