في صباح 28 ديسمبر الماضي، صعد الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، إلى منصة مجلس النواب. كانت المرة الخامسة تقريبًا التي يتم فيها استدعاء الوزير للإجابة عن أسئلة فاض بها كيل المصريين حتى وصلت إلى البرلمان.
كان من المفترض أن يرد الوزير على انتقادات واسعة لسياسة الوزارة في التعامل مع عدد من القضايا. ومنها سد عجز المعلمين، والمشكلات التي تواجه طلاب الصف الرابع الابتدائي، وامتحانات الثانوية العامة. لكن الجمهور قيّم ردوده على صفحات التواصل الاجتماعي بصفات سلبية، قيل: كأنه يتحدث إلى “جروب الماميز” وليس نواب الشعب.
لذلك، عند تأكيد الوزير استمرار الدراسة خلال الفصل الدراسي الثاني. رغم الإعلان عن متحور “أوميكرون” الجديد. رفض القطاع الأكبر من أولياء الأمور والمدرسين التصديق بشكل كامل، ما جعلهم يستعدون لعودة الدراسة “أونلاين”. وما بين الميل للشكل الرقمي لتوفير النفقات، وأهمية التفاعل الإنساني، ينقسم المصريون بشقيهم، الأهل والمُعلِم.
فئران تجارب
يتكون الموقف التعليمي من ثلاثة عناصر، هي “طالب” و”مدرس” و”رسالة تعليمية”. وهو ما يتوفر بالفعل في التعليم الإلكتروني وفصول الدراسة. لكن واقع الموقف التعليمي يقتضي أكثر من ذلك. فالأهم هو التفاعل المباشر. وتعبيرات الوجه وقراءته بين المعلم وتلاميذه. والمواقف السلوكية بين التلاميذ وبعضهم. هنا تبرز التصرفات والتوجيه التربوي من المعلم لحل المشكلة، أو للتوجيه الذي يتعلم منه جميع التلاميذ.
“لا أحد يفهم، العام الدراسي. صار أشبه بدوامة. منذ بداية ديسمبر تتعالى تصريحات رسمية بعدم إغلاق المدارس. بينما يختلي بنا بعض المدرسين ويتهامسون بوجوب الاستعداد لفصل دراسي آخر في المنازل”.
هكذا يبدأ هاني محمود، وهو أب لأربعة أطفال في مرحلة التعليم الأساسي، حديثه لـ”مصر 360″.
يقول: ليس الأمر متعلقًا بالأمور المادية فحسب. الأطفال ينسون ما يتعلمونه بسهولة معتمدين على برامج قناة “مدرستنا” التعليمية، أو دروس الفيديو المنتشرة على يوتيوب. كل يوم يجلس الطفل أمام الكمبيوتر لمشاهدة الدرس، بعدها يقول إنه أنهى مذاكرته.
يُشير هاني إلى إدراكه أن التعليم الرقمي جزء من المستقبل: “نعرف هذا ونحاول الاستعداد له. لكن الشكل الحالي يجعل أطفالنا فئران تجارب لأنظمة تعليمية اختبارية ليس أكثر”.
توافق على هذا الرأي نهال، وهي أم لطفل بالمرحلة الابتدائية ومعلمة رياض أطفال، نظرًا لعملها اكتفت بالاسم الأول. وتشير إلى أن الوجود مفيد للغاية من حيث تفاعل الطفل وتركيزه وشد انتباهه. تقول: “الدراسة الطبيعية هي الأهم بالنسبة للأطفال الصغار. حيث نقوم بأنشطة متعددة لإكسابهم المهارات الحياتية. ليست كل أم تملك الوقت الكافي لهذا في المنزل”.
تعليم باهظ الثمن
آية، وهي معلمة رياض أطفال بإحدى المدارس الدولية، تلفت إلى أن الفصول الإلكترونية ليست سوى للمدارس باهظة الثمن: “نقوم بإعداد المادة التعليمية كأننا نتفاعل مع الأطفال في الفصول. ويجب أن يشعر الطفل أنه في فصله وإلا سيغضب الأهالي كثيرًا، وربما يطالبون باستعادة المصروفات الضخمة التي دفعوها”.
