عام ثامن تدخله الأزمة اليمنية وسط كم هائل من التباينات التي تعصف بالمشهد، فيما تتضاءل الآمال باحتمالات الحسم العسكري أو الحل السياسي للصراع على المدى القريب، نظرًا لتشابك التدخلات الإقليمية والدولية، وسط داخل بالغ التعقيد لأسباب طائفية وجهوية تغذيه اتجاهات ثقافية واجتماعية وأهداف سياسية متباينة، إلا أنه رغم ذلك يظل حل الأزمة أو السير قدما نحو التهدئة، أسير مجموعة من المحددات تتمثل في:
- تسارع معدل سير المصالحات الإقليمية التي شهدها العام 2021، يعد محددا رئيسيا لمسار الأزمة اليمنية، فما أن تم التوقيع على المصالحة الخليجية حتى أثيرت التساؤلات حول مدى تأثير هذا التقارب، في ضوء ما لدى قطر من علاقات جيدة مع بعض أطراف الصراع، خاصة بعدما وجدت إيران في الأزمة الخليجة فجوات سياسية واقتصادية عمدت إلى الاستفادة منها بما يخدم مشروع الولي الفقيه في أكثر من عاصمة عربية، ومنها اليمن.
وهنا يمكن القول إن تلاقي أهداف هذه الأطراف الخليجية إضافة لمصر، ربما يحفز مساعي الحسم العسكري، أو محاولات الوصول لحل للنزاع بين الأطراف اليمنية، خاصة في ظل ارتفاع كلفة استمرار الأزمات والصراعات في المنطقة.
في هذا السياق أيضا لا يمكن إغفال المقاربة التركية السعودية، والتركية الإماراتية، على الأزمة اليمنية خاصة في ظل حاجة أنقرة للدعم الاقتصادي الخليجي لتجاوز أزمتها الاقتصادية، في وقت وقعت السعودية مطلع العام 2020، عقدا مع شركة “فيستل” التركية للصناعات لتصنيع طائرات مسيّرة من طراز “كاريال”، وواكب ذلك تسريبات بشأن موافقة تركيا على طلب سعودي لدعمها في اليمن، تبعها أنباء بشأن تجنيد الاستخبارات التركية مرتزقة سوريين لإرسالهم إلى حرب اليمن لدعم السعودية.
2- تطور الاتصالات السعودية الإيرانية من جهة، والإماراتية الإيرانية من جهة أخرى، بهدف تبريد أزمات المنطقة، يعد محددا لا يمكن إغفاله بشأن الأزمة في اليمن، في ظل تكرار اللقاءات بين المسئولين في البلدان الثلاثة بعد ست سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران.
فلم ينته العام الماضي قبل تطور إيجابي على صعيد مساعي تهدئة الإقليم المضطرب، تمثل في جلسة الحوار الأمني بين السعودية وإيران بمشاركة خبراء من الجانبين في العاصمة الأدرنية عمان، وشهدت تأكيدات من الطرفين على الرغبة في تطوير العلاقات وتعزيز الاستقرار الاقليمي.
قبل تلك الجلسة، كان وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، قد التقى في سبتمبر الماضي نظرائه من ممثلي السعودية والكويت ومصر والأردن وقطر والاتحاد الأوروبي، في مقر البعثة العراقية في نيويورك على هامش أعمال الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤكدا لهم تجاوب بلاده مع مساعي تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وفق ترتيبات أمنية تكون نابعة من داخل دول المنطقة.
بالتوازي مع ذلك جاءت التحركات الإماراتية لـ”فتح صفحة جديدة مع إيران” والتي وصلت ذروتها بزيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد لإيران.
وفي هذا السياق يمكن القول إنه إذا استطاعت الأطراف الثلاثة بلورة رؤية شاملة تراعي مصالحهم المشتركة في المنطقة، خاصة في ظل التباطؤ الاقتصادي في السعودية وبقية دول الخليج وسط انخفاض أسعار النفط وتداعيات جائحة كورونا،سيكون اليمنيون في صدارة المستفيدين من وراء ذلك.
- نجاح الجهود الدولية الرامية للتوصل لاتفاق نووي جديد مع إيران، سيكون بمثابة ضوء أخضر لحل الأزمة الإيرانية ووقف إطلاق النار، في ظل استخدام طهران المكثف لحليفها “الحوثي” للضغط على أعدائها في المنطقة من بوابة الأزمة اليمنية، وهو ما يمكن قرأته بشكل واضح في تصريحات عضو مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور الديمقراطي كريس مورفي بقوله “إن الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب سابقا قد يكون عاملا حاسما لإحلال السلام في اليمن”، مؤكدا: “بدون الاتفاق النووي سيرى الإيرانيون في اليمن فرصة لإيذاء الولايات المتحدة وإيذاء حلفائنا”، وبذلك يتضح أن الدفع في طريق الاتفاق النووي هو بالأساس دفع باتجاه حل الأزمة المستعصية في اليمن.
