الجلسة الأولى لبرلمان العراق الذي وصلنا إليه بعد دوامة طعون قضائية لتحالف الفتح-الممثل السياسي للحشد الشعبي المهزوم انتخابياً. شهدت درجة قصوى من الاستقطاب السياسي. ما أسفر عن مشاهد فوضوية. وذلك لدرجة الاشتباك الجسدي بين الأعضاء. بل ونقل رئيس الجلسة النائب خالد الدراجي إلى المستشفى إثر التدافع العنيف بين النواب. فضلاً عن اغتيال قيادي في تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر -مسلم عيدان- والمتصدر للانتخابات.

ويواجه التيار الصدري معضلات سياسية وإجرائية جمة للوصول إلى حكومة “أغلبية وطنية”. وكذا حسم الخيارات النهائية بشأن الرئاسات الثلاث.

وعشية انعقاد جلسة البرلمان. قال “الصدر” إن اختيار رئيس البرلمان العراقي ونائبيه “أولى بشائر” حكومة الأغلبية الوطنية.

خطوة أولى في العراق

وتابع عبر حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “أبارك للشعب العراقي هذه الخطوة الأولى لبناء عراق حر مستقل بلا تبعية ولا طائفية ولا فساد لتنبثق منه حكومة وطنية نزيهة”.

وأوضح “الصدر” أن كل الكتل السياسية بصدد منعطف سياسي صعب. بينما طالب تفادي أخطاء “الماضي المرير”. كما دعا إلى “ضرورة تشكيل حكومة أغلبية لا مكان فيها للطائفية والعرقية”.

وقال: “اليوم لا مكان للطائفية ولا للعرقية. بل حكومة أغلبية وطنية. يدافع الشيعي فيها عن حقوق الأقليات والسنة والكرد. ويدافع الكردي عن حقوق الأقليات والسنة والشيعة. كما سيدافع السني عن حقوق الأقليات والشيعة والكرد”.

وفي الجلسة الأولى للبرلمان العراقي جرى انتخاب محمد الحلبوسي رئيساً لمجلس النواب العراقي لدورته الخامسة بالأغلبية المطلقة. وذلك من الجولة الأولى من التصويت. حيث شارك 228 نائباً في التصويت للاختيار بين الحلبوسي ومحمود المشهداني بحسب وكالة الأنباء العراقية. وقد حصل “الحلبوسي” على 200 صوت مقابل 14 صوتاً لمنافسه المشهداني. فيما اعتبرت 14 بطاقة اقتراع باطلة. كما فاز حاكم الزاملي من التيار الصدري بمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان العراقي.

انتخابات رئيس “النواب” في العراق

واعتبر زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني أن انعقاد جلسة البرلمان وانتخاب رئيس مجلس النواب العراقي ونائبيه خطوتين مهمتين للعملية السياسية في العراق. وأشار إلى أن “الخطوتين تمثلان بداية جيدة لتصحيح مسار العملية السياسية وترسيخِ الديمقراطية والشراكة في العراق”. وكشف الحزب الكردي عن حسم منصب رئيس الجمهورية العراقية وتقديم مرشحين للمنصب.

وقال النائب عن الحزب -مهدي كريم- لوكالة الأنباء العراقية إن “الحزبين، الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستانيين، اتفقا على ترشيح شخصيتين لمنصب رئيس الجمهورية”، مبيناً أنّ “المرشحين تمّ تقديمهما من قبل الاتحاد الوطني”.

وتابع: “تم حسم الأمر من قبل الكتل الكردية ومع الكتل الأخرى، ككتلة تقدم أو التيار الصدري”، لافتاً إلى أنه “مثلما تم تمرير رئيس مجلس النواب ونائبيه، سيمرر مرشح الأكراد لمنصب رئيس الجمهورية بسهولة”. وأردف: “منصب رئيس مجلس الوزراء من حصة المكون الشيعي، وأي شخصية تخرج من هذا المكون، لا يوجد اعتراض عليها من قبل الكرد أو المكون السني”.

إذاً جاءت الجلسة البرلمانية الأولى منسجمة مع ما توصل إليه زعيم الكتلة الصدرية مقتدى الصدر مع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني وزعيمي تحالف تقدم محمد الحلبوسي وتحالف عزم خميس الخنجر، بحسب الأكاديمي والسياسي العراقي محمد نعناع.

يضيف “نعناع” لـ”مصر 360″: “حاول الإطار التنسيقي والذي يضم القوى والأحزاب المهزومة بالانتخابات، القيام بمناورة عن طريق رئيس السنة محمود المشهداني لتعطيل تنفيذ الاتفاقات داخل جلسة مجلس النواب عبر طرح ورقة بصورة مباغتة فيها أسماء نواب يمثلون الكتلة النيابية الأكثر عدداً. ما دعا التيار الصدري لقطع الطريق على هذه المباغتة والمناورة بإبعاد المشهداني والاستمرار بالجلسة”.

