تتعدد المداخل المفسرة للاتجاهات المستقبلية لظاهرة الإرهاب وانتشار الجماعات المتطرفة والعنيفة في عام 2022 بصورة خاصة. وعلى المدى القريب والمتوسط بصورة عامة. ولعل تعدد وتداخل المؤثرات الخاصة بدراسة هذه الظاهرة يؤشر إلى مدى تعقدها وارتباطها بمجموعة متغيرات داخلية وخارجية. ما يعني اختلاف الظاهرة وطبيعتها من زمن لآخر.
فبينما شهد عام 2021 العديد من المتغيرات التي كان لها التأثير المباشر على هذه الظاهرة وتطورها. سواء على مستوى عمل التنظيمات المتطرفة وخريطة انتشارها أو فيما يتعلق بالاستراتيجيات الإقليمية والدولية في التعامل معها. فإنه من الضروري دراسة هذه المتغيرات وتأثيراتها على أكثر من مستوى لتوضيح اتجاهات الإرهاب وانتشار الجماعات المتطرفة المتوقع في عام 2022. وهو ما تناوله الباحث مصطفى صلاح في ورقة بحثية جديدة أصدرها مركز التنمية والدعم والإعلام (دام) حول اتجاهات الإرهاب في العام الحالي.
سيطرة طالبان وتأثيراته
تتناول الورقة البحثية كيف كان لسيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان عام 2021 التأثير المباشر على نشاط الجماعات الإرهابية ذات الطابع العالمي. بينما تنطلق من ذلك إلى أمثلة على ما ستواجهه الدول من تحديات ناتجة عن التحول في عمل التنظيمات المتطرفة والعنيفة، واتخاذها طابعًا محليًا يرتكز على التأثير في بنية البيئة الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. وهو ما يعني استنزاف أكثر لموارد وقدرات الدول. فضلاً عن مزيد من الأعباء في التعامل مع هذه التطورات. الأمر الذي يزيد من العوامل السلبية المؤثرة على قدرة الدول على مواجهة هذه التحديات.
ويعزز ذلك تراجع وانسحاب الدول الكبرى من تبني استراتيجيات شاملة لمواجهة التنظيمات المتطرفة. بالإضافة إلى التحول في أدوار هذه الدول نحو قضايا واتجاهات أخرى لا ترتبط بصورة مباشرة بظاهرة الإرهاب. مثل الاتجاه الأمريكي نحو الانسحاب من مناطق الشرق الأوسط، وتحول استراتيجيتها من مواجهة الإرهاب إلى الاهتمام بمواجهة الصين وروسيا في
دوائر السياسة العالمية المختلفة.
موجة الإرهاب المتوقعة
وتتوقع ورقة “دام” أن تشهد السنوات المقبلة موجة جديدة من سيطرة بعض الجماعات المتطرفة على الأنظمة السياسية في بعض الدول. كما هي الحال بالنسبة لحركة طالبان بعد سيطرتها على الحكم في أفغانستان. وهو أمر أنهى التعامل السابق معها باعتبارها حركة إرهابية.
وهنا، تفرق بين اتجاهين في تفسير هذا المسار. يتمثل الأول في مدى قدرة الجماعات التي وصلت إلى الحكم في التحول من نمط الإدارة بالنسبة للجماعة وعناصرها إلى نمط إدارة الدولة ومؤسساتها. بينما يتمثل الاتجاه الثاني فيما يتعلق بتفاصيل التصنيف للجماعات المتطرفة على مستوى الدولة داخليًا وخارجيًا. خاصة وأن هناك جماعات مصنفة كمنظمة إرهابية داخل بعض الدول، ولا تصنف إرهابية في دول أخرى.
للاطلاع على الورقة البحثية.. اضغط هنا
التنافس “الجهادي” بين الجماعات المتطرفة
تشير الورقة أيضًا إلى التنافس الجهادي بين الجماعات المتطرفة. ففي ظل التحول الذي تشهده التنظيمات العالمية مثل القاعدة وداعش في نشاط عملياتها وطريقة انتشارها نتيجة المفاضلة بين مساري العدو القريب والعدو البعيد، ظهر اتجاه نحو التركيز على مواجهة الأنظمة السياسية الداخلية كهدف رئيسي لتغييره. وهو ما يوفر بيئة للتنافس الجهادي بين هذه التنظيمات العالمية. إلى جانب التنافس مع الجماعات المحلية الموجودة بالفعل في هذه الدول.
ومع تصاعد مفهوم العدو القريب والتركيز على إقامة الدولة باستهداف الأنظمة الحاكمة، يصبح من المتوقع أن يشهد عام 2022 تصاعدًا للإرهاب المحلي مقابل تراجع للإرهاب العالمي.
كيف ستواجه الدول النمط المتوقع لأنشطة الإرهاب؟
يرى الباحث مصطفى صلاح أن التحول في استراتيجية التنظيمات الإرهابية العالمية، من التركيز على الهدف البعيد إلى التركيز على القريب، سيفرز مجموعة تحديات أمام عمل الجيوش والقوات المسلحة النظامية، ضمن استراتيجيتها لمواجهة هذه التهديدات.
