تبعث المسيّرات المفخخة والاعتداءات التي عاودت الظهور في العراق مخاوف جمة بعدما استهدفت قاعدة بلد الجوية جنوبي عاصمته بغداد، بالتزامن مع التعثر الذي تشهده عملية تشكيل الحكومة. خاصة أن ثمة رسائل سياسية تحملها هذه الهجمات، وتشكل تأثيرات متفاوتة عبرها على المسار السياسي، الذي تخوضه البلاد في ظل تعقيدات أمنية صعبة.
الصدر: القانون سيكون الحاكم.. ولا عودة للاقتتال الطائفي
نهاية الأسبوع الماضي، تم استهداف مقر حزب “تقدم” الذي يقوده رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي المنتخب لولاية ثانية على رأس البرلمان. فيما أفاد مراسل موقع “RT” الروسي بأن استهدافًا ثانيا طال مقر الحزب بعبوة ناسفة في منطقة الدورة جنوبي بغداد أمس الأول. وأضاف أن أصوات إطلاق نار كثيف سُمعت بعد الانفجار.
إلى ذلك، شدد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على أنه لن يتنازل عن تشكيل حكومة أغلبية وطنية. وغرد عبر حسابه على موقع التواصل “تويتر”: نحن ماضون بتشكيل حكومة أغلبية وطنية.. بابنا مفتوح لبعض ممن ما زلنا نحسن الظن بهم.. لن نسمح لأحد كائنًا من كان أن يهدد شركاءنا أو يهدد السلم الأهلي. فالحكومة القادمة حكومة قانون. كما أنه لا مجال فيها للمخالفة أيا كانت وممن كان. بينما شدد على أنه “لا عودة للاقتتال الطائفي أو العنف، وأن القانون سيكون هو الحاكم”.
في جلسة البرلمان الأخيرة، طالب الصدر بـ”ضرورة تشكيل حكومة أغلبية لا مكان فيها للطائفية والعرقية”. قال: اليوم لا مكان للطائفية ولا للعرقية. بل حكومة أغلبية وطنية، يدافع الشيعي فيها عن حقوق الأقليات والسنة والكرد. كما يدافع الكردي عن حقوق الأقليات والسنة والشيعة. ويدافع السني عن حقوق الأقليات والشيعة والكرد.
وأضاف: اليوم لا مكان للفساد. ستكون الطوائف أجمع مناصرة للإصلاح.. لا مكان للميليشيات اليوم، فالكل سيدعم الجيش والشرطة والقوات الأمنية، وسيعلو القانون بقضاء عراقي نزيه.
اعتداءات تستهدف تقويض المسار السياسي
بالتزامن مع الطائرات المسيّرة التي عمدت إلى استهداف القاعدة الجوية جنوب بغداد، تعرضت المنطقة الخضراء في بغداد، وتحديدًا مجمع السفارة الأمريكية إلى هجوم صاروخي مماثل. غير أن المنظومة الدفاعية الأمريكية في بغداد اعترضت صاروخين من أصل 3. وقد سقط أحد الصواريخ في مجمع القادسية.
في حديثه لـ”مصر 360″، يقول المحلل السياسي العراقي باسل الكاظمي إن العودة إلى قصف البعثات الدبلوماسية وإرهاب المدنيين هو عمل غير مبرر تحت أي ذريعة. لا سيما أن هذه الاعتداءات من قبل قوى طائفية تملك سلاحًا غير شرعي. وهي تسعى لتقويض المسار السياسي وما يهدف إليه من استعادة مؤسسات الدولة، وتقوية سيادتها، مضيفًا أن مثل هذه الاعتداءات تضر بسمعة البلاد المتطلعة إلى ترميم وتوطيد شبكة علاقاتها الخارجية.
