“اطلب دواءك أونلاين”. عشرات الإعلانات تدعو المصريين لشراء الأدوية عبر الإنترنت دشنتها تطبيقات طبية وسلاسل صيدليات وحتى مواقع تسوق.
وارتفع معدل هذه التطبيقات مع ظهور وباء كورونا. إذ وجدت فرصة انتشار في مخاوف المصريين من الاختلاط ومحاولة الابتعاد عن أي تجمعات خوفا من الإصابة بالفيروس فرصة للانتشار.
بلاغ النقابة بسبب تجارة الأدوية أون لاين
إعلان أحد مواقع التسوق العالمية عن تدشين صيدلية، عبر الإنترنت. دفع نقابة الصيادلة إلى التقدم ببلاغ، إلى النائب العام. حمل رقم 1887. يتهم الشركة بمخالفة بيع الأدوية على الموقع الخاص بها بالمخالفة لقانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 127 لسنة 1955.
وأكدت نقابة الصيادلة في بلاغها أن ما قامت به الشركة من فتح صيدلية على الإنترنت وبيع الدواء يشكل خطورة تهدد صحة المواطن المصرى. فالدواء غير خاضعة للرقابة والتفتيش من الجهات المختصة، مطالبة النائب العام باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد الشركة.
وأوضحت النقابة، في بلاغها أن الشركة خالفت قانون مزاولة المهنة فى مواد أبرزها “المادة” 10 والتي حصرت المؤسسات الصيدلية في الصيدليات العامة والخاصة ومصانع المستحضرات الصيدلية ومخازن الأدوية ومستودعات الوسطاء في الأدوية ومحال الاتجار في النباتات الطبية ومتحصلاتها الطبيعية.
وأضافت النقابة أن المادة 11 من قانون مزاولة المهنة أكدت على اعتبار الترخيص شخصيًا لصاحب المؤسسة. فإذا تغير وجب على من يحل محله أن يقدم طلبًا لوزارة الصحة لاعتماد نقل الترخيص إليه شرط أن تتوافر في الطالب الشروط المقرر في هذا القانون.
وعلى الرغم من تقدم نقابة الصيادلة ببلاغ ضد موقع التسوق العالمي. فإنها تواجه انتقادات بسبب السماح لصيدليات وتطبيقات أخرى ببيع الأدوية في مصر منذ 10 سنوات تقريبا رغم عدم قانونية ذلك.
تحذير “الصحة” من تداول أدوية عبر مواقع التواصل
لجنة الصحة في مجلس النواب المصري، حذرت في اجتماع في 4 يناير/كانون الثاني الجاري، من خطورة تداول الأدوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك صرف الأدوية من الصيدليات دون روشتة الطبيب.
وأكّد الدكتور أيمن الخطيب نائب رئيس هيئة الدواء، أنَّ هناك اتجاها لإصدار تشريع لتنظيم عملية تداول الأدوية عبر مواقع الإنترنت، مضيفًا خلال اجتماع اللجنة البرلمانية، أن هيئة الدواء المصرية ضبطت عددًا من الأدوية المغشوشة المتداولة عبر الإنترنت وتمّ إبلاغ النيابة العامة بشأنها.
طلبات إحاطة
وكان مجلس النواب، شهد تقديم عدد من النواب طلبات إحاطة، حول خطورة تداول الأدوية عبر الإنترنت. حيث تقدم عاطف مغاوري. بطلب الإحاطة. لفت فيه إلى خطورة تداول الأدوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مضيفًا أنَّ هناك حاجة ماسة لضبط بيع الأدوية عن طريق الصيدليات.
كما تقدمت النائبة النائبة آمال رزق الله، عضو مجلس النواب عن حزب الشعب الجمهورى، بطلب إحاطة بشأن ظاهرة انتشار التطبيقات الإلكترونية لبيع الادوية،
وأوضحت رزق الله، أن هذه الكيانات تعمل بلا ضوابط ولا قواعد رقابية أو مهنية وبالتالي لا يمكن محاسبتها في حالة وقوع أخطاء مهنية يترتب عليها الإضرار بصحة المواطن المصري.
