“لطالما قلت لنفسي إنه لو كان متحف اللوفر في القاهرة لزرته ست مرات أسبوعياً. وأنا عندي هنا ما يزرى بعشرين متحف لوفر.. فقط أنا لا أزوره لمجرد أنه (هناك)”.
بهذه العبارات البسيطة، لخّص الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، على لسان بطله الأشهر رفعت إسماعيل. حال المصريين مع المتاحف. حيث ينطبق المثل الشعبي الشهير “الشيخ البعيد سرّه باتع”. حيث يتداول كثيرون صورا لمتاحف عالمية، مثل اللوفر الفرنسي، وفرعه الشهير في أبوظبي. أو أخبار زيارات مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون لمتاحف العالم. لكن ليس الكثير من هؤلاء يخوض مشقة الذهاب لمشاهدة هذه المقتنيات في مواضعها، سواء في القاهرة أو غيرها.
زيارات المتحف.. ليست بالقدر الكافي
لا تُشكل الثقافة المتحفية أمرًا هامًا للمصريين -كأغلب جوانب الثقافة- رغم أن السنوات الماضية شهدت افتتاح العديد من المتاحف المتنوعة. سواء في القاهرة والإسكندرية -أكبر مدن البلاد ثقافيًا. أو متاحف المحافظات باختلافها. رغم أن المتاحف لا تقتصر على كونها مزارا سياحيا. بل هي -بالنسبة لأبناء البلد- وسيلة تثقيفية وتوعوية، حيث تشرح المتاحف القومية تاريخ البلاد وتلقي المتاحف المحلية الضوء على تاريخ المنطقة.
لكن يرفض الدكتور مؤمن عثمان رئيس قطاع المتاحف بوزارة السياحة والآثار اعتبار أن هناك غيابا كاملا للثقافة المتحفية لدى الأجيال الموجودة حاليًا. “بل يمكن القول إنها موجودة ولكن ليس بالقدر الكافي” حسب تعبيره.
وأضاف لـ”مصر 360″: الآن هذه الثقافة تتزايد طبقًا لمنظومة الوعي الموجودة، والذي يبدأ بمراحل التعليم بداية من الابتدائي حتى الجامعي. هذا ما يحدث في المنظومات المتحفية الكبرى، مثل اليابان التي بدأت عمل منظومتها المتحفية قبلنا. رغم أن لدينا تجربة إنسانية أعمق وأكبر بل وبدأنا إنشاء المتاحف قبلها.
لكنه أوضح أن اليابان الآن لديها ميزة كبرى هي الوعي ومعرفة أهمية المتحف “حتى ترديده كاسم لدى الأطفال يتم بشكل كبير، لذلك تجد الطفل هناك يرغب في زيارة المتحف باعتباره مكانا توعويا وتعليميا وترفيهيا كذلك”. ولفت إلى أن التوعية هي السبب في بروز هذه المنتجات التوعوية.
المتحف المصري
تعمل المتاحف على صون التراث والحفاظ على التراث الثقافي ونشره والتفاعل بين الثقافة والطبيعة والتعرف على هوية المجتمعات وتنوعها. كذلك تسهم في التنمية الحضارية والارتقاء بأذواق الشعوب. فيما تعكس انفتاحاً ثقافياً لهذه الدول مع غيرها من دول العالم حينما تستضيف مقتنياتها الأثرية.
وتضم مصر العديد من المتاحف الأثرية تحوي صورا عدة من الحضارات الإنسانية التي مرت عليها، منها المتحف المصري بالتحرير ومتاحف اليوناني والروماني بالإسكندرية. و”الإسكندرية القومي” و”القبطي” و”الإسلامي” و”آثار النوبة” بأسوان و”الآثار الغارقة” ومتحف الرمال.
ومن المتاحف الفنية “الفن المصري الحديث” و”بيت الأمة” -سعد زغلول- بالسيدة زينب، وطه حسين “رامتان”، وأحمد شوقي “كرمة بن هانئ”. بالإضافة إلى “محمود خليل وحرمه”. و”مصطفى كامل” بالقلعة و”الشمع” بحلوان. و”عائشة فهمي” -مجمع الفنون- بالزمالك. و”محمود مختار” و”محمد ناجي” وعفت ناجي وسعد الخادم، بالإضافة إلى “زكريا الخنانى”. كذلك هناك متحف الخزف والتشكيلات المجسمة و”حسن حشمت” و”الخزف الإسلامي” والفن والحديقة بالزمالك. إضافة إلى بعض المراكز والدور الثقافية مثل مركز الحرف التقليدية بالفسطاط. ومركز الجزيرة للفنون بالزمالك. ودار النسجيات المرسمة بحلوان، وحديثاً متحف جمال عبد الناصر بمصر الجديدة ومتحف محمد نجيب بقاعدة محمد نجيب العسكرية.
