لقد أضحت إثيوبيا تشكل بوضوح كما يقول أليكس دي وال جزءًا من دوامة الجغرافيا السياسية المضطربة في منطقة الشرق الأوسط. ما جعل الحرب الأهلية الإثيوبية تدخل منعطفًا دراماتيكيًا آخر.

لقد مضى أكثر من عام على اندلاع الحرب الأهلية في إثيوبيا منذ إعلان آبي أحمد عن حملته لإنفاذ القانون في إقليم التيغراي المتمرد في نوفمبر 2020. تستمر المعاناة بلا هوادة. لقد قضت الحرب على عشرات الآلاف من الأرواح، ودمرت بعض البنية التحتية المحدودة للبلاد وحطمت نسيجها الاجتماعي. ونظرًا لتدخل أطراف إقليمية أخرى، فإن ميزان القوى بين الأطراف المتحاربة يتغير باستمرار.

في البداية، اكتسبت الحكومة الفيدرالية وحلفاؤها من ميليشيات الأمهرة والجيش الإريتري، اليد العليا وسيطروا على معظم أراضي تيغراي، وهو ما دفع برئيس الوزراء آبي أحمد إلى إعلان النصر في المعركة بعد السيطرة على مقلي عاصمة التيغراي. بيد أنه منذ أواخر يونيو 2021 ، استعادت قوات تيغراي المنطقة، ثم وسعت نطاق الحرب إلى منطقتي عفار وأمهرة المجاورتين، وكانت تتقدم نحو العاصمة أديس أبابا.

باتت أديس أبابا محاصرة من قبل كل من قوات التيغراي ومتمردي أورومو المتحالفين معهم. قبل شهر واحد فقط، كان الخوف الذي يسيطر على سكانها هو أن قوات دفاع تيغراي كانت على بعد أقل من 200 ميل من المدينة. ومن الواضح أن البيئة السياسية في المدينة ليست كما كانت عليه عام 1991 عندما دخل التيغراي فاتحين بعد طردهم لقوات مانجستو هيلامريام. اليوم إذا انتصرت جبهة التيغراي في ساحة المعركة، فإنها  لا تمتلك برنامجًا سياسيًا قادرًا على إحلال السلام والاستقرار في البلاد . لقد كان هدفهم الاستراتيجي هو فك الحصارعن التيغراي والإطاحة بحكومة آبي أحمد. وعليه نشهد اليوم حربا للسرديات الكبرى والحملات الدعائية من كافة أطراف الصراع.  في حين أن لغة الحكومة غالبًا ما تروج لخطاب الكراهية غير الإنساني بما في ذلك شيطنة شعب التيغراي، نجد أن  الخطاب السائد في جبهة دفاع التيغراي عدائي بكافة المقاييس. ولذلك يستحضر العديد من الإثيوبيين خبرة الحكم التسلطي العنيف عندما تولت نخبة التيغراي الحكم خلال  الفترة من 1991 إلى 2018 ، وخشي العديد من الإثيوبيين  كذلك من قيام الجبهة الشعبية لتحرير تيغري من العودة إلى  السلطة مجددا. وعلى الرغم من الإعلان عن تشكيل “جبهة موحدة” من مجموعات متمردة مختلفة ، فإن أجندتها كانت مبهمة ، وباستثناء جيش تحرير أورومو – الذي يمتلك أتباع كثر في أجزاء عديدة من مجموعة أورومو العرقية الكبيرة – لم يكن لأي من الجماعات الأخرى  وزن كبير.

