أصبحت الأنظمة الجوية غير المأهولة -الدرونز- جزءا لا يتجزأ من أي معركة عسكرية في مختلف الساحات. وعلى وجه الخصوص في صراعات الشرق الأوسط. فهي من أحدث تقنيات التكنولوجيا العسكرية التي استطاعت التأثير على موازين النصر والهزيمة. كما بدا جليا في ليبيا وسوريا وناجورنو كاراباخ.

كما أضافت الدرونز قيما عسكرية جديدة من حيث ضمان إطالة أمد النزاع. وضمان إصابة الهدف وتدويل النزاعات. والأهم انخفاض تكلفة الحروب. ما يعني سيولة وسهولة إشعال التوترات.

ويرجع ذلك إلى قدرة الدرونز على إلحاق خسائر غير محدودة والتحكم في سيناريوهات الصراع. وذلك بأقل تكلفة. وهو ما أدى إلى تسارع الدول نحو تأمين ترساناتها العسكرية من الدرونز وخلق سوق متنامية منها. كما أن الأمر لم يقف عند هذا الحد. ولكن نظرا لإمكانية تشغيل طائرة دون طيار تقليدية بمكونات بدائية أسهم ذلك في شيوع استخدام الدرونز في الحروب غير النظامية التي تشنها الجماعات الإرهابية، ما يهدد الأمن العالمي.

تاريخ استخدام الدرونز

يرجع تاريخ استخدام الطائرات المسيرة لأغراض عسكرية في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي. ولكن لم تكن بصورتها الحالية. حيث جرى تطبيق تقنية التحكم عن بعد لأول مرة عام 1849 بهجوم من النمسا على البندقية عبر إطلاق بالونات دون طيار حاملة للمتفجرات. والتي مثلت ابتكارا في مجال التكنولوجيا العسكرية. وجرت محاولات لتطوير هذه التقنية حتى تم تطوير أول طائرة كهربائية دون طيار على يد سلاح الطيران الملكي الإنجليزي عام 1916 وأطلق عليها  Ruston Proctor Aerial Target. وشهدت صناعة الدرونز أجيالا متعددة وتسابقت مختلف الدول نحو صناعتها. وتوسع استخدامها في الحروب. حيث استعانت القوات الجوية للجيش الأمريكي بطائرة QF-2 خلال الحرب العالمية الثانية. وكذلك V-1 “Doodlebugs”  لدى الجيش الألماني. كما لعبت الطائرات الأمريكية Firebees دورا حاسما في حرب فيتنام.

وبدأ استخدام الطائرات دون طيار في مجموعة من الأدوار الجديدة كإطلاق الصواريخ على أهداف ثابتة وجمع المعلومات مثل طائرة Ryan 147Bs.

وبدأت الولايات المتحدة برنامج Pioneer UAV عام 1980. كما تعاونت مع إسرائيل في مشروع مشترك عام 1986 لتطوير RQ2 Pioneer – واستخدمت هذه الطائرات على نطاق واسع بعد حادث برج التجارة العالمي في ملاحقة عناصر “القاعدة” في أفغانستان.

الدرونز وصراعات الشرق الأوسط

كانت صراعات الشرق الأوسط مجالا خصبا للطائرات المسيرة. حيث استخدمتها كافة الأطراف لحسم وإطالة النزاعات، ومنها ليبيا. حيث وصف الممثل السابق للأمم المتحدة في ليبيا -غسان سلامة- الصراع هناك بأنه “أكبر حرب مسيرات. حيث تم تنفيذ 1000 غارة جوية بواسطتها. وساعدت طائرات Wing Loong الصينية في تقوية الجيش الليبي منذ 2016.

وساعدت تركيا حكومة الوفاق الوطني الليبية بطائرات بيرقدار لمهاجمة القواعد الجوية الأمامية، والتي كان لها تأثير واضح على شكل الصراع في ليبيا.