ازدواجية الإطار التنسيقي

ويلفت الأكاديمي العراقي إلى أن الإطار التنسيقي ارتكب مغالطة وتعامل بازدواجية مع مسألة الكتلة الأكبر التي ترشح رئيس الوزراء ليكلفه رئيس الجمهورية بعد ذلك. حيث إن الإطار كان يصر على أن الكتلة الأكبر يجب أن تتشكل من المكون الشيعي. ولكن ورقة الأسماء التي قدمها على أنها “الكتلة الأكبر” فيها أسماء لنواب سُنة وتركمان وبعضهم نفى لاحقا اتفاقه مع الإطار التنسيقي. وهكذا تم تفنيد مغامرة الإطار التنسيقي والمضي بتنفيذ الاتفاقات الصدرية والكردية والسنية لتشكيل أول معادلة سياسية في مسار تشكيل الحكومة.

وخلال الـــ45 يوما المقبلة التي تنقسم إلى 30 يوما لانتخاب رئيس الجمهورية و15 يوما لتكليف رئيس مجلس الوزراء. سيستمر المتحالفون الجدد بتنفيذ اتفاقاتهم بالإضافة إلى محاولة استمالة جزء من الإطار التنسيقي للمشاركة في الحكومة لدواعي استقرار الوضع السياسي من ناحية، ولتأمين دعم إيران لتشكيل الحكومة من جهة أخرى -بحسب “نعناع”- لأن أطراف أو قوى الإطار التنسيقي مرتبطة بإيران، واستبعادها تماما أو نهائيا سيجبر إيران على إرباك الوضع في العراق، سياسيا وميدانيا، للدفاع عن نفوذها ومصالحها.

وقالت السفارة الأمريكية في بغداد إن الولايات المتحدة ترحب بانعقاد الدورة الخامسة لمجلس النواب العراقي وتأمل في أن يشرع بالإسراع في عملية تشكيل حكومة جديدة. وأضافت في بيان نشرته عبر “فيسبوك” أن المجلس “يعد جزءا لا يتجزأ من العملية الديمقراطية العراقية والسيادة الوطنية”.

وتابعت: “بالنظر إلى الدور المُهم الذي يؤديه العراق في الاستقرار والأمن الإقليميين، فإننا نشارك الأمل في أن يشرع قادةُ العراق ومجلس النواب الجديد بالإسراع في عملية تشكيل حكومة جديدة ليتسنى لها الاضطلاع بالعمل المُهم والمُتمثّل في حماية الديمقراطية ودعم السيادة الوطنية والتصدي للتحديات المُلِحّة التي تواجه العراق والمنطقة حالياً”.

الصدر وحكومة أغلبية في العراق

وفي حديثه لـ”مصر 360″ يرجح الباحث السياسي العراقي صباح الخزاعي أن يشكل مقتدى الصدر حكومة أغلبية وطنية من كتلته وكتلتي الأكراد والسنة. الأمر الذي على ما يبدو أنه محسوم بخصوص رئاسة البرلمان التي ذهبت لمحمد الحلبوسي ورئاسة الجمهورية المتوقع أن تكون لهوشيار زيباري “من الحزب الديمقراطي الكردستاني جماعة مصطفى البرزاني”، فضلاً عن احتمال التجديد لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وكذا يتولى خميس الخنجر من السنة منصب نائب رئيس الجمهورية.

ومن المؤشرات على ذلك يلفت “الخزاعي” إلى أن تحالف “فتح” و”تقدم”، وهما أكبر تحالفين يمثلان التيار السني في العراق، وقع اختيارهما على خميس الخنجر لقيادة التحالف، وذلك في مقابل ترشيح محمد الحلبوسي لرئاسة مجلس النواب.

غير أن الإطار التنسيفي يرفض التجديد للرئاسات الثلاث “برهم صالح رئيس الجمهورية، ومصطفى الكاظمي رئيس الحكومة، ومحمد الحلبوسي رئيس البرلمان”. وبالتالي، من المتوقع أن يتصدى مقتدى الصدر لهذه المحاولات المحمومة -بحسب الباحث السياسي العراقي. وذلك على خلفية التفافهمات والتنسيق القائم بين الصدر والكاظمي. مع الوضع في الاعتبار أن الوزن السياسي للإطار التنسيقي قد تراجع بعد الهزيمة المدوية والفادحة في الانتخابات الأخيرة.

يتفق والرأي ذاته مركز المستقبل للأبحاث ودراسات المستقبل، والذي يرى أن ثمة تفاهمات كذلك بين الحبلوسي والصدر. حيث التقى الطرفان في مقر إقامة الأخير بمدينة النجف مطلع العام: “توصل الحلبوسي إلى اتفاقات مبدئية مع الصدر على الانضمام له لتشكيل حكومة أغلبية. تضم كذلك الحزبين الكرديين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، مع انتظار موافقة تحالف العزم على الانضمام لهذا التحالف. ويسعى الصدر من ذلك إلى تحقيق هدفين، وهما فرض ضغوط على التنسيقي، وإجباره على التراجع عن مواقفه المتشددة، فضلاً عن قطع الطريق أمام الأخير لمحاولة بلورة تفاهمات مع خنجر، أو الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، لتشكيل تحالف ينتزع من الصدر استحقاق تشكيل الحكومة الجديدة”.