في الأسابيع الأخيرة، صدت القوات الفيدرالية والحلفاء تقدم قوات تيغراي واستعادت الآن جميع الأراضي خارج تيغراي. يقول كثير من المراقبين في الخارج والداخل، بما في ذلك البعض في أروقة السلطة في أديس أبابا، إنه لا يمكن أن يكون هناك سوى حل سياسي للصراع. وسيبدأ ذلك بالتوصل إلى وقف للأعمال العدائية يؤدي بعد ذلك إلى حوار سياسي. يؤكدون أنه يجب على كلا الطرفين قبول التعايش، ووقف القتال، والاتفاق على خارطة طريق للتعامل مع القضايا المعقدة مثل الأراضي المتنازع عليها والمساءلة من خلال التفاوض.لكن حتى الآن، لم تنجح الجهود الدبلوماسية لجمع الأطراف المتحاربة على طاولة المفاوضات. لن يكون تحقيق وقف إطلاق النار سهلاً. قد تكون هناك مقاومة من كلا الجانبين، لكن التحدي الواضح هو مع الحكومة الفيدرالية وحلفائها من أمهرة. كما كان الحال طوال هذه الحرب، سوف يميل الجانب صاحب اليد العليا إلى رفض الحوار ومواصلة هجومه. في هذه الحالة، قد تضطر القوات الموالية للحكومة إلى إعادة دخول تيغراي بالكامل و”إنهاء المهمة”. في الوقت الحالي، قررت الحكومة الفيدرالية وقف العمليات وعدم إعادة دخول تيغراي بالكامل. من المحتمل أن يمثل ذلك التوجه نزعة براغماتية متزايدة من جانب الحكومة بعدم تكرار أخطاء العام الماضي.

السيطرة على السماوات

يمكن الحديث عن أربعة عوامل أساسية أدت إلى تحول موازين القوى حتى الآن لصالح القوات الفيدرالية وحلفائها:

أولا: افتقاد جبهة تحرير التيغراي للشعبية داخل أديس ابابا وفي أجزاء كبيرة من البلاد بما في ذلك الشعوب والقوميات المهمشة التي عانت فترة طويلة من حكم التيغراي .لقد كان تفوق الهجوم العسكري للتغراي على حساب دبلوماسيتهم ومحاولة كسب معركة القلوب. كان القلق الأكبر للمجتمع الدبلوماسي الإقليمي والدولي هو الفوضى القادمة التي قد تصاحب دخول القوات المتمردة إلى أديس أبابا.  في نفس الوقت تمكن  آبي أحمد من تحويل انهيار جيشه لصالحه. لقد تم قبول حكومة آبي أحمد الجديدة من قبل الكثيرين وتم التصويت عليها مؤخرًا لتولي السلطة من خلال الانتخابات، بالرغم مما شابها من عوار. لم يعد لدى التيغراي رأس المال السياسي لحشد الدعم من القوى السياسية الأخرى لاكتساب نوع من الشرعية للحكم، إذا كان لديها أي نية للقيام بذلك. فحزب التيعراي لا يحظى بشعبية كبيرة في بقية أقاليم البلاد، بل نجحت الحكومة في حشد الحلفاء المحتملين، مثل المجموعات العرقية المهمشة، ضده. علاوة على ذلك، لا توجد مجموعة سياسية في منطقة أمهرة على استعداد للعمل مع التيغراي إذا استولوا على السلطة في المركز. وهذا يعني استمرار القتال مع واحدة من أكبر الجماعات العرقية في البلاد.

