هناك ذلك الجسر بين الذاكرة والنسيان. يقف فيلم ألمودوفار الجديد “أمهات متوازيات” أعلى ذلك الجسر، ينظر إلينا ومعنا فيما نريده من الذاكرة مجيبًا على سؤال: لماذا لا نستسلم طواعية للنسيان.
لماذا تبحث النساء والحفيدات عن رفات الأجداد من زمن فرانكو؟ لماذا تضمها جميعًا لترقد مجتمعة؟ وكأن الاعتبار هنا لن يعود فقط للراحلين. لكنه يؤسس مكانًا للآن أيضًا. حيث نكون في حاضر لا يمكن فيه مرة أخرى انتزاع الذاكرة.
أجمل مشاهد الفيلم يصورها المخرج في لقاء عالم الأنثروبولوجي بنساء العائلة. وهو يحاول الاطلاع على أي تفاصيل عن الجد. حينها تذكر إحداهن إصراره على ارتداء خاتم زواجه دائمًا، وأنه كان يلاعب رضيعته ذات الأربعة شهور عند القبض عليه، وأنه ربما لم يترك لعبة الطفلة من يديه. تردد ابنته أنها كانت ذات أربعة شهور فقط عندما رأت والدها آخر مرة، لكنها تشعر فعلاً أنها تذكره الآن.
في فيلم ألمودوفار السابق “الألم والمجد” يجد المشاهد أيضًا تلك الحركة بين الماضي والحاضر، وكأنها محاولة لتحديد الاتجاه والسرعة إلى المستقبل. إن الارتداد بالذاكرة إلى الماضي وإلى الأم لا يعني نكوصًا، بل على العكس، محاولات البطل هنا في هذا الفيلم أو البطلة في “أمهات متوازيات” هي محاولات للفهم والاستمرار.
في “ألم ومجد” جملة جميلة: حاولت أن أنقذ أبطال أفلامي. تصبح العائلة والأم وذاكرة الطفولة والأجداد المسرح الرئيسي للحركة والمشاركة والوجود.
لن يظل البطل في هذه الأفلام وحده حتى وهو وحده. سيستدعي دومًا باقي الأبطال. كل هؤلاء الحقيقين الذين عاشرهم ويشبهوننا. سيستدعينا نحن أيضًا العابرين المتفرجين على الفيلم بألوانه الجذابة ودراما لا تصدمنا. بل تمشي معه في شوارع كثيرة من الأمل واليأس.