يرصد التقرير السنوي لملتقى التنمية للحوار وحقوق الإنسان، العديد من الأزمات التي استمرت خلال العام المنصرم 2021. والتي تفاقمت ضمن توابع جائحة كوفيد 19. أو لاستمرار النزاعات المسلحة في عدة مناطق بالقارة الأفريقية. مع التركيز على الانتهاكات الحادثة للنساء والأطفال بشكل خاص.

أشار التقرير، الذي صدر مؤخرًا، إلى زيادة نسبة العنصرية والتمييز في العالم. خاصة تجاه سكان شرق آسيا المتهمين بتصدير الفيروس إلى العالم. وكذلك تفاقم أزمات المياه في العالم العربي، وارتفاع نسبة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا بين الشباب. رغم أن دولًا مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، وهي المقصد الأول للمهاجرين، جاءت ضمن أكثر الدول التي تأثر اقتصادها سلبًا بالجائحة.

أشار التقرير إلى زيادة نسبة العنصرية والتمييز في العالم. خاصة تجاه سكان شرق آسيا المتهمين بتصدير الفيروس إلى العالم.
أشار التقرير إلى زيادة نسبة العنصرية والتمييز في العالم. خاصة تجاه سكان شرق آسيا المتهمين بتصدير الفيروس إلى العالم.

ملتقى التنمية للحوار وحقوق الإنسان

يعمل ملتقى التنمية للحوار وحقوق الإنسان -وهو منظمة غير حكومية- على تعزيز حقوق الإنسان. ورفع وعي المواطنين بحقوقهم ومسؤولياتهم، ومكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية على المستوى المحلي والعالمي. كما “يعمل على الحفاظ على السلام والأمن وحماية حقوق الإنسان على المستويين الوطني والدولي”. وفق القائمين عليه.

ويضم الملتقى عدة برامج، منها “برنامج حرية الرأي والتعبير” الذي يسعي لخلق فرص للاتصال المباشر بين النخب والفئات المستهدفة، من خلال انشاء حلقه اتصال بين الطرفين. و”برنامج النزاهة والشفافية” الذي يسعى إلى تعزيز مبادئ النزاهة والشفافية والمسئولية سعيا لتحقيق الأهداف والسياسات المقترحة لمكافحة الفساد.

ويسعى “مرصد مكافحة الإرهاب” بالملتقى، إلى رصد ومتابعة ومجابهة الأفكار والأيديولوجيات المتطرفة، التي تتبناها الجماعات الإرهابية بشتى أنواعها. ويسعي لاستخدام موقع التواصل الاجتماعي لخلق وعي عن القضايا الإرهابية. كذلك يعمل “برنامج المصريين بالخارج” على توثيق كافة الانتهاكات والمشكلات التي يتعرض لها المصريون في الدول العربية والأوروبية والولايات المتحدة.

عانى 58% من الأمريكيين الآسيويين و45% من ذوي الأصول الأخرى، من تعليقات عنصرية منذ بداية الجائحة.
عانى 58% من الأمريكيين الآسيويين و45% من ذوي الأصول الأخرى، من تعليقات عنصرية منذ بداية الجائحة.

عنصرية الجائحة

رصد التقرير ما أصدرته المفوضية العليا لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، حول تزايد خطابات العنف والكراهية تجاه الصينيين والآسيويين عامة في أعقاب انتشار جائحة كوفيد 19. وهو ما واجهه الصينيون بعنصرية مماثلة تجاه الأجانب في بلادهم.

وفي أكتوبر 2020، كشف مركز بيو للأبحاث أن الأمريكيين من أصول آسيوية والملونين كانوا الأكثر عرضة لمواقف سلبية. إذ عانى 58% من الأمريكيين الآسيويين و45% من ذوي الأصول الأخرى، من تعليقات عنصرية منذ بداية الجائحة. في المُقابل، نظمت لجنة مدينة نيويورك لحقوق الإنسان ورش عمل تعليمية مجانية للمجتمعات التي تواجه مستويات عالية من العنصرية والتمييز.

الانتهاكات ضد المرأة

وفقًا للأمم المتحدة، تضاعف عدد المكالمات لخطوط المساعدة من ضحايا العنف المنزلي بمقدار خمسة أضعاف خلال فترة العزل التي تلت تفشي كوفيد 19 في العالم. ما دعا الكثيرون لإطلاق اسم “ظل الجائحة” على العنف الأسري. وقدّر تحليل أجرته منظمة الصحة العالمية عام 2018 عبر 161 دولة. أن 30% من النساء يتعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي من خلال الشريك الحميم، أو من غيره، أو كلاهما.

