في سياق التحديات التي تواجه الخصوصية، التي تعدّ حقًا أساسيًا لضمان الحريات الشخصية للأفراد في المجتمع. تبرز الحاجة للتعريف بآليات حماية الأفراد من مختلف التدخلات التعسفية وغير المبررة في الحياة الشخصية. مع غياب الخصوصية يصبح التمتع بالحياة الخاصة في خطر.

لذلك، تواجه الحياة الخاصة عدة أشكال من التدخلات من المجتمع والدولة. وبالإضافة إلى ذلك، ازدادت التحديات التي تعيق حق المواطنين/ات في الخصوصية مع التقدم التكنولوجي المستمر. كما تغيب سياسات وتشريعات مناسبة وشاملة لحماية الحياة الخاصة والحق في الخصوصية. ومع وجود تشريعات تبيح التدخلات الرسمية في الحياة الخاصة، وجب على القانون والسياسات العامة حماية الحياة الخاصة من التدخلات المختلفة، وليس التدخل  فيها.

للاطلاع على الورقة البحثية كاملة.. اضغط هنا

«الحياة الخاصة تحت التهديد: أزمات مجتمعية ورسمية». ورقة سياسات من مركز التنمية والدعم والإعلام «دام»، يناقش فيها الباحث ماريو ميخائيل السياسات التي تقود للتدخل في الحياة الخاصة. والتي تترك آثارًا شديدة الخطورة على الفرد والمجتمع.

التدخلات وتهديد حياة البشر

وتذكر الورقة أن انتهاك الخصوصية والحياة الخاصة قد يكون سببًا في إنهاء حياة البشر. إما عن طريق العنف من أطراف أخرى أو الانتحار. هذا ما حدث مؤخرًا في واقعة انتحار الفتاة التي تدعى بسنت، والتي انتحرت بسبب الضغوط التي  عانت منها عقب تهديد وابتزاز أحد الشباب لها بنشر صور خاصة تم تزييفها. لذلك فإن هذه الواقعة هي حالة واحدة تعبر عن المخاطر التي قد تتعرض لها الفئات المهمشة وبشكل خاص النساء. بسبب انتهاك الخصوصية والحياة الخاصة، تلك الانتهاكات التي لها أشكال عديدة.

التدخلات وتهديد حياة البشر
التدخلات وتهديد حياة البشر

تنتقل الورقة للحديث عن التشريعات الداعمة للحق في التمتع بالحياة الخاصة، باعتباره أحد حقوق الإنسان الأساسية. وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الثانية عشرة على أنه لا يجوز أن يتعرض الفرد لتدخلات تعسفية في حياته الخاصة، ومن حق الفرد أن يحميه القانون من تلك التدخلات التعسفية. كما أكد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على هذا الحق في مادته السابعة عشرة.

للاطلاع على الورقة البحثية كاملة.. اضغط هنا

كما نص الدستور المصري على أن للحياة الخاصة «حرمة، وهي مصونة لا تمس». ونص أيضًا في نفس المادة بأن «للمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية»، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة. كما نص أيضًا على أن «للمنازل حرمة والحياة الآمنة حق لكل إنسان، وعلى الدولة الالتزام بتوفير الأمن والطمأنينة للمواطنين ولكل إنسان مقيم في  مصر».

تدخلات رقمية 

تتحدث الورقة عن مستويين من التدخلات. الأول التدخلات الرقمية، وهي أحد أشكال الاعتداء على الحياة الشخصية للفتيات والسيدات هو ما يطلق عليه الانتقام الإباحي.  تشير تلك العبارة إلى استخدام ونشر صور أو مواد جنسية بدون موافقة أصحابها وفي الأغلب تكون الضحايا من النساء.

التدخلات الإلكترونية
التدخلات الإلكترونية

بعض الباحثين يرون أن هذا المصطلح غير مضبوط بسبب اقتصاره على المواد التي تنشر بدون موافقة أصحابها بغرض الانتقام فقط. ولكنها قد تكون لها دوافع أخرى، كما أن هذا العنف يأخذ أشكالاً متعددة. لذلك اقتُرح تسمية هذه الظاهرة بالمواد الإباحية  غير الرضائية.

تتنقل الروقة بين نماذج من هذا النوع، بعدما انتشر هذا الوباء في العالم بأسره، والوضع في مصر ليس مختلفا. فقد تعددت وقائع تسريب صور جنسية لفتيات بدون موافقتهن على شبكة الإنترنت. في إحدى الوقائع الشهيرة في العام 2020 ظهر حساب على تطبيق تليجرام يقوم بنشر صور فاضحة لفتيات من المنصورة. كما يقول أحد مؤسسي مبادرة لمواجهة الابتزاز الإلكتروني بأنهم يتلقون 700 حالة يوميا. ووصل إجمالي الحالات إلى 400 ألف حالة منذ إنشائها.