ثانيا: تردد الولايات المتحدة والدول الغربية: في وقت سابق من هذا العام، أدانت الولايات المتحدة إثيوبيا وحليفتها إريتريا بتهمة “التطهير العرقي” في غرب تيغراي  وتمت مناقشة ما إذا كانت الجرائم التي تم ارتكابها ترقى إلى الإبادة الجماعية. مع تقدم قوات التيغراي إلى المناطق المجاورة في أمهرة وعفر، تغير موقف الولايات المتحدة ودعت إلى انسحاب  قواتهم  إلى داخل حدود التيغراي وقللت من مطلبها بانسحاب القوات الإريترية من إثيوبيا – حيث كانوا يلعبون بشكل متزايد دورًا في خط المواجهة. أبقت وزارة الخارجية الأمريكية  تقريرها عن الإبادة الجماعية طي الكتمان، بحجة أن النشر سيعقد البحث عن حل تفاوضي. بذل المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي جيف فيلتمان قصارى جهده لتذكير الإثيوبيين بأن أمريكا تدعم رؤية آبي أحمد لبلد حر متعدد الأعراق وأنهم أعجبوا بفوزه الانتخابي بنسبة 95 %. لم يكن الإطراء في حقيقته صادقًا، لكنه كان يسعي إلى دفع آبي للانفتاح على الحوار. على أن آبي استثمر هذا التردد الأمريكي حيث صورت دعاية حكومته التآمر الإمبريالي للولايات المتحدة  بأنه يهدف لإيصال الجبهة الشعبية لتحرير تيغري إلى السلطة. أدى هذا إلى استدعاء الروح القومية الإثيوبية وتراث الانتصار في معركة عدوة التاريخية.

ثالثا: من الواضح أن القوى الصاعدة والمتوسطة في النظام الدولي مثل الصين وروسيا وبعض دول لشرق الأوسط حاولت الدفاع عن مصالحها في إثيوبيا التي أضحت بمثابة قمرة قيادة للتنافس الجغرافي الاستراتيجي. في رسالة إلى مجلس الأمن الدولي في 19 ديسمبر 2021 ، أعرب رئيس الجبهة الشعبية لتحرير تيغري ديبريصون غبريمايكل عن أسفه قائلاً “لم نتلق طلقة بندقية واحدة، ولا سيارة واحدة، ولا زي رسمي واحد، من أي شخص آخر غيرنا”. وقف مقاتلو التيغراي وحدهم. لقد تلقى شعبهم أقل من عشرة في المائة من المساعدات الأساسية اللازمة لإطعام خمسة ملايين من السكان يقفون على شفا المجاعة، بينما لا تزال الخدمات الأساسية مثل الاتصالات والبنوك مقطوعة.

رابعا: كانت السيطرة على السماوات من خلال سلاح الجو والطائرات المسيرة هي العامل الحاسم وراء تحول الميزان العسكري لصالح قوات آبي أحمد. لقد زار آبي عواصم أجنبية لحشد الدعم والتسوق لشراء أسلحة. أرسلت إيران طائرات بدون طيار، لكن تأثيرها ضئيل. كان الأمر الأكثر أهمية هو توفير تركيا للطائرات بدون طيارمن نوع بيرقدار بي تي 2، والتي أثبتت في وقت سابق أنها حاسمة في ليبيا وفي الحرب بين أذربيجان وأرمينيا. تم تصميم وتجميع هذه الطائرات بدون طيار في تركيا، ولكن يتم تصنيع مكوناتها في الولايات المتحدة والنمسا وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا. وعادة ما يرى سكان تيغراي عشرات الطائرات بدون طيار وهي تحلق في الهواء في أي وقت، مما يثبت أنها مدمرة بشكل خاص ضد لوجستيات جبهة دفاع التيغراي، وإن كانت تضرب أيضًا العديد من الأهداف المدنية.