- تجاوز خريطة المعارك العسكرية للخطوط الحمراء التي يعد المساس بها إضرار مباشرا بالاقتصاد العالمي، سيكون أحد أبرز مظاهر تكثيف الأطراف الدولية ضغوطها للتسوية.
وتتمثل تلك الخطوط الحمراء، في مناطق النفط، حيث إن وقوع مناطق النفط في دائرة التنافس المحلي يهدد بتغيير سيناريوهات الصراع ليس فقط داخل اليمن بل في المنطقة بأكملها، وهو ما ظهر جليا بعد انتقال الحرب شرقا إلى محافظة مأرب الغنية بثرواتها الطبيعية، في وقت تبلغ مساحة قطاع صافر النفطي بمحافظة مأرب نحو 8 آلاف كيلو متر مربع.
و يمتلك اليمن 87 قطاعا نفطيا يتم الإنتاج الفعلي في 12 قطاعا منه، وتعمل فيها 11 شركة نفطية إضافة إلى 26 قطاعًا استكشافيًا تعمل فيه 16 شركة نفطية.
الخط الأحمر الأهم بالنسبة للاقتصاديات العالمية ودول المنطقة يتمثل في مضيق باب المندب، والذي يعد ممر التجارة الدولية البحرية الأهم في العالم ويتحكم عمليا في خطوط الملاحة البحرية وممرات التجارة العالمية.
المساس بهذا الخط الذي يرتبط بشكل مباشر بحركة الملاحة في قناة السويس والتي تعد موردا رئيسيا من موارد الخزانة المصرية ،دفع مصر لتوجيه رسائل صارمة لمسئولين حوثيين في وقت سابق لتجنب تدخلا مصريا مباشرا للحفاظ على مقدراتها، وتشبيه ذلك الخط، بخط سرت الذي فرضته في وقت سابق بالمعادلة الليبية، فيما لم تكن الرسائل غير معلنة فقط وجاء بعضها معلن في كلمات مباشرة لرئيس الدولة المصرية.
- تماسك الجبهات المتصارعة في الأزمة المينية يمثل عنصر من عناصر الحسم الهامة خلال الفترة القادمة ،فالجبهة الأولى التي بدأت بقيادة السعودية تحالفا عسكريا للتدخل المباشر في النزاع، لم يمض الكثير من الوقت حتى انفرط عقدها بانسحاب أعضاء التكتل العسكري العربي واحدا بعد آخر ابتداء بالمغرب ، كما تباينت بعد ذلك حسابات من بقي في التحالف، ففي الثاني من فبراير 2020 أعلنت الإمارات الشريك الرئيسي للسعودية، عن عودة قواتها من اليمن، مكتفية بتعزيز القدرات العسكرية لحلفائها في الجنوب اليمني، وهو ما أثار شكوك الرياض وسط تحركات الفصائل العسكرية الموالية لأبوظبي في المجلس الانتقالي الجنوبي نحو الانفصال.
ودفع التباين السعودي الإماراتي لتحرك كلا الطرفين بمعزل عن الآخر بحثا عن مصالح منفردة، الأوضاع نحو مزيد من التأزم على الأرض.
الانقسامات داخل تلك الجبهة انتقلت إلى المكونات الميدانية اليمنية ، حيث أثر التوجه السعودي المناوئ لجماعة الاخوان المسلمين سلبا على مشهد التحالف، خاصة وأن الجماعة يشكل أحد أذرعها وهو حزب الإصلاح اليمني المتحالف مع الممكلة، القوة الفاعلة الرئيسية في الدفاع عن محافظتي مأرب وشبوة الغنيتان بالنفط.
وتجلت مظاهر توتر العلاقات بين المملكة والحزب في انتقال اثنين من قياداته، وهما محمد اليدومي رئيس الهيئة العليا، ورجل الدين عبدالمجيد الزنداني عضو الهيئة العليا، من الإقامة في السعودية إلى تركيا، بداية عام 2021.
وبناء عليه سيكون بمقدور السعودية إذا ما استطاعت ترميم جبهة حلفائها المحليين أوالإقليميين، تحقيق أهدافها التي يأتي على رأسها الهروب من المستنقع اليمني، ووقف نزيف خسائرها.