ويرى الكاظمي في استهداف البعثات الدبلوماسية في العراق، وآخرها ما حصل ضد السفارة الأمريكية، إنما ينطوي على مخاطر كثيرة. فيما قد يدفع دول العالم إلى تقليص حضورها وتمثيلها الدبلوماسي في البلاد. وهو يلفت إلى أن تكرار واستمرار هذا النوع من الهجمات يتعارض ومصالح العراق وسيادة البلد. وأيضًا يجافي القوانين الدولية. الأمر الذي يتطلب من الحكومة سرعة التحرك لمنع تكراره، والعثور على منفذيه لتقديمهم للمحاكم.
هي محاولة لتعطيل تشكيل الحكومة
اللافت أن هناك حالة تصعيد ميداني وعسكري، بشكل محموم، من قبل المجموعات الولائية. وهو ما يشير إلى إصرار على إحداث درجة من التفلت الأمني، على حد قول الكاظمي. يضيف أن حالة التصعيد تلك تأتي بعد جلسة البرلمان الأولى، في محاولة لتعطيل تشكيل الحكومة. إذ تجري تعبئة مناطق عديدة في البلاد. فضلاً عن تحريض الحواضن السياسية والاجتماعية. ومن ثم الهجوم على مقار حزبية وقيادات سياسية، وكذا تهديد آخرين. بينما تعرض قيادي في التيار الصدري للاغتيال عشية جلسة البرلمان الأخيرة.
وأعلن الإطار التنسيقي، المعارض للكتلة الصدرية ويضم مجموعة الأحزاب الخاسرة بالانتخابات، عدم قبوله المسار القائم. وهدد بأنه سيواصل الاعتراض على النتائج لدى المحكمة الاتحادية. بينما توعد بتقديم طعون في أعقاب ظهور النتائج في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وهو أمر لم يمنع تصدر التيار الصدري بـ73 نائبًا.
وزعم الإطار التنسيقي -في بيان رسمي- أن هناك “أزمة سياسية ومجتمعية قد تمنع نجاح أي جهد حكومي أو برلماني في تحقيق مطالب وتطلعات الشعب”. كما شدد النائب عارف الحمامي على ضرورة تصحيح ما وصفه بـ”المسار الخاطئ والحسابات غير الصحيحة” التي جرت في أثناء الجلسة البرلمانية الأولى وما قبلها من “تراكمات سلبية”.
ليست رسائل سياسية.. بل مخطط مريب لتهديد أمن البلد
في أعقاب الهجوم على مجمعها ببغداد، وصفت السفارة الأمريكية، منفذي الهجوم بـ”مجموعات تسعى لتقويض أمن العراق وسيادته وعلاقاته الدولية”. وأضافت عبر صفحتها على “فيسبوك”: لطالما قلنا إن هذه الأنواع من الهجمات المشينة هي اعتداء ليس فقط على المنشآت الدبلوماسية، بل على سيادة العراق نفسه.
وهو ما أشار إليه أيضًا عمار الحكيم رئيس تيار الحكمة العراقي، واصفًا إياه بـ”مخطط مريب” لزعزعة استقرار البلد وتهديد أمنه. إذ أضاف عبر حسابه على “تويتر”: ندين ونستنكر بشدة هذه السلوكيات. كما نشدد على ضرورة عدم مرورها دون محاسبة الضالعين ومن يقف وراءها.
وقال رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي إنه استقبل رئيس ائتلاف الوطنية إياد علاوي. وقد ناقشا مستجدات الأوضاع السياسية الراهنة والأحداث التي رافقت انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد. بينما ألمح البيان الصادر عن مكتب المالكي، إلى أن الأخير أكد على أهمية الحفاظ على “المصلحة الوطنية وديمومة الحوار بين الأطراف السياسية العراقية”. بعيدًا عن الخلافات والفوضى “من أجل مواجهة التحديات التي تمر بها البلاد”.