هل حان الوقت للحوار؟

إن السلام التفاوضي يتطلب لحظة “ناضجة” وحشد التأييد له داخليا وخارجيا. كان من الصعب العثور على تلك اللحظة في هذه الحرب رغم توافر مقدماتها أكثر من مرة. اعتقد كلا الجانبين، وربما لا يزالان يعتقدان، أنهما سيفوزان واستمرا في التعبئة بينما يعبران عن استعداد مخادع للتفاوض. هذا له أسباب ثقافية وعملية. من منظور ثقافي، لدى إثيوبيا ثقافة سياسية معيبة بطبيعتها، لكنها راسخة، حيث يحصل الفائز على كل شيء وفقا لمفهوم المباراة الصفرية. لا يزال إضفاء الطابع الرومانسي على التضحية والرغبة في القضاء على العدو قائما على أنه التفضيل الأساسي للخصوم السياسيين. ومن المفارقات العجيبة أن آبي أحمد ينتقد مثل هذه الثقافة في كتابه ميديمر (التضامن بالأمهرية)، حيث كتب: “ثقافتنا المفزعة هي تدمير خصومنا بالقوة الغاشمة ودفعهم خارج اللعبة في بلادنا. ما لم نستطع الوقوف على قبور خصومنا، فإننا  لا نعتقد  أننا سنضمن النصر. نصنع الحرب لنصبح أبطالا ونعتبر الخاسرين منتصرين. لقد رأينا مرارًا وتكرارًا في تاريخنا أن هذه العملية لن تجلب لنا سوى  الفقر والألم”. يا للهول إنه يكرر اليوم نفس ما حذر منه.

لقد استخدمت الحكومة الفيدرالية وحلفاؤها إمكاناتهم الهائلة في إعادة التعبئة المستمرة واستعادت الزخم مؤخرًا. لكن قوات التيغراي لديها الخبرة والقدرة على إعادة تجميع صفوفها. تبقى العديد من المعارك قبل أن يتمكن أحد الأطراف من المطالبة بالنصر الكامل، حتى لو كان هناك شيء من هذا القبيل. لكن حقيقة أن الحرب لم تنته بعد ليست السبب الوحيد الذي يجعل الحرب الأهلية بعيدة عن نهايتها. إن الانتصار التام من شأنه أن يخلق سيناريو يهدد بانهيار الدولة وارتكاب المزيد من الفظائع.

سيناريوهات المستقبل

الأول هو أن آبي لا يبدي أي اهتمام بآليات صنع السلام. أسلوبه هو صنع الصفقات الشخصية لمحاولة تحقيق مشروعه السياسي القائم على دعم سلطة المركز على حساب الأقاليم. لقد كانت هناك فترات مناسبة للحوار وصنع السلام خلال مراحل مختلفة مرت بها هذه الحرب البائسة. كان هناك فرصة ضائعة بعد أن سيطرت القوات الفيدرالية على مقلي في نوفمبر 2020 أو بعد خروج القوات الفيدرالية من مقلي في يونيو 2021. وشملت لحظات أخرى من هذا القبيل الفترة التي أعقبت سيطرة قوات تيغراي على وليديا وبعد تشكيل حكومة اتحادية جديدة بعد الانتخابات العامة. لكن في كل هذه اللحظات، استسلم أحد الأطراف لإغراء محاولة الفوز بكل شيء وفقا لمنطق البعد الثقافي السائد. يبدو ذلك واضحا من قيام آبي أحمد بتشكيل لجنة للحوار الوطني مع استبعاد خيار التفاوض مع جبهة التيغراي الموسومة بالإرهاب وفقا لقرار البرلمان الأثيوبي. هناك قضية أخرى ذات صلة ولكنها أكثر تعقيدًا وهي رغبة الحكومة الفيدرالية في نزع سلاح الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والمطالبة المحتملة من جانب تيغراي بالانفصال عن طريق الاحتجاج بالمادة 39 من الدستور. من المرجح أن يدفع ذلك إلى استمرار وديمومة الصراع.

والثاني. سيناريو الحروب بالوكالة المزعزعة للاستقرار وتكرار السيناريو السوري والليبي، وهو احتمال حقيقي في إثيوبيا، كما أشار بوضوح إلى ذلك المبعوث الخاص السابق للاتحاد الأوروبي إلى القرن الأفريقي، أليكس روندوس،   كانت إثيوبيا حتى وقت قريب  دولة تنموية طموحة وركيزة لهيكل السلام والأمن الأفريقي المتعدد الأطراف. اليوم أصبحت تعتمد بشكل متزايد على تحولات وديناميات القوة المتغيرة في إقليم الشرق الأوسط.