وفي مصر، أعلن المجلس القومي للمرأة أن ما يقرب من 8 ملايين امرأة مصرية تتعرض للعنف المنزلي كل عام، وحوالي 86% من الزوجات لديهن احتمالية التعرض للإيذاء الجسدي، إذ يوجه 4 من كل 5 أزواج شكلًا من التعنيف لزوجاتهن. بينما أبلغ ما يقرب من نصف الشابات عن تعرضهن لعنف أسري من قِبل الأخ أو الأب.

ووفق البيانات المستحدثة التي رصدها تقرير الملتقى، زاد عدد متلقي الدعم والعلاج في مراكز العنف الأسري بنسبة 13%. إذ تلقت 2704 امرأة رعاية فردية، و9278 رعاية أسرية. ولفت التقرير إلى أن النساء يمثلن 43% من ضحايا القتل الأسري.

وحتى أغسطس 2021، قُتلت 11 امرأة على أيدي الأزواج من 20 جريمة قتل، ما يُمثل 55% من حالات العنف الأسري.

كذلك، يواجه المجتمع ظاهرة أخرى ناتجة عن العنف المنزلي وهي “الغارمات”. إذ تشير الإحصائيات إلى أن 90% من هؤلاء النساء كن ضامنات لأزواجهن في شراء سلع بالتقسيط. وأوضحت وزارة التضامن الاجتماعي -طبقًا لوزارة الداخلية- أن هناك ما يقرب من 30 ألف امرأة سجينة بسبب الديون، في تهم تتراوح عقوبتها بين 3 و10 سنوات.

وتحاول الحكومة، بالتعاون مع المنظمات الأهلية، تخفيض أعداد الغارمات، بعد أن خصص صندوق “تحيا مصر” السيادي مبلغ 30 مليون جنيه للمبادرة الرئاسية “مصر بلا غارمين وغارمات“. وإنفاق 65 مليون جنيه للمشروعات الصغيرة للنساء.

زاد عدد متلقي الدعم والعلاج في مراكز العنف الأسري بنسبة 13%. إذ تلقت 2704 امرأة رعاية فردية، و9278 رعاية أسرية.
زاد عدد متلقي الدعم والعلاج في مراكز العنف الأسري بنسبة 13%. إذ تلقت 2704 امرأة رعاية فردية، و9278 رعاية أسرية.

النزاعات المسلحة تدمر الطفولة

تشير التقارير الدولية إلى أنه ما يقرب من 40.3 مليون شخص يعيشون في ظل عبودية مستحدثة. من بينهم 10 ملايين طفل تقريبًا، بمعدل طفل بين كل 4 أطفال. وهي الأزمة المنتشرة بكثافة في الدول الآسيوية.

وتضم أشكال العبودية الحديثة كلٌ من الاتجار بالبشر، العمل القسري، السخرة، عمالة الأطفال، الزواج القسري، والاستعباد الجنسي. فيما تشتهر “عبودية الديون” في البلدان الآسيوية في المناطق النائية بعيدًا عن رقابة الدولة، خاصة الهند وباكستان.

كذلك، انتشرت في وقت الوباء أشكال أخرى من القهر، خاصة تجاه العمالة غير الرسمية، مثل استغلال العمال الضعفاء أو الإجبار على العمل خلال فترة العزل المنزلي. لتنضم إلى مشكلات أخرى منها الوضع غير القانوني، والاستبعاد من خدمات الدعم الاقتصادي في الدول الموجودين بها.

أمّا عن الأطفال، فشهد عام 2021 تأثير بالغ للنزاعات المسلحة عليهم. إذ مثّل إغلاق المدارس بسبب القتال وظروف الجائحة إلى زيادة عمليات تجنيد الأطفال لحساب الفصائل المسلحة، والاتجار بالأطفال، والعمل الجبري، والعنف الجنسي. ومثّل أطفال فلسطين النسبة الأكبر تعرضًا للانتهاكات في 2021. إذ قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي -عبر ضربات جوية- 75 طفلًا، وأصابت 210 آخرين. وتم اعتقال 450 طفلًا بعضهم لا يتجاوز عمره 8 سنوات.

قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي -عبر ضربات جوية- 75 طفلًا، وأصابت 210 آخرين. وتم اعتقال 450 طفلًا بعضهم لا يتجاوز عمره 8 سنوات.
قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي -عبر ضربات جوية- 75 طفلًا، وأصابت 210 آخرين. وتم اعتقال 450 طفلًا بعضهم لا يتجاوز عمره 8 سنوات.