حجم تجارة الأدوية عالميا
ووفقا للتقرير حديث لمؤسسة حقائق وعوامل المتخصصة في تقديم استشارات ودراسات عن الأسواق العالمية. فإنه من المتوقع أن يصل الطلب على حجم سوق الصيدليات على الإنترنت العالمي وحصته إلى 178.1 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2026 . مقابل 68.3 مليار دولار أمريكي في عام 2020 ، بمعدل نمو سنوي يبلغ 17.3٪.
لا توجد تقارير رسمية عن حجم تجارة الأدوية عبر الإنترنت في مصر. باعتبارها تجارة لا تخضع للاقتصاد الرسمي في غياب القوانين المنظمة. لكن خبراء يقدرون حجمها بملايين الدولارات.
دعوات إصدار تشريع ينظم عملية تداول الأدوية عبر الإنترنت. واجهت آراء مختلفة. فبينما اعتبر بعض الخبراء أن صدور القانون يمثل حلا للمشكلة. رأى آخرون أن القانون وحده لا يكفي في ظل غياب البنية التحتية التي تمكن الدولة من تجنب المواطنين المخاطر الناتجة عن مثل هذه التجارة.
محمود فؤاد مدير مركز الحق في الدواء قال لـ”مصر 360″ إن بيع الأدوية في مصر بدأ قبل 5 سنوات عن طريق بعض التطبيقات الصغيرة، لكنه انتشر بسرعة هائلة بعد جائحة كورونا وإجراءات العزل.
وأضاف فؤاد: بعض شركات الأدوية الكبيرة تنبهت للأمر وخشيت من تأثر مبيعاتها. فلجأت هي الأخرى لإطلاق تطبيقات.
تحدث “فؤاد” عن مشكلتين تتعلقان ببيع الأدوية على الإنترنت. الأولى صحية مثل أن يكون البيع عبر الإنترنت منفذ الأدوية المغشوشة وغير الحاصلة على تصاريح. وبالتالي يمكن أن يتعرض المريض لمضاعفات ويتملك منهم المرض.
أدوية “أون لاين”.. اقتصاد غير رسمي
المشكلة الأخرى أنه بعيد عن الاقتصاد الرسمي. وبالتالي تتحول البلد لـ”فاترينة لعرض أدوية لشركات أخرى” ما يؤثر على الاقتصاد.
وزاد: وربما يكون البيع عبر الأنترنت مقدمة لبيع أدوية محظورة أو مخدرة مثل أدوية التخسيس والسمنة التي يلجأ العالم لحظر العديد منها بسبب تأثيره على صحة من يتناوله. وفي بعض الأحيان اكتشف في الخارج أدوية يدخل في تركيبها مادة الأفيون.
وأكد فؤاد، أنه اشتبك مع هذا الأمر منذ عامين وحضر جلسة مع لجنة الصحة في البرلمان السابق. وعرض عليهم خطورة هذا الأمر. لكن الوضع الآن أصبح أكثر خطورة ولدينا 16 تطبيق فملايين الدولارات تعمل في هذا النشاط في السوق المصري ولا يعرفهم عنها أحد شيء. لكن أستطيع القول إن المطالبة بإغلاق هذه المنصات باتت غير فاعلة والمطلوب إصدار تشريع يقنن هذا الأمر.
التشريع غير كاف
الدكتور أحمد فؤاد الجندي مدرس مساعد البحث الإكلينيكي في برنامج التدريب التابع لجماعة هارفارد اعتبر أن إصدار تشريع لتقنين بيع الدواء عبر الإنترنت غير كافي لسلامة المريض
وتابع: عندما تضع تشريعات دون وجود بنية تحتية يبدو الأمر وكأنك تضع قوانين لسير الأسماك في المياه. وبالتالي لن يكون فعال لعدم وجود آلية لتنفيذه.
برر الجنيدي رأيه، بغياب البنية التحتية الصحية التي تسمح بتطبيق آي تشريع يصدر في المستقبل.
وتحدث الجندي عن وجود قوانين في أمريكا وبريطانيا وأستراليا على سبيل المثال، لبيع الدواء الوصفي عبر صيدليات مرخصة من الدولة، إضافة إلى وجود أنظمة إلكترونية مرتبطة بالمستشفيات والعيادات التي وصفت الدولة.