والثالث والأكثر خطورة يتمثل في العودة الوشيكة لهجوم الإبادة الجماعية على تيغراي. لقد أوضح أسياس أفورقي نيته في سحق تيغراي، وإذا أعادت قواته احتلال المنطقة، فسيكون المحصلة حرب إبادة جماعية. تشير التقارير إلى أن القوات الآلية الإريترية تحتشد على حدود تيغراي بينما تنال الطائرات بدون طيار من القدرة الدفاعية لجبهة دفاع تيغراي. ومن الواضح أن آبي أحمد  وأنصاره قد أضفوا طابع الشرعية على الخطاب المعادي لتغراي الذي يسعى لشيطنتهم، وبينما يصرون على أن هدفهم هو الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي فإن شعب التيغراي يظل تحت الحصار .

التحديات الكبرى

في هذه المرحلة، ثمة حاجة ماسة للتدخل الدولي من أجل منع السيناريو الكارثي المتعلق بتفكك وانهيار الدولة الإثيوبية. ينبغي التركيز على ثلاثة أمور: (1) اغتنام الفرصة الراهنة المتمثلة في عودة قوات التيغراي إلى داخل إقليمهم وصدور الأوامر للقوات الفيدرالية بعدم الملاحقة لحمل الأطراف على الاتفاق على وقف إطلاق النار والجلوس إلى طاولة المفاوضات.  (2) المساعدة في إيجاد حلول إبداعية للقضايا المعقدة مثل الأراضي المتنازع عليها في غرب التيغراي وجنوبها؛ (3) والمساعدة في تطبيق وقف إطلاق النار وأية صفقات يتم إبرامها في عملية التفاوض. تريد قوات التيغراي استعادة التيغراي الغربية ليس فقط بسبب المطالبات الإقليمية ولكن أيضًا لأنها تفتح ممرًا إلى العالم الخارجي عبر الحدود السودانية. من ناحية أخرى، فإن لدى الحكومة مخاوف مشروعة من إمكانية استخدام هذا الممر لجلب معدات عسكرية.

ومع ذلك، على المدى القصير، يجب على الحكومة الفيدرالية قبول الترتيب الجديد بأن تيغراي هي ولاية إقليمية ذات طابع خاص في الاتحاد مع منحها  بعض السلطات غير العادية، بما في ذلك الانخراط في العلاقات الدولية. في حين أن هذا سيكون خارج الدستور من الناحية الفنية، فإن هذا هو التدبير الجديد على الأرض الذي يجب على الحكومة قبوله بشكل عملي. يجب على المجتمع الدولي تخصيص الموارد لمراقبة الصفقات وفرض وقف إطلاق النار إذا لزم الأمر، بما في ذلك استخدام القوة. وقد يتخذ ذلك شكل إقامة منطقة حظر طيران وإرسال بعثة دولية مفوضة بقرض السلام. هذا أمر بالغ الأهمية بسبب تعدد الجهات الفاعلة التي من غير المرجح أن تحترم وقف إطلاق النار أو أي اتفاقيات أخرى يتم التوصل إليها. ومع ذلك، مع وقف إطلاق النار أو بدونه، يجب على المجتمع الدولي ألا يتجاهل مسؤوليته عن حماية المدنيين من الفظائع التي ترتكب بحقهم كلما زاد أمد الحرب.

مستقبل أزمة سد النهضة

من المرجح أن يهدد الصراع في منطقة تيغراي الإثيوبية بتصعيد التوترات المحيطة بمشروع سد النهضة. لقد وصلت المفاوضات بشأن السد مع دول الجوار السودان ومصر إلى مرحلة حاسمة، لكن المحادثات قد تتأخر بينما تنشغل الحكومة الإثيوبية بمسارات الأزمة المستمرة في البلاد. ومما يثير القلق أن الصراع لديه القدرة على الانتشار في جميع أنحاء المنطقة، حيث دخلت إريتريا والسودان بالفعل في هذا الصراع المعقد. إذا قرر المجتمع الدولي التدخل لفرض السلام في  إثيوبيا بسبب انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان في تيغراي، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة تعقيد الموقف فيما يتعلق بسد النهضة.