أما في المحافظات فهناك متحف دنشواى بالمنوفية و”المنصورة القومي” ومتحف النصر للفن الحديث ببورسعيد. بالإضافة إلى متحف الأبنودي بقنا و”ملوي” بالمنيا و”محمود سعيد” بجناكليس بالإسكندرية و”سيف وأدهم وانلي”.
المتاحف وزيادة الإقبال
يلفت رئيس قطاع المتاحف إلى أن عرض موكب المومياوات الملكية أحدث فارقًا في وعي المواطن العادي في الأجيال المتعددة الموجودة “كثيرون لم يكونوا يدركوا قيمة وعظمة الأجداد. أصبح لديهم فضول دفعهم إلى التفكير في رؤية المقتنى التاريخي الموجود بالمتاحف. وهو ما نلاحظه في تزايد عدد الزيارات إلى المتاحف في أعقاب موكب المومياوات. خاصة المتحف القومي للحضارة “.
يُضيف: هناك كذلك متحف كفر الشيخ، وهو متحف إقليمي تمت إقامته في محيط الجامعة. لذلك يستقبل العديد من الزيارات من الطلاب والشباب. وهي ميزة ناجحة في مجموعة من المتاحف الجديدة.
ويؤكد عثمان أنه بالنسبة لموضع مصر من السياحة المتحفية في العالم فهو “جيد جدًا على مستوى المتاحف القومية”، حسب قوله. أشهرها المتحف المصري في التحرير، والذي شهد إقبالًا هائلًا في سنوات سابقة، حيث كان يستقبل بين عشرة واثني عشر ألف زائر يوميًا في عام 2010. كذلك المتحف الإسلامي والمتحف القبطي.
يُتابع: هناك متاحف أخرى بدأ الإقبال عليها يتزايد، مثل متحف الأقصر ومتحف النوبة. كذلك معظم متاحف الأقاليم موجهة لتوعية الشباب والنشء والمجتمع المحلي، ضمن منظومة توعوية تعمل عليها الدولة، للتعريف بالتاريخ في الإقليم، كمتاحف السويس وكفر الشيخ وملوي وبني سويف وطنطا. وغيرهم.
زيادة الرصيد السياحي
يُشير عثمان إلى أن موقع مصر بالنسبة للمتاحف العالمية جيد “لكننا نتمنى أن تصل إلى أعلى من ذلك، فالمعدلات في بلد مثل إيطاليا. وهي الأقرب لنا كتراث ثقافي. سنجد أن سياحة المتاحف كمنتج ثقافي تعود على الدولة بمردود كبير وعائدها ضخم، لأن المتاحف المنتشرة في إيطاليا تشهد جميعًا زيارات سياحية. بينما المتاحف هنا كمقصد سياحي ليس عدد كبير، وهو على الأكثر عشرة متاحف.
وأكد: بالطبع نتمنى أن تكون كافة المتاحف لدينا مقاصد سياحية، لكن هذا يرتبط بأشياء أخرى، مثل تطوير المنظومة السياحية في الأقاليم، ووضعها في برامج شركات السياحة.
ويلفت رئيس قطاع المتاحف إلى أن جهود الدولة في إنشاء متاحف جديدة. بداية من عام 2017، مثل متحف سوهاج وشرم الشيخ ومتحفي المطار جعلت هناك شكل آخر للمتاحف في مصر. وكذلك في الطريق متحف يوناني روماني ومتحف العاصمة الإدارية، وبالطبع افتتاح المتحف المصري الكبير.
وأضاف: كل هذا سوف يزيد من رصيدنا السياحي في الخارج. أما في الداخل فأعتقد أننا في موقف جيد لكننا نتعشم في الازدياد. حيث يكون بجوار الرسالة التربوية والتوعوية للمتحف التي تتضمن الاستفادة الكبيرة يجب أن يكون معها جانب ترفيهي يجذب الزائر. وهو ما نعمل عليه حاليًا من إضافة منظومة للخدمات الترفيهية في هذه المواضع من أجل إتاحة عوامل جذب أكبر في المتاحف الجديدة، ونحاول تطويرها واستكمالها في كافة المتاحف المصرية.