وتابعت: “أبناء المدارس الدولية لدى أهلهم القدرة لتخصيص مربية متفرغة للوقت التعليمي ومتابعة الاستذكار. لكن بالنسبة للمدارس العادية، فنحن نفتح لأولادنا القنوات التعليمية ونبحث على يوتيوب”.
في المُقابل، تشير إيمان الشريف -المدرسة بالمرحلة الثانوية- إلى أن الفارق بين أفضلية التعليم العادي أو الرقمي تتوقف على الفئة العمرية للطالب. “فكلما كان صغيرًا كلما زاد احتياجه إلى المدرسة والتفاعل مع المدرسين وزملائه. هذا ما يساعده بشكل مباشر ويُنمّي لديه قدرات الملاحظة. وكلما أحب مدرسه استقبل منه مادة علمية أكبر”.
وأضافت: أمّا بالنسبة للسن الأكبر -طلاب الإعدادية والثانوية- فإن التعامل مع التكنولوجيا أفضل لهم، وكلما زادت التقنيات الدراسية زاد الأمر إمتاعًا للطالب وراحة للمدرس.
يفرغ عملية التعليم من روحها
“إذا أردت تعليما رديئًا ومواطنًا رديئًا، فامنع التلميذ من الذهاب إلى المدرسة وأبقه خلف الشاشات”. بهذه العبارة تصف أمل جمال -موجهة اللغة الإنجليزية بمحافظة الدقهلية- المقارنة بين التعليم العادي والاعتماد الكامل على رقمنة التعليم.
تؤكد “أمل” أنها مع فكرة استمرار الدراسة بالمدارس ما لم تكن هناك ظروف قهرية -مثلما حدث مع ظرف جائحة كوفيد 19- مشيرة إلى أن التفاعل الاجتماعي لا يتوفر في التعليم الإلكتروني. ما يفقد التلاميذ موردًا هامًا من موارد ثقافتهم الاجتماعية وأصول التعامل بينهم وبين الآخرين. حسب قولها.
تقول: أنا مع التعليم الإلكتروني كجزء من العملية التعليمة لأنه سيثريها ويجذب التلميذ أكثر للتعلم. وهو بديل جيد جدا في بؤر الحروب في العالم. معه جدا في مخيمات اللاجئين. وفي الأماكن النائية التي يتطلب سير التلاميذ كيلومترات، أو في حالة الكوارث الطبيعية.
تؤكد أمل، التي تنخرط في السلك التعليمي ما يزيد على العقدين. أن التعليم الإلكتروني يفرغ العملية التعليمية من روحها، لأنه ينحي الجانب التربوي ويُبقى على التعليم فقط. لكنه “جيد للحصول على درجات قدر جودته في إخراج طالب مغترب عن وطنه. يفتقر إلى آداب وأخلاقيات تقدمها له تفاعله مع الآخرين”.
نموذج مصغر من المجتمع
تلفت “أمل” إلى أن المدرسة هي نموذج مصغر من المجتمع الذي يعيش فيه التلميذ. “فلماذا نسجنهم خلف الشاشات ونشكو بعد ذلك من السلوكيات وتدني أخلاقياتهم واغترابهم عن مجتمعهم؟”. تُضيف لـ “مصر 360”: ناهيك بغياب روح الجماعة والروح الوطنية في التعليم الإلكتروني. لن يحتفلوا بنصر أكتوبر ولا عيد الأم، لن يقفوا حدادا على شهيد ضحى بحياته من أجل الوطن. لن يشاركوا في معسكرات مدرسية، ولن يقوموا بزيارة معالم وطنهم. أو حتى يشاركوا في مسرحية مدرسية لعشر دقائق في طابور المدرسة أو الفصل في أشد المدارس فقرًا في الإمكانيات.
توجه “أمل” حديثها إلى أولياء الأمور: أنتم توفرون وقتا ومواصلات ونقودا. لكن تخسرون سلوكيات. تجعلون التلاميذ يشاهدون العالم من خلف الزجاج، وتعملون على تغريبهم. دعونا نفكر في تحسين جودة المدارس في التبرع مثلا ولو بالقليل، وننسى الدروس الخصوصية التي تجعل ميزانيتنا تترنح.
وأشارت إلى أن تحسين جودة المدارس وبناء مدارس جديدة وخفض الكثافة هي الحل. والحل الأنجح هو النظر إلى الكثافة السكانية ونشر ثقافة المصارحة في التعاطي مع المشكلات.