وفي ظل عدم إمكانية استخدام الحل العسكري فإن الجمود في المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن سد النهضة يحتاج إلى تسوية سلمية سريعة لمنع الصراع المباشر في القرن الأفريقي. لعل ذلك يتطلب مشاركة نشطة من الولايات المتحدة والصين، وكلا البلدين يمكن إقناعه بتبني نهج عملي أكثر من خلال تسليط الضوء على علاقة النزاع بجدول أعمالهما الاستراتيجي الأوسع للتعامل مع قضايا تغير المناخ بشكل تعاوني. حاولت مصر بعد فشل جولة المفاوضات مع إثيوبيا التواصل مع روسيا التي تسعى إلى إعادة ترسيخ أقدامها في القرن الأفريقي، وأفريقيا عموما. لكن روسيا ببساطة تفتقر إلى الموارد والشبكات التي تجعلها قادرة على تشجيع الأطراف المتنازعة على تنحية خلافاتهم والتوصل لحلول توافقية. وفي جميع الاحتمالات، ستستخدم مشاركتها في المحادثات كورقة مساومة في علاقاتها المتدهورة بسرعة مع الغرب.

وبعيدا عن مجريات الصراع في التيغراي ونتائجه فإن النهاية السلمية أو الدبلوماسية للصراع الحالي حول سد النهضة، بحاجة إلى أمرين اثنين: الإرادة السياسية لتقديم تنازلات والمشاركة الهادفة لكل من الولايات المتحدة والصين. فيما يتعلق بالجانب الأول لا يستطيع رئيس الوزراء آبي أحمد، الذي يحشد خلفه الجماهير استنادا إلى مفاهيم السيادة الوطنية واستحضار روح معركة عدوة التاريخية، أن يسعى ببساطة إلى تقديم تنازلات بشأن قضية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بشعور الإثيوبيين بالفخر الوطني في وقت يقوم فيه بشن حرب على جبهة التيغراي دفاعا عما يعتبره من مقتضيات الوحدة الوطنية والقومية. أما الجانب الثاني فيتمثل في الموقف المتراخي لكل من الصين والولايات المتحدة ولاسيما في ظل إدارة بايدن تجاه أزمة سد النهضة. يبدو ذلك على الرغم من أن بكين وواشنطن يمتلكان النفوذ والموارد لإقناع أديس أبابا والقاهرة بتقديم تنازلات مؤلمة. ومع ذلك، يبدو كلاهما متردد بشكل أساسي لأنه لا يمكن لأي منهما أن يُنظر إليه على أنه شريك منحاز لطرف بعينه لأن كلاهما يعلق قيمة استراتيجية كبيرة على شراكاتهما مع كل من مصر وإثيوبيا. وعلى هذا النحو، فقد اقتصرت ردودهما على إصدار بيانات عامة تدعو إلى حل دبلوماسي. وبالتالي يظل السؤال الرئيسي هو كيفية إقناع القوتين العظميين بالالتزام بالحل السلمي لهذا النزاع الذي يماثل حكم المعلقة في تقاليدنا الثقافية. وعلى أية حال لا يمكن استبعاد نشوب صراع عسكري بأشكال أخرى غير المواجهة المباشرة – صراع من شأنه أن يعرض الاستثمار الصيني في القرن الأفريقي للخطر، وسيؤدي إلى موجة جديدة من الهجرة الجماعية إلى الاتحاد الأوروبي. وتزويد الجماعات المتطرفة بمجموعة من المجندين الجدد ومساحة واسعة لتنفيذ هجمات إرهابية ضد المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة.