الصراع بين الإبداع والرقابة، ضارب بجذوره في أعماق التاريخ، حتى ليصعب الحديث عن الأدب من دون الحديث عن الرقابة التي تأخذ أشكالا ومستويات مختلفة. بداية من الرقابة التي يمارسها المبدع أو الأديب على نفسه لحظة الكتابة، خشية مصادرة ما يكتب. مرورًا بالسلطة الدينية والاجتماعية وانتهاء برقابة السلطة السياسية التي تستبعد ما لا ترضى عنه، أو لا يعبر عن أيديولوجيتها.

ومع التطور التكنولوجي وظهور أشكال مختلفة من الفنون التمثيلية، دخل الإبداع مرحلة جديدة أشد تعقيدًا. وذلك تحت ادعاءات أن الرقابة تمثل الرغبة المعلنة في حماية «ثوابت المجتمع»، والحفاظ على «الذوق العام». وغيرها من المصطلحات التي تتناسب طرديًا مع مستوى ما يراه المراقب تجاوزًا للحدود المسموح بها، سياسيًا واجتماعيًا.

للاطلاع على الملف كاملاً..

لكن الجديد خلال الفترة الأخيرة، أن الرقابة هذه المرة لم تأت من «رقابة السلطة». إنما لأول مرة نرى فيها اعتراضًا من قِبل من يفترض أنهم فنانون على أعمال فنية. على غرار ما راج ضد فيلم «ريش» الأخير، بحجة أن مشاهد الفقر التي فيه مؤذية وغير واقعية. واعتبار محاربة فيلمٍ تعرض للفقر، عملاً وطنياً أكثر من محاربة الفقر نفسه.

بين الدوافع والنتائج

«محاكمة العقل البشري.. أوراق في الرقابة على الإبداع بمصر» ملف جديد من مركز التنمية والدعم والإعلام «دام»، يتفاعل مع هذه القضية الشائكة. من خلال أوراق تتنقل بين نماذج قديمة وحديثة لحالة الرقابة على الإبداع، بما فيها القوانين التي كبّلت يد المبدعين. ومحاولة الربط بين دوافع هذه الرقابة والنتائج المترتبة عليها في مستقبل الحالة الإبداعية بمصر.

من خلال قراءة وافية، يبدأ الملف بتأصيل العلاقة بين الطرفين، ومراحل التطور التي شهدتها سواء بطرقها القديمة أو المستحدثة. في محاولة لفهم طبيعة الصراع الذي يخوضه المبدع لإيصال فكرته كاملة، والقيود التي تحول دون ذلك.

قراءة في مصطلحات

اتصالاً مع ذلك، وباعتبارها الصيغة التقليدية لمواجهة حركة الإبداع. يقدم الملف قراءة في مصطلحات من قبيل «النظام العام» و«مصالح الدولة العليا». وهي المرادفات المطاطة التي استوعبت في عباءتها كل إجراءٍ ضد الإبداع، لأهداف سياسية أو اجتماعية أو دينية. حتى باتت العلاقة بين المبدع (الفنان، الكاتب) والسلطة (الإدارة)، يشوبها «فوبيا» الانحراف عن الطريق.

للاطلاع على الملف كاملاً.. اضغط هنا

ثلاثة نماذج

وبالانتقال من هذا التأصيل إلى أرض الواقع، يقدم الملف 3 نماذج، تمثل أحدث تفاعل مع تيار الرقابة الموجَّه ضد الإبداع. اثنان منها يتعلقان بحالة الجدل التي رافقت عرض الفلمين «ريش» و«أميرة»، فالأول اعتبر دعاية سلبية محملا بتهمة «تشويه سمعة مصر». وهنا جرى تقديم قراءة في مفهوم السمعة، وعلاقته بمصر، أو ما يسمى المسكوت عنه، وكيف للمبدع أن يقدم ما لديه متحاشيًا هذه «السمعة».

أما الفيلم الثاني، يتناوله الملف بنظرة هادئة حول الحق في الإبداع والمشاعر المتعلق بالقضية الفلسطينية. وذلك على خلفية ردود الفعل تجاه العمل السينمائي، التي أنتجت قدرًا من الغضب المبرر. وأيضًا مطالبات- غير مبررة-، بوقف عرض الفيلم. لذلك يجد القارئ معالجة مكتملة الأركان تصل بالقضية الجدلية إلى نقطة هدوء مفادها أن ما لا يمكننا إلزام اﻵخرين به لا يحق لنا عقابهم على مخالفته.

ثالث النماذج الحديثة في علاقة الإبداع بالرقابة، ينحدر من ردود الفعل التي رافقت حديث الممثلة إلهام شاهين. حين أبدت مجرد «رغبة» في تمثيل مسرحية «المومس الفاضلة». وهي القضية التي ثبُت من خلال تتبع ملامحها بعدسة مقربة وجود شعاب أخرى. ليس فقط من بينها ما يحلو للبعض اعتبره «حدش الحياء العام».

«بلاغة المقموعين»

وينتقل الملف إلى الرقابة على الأدب، الذي جرى وضعه في كفة ميزان مقابلة لمفردة «العيب». وهو ما أنتج مع  الوقت ما جرى تسميته بـ«بلاغة المقموعين». تلك الفنون التي أنتجها الكتاب والمبدعون الذين وقفوا في صفوف المعارضة السياسية والاجتماعية للسلطة الزمنية. وما امتازت به هذه البلاغة من خصائص محددة، فأنتج المقموعون بلاغة تقوم على «التلطف» و«التعريض» و«التلميح» و«التورية».

إجمالا يضع الملف بين يديّ القارئ إطارًا نظريًا وعمليًا لقضية الرقابة على الإبداع، لا يخلو من نماذج تحليلية. مقدمًا في الوقت نفسه توصيات ونصائح لفض هذا الاشتباك غير المبرر، وصولا إلى حماية الإبداع والمبدعين، من دون محاكمة للعقل البشري.

للاطلاع على الملف كاملاً.. اضغط هنا