ويقول إنه في هذا الإطار سيزداد الحديث عن دور شركات الأمن الخاصة في مواجهة التنظيمات الإرهابية وتصاعد دورها. حيث أصبحت الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة كفاعل حاضر وبقوة في التأثير على مشهد العلاقات الدولية. ذلك بعد أن لجأت الدول إليها بهدف التوفير في ميزانياتها وتخفيف الأعباء المادية والبشرية أو فيما يتعلق بالقيام بعمليات عسكرية بصورة سرية، في ظل الضعف الهيكلي للجيوش والأجهزة الأمنية المحلية. خاصة أن هذه الشركات تقدم خدماتها بطريقة احترافية. بالإضافة إلى ضعف التكلفة السياسية للاستعانة بهذه الشركات.
على الجانب الآخر وعلى عكس فرضية الاستعانة بالشركات الأمنية والعسكرية، فإن هناك حديثا آخر عن استثمار الدول في قواتها العسكرية والأمنية النظامية. ذلك من خلال التوسع في الاعتماد عليها. وذلك في ظل التحولات الكبيرة الناتجة عن تراجع استراتيجيات الدول الكبرى في مواجهة التنظيمات الإرهابية، وعدم قدرتها على تحقيق نجاحات ميدانية.
التحول في استراتيجيات الدول
تشير ورقة “دام” إلى أن استراتيجيات الدول تجاه مكافحة الإرهاب شهدت تغيرات كبيرة بالتزامن مع حالة السيولة التي تشهدها الظاهرة الإرهابية في خريطة انتشارها وعملياتها. وقد تمثلت أبرز هذه التحولات في نمط مواجهة هذه التنظيمات التي تجسدت في التحول من المواجهة المباشرة إلى المواجهة غير المباشرة، ضمن إطار إدارة المشهد “الجهادي”.
فمثالا اتجهت الولايات المتحدة نحو إعادة تعريف استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب بسبب ارتفاع مخاطرها بالمقارنة مع عوائدها.
ومن المتوقع أن تشهد الدول الأخرى المقاربات نفسها لصالح تهديدات أخرى داخلية. ذلك مع الاعتماد على الشركاء المحليين في محاربة التنظيمات المتطرفة والاتجاه نحو الانسحاب العسكري من الصراعات خارج الحدود، وتوجيه الموارد نحو مواجهة الدول الأخرى التي تهدد مصالحهم.
وقد امتد الأمر إلى اتجاه بعض الدول لتوظيف هذه الجماعات في تنفيذ أهدافها الداخلية والخارجية. ما قد يمثل عاملا محفزا لهذه التنظيمات نحو توسيع قواعد انتشارها. بالإضافة إلى تزايد احتمالية اتجاه الدول نحو التفاوض مع التنظيمات الإرهابية.
للاطلاع على الورقة البحثية.. اضغط هنا
عن استغلال الجماعات المتطرفة التغيرات المناخية
يصل الباحث مصطفى صلاح -في ورقة “دام”- إلى وجود علاقة ارتباطية بين انتشار ظاهرة الإرهاب والتغيرات المناخية. حيث إن هناك مجموعة أسباب أثارت الدراسات الجدل حولها لتفسير هذه العلاقة، في ظل تصاعد إمكانية انتشار الإرهاب البيئي على المدى البعيد، نتيجة مساعدة الموارد البيئية الإرهابيين في تحقيق أهدافهم. بالإضافة إلى إمكانية ظهور تنظيمات إرهابية بيئية نتيجة التغير في أنماط المناخ، والتي يتم وصف العلاقة بينهما أحيانا بالتحالف بين التغير المناخي والإرهاب.
وهو يشير إلى تنظيمات إرهابية حاولت الاستفادة من التغيرات المناخية في خدمة أهدافها مثل: تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي استغل انعدام الأمن المائي والغذائي لتقوية وتعزيز انتشاره. واستغلال تنظيم داعش في العراق سيطرته على السدود وإدارة موارد المياه لاستمالة المواطنين في هذه المناطق بالتحكم في اتجاه تدفق المياه.
وتسهم التغيرات المناخية -بما تمثله من مصدر عدم استقرار الدول مستقبلاً- في تعزيز نشاط التنظيمات المتطرفة نتيجة الظواهر الطبيعية الناتجة عن تغير المناخ. مثل التصحر وجفاف منابع المياه. ما قد يؤثر على الاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمني في هذه الدول. ما من شأنه أن يعزز انتشار هذه التنظيمات. خاصة أن هذه التغيرات ستؤدي إلى انخفاض معدلات الإنتاج وانتشار الفقر وتراجع دور الدولة لصالح هذه التنظيمات واتجاهها نحو ملء هذا الفراغ. فيما يتعلق باستمالة المواطنين وتجنيدهم.