وفي سوريا كانت الحرب ساحة تنافس في استخدام المسيرات. فمنذ فبراير 2018 كانت قاعدة التيفور ترسانة مسيرات تابعة لإيران. ففي أكتوبر من العام الماضي ضربت 5 درونز إيرانية قاعدة التنف العسكرية. ولسنوات شن التحالف الدولي بقيادة أمريكا غارات جوية بالدرونز. كذلك استعانت روسيا بتكنولوجيا المسيرات الإسرائيلية. ففي 2010 وقعت مع إسرائيل صفقة بـ400 مليون دولار لبيع طائراتها من طراز Searcher II.  كما استخدمت القوات الجوية التركية طائراتها المسيرة Anka-S وBayraktar TB2  لشن مئات الضربات ضد الجيش السوري.

أما اليمن فسجلت أكبر عدد للضربات الجوية باستخدام الدرونز. حيث يقدر موقع مكتب الصحافة الاستقصائية عدد الضربات الأمريكية في اليمن بنحو 336 ضربة بين يناير 2004 وفبراير 2020. بالمقابل استخدمت جماعة الحوثي الدرونز لاستهداف المطارات وتعطيل الدفاعات الجوية للتحالف ومكنتها من تحقيق مكاسب استراتيجية. حيث سجل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية 4103 هجمات حوثية في اليمن. بجانب شن 24 هجومًا بحريًا بين يناير 2017 ويونيو 2021. وأسفر هجوم في يناير 2019 على قاعدة العند الجوية عن اغتيال اللواء “محمد صالح طعمة” -رئيس وحدة المخابرات العسكرية بالجيش اليمني.

وفي إثيوبيا وباستخدام الدرونز التركية استطاع رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” قلب دفة الصراع الأهلي لصالحه. ما دفع التيجراي للتراجع 430 كيلومترا بعدما كانت على بعد 85 ميلاً شمال أديس أبابا في ظل صراع دام أكثر من 14 شهرا تقهقرت فيه القوات الحكومية. كما استعان آبي أحمد بالدرونز الصينية من طراز Wing Loong 2 بالإضافة لدرونز إيرانية من طراز مجاهر 6 الإيراني.

استخدام الدرونز من قبل الفاعلين من غير الدول

نظرا لسهولة استخدامها كأداة سلاح منخفضة التكلفة شاع استخدام الأنظمة الجوية غير المأهولة في أيدي أغلب التنظيمات الإرهابية. وكان أبرزها برنامج الدرونز الخاص بتنظيم “داعش”. والذي توسع نطاق تأثيره في سوريا والعراق.

ففي عام 2017 شن “داعش” بين 60 و100 هجوم بطائرات دون طيار شهريًا في جميع أنحاء سوريا وشمال العراق. واستطاعت تدمير ما لا يقل عن 56 مركبة عسكرية عراقية باستخدام درونزDJI Phantom quadcopters صينية وأخرى محلية الصنع.

كما نالت الساحة الأفريقية قدرا كافيا من الهجمات بواسطة الطائرات دون طيار. ففي الكونغو الديمقراطية استخدم المتمردون الدرونز وفقا لتصريحات وزير الداخلية الموزمبيقي “أمادي مويكيد” في مقاطعة كابو ديلجادو. كما أكدت البيانات الرسمية في الصومال أن حركة “الشباب” نشرت طائرات دون طيار لأغراض المراقبة والدعاية. بالإضافة إلى استخدامها من قبل جماعة الحوثي في اليمن. ما جعل الجهات الفاعلة غير الحكومية لاعبا رئيسيا في الصراعات.

سوق أسلحة الدرونز

نتيجة الطلب المتزايد على الطائرات دون طيار. استطاعت الدرونز أن تضع نفسها في قائمة الأسلحة الأولى شراء وإنتاجا على مستوى الدول الرائدة في صناعة السلاح. حيث بلغت قيمة السوق العالمية للطائرات دون طيار 18.28 مليار دولار أمريكي عام 2020.

ومن المتوقع أن تصل إلى 40.90 مليار دولار أمريكي في 2027 بمعدل نمو سنوي قدره 12.27٪ طبقا لموقع NewAmerica.

وتصنف الولايات المتحدة وإسرائيل والصين كأكبر الدول من حيث الإنتاج وبيعا للدرونز. على رأسها الطائرة القتالية الرائدة في أمريكا وهي MQ-9 Reaper وPredator. ومثلت إسرائيل سابقا أكبر مصدر للطائرات دون طيار في العالم. حيث استحوذت على حصة 41% من إجمالي صادرات الدرونز عالميا بين عامي 2001 و2011. ولكن الصين حاليا هي الحائزة على النسبة الأكبر من سوق تصدير الدرونز.

