تنشر هيئة السكك الحديدية بمصر، بيانًا يوميًا عن متوسط تأخيرات على خطوطها لا يقل عن ٩٠ دقيقة للقطار الواحد. مشفوعًا باعتذار متكرر للركاب لحين الانتهاء من أعمال تطوير السكة.

تتعدى تلك التأخيرات في الواقع عدة مرات مستوى التعميم الذي غالبًا ما ينشر في الصفحات الداخلية للمواقع الإلكترونية. ونادرًا ما ينشر في الصحف الورقية بعدة أضعاف.

قطار ٩٤٦ الذي يفترض تحركه من محطة طنطا يوميًا في الساعة ٨.٤٠ دقيقة يفترض أيضًا وصوله القاهرة الساعة ١٠.٢٠ دقيقة. ومنذ ٦ أشهر لا يصل قبل الساعة ١٢ ظهرًا وأحيانًا ١٢.٣٠ دقيقة بتأخير يتراوح بين ٣ و٤ ساعات.

يتكرر الأمر في رحلة العودة للقطار ذاته، فمن المفترض أن ينطلق من القاهرة في 7.20 مساء الوصول لطنطا في التاسعة. لكنه يصل في بعض  الأحيان 11 مساءً.

وعدت وزارة النقل بعدم حدوث تأخير بداية من منتصف العام الجاري، بعد الانتهاء من تطوير الإشارات. مؤكدة تكثيف أعمال تطوير أنظمة الإشارات بالتزامن مع استلام الهيئة عدد من العربات الروسية الجديدة درجة ثالثة مكيفة.

كانت الوزارة قد وعدت قبل خمس شهور بإنهاء التأخير في ديسمبر الماضي، لكن تم تأجيل الموعد ستة أشهر.

تطوير مستمر

وقال وزير النقل في مؤتمر بأسوان أخيرًا: “نعمل الآن في تطوير نظم الإشارات في أربع خطوط رئيسية (القاهرةـ إسكندرية) وخلال أسابيع سيتم الانتهاء منه بنسبة 100%.. (القاهرةـ أسوان) نعمل فيه بشكل قطاعات لأنه 900 كيلو.. و(بنها- الزقازيق).. (الإسماعيليةـ بورسعيد) سيتم الانتهاء منها في منتصف عام 2022 بنسبة 100%”.

لا يمكن حساب التكلفة الاقتصادية التي يفقدها الاقتصاد يوميا بسبب تأخير القطارات. لكنها ضررها الاجتماعي أعنف بكثير، سواء في الأعمال والمناسبات التي كان يكمن للمواطن الاستفادة منها بدلاً من إهدارها في انتظار الوصول.

في موسم الامتحانات الحالي يضطر الطلاب لاستقلال قطارات من الساعة السادسة صباحا. حتى لو كان الامتحان في الواحدة ظهرًا خوفا من تأخرها المعتاد، وأن يصبح مصيرهم مرهونًا بالسكة الحديد.

يستقل الطلاب القطارات بالاشتراكات السنوية المدعمة، والبديل في السيارات وهي تكلفة لا تستطيع أسرهم تحملها خاصة مع أعداد الأسر الكبيرة. فتكلفة الانتقال بسيارة الأجرة من طنطا على سبيل المثال للقاهرة تتجاوز 50 جنيها بخلاف المواصلات الداخلية والانتقال من رمسيس إلى جامعاتهم.

كثير من الموظفين بين نارين حالياً فلا يستطيعون تحمل الوسيلة البديلة في سيارات النقل الجماعي التي تصل إلى الضعف. وفي الوقت ذاته يتعرضون لخصومات تأخير من قبل شركتهم.

تحرك جزئي

تحركت وزارة النقل أخيرا وعقدت اجتماعا قبل أسبوع لبحث تأخر القطارات لكنها قرنتها بموجة الطقس السئ التي أوصلت المياه بين قضيبي السكة. وعدت بتوزيع وجبات على المواطنين الذين لا يملكون أموالا، وتم إصدار توجيهات بزيادة وجبات العشاء حتى انتهاء موجة الطقس السيئ

تبلغ التكلفة المالية لتنفيذ خطة تطوير السكك الحديدية 225 مليار جنيه منها 53 مليار جنيه للوحدات المتحركة. و105 مليارات لتطوير البنية الأساسية و60 مليارًا لنظم الإشارات و50 مليار لتطوير الورش و15 مليارًا لتنمية العنصر البشري. و2 مليار جنيه للجرارات، مؤكدًا أنه كان هناك 810 جرارات عام 2014 بينهم 360 جرارًا غير صالح.