وتابع: الصيدلي عندما يتلقى الروشتة يمكنه من خلال الدخول على السيستم بالرقم الصحي للمريض التعرف على تاريخه المرضي والطبيب المعالج وكافة التفاصيل.
وزاد: هذا غير موجود في مصر وصعب جدا توفيره بسبب عدة أمور أهمها وجود العيادات الخاصة. التي تعد المصدر الرئيسي لتوفير الخدمة الصحية في مصر. وهو الأمر غير الموجود في الدول الأوروبية بحسب “الجندي”.
يضرب الجندي مثالا بالتشريعات الأمريكية. ويشير إلى قانون رايان هايت لسنة 2008 وتعديلاته الذي ينظم توفير الدواء عبر الانترنت.
صراع المصالح
تحرك النقابة الآن رآه مدير مركز الحق في العلاج. أعاده إلى أن سلاسل الصيدليات الكبرى في مصر ترى في مثل هذه التطبيقات خطر عليها لأنها ستؤدي إلى انخفاض إيراداتها.
لم تقتصر المخاوف على سلاسل الصيدليات الكبرى. بل امتدت لملاك الصيدليات في المحافظات. مؤكدا أنه هناك تطبيقات محلية خاصة بالمحافظات عن طريق تدشين عدد من الأطباء صفحات على مواقع التواصل وتدشين إعلانات لتوفير الأدوية أونلاين موجهة للنطاق الجغرافي المستهدف.
اتفق معه المدرس المساعد بجامعة هارفارد. مؤكدا. أن الصراع في مصر الأن بحسب الدكتور أحمد فؤاد- بين ملاك الصيدليات وشركات التوزيع الأدوية التي ترغب في بيع الأدوية أونلاين. وهو بسبب خلاف على المصالح وليس مصلحة المواطن. لافتا إلى أن العديد من سلاسل الصيدليات تبيع الأدوية منذ سنوات عبر الأنترنت دون تحرك من النقابة.
على الرغم من وجود قانون في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2008 ينظم تداول وبيع الأدوية عبر الإنترنت يعرف بقانون ريان هايت. إلا إن هيئة الغذاء والدواء الأمريكية وضعت على صفحتها قائمة بالصيدليات المسموح لها ببيع الأدوية اونلاين. ولم تكتف بذلك بل دشنت موقع للإبلاغ عن البيع غير القانوني للأدوية عبر الإنترنت.
دارك ويب
لا تقتصر خطورة مواقع بيع الأدوية عبر الإنترنت على الخوف من تداول دواء مغشوش أو منتهي الصلاحية. بل تمتد إلى الخوف من ظهور منصات لبيع الأدوية المخدرة على ما يعرف بـ”دارك ويب”. بحسب المدرس بجامعة هارفارد.
ويقول: يعتبر الاتجار غير المشروع بالأدوية خاصة المخدرة أحد أكثر الأسواق رواجا على شبكة الإنترنت المظلمة. تم إطلاق أول سوق للمخدرات غير المشروعة عبر الإنترنت وهو silk road، في عام 2011. حتى وقت إغلاقه من قبل السلطات بالولايات المتحدة عام 2013. حقق الموقع حوالي 15 مليون دولار في المعاملات سنويًا. منذ ذلك الحين، حلت محله العديد من أسواق الأدوية الأخرى.
وتوفر هذه الأسواق إخفاء الهوية للبائعين والمشترين من خلال استخدام العملات المشفرة لمعالجة المعاملات. تشمل أنواع العقاقير المتاحة الحشيش والإكستاسي (MDMA) والكوكايين والهيروين والمواد الأفيونية والمواد الجديدة ذات التأثير النفساني (NPS) مثل القنب الصناعي والكاثينونات الاصطناعية.
وأصبحت الدول النامية هدفًا متزايدًا للبائعين. مع انخفاض المخاطر والأرباح العالية وإخفاء الهوية التي توفرها هذه المواقع.
يبدو الأمر في النهاية لا يتعلق بوجود تشريعات فقط. بل بوجود بنية تحتية صحية تجعل تفعيل هذه التشريعات حال إقرارها ممكن للحفاظ على صحة المصريين وحماية الاقتصاد المصري بالتصدي للتجارة غير المشروعة.