الحلبوسي.. رجل مهد للصدر طريقًا
بخلاف التوقعات التي رسمت مسارًا معقدًا أمام عملية تشكيل التحالفات في ضوء نتائج انتخابات أكتوبر: تشرين الأول الماضي، نجح زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عبر إعادة تجديد ولاية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، في إزالة أهم عقبة في طريق الوصول إلى “الأغلبية الوطنية”. وهي ما ينادي به كقاعدة لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة. بينما يسعى لضمان دعم اثنين من أقطاب العملية السياسية في السنوات الأخيرة، مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، ومحمد الحلبوسي زعيم حزب تقدم. الأمر الذي انعكس على فوز الحلبوسي على محمود المشهداني مرشح قوى “الإطار التنسيقي الشيعي” بنحو 200 صوت مقابل 14 صوتا. ذلك بعد جلسة افتتاحية دراماتيكية حاولت خلالها قوى الإطار تسجيل نفسها “الكتلة البرلمانية الأكبر” التي يحق لها تسمية المرشح لرئاسة الحكومة.
وقد توج التيار الصدري استعراضه الكبير بانتخاب أحد أهم قيادته حاكم الزاملي لمنصب النائب الثاني لرئيس البرلمان. وهي خطوة عدها كثيرون بمثابة مؤشر على مواصلة مقتدى الصدر فرض الوصاية على مفاصل الحكم، دون التصدي لها مباشرة.
يقول الباحث العراقي، منتظر القيسي، إن انتخاب الزاملي رفع أسهم التجديد لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي يبدو بأنه بات هدفًا إقليميًا للسعودية والإمارات وتركيا. وقد عملت كل منها على إنهاء الصراع بين القطبين السنيين الكبيرين محمد الحلبوسي وخميس الخنجر. ذلك من أجل تمهيد الطريق أمام مقتدى الصدر لقيادة عملية تشكيل حكومة بأقل ما يمكن من التأثير الإيراني.
حفل تقاسم السلطة وفرصة الصدر المهدرة
ويوضح القيسي، في حديثه لـ”مصر 360″: “لم تجد القوى الشيعية الموالية لإيران والمتحالفين معها في (الإطار التنسيقي) غير الانسحاب من جلسة التصويت. فضلاً عن التهديد بالاعتراض على قانونية عقدها بغياب رئيس السن القيادي السني محمود المشهداني، الذي تعرض لوعكة صحية، وقيل ضربة من قبل أحد نواب الكتلة الصدرية بعد أن حاول تمرير طلب كتلة الإطار تسجيلها الكتلة البرلمانية الأكبر. فيما اندفعت المنصات الإعلامية التابعة لها لمهاجمة إجراءات التصويت. بينما رفعت جيوشها الإلكترونية حدة اتهاماتها للصدر بالضلوع في مخطط أمريكي سعودي إماراتي لتفكيك قوات الحشد الشعبي”.
أما على الضفة الكردية، فتفاقمت الخلافات بين الحزبيين الكرديين الكبيرين، الاتحاد والديمقراطي. الأمر الذي تأجج مع إصرار الأخير على انتزاع منصب رئيس الجمهورية ومنحه لوزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري. ما ينهي حقبة الاتفاق الاستراتيجي بين الحزبين، الذي قام على قاعدة رئاسة الإقليم للديمقراطي مقابل رئاسة الجمهورية للاتحاد، مستفيدًا من الانقسامات الشديدة التي يعيشها حزب الاتحاد عامة وعائلة طالباني خاصة بين أبناء جلال طالباني وأبناء أخيه شيخ جنكي.
وعليه، فإن تراجع دور إيران المباشر في إدارة الصراع وكواليس حفل تقاسم السلطة يعد المتغير الرئيس هذه المرة. ويبدو أن غياب قاسم سليماني ترك فراغًا أكبر بكثير مما يتصور معظم المراقبين. وهي فرصة لا يُظهر مقتدى الصدر وعيًا كاملاً بضرورة استغلالها لتكريس سلطته مرشدًا أعلى للدولة العراقية. فيما دفع إيران للتعامل معه كند وليس كحليف مشاكس.