أما على صعيد الجبهة الأخرى التي تقودها إيران، عبر ذراعها في الداخل اليمني جماعة أنصار الله، فالخلافات باتت واضحة أيضا سواء بين قيادات جماعة أنصار الله وبعضهم البعض حول تقاسم النفوذ والمصالح، أو بين المسئولين في طهران والجماعة، وتجلى ذلك خلال أزمة خروج السفير الإيراني السابق قبل وفاته حسن إيرلو القيادي البارز بالحرس الثوري الإيراني والذي كان يوصف بأنه “قاسم سليماني اليمن” وبالإشارة لتلك يبدو أن ضعف سيطرة طهران على المجموعات الموالية لها من شأنه أن يدفعها إلى تقديم تنازلات في ملفات المنطقة، ومن ثم التسريع من وتيرة التهدئة في اليمن خشية فقدان ورقة ضغط هامة.
أمام هذه المحددات التي ستكون بمثابة ضابط إيقاع للصراع في اليمن، سيكون المشهد هناك مع بداية عام جديد أمام اثنين من السيناريوهات.
السيناريو الأول
ويتبنى هذا السيناريو رؤية ترجح استمرار تداعيات الأزمة اليمنية، ومواصلة القتال على الجبهات الحالية المفتوحة وسط تصعيد متقطع لمعدلات العنف من وقت لآخر ارتباطا بتعامل اللاعبين الدوليين مع قضايا المنطقة، وذلك دون انهيار للعملية السياسية بالكامل أو حدوث حالة فوضى عارمة، في ظل تمسك كافة الأطراف بالحد الأدنى من المرونة والمناورة.
وهذا السيناريو يلخصه مسئول يمني رفيع المستوى بمعسكر دعم الشرعية بقوله “حتى لو فتحنا أيدينا وقررنا أن ندخل في مفاوضات جادة للسلام، ولاقى هذا التوجه تيارا مرحبا داخل جماعة الحوثي، فإن إيران لن تسمح به كون مشروعها التوسعي في المنطقة هو مشروع بالأساس متعارض مع المشروع العربي، وبناء عليه سيكون المسعى الإيراني دائما محافظا على استمرار ارتباك المشهد العربي من خلال حالة السيولة في معظم العواصم العربية التي سيطر عليها بشكل أو آخر”.
ويعد هذا السيناريو هو الأكثر قابلية للحدوث خلال الفترة القادمة في ظل العوامل الداخلية التي تعزز استمرار الصراع، والمتمثلة في الجغرافيا الطبيعية والتاريخية بخلاف الأسباب المناطقية والمذهبية.
السيناريو الثاني
يتبنى هذا السيناريو رؤية من الصعب تحققها في الفترة القريبة القادمة، وتتمثل في التوصل لحل أو تسوية للأزمة اليمنية تأخذ شكلا من ثلاثة:
- الأول وهو اتفاق تهدئة حال توفر أحد المحددات السابق ذكرها أو أكثر، بشكل يدفع إلى خفض المعارك، ومنح فرصة للمفاوضات للوصول لرؤية يمكن معها التوافق حول تشكيل سلطة انتقالية ممثلة لكافة الأطراف المتنازعة تكون مهمتها تهيئة المناخ لحوار حول شكل الدولة والنظام السياسي، إلا أنه في المقابل يصطدم هذا التصور بحالة السيولة، وعدم الثقة بين الأطراف اليمنية والدول الإقليمية ذات العلاقة.
- الثاني هو انفصال الجنوب، ويتطلب هذا السيناريو لتحقيقه إصلاح تشققات جبهة دعم الشرعية، الجهوية والقبلية من جهة، والسياسية بين حزب الإصلاح، والمجلس الانتقالي الذي يسيطر على مناطق واسعة بالجنوب من جهة أخرى.
وتجدر الإشارة هنا إلى تقرير المخاطر الصادر عن شركة “فيتش” بشأن اليمن خلال العام الماضي 2021، وإثارته لشكوك كبيرة حول قدرة اليمن على البقاء موحد.
- الثالث ويتمثل في “اليمن الاتحادي” أو الفيدارلي المكون من 6 أقاليم، ويقوم هذا التصور على استكمال المرحلة الانتقالية من نقطة توقفها في 2015 قبل الحرب، عبر إجراء الاستفتاء على الدستور ، ويعقب ذلك إجراء انتخابات برلمانية ومحلية، ثم إجراء انتخابات رئاسية تنتهي حينها المرحلة الانتقالية وتبدأ المرحلة الدائمة.
في المقابل يصطدم هذا التصور برفض الحوثيون لصيغة الدولة الاتحادية، وكذلك رفض المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يعتبر ذلك التفافا لحرمان الجنوبيين من الانفصال.