للاطلاع على الورقة البحثية كاملة.. اضغط هنا

تدخلات اجتماعية ومزيد من الأزمات القانونية 

النوع الثاني الذي تطرحه الورقة يتمثل في التدخلات الاجتماعية، مع غياب تشريعات وسياسات ملائمة للتحديات والتدخلات التي تواجه الحياة الخاصة وحق المواطنين والمواطنات في الخصوصية. بل على العكس، بعض التشريعات والممارسات الرسمية تتدخل في الحياة الخاصة بشكل غير مبرر.

تشير شهادات النساء اللائي يعشن بشكل مستقل بأنهن يخضعن لعدة أشكال من الوصاية  الاجتماعية. يبدأ الأمر بالسمسار الذي يتدخل في الحياة الخاصة للفتيات ويسألهن عن حالتهن الاجتماعية وأسباب عيشهن وحدهن. وقد يتدخل صاحب العقار والجيران وقد يدخلون عنوة  لتفتيش البيت إذا شكوا في وجود رجل، ويصل الأمر أيضًا إلى قيام حارس العمارة بالسؤال عن هوية الزوار وتقرير بقائهم أو عدم بقائهم في المنزل، بالإضافة إلى ذلك قد يتعرض الرجال لتلك التدخلات أيضا. تلك الانتهاكات للحياة الخاصة والحق في الخصوصية تتسبب في أذى جسدي ونفسي كبير وقد تتطور إلى القتل في بعض الأحيان.

التدخلات الاجتماعية والأزمات القانونية
التدخلات الاجتماعية والأزمات القانونية

ظهر هذا في واقعة مقتل سيدة دار السالم. أشارت التحقيقات بأن صاحب العقار والجيران اقتحموا شقة إحدى السيدات بسبب وجود رجل غريب معها، فتم التعدي عليهما بالضرب المبرح وخلال محاولة الهروب منهم، سقطت من الشرفة.

من ناحية أظهرت السلطات تعامل جيد مع تلك القضية فقد تم القبض على المتهمين وعرضهم على النيابة التي قررت  حبسهم بشكل سريع وناجز. ولكن خبرا في جريدة الوطن نقل عن مصدر بالطب الشرعي أنه تم أخذ مسحة مهبلية بناء على قرارات النيابة، لبيان وجود معاشرة جنسية من عدمه قبل الوفاة.

التوصيات:

انتهت الورقة إلى عدة توصيات على النحو التالي:

– وضع سياسة متكاملة وواضحة لحماية الحياة الخاصة والخصوصية.

– مواجهة وباء المواد الإباحية غير الرضائية أو ما يعرف بـ الانتقام الإباحي عن طريق تشريع قانون مخصص لتجريم هذا الأمر ومعاقبته بعقوبات مشددة، على ألا يحتوي هذا التشريع على أي عبارات غامضة قد تستخدم لانتهاك الحياة الخاصة والممارسات والمواد الرضائية المختلفة.

– استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة لمكافحة وإغلاق القنوات والمواقع على شبكة الإنترنت التي تقوم بنشر المواد الإباحية غير الرضائية.

– إلغاء جميع القوانين التي تحتوي على عبارات فضفاضة وغامضة مثل «خدش الحياء العام» و«الفعل الفاضح» و«نشر الفسق» والتدخلات الاجتماعية والأزمات القانونية الاعتداء على قيم الأسرة المصرية». واستبدال تلك القوانين بتشريعات واضحة ومحددة الألفاظ لحماية المواطنين/ات من التصرفات التي تشكل مضايقات وتحرشًا مثل إظهار الأعضاء التناسلية في الأماكن العامة.

– التوقف عن استخدام ممارسات مثل المسحات المهبلية أو القيام بفحوص شرجية في مجريات التحقيق. إلا في قضايا الاعتداء الجنسي إذا استدعى الأمر ذلك.

– التوقف عن استخدام كشوف العذرية بشكل كامل. حيث إنها ليس لها أي سند طبي ولا تعد حتى دليلاً على حدوث اعتداء جنسي من عدمه.

– إلغاء جميع المواد التمييزية ضد المرأة في التشريعات. وإلغاء المواد التي تعاقب بالحبس على الخيانة الزوجية (الزنا) من قانون العقوبات بشكل كامل. ولكن يصبح من حق الطرف المتضرر طلب الطلاق إذا أراد/ت، وإلغاء المادة 237 التي تخفف عقوبة الزوج الذي يقتل زوجته.

– وضع تشريعات جديدة لتجريم التدخل في الحياة الخاصة للأفراد، لتتناسب مع الأشكال المتعددة التي قد يفرض المجتمع بها وصايته على الفئات المهمشة، والتي لا تندرج تحت القوانين الحالية.

– تضمين المناهج التعليمية في مختلف المراحل الدراسية، مواد تثقيفية للتوعية بأهمية احترام الحياة الخاصة والخصوصية.

– عمل حملات توعوية في الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي بخصوص احترام الحريات الشخصية والحياة الخاصة والحق في الخصوصية.

– تشجيع المواطنين وبشكل خاص النساء على الإبلاغ عند التعرض للانتهاكات أو تدخلات تعسفية.