 

استغلال الأطفال في القتال

نهاية عام 2021، أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا عن عمليات قتل وتشويه وتجنيد الأطفال في سوريا دون الـ 10 سنوات، ووصل عدد الأطفال المتعرضين لانتهاكات من قِبل فصائل مدعومة من تركيا إلى 4724 طفلًا. كما كشف تقرير للمركز الليبي لحقوق الإنسان أن الفصائل التركية العاملة لحساب حكومة السراج. قامت بتجنيد أطفال سوريين من دور الأيتام وإرسالهم لجبهة القتال في ليبيا. وكذلك قيامهم بتعذيب وقتل الأطفال الذين ينتمون لفصائل مسلحة أخرى.

أمّا في أفريقيا، فيشهد وضع الأطفال تدهورًا بالغًا. حيث يتعرضون للاستغلال الجنسي، والاتجار بالبشر، والقتل، والتعذيب، والاغتصاب، والإبادة الجماعية. وفي يناير 2021 كشفت الأمم المتحدة أن سوء التغذية الحاد الوخيم وصل إلى 10% بين من هم دون الخامسة. في ارتفاع بنسبة 34%. في مايو الماضي، فحص مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “الأوتشا” ما يقرب من 11 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد.

وفي بوركينا فاسو، تضاعف عدد الأطفال المحتاجين إلى الحماية 10 أضعاف عن عام 2019، حيث ترك ما يقرب من 12 مليون طفل التعليم. وفي مالي، تم تشريد أكثر من 137 ألف طفل وإغلاق أكثر من 900 مدرسة. وشهدت نيجيريا زواج 76% من الفتيات قبل سن الـ 18. كشفت بعضهن عن إجبارهن على تعلم القتال لمساندة الجماعات المسلحة والزواج القسري من قادتها.

يحتاج أكثر من مليوني شخص في دول الساحل الأفريقي إلى مساعدات غذائية عاجلة
يحتاج أكثر من مليوني شخص في دول الساحل الأفريقي إلى مساعدات غذائية عاجلة

المعيشة الكريمة

شهد عام 2021 الكثير من التدهور بالنسبة للأحوال المعيشية في الدول النامية والفقيرة، حيث يحتاج أكثر من مليوني شخص في دول الساحل الأفريقي إلى مساعدات غذائية عاجلة، كذلك أثرت جائحة كوفيد 19 على تدهور مستويات التعليم والصحة. وكانت أكثر البلدان المتأثرة هي السنغال وموريتانيا ومالي والسودان.

وفي يوليو 2021، حذّر مجلس الأمن الدولي من سوء الوضع في إثيوبيا جراء القتال الدائر بين الحكومة وجبهة تحرير تيجراي. حيث أثّرت المجاعة على أكثر من 400 ألف شخص، وهناك 1.2 مليون آخرين في طريقهم إليها. كذلك أشار تقرير الأمم المتحدة للمساعدة الإنسانية والطارئة أن 60% من سكان النيجر يعيشون في نقص غذاء حاد.

على عكس هؤلاء، رصد التقرير السنوي للملتقى التقدم المصري في محور الأمن الغذائي، حيث تهدف الدولة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتطوير أنماط الاستهلاك لتحسين المستويات الغذائية. كما واجهت الدولة عدة مشكلات كبرى في القطاع الزراعي، منها الاستيلاء على أراضي الدولة، والتي قاربت مليوني مخالفة منذ عام 2011 على مساحة 90 ألف فدان، وأزمات تسويق المنتجات عبر مشروعات مثل “إحياء البتلو” والاستزراع السمكي، ومجمعات الأسمدة، ومشروع المليون ونصف رأس ماشية.

وأشار التقرير إلى أن مصر حققت الاكتفاء الذاتي من الخضروات بنسبة 100%، مع ارتفاع نسبة الصادرات الزراعية لأكثر من 4 ملايين طن منذ مطلع يناير 2020 وحتى سبتمبر 2021.

أمّا الأزمات الطبية، فتُعاني مصر من كونها تضم 7% من الأدوية المزيفة في العالم، بواقع 8 آلاف من أصل 44 ألف دواء. لذلك، تم إنشاء “مدينة الدواء” التي تهدف لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأدوية، وإنتاج 85% من الدواء محليًا لتقليل أسعار الأدوية المستوردة. ورصد الملتقى 24 حالة من الإهمال الطبي خلال الفترة من يناير وحتى أكتوبر 2021.