المواجهة الأوروبية الداخلية
يقول الباحث مصطفى صلاح إن الإرهاب يبقى مصدر تهديد كبيرا للدول الأوروبية خلال عام 2022 مع وجود مصادر جديدة لنشر التطرف وتطوير العمليات والمخططات الإرهابية. بينما بات من المتوقع أن تشهد الدول الأوروبية تشريعات وقوانين جديدة لسد الثغرات بين قوانين جرائم الكراهية والإرهاب، فيما يتعلق بأنشطة الجماعات الإسلامية المتطرفة، وتدابير وإجراءات إضافية فيما يتعلق بأنشطة تيار الإسلام السياسي. ذلك بالتزامن مع انطلاق الاستراتيجية الأوروبية الشاملة لمكافحة الإرهاب والتطرف. بالإضافة إلى احتمالية بأن يتم حظر العديد من الكيانات الممثلة والداعمة لتيار الإسلام السياسي. وعلى رأسها تنظيم الإخوان. وبالتالي، من المتوقع أن تشهد الدول الأوروبية زيادة في تبني مجموعة من السياسات الخاصة بمواجهة التطرف بمختلف مستوياته.
التوسع في خريطة انتشار الإرهاب
تشير ورقة “دام” أيضًا إلى مؤشرات على حدوث تحولات كبيرة في النطاق الجغرافي لعمل التنظيمات المتطرفة، والعودة إلى استرجاع مناطق الوجود القديمة، وترتيب الصفوف من جديد، وإعادة الانتشار في مناطق أخرى. وهذه التحولات من شأنها التأثير على اتساع ظاهرة الإرهاب. سواء من ناحية سياسات المكافحة أو طبيعة نشاط التنظيمات. وهنا تتوقع الورقة تمددًا في النشاط الإرهابي في أفريقيا، وفي آسيا بعد صعود حركة طالبان إلى الحكم.
بينما قد تشهد الفترة القادمة تراجعًا في مستوى التنظير لصالح الميدان (تراجع الاتجاهات العقائدية في مقابل الاهتمام بالنشاط الحركي).
ويدعم هذا الافتراض المواجهات العسكرية التي تشهدها الجماعات الإرهابية في كثير من مناطق العالم. مثل أفريقيا وآسيا الوسطى ومناطق الصراعات في المنطقة العربية. ما يطرح إمكانية تنامي هذه المواجهات مستقبلاً. ذلك ضمن إطار محاولة كل تنظيم إثبات قدرته على الاستمرار في الوجود والانتشار في دول ومناطق جديدة.
الإرهاب السيبراني وتداعيات الوباء
أيضًا، استفادت التنظيمات الإرهابية بشكل كبير من الثورة التكنولوجية في وسائل الإعلام والاتصال، في تعزيز انتشارها فيما يتعلق بالإعلان عن عملياتها أو الحشد والتجنيد. بالإضافة إلى اعتبارها ساحة صراع مع الدول والجماعات الإرهابية الأخرى.
وبالتالي أصبح الإرهاب الإلكتروني واحدًا من التهديدات الأمنية التي تمتلك مستوى متقدما من مخاطر انعكاساتها. ذلك بعد أن أصبح حاضنة لبروز ونمو أشكال جديدة من الإرهابيين، كمؤشر على التغير في نمط الإرهاب غير التقليدي الذي يستهدف مهاجمة البنية التحتية العالمية للمعلومات والأنظمة الدفاعية للدول والخدمات العامة وشبكات الاتصال.
على الجانب الآخر، من المتوقع أن يسهم ظهور متحورات جديدة لفيروس كورونا المستجد في اتجاه الدول نحو تنفيذ سياسات أكثر تأثيرًا في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني للمواطنين. كما سيسهم الاتجاه نحو تطبيق سياسة الإغلاق بين الدول إلى تصاعد ظاهرة التطرف. حيث تمثل العزلة الاجتماعية الناجمة عن عمليات الإغلاق فرصة لزيادة التطرف. بالإضافة إلى السعي لتجنيد عناصر جديدة للمجموعات الإرهابية من المتضررين من السياسات المتبعة في كل دولة.
ينتهي الباحث في ورقة “دام” إلى أن هناك مجموعة عوامل ستسهم في التأثير على خريطة التوقعات بالنسبة لتطور الظاهرة الإرهابية. بينما بعض هذه العوامل يتعلق بالتنظيمات المتطرفة ذاتها، والبعض الآخر يتعلق بمجموعة مختلفة من التأثيرات الخارجية.
ونتيجة تأثير هذه العوامل، قد نكون أمام مشهد “جهادي” جديد تتداخل فيه الرؤى حول طبيعته ومحدداته المستقبلية، إلا أن الملمح الرئيسي لهذا الجدل يستند في مجمله على مدى قدرة وفاعلية الدول واستراتيجيتها في مواجهة الإرهاب. ومن جانب آخر مدى قدرة التنظيمات المتطرفة على التكيف مع التغيرات الحالية والمستقبلية.
للاطلاع على الورقة البحثية.. اضغط هنا