واستطاعت تركيا وإيران دخول سوق صناعة الدرونز. حيث هناك طلب كبير على Bayraktar في جميع أنحاء أفريقيا. وذلك بعد العمليات العسكرية الناجحة في ليبيا وسوريا وأذربيجان. وكذلك قامت إيران ببناء عدة أجيال من الطائرات دون طيار منذ الثمانينيات. وفي أبريل 2020 كشفت إيران عن مجموعة واسعة من طائرات أبابيل 3 الجديدة للقوات الجوية والجيش بإمكانيات قتالية متطورة.

حدود الدور العسكري للمسيرات

ساعدت التطبيقات المستحدثة بآلية الذكاء الاصطناعي في تغيير الصورة النمطية عن إدارة الحرب وطبيعة الأسلحة المستخدمة. حيث شكلت الطائرة غير المأهولة طفرة هائلة في ساحة المعركة. وذلك لما تتسم به من انعدام المخاطر البشرية والقدرة على توجيهها عن بعد، إضافة إلى إمكانيات الاستطلاع والاتصالات. ويؤكد ذلك حروب القرن الـ21، إذ تتمتع الدرونز بجملة من التكنيكات عن غيرها من الأسلحة القتالية، ومنها:

مكافحة الإرهاب

نظرا لشيوع استخدام الدرونز بين الجماعات الإرهابية كان من الضروري أن تلجأ الدول إلى إدراج الدرونز في أسلحتها لمواجهة الإرهابيين. وذلك بهدف رصد التكتيكات المفاجئة من قبل الخصم والحفاظ على وجود شبه دائم فوق ساحة المعركة. كما فعلت نيجيريا في مواجهة عناصر بوكو حرام. كذلك نفذت فرنسا أول ضربة مسلحة بطائرة دون طيار في مالي عام 2019.

الحماية الاستباقية

في ظل القدرات النووية والصواريخ الباليستية التي تمتلئ بها ترسانات القوى الإقليمية والدولية أصبح قرار الحرب بمثابة خطوة كارثية. ولكن مكنت الدرونز من التدخل في المعارك بشكل مباشر أو لدعم بعض الأطراف. مع تحقيق مكاسب استراتيجية. حيث تسهم التكلفة المنخفضة للدرونز نسبيا من مباشرة العمليات القتالية لفترات طويلة واستنزاف الموارد البشرية والمادية للخصوم. وبالتالي فإن ورقة التهديد بالدرونز أصبحت أكثر فعالية بخلاف غيرها من الأسلحة.

تكلفة منخفضة

بجانب صغر حجمها وإمكانية نقلها تتميز الدرونز بكونها لا تتطلب تكلفة كبيرة. وتتبارى الشركات المنتجة في تصنيع درونز بأقل تكلفة لإمكانية نشرها على نطاق واسع. على سبيل المثال، البيرقدار التركية تقدر قيمتها بأقل من 10% من سعر الطائرة الأمريكية دون طيار ذات المواصفات المتطورة.

مستقبل الدرونز في ساحات المعارك

استطاعت الدرونز إثبات تفوقها في مختلف الساحات على اختلاف فاعليها ونطاقها. بما يؤهلها لترسيخ مكانتها فيما يسمى حروب المستقبل. حيث ستعمل الدرونز على إعادة تشكيل موازين القوة في المنطقة تبعا لتسارع الدول نحو زيادة إمكانياتها من هذه التقنية. وهذا ما تؤكده إحصائيات سوق الطائرات دون طيار في الفترة القادمة. وهو ما يعني بطبيعة الحال استمرار بعض الصراعات التي تشعلها أطراف من الخارج كما تمثل فرصة ثمينة أمام المليشيات المسلحة لتحقيق مكاسب ميدانية وتكلس دور الأسلحة القتالية التقليدية لصالح الدرونز. الأمر الذي يستدعي موقفا دوليا لتقنين استخدام الدرونز في نطاقات محددة. وذلك نظرا لحجم المخاطر الإنسانية والأضرار الأمنية التي تسفر عنها هذه الطائرات.