يتحرك محمد علي، الذي يعمل في محل بمنطقة العتبة، يوميًا من بلدته بكفر الزيات في الغربية للقاهرة. وكان الوقت الإجمالي الذي يقضيه في المواصلات قبل التأخيرات ٤ ساعات يوميا، وأصبح حاليًا 8 ساعات على أقل تقدير

يقول علي، الذي اعتاد يوميًا على اصطحاب سجادة صلاة وفرشها على أرفف الحقائب في القطار والنوم عليها: 8 ساعات في العمل و8 في المواصلات.. لدي 8 ثالثة لشؤون منزلي.. والقطار أصبح فرصة للنوم.

يحمل الوقت أهمية اقتصادية كبيرة خاصة فيما يتعلق بالحركة والزمن التي تقيس أداء النشاط الاقتصادي وكفاءته الإنتاجية. ويقسم إلى اعتيادي وهو الوقت الذي يقضيه العامل في إنتاج قطعة واحدة. أو المعياري ويمثل الزمن الذي يقضيه العامل لإنتاج وحدة دون أن يجهز نفسه.

للتكاليف أشكال مختلفة

يرتبط الوقت بمصطلح “تكلفة الفرصة البديلة” التي تتضمن التكاليف النقدية أو المالية والناتج الضائع والوقت الضائع والمتعة وأي فائدة أخرى. والتي عبر عنها بنيامين فرانكلين، الذي لا تزال صورته حاضرة على الدولار بقوله: “الوقت هو المال”. أو رجل الأعمال جيم رون: الوقت أثمن بكثير من المال فأنت يمكنك أن تكسب المال لكن لا يمكنك أن تكسب المزيد من الوقت.

خسارة الوقت يمكن تقريبها بمحمد صبحي عامل في مصنع ملابس يتعامل بالقطعة. فالتيشرت بدون لياقة بقيمة ٤ جنيهات ونصف لياقة ٥ جنيهات، واللياقة الكاملة ٦ جنيهات، وبالتالي تمثل خسارة الساعة الواحدة من وقته نحو ٢٥ جنيهًا لجيبه.

يقول صبحي إن تأخره على موعد عمله لا يمثل مشكلة لصاحب العمل ولكمن مشكلة شخصية. فلديه وقت محدد للعمل على الماكينة وبمجرد انتهاء وقته يسلمها لعامل أخر وبالتالي التأخير يتضرر منه ولا يستطيع تعويضه.

يمكن لإدارة تكلفة الوقت أن تلعب دورًا هامًا في تحقيق استراتيجيات التنافس التي تتبعها الوحدات الاقتصادية. مما يؤدي إلي زيادة الربحية، وتحسين المركز التنافسي للوحدة الاقتصادية من خلال الاهتمام بتطوير وتحسين العمليات الإنتاجية. وزيادة فعالية الأنشطة والتسويقية وإرضاء العملاء وكسب عملاء جدد.

تكلفة الوقت 

وإدارة الوقت هي عملية تخطيطية للسيطرة على الوقت الذي يقضيه الإنسان في مختلف الأنشطة. وترتبطُ إدارة الوقت بمفاهيم مختلفة مثل إدارة المشاريع فيما يتعلق بالتخطيط. وإدارة الموارد المعرفية المرتبط بتنظيم عقول الموظفين للقيام ببعض الأنشطة، وإدارة الوقت التنظيمي بتخفيض تكلفة الوقت داخل المؤسسات.

ربما كانت تلك النقطة الوازع وراء الكثير من مشروعات الطرق في مصر لتقليل الزحام ووقت الوصول. ففي  دراسة أعدها البنك الدولي في 2014 كلفة الزحام في القاهرة الكبرى تعادل 3.6% من الناتج المحلي الإجمالي. وهو ما يمثل حوالي 30 مليار جنيه، أيّ أعلى بكثير من بعض المدن الكبرى الأخرى.

تؤكد السكك الحديدية أنها كانت أمام خيارين إما وقف القطارات لمدة عام كامل. لإنهاء مشروعات التطوير أو أن يتحمل المواطن معها التأخير وتستمر القطارات في العمل.

وقال الوزير كامل الوزير إنه كان يمكن غلق السكة الحديد لفترة للانتهاء من التطوير وهو أمر صعب تقبله بالنسبة للمواطن. أو أن يتم التوافق على أن تعمل كل القطارات بوسائل الأمان التي توقف القطار عند اعتراضه بأي شيء. وهو ما سيؤخر مواعيد القطارات لمدة 25 دقيقة، ولكن هذا الإجراء مهم لحماية الأرواح.

لكن بعض المواطنين يبدون شكواهم من تأخر القطارات العادية عبر التخزين في مناطق انتظار لمرور القطارات المكيفة. رغم أن التأخير يجب أن يسري على الجميع، أيًا كانت درجة الركوب بلا فرق بين العادي أو الروسي أو المكيف.