أشارت التقارير الأممية إلى أن الأمن المائي العربي في خطر. بسبب العوامل الجغرافية وتغير المناخ والنمو السكاني.
أشارت التقارير الأممية إلى أن الأمن المائي العربي في خطر. بسبب العوامل الجغرافية وتغير المناخ والنمو السكاني.

نقص المياه

استعرض تقرير الملتقى هذه الأزمة التي تشهدها الدول العربية حاليًا، حيث أشارت التقارير الأممية إلى أن الأمن المائي العربي في خطر. بسبب العوامل الجغرافية وتغير المناخ والنمو السكاني. مُلقيًا الضوء على أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، وأزمة نهري دجلة والفرات بين العراق وسوريا وتركيا والأردن.

ووفقًا لتقرير معهد الموارد العالمية في أغسطس 2020. يُعاني عربي من كل أربعة من “نقص مرتفع للغاية في المياه”. تتصدر الأزمة كل من قطر ولبنان، تليها الأردن والكويت وليبيا والبحرين وسلطنة عُمان. أمّا اليمن وتونس والجزائر والمغرب والعراق وسوريا وتركيا ومصر، فتُعاني من نقص مائي حاد، يتوقع أن يزيد بنسبة 20% في عام 2030.

وفي عام 2009، وافق المجلس الوزاري العربي على استراتيجية موحدة تمتد حتى عام 2025 تسعى لحقيق الأمن المائي العربي. وقتها، وافق معظم أعضاء المجلس على خطة تنفيذية بتكلفة 10 ملايين دولار تشمل خمسة مشاريع تهدف إلى ترشيد استخدام المياه والتوسع في استخدام المياه التقليدية وغير التقليدية. وذلك بالتعاون مع المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي الجافة.

أيضًا تعتمد دول الخليج العربي على محطات تحلية المياه لتلبية احتياجاتها، لكنها وجدت الطريقة مكلفة للغاية. لذلك بدأت الإمارات في مشروع ضخم لسحب كتل جليدية من القطب الشمالي، وهو المشروع الذي خصصت له 100 مليون دولار، لكن المشكلات الفنية أعاقت تنفيذه في البداية. لكن من المتوقع أن تبدأ التجربة بحلول الربع الثاني من العام الجاري، وأن تصل إلى الساحل الشرقي للبلاد بنهاية عام 2023.

هناك نحو 14850 محاولة سنوية للهجرة غير الشرعية مستخدمة قوارب غير آمنة.
هناك نحو 14850 محاولة سنوية للهجرة غير الشرعية مستخدمة قوارب غير آمنة.

هجرة المصريين

تناول تقرير الملتقى في جزئه الأخير حالة المصريين المهاجرين في الخارج. مُلقيًا الضوء على موجات الهجرة غير الشرعية التي انتشرت في الريف المصري واشتدت منذ عام 2013. وانتشار سماسرة الهجرة في القرى الفقيرة.

ووفق دراسة للدكتور حمدي عرفة، أستاذ الحكومة والإدارة المحلية، حول الهجرة غير الشرعية للعرب خلال جائحة كوفيد 19. هناك نحو 14850 محاولة سنوية للهجرة غير الشرعية مستخدمة قوارب غير آمنة. يتوسط سعر الفرد بين 2600 إلى 4000 دولار. بينما هناك 1.6 مليون مهاجر نقلتهم العصابات المحلية والدولية بواسطة قوارب الصيد.

وتستغرق رحلات هذه القوارب -التي لا تتفق 65% منها مع إجراءات السلامة وبدون ترخيص- ما يقرب من 17 ساعة لعبور المتوسط إلى أوروبا، بعدها يتم إلقاؤهم ليسبحوا أكثر من كيلومترين مرتدين عوامات الإنقاذ.

وتناول التقرير الجهود الحكومية للحد من الهجرة غير الشرعية، من ضمنها إنشاء لجنة التنسيق الوطنية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإتجار بالبشر. وفي يونيو 2021، أطلقت اللجنة خطة العمل الوطنية الثالثة لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية 2021-2023. وكذلك مبادرة “مراكب النجاة” التي تم إطلاقها في سبتمبر الماضي للتحذير من مخاطر الهجرة غير الشرعية.

أيضًا، أطلقت وزارة الهجرة بالتعاون مع وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية مبادرة “نورت بلدك” لإنشاء قاعدة بيانات عن العائدين. وافتتحت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة “وحدة أبحاث الهجرة” في مطلع 2021. مع استمرار الجهود الأمنية في ملاحقة سماسرة الهجرة غير الشرعية، وعمليات تأمين الحدود.