تتمتع شبه جزيرة سيناء بموقع جغرافي فريد منذ بدء التاريخ. يربط بين قارتين. كما تتمتع بميزات تنافسية تنموية واقتصادية يمكن استغلالها كنقطة ارتكاز لتصدير المنتجات الزراعية. وذلك لقربها من أسواق القارة الأوروبية وجنوب شرق آسيا. وتتوافر بها مقومات سياحية متميزة ونادرة. إضافة إلى توافر العديد من الموارد التعدينية والمعدنية.

واتخذت الحكومة خلال السنوات الأخيرة العديد من القرارات لتنمية وتعمير سيناء. وأنشأت عددا من المشروعات التنموية الكبرى التي تهدف لتحقيق التنمية الاقتصادية وتوفير الاحتياجات الأساسية من البنية التحتية والخدمات. لكن هذه الجهود لم تستطع تحقيق أهداف الحكومة وخطط التنمية بشكل تام. ما لم يتحقق بناء المجتمع بشكل مباشر وتحقيق مبدأ “التوطين”. أي تعميرها وعمل ظهير سكاني للعيش في هذه الأرض.

موارد وإمكانات سيناء

فرغم هذه المشروعات العملاقة التي تم التخطيط لتنفيذها في ضوء موارد وإمكانات سيناء. تظل هناك فجوة بين عدد السكان والتنمية تحتاج إلى المعالجة. وذلك عن طريق وضع العديد من البرامج والخطط لجذب العديد من مواطني المحافظات المختلفة للاستقرار بسيناء. وزيادة الكثافة السكانية المنتجة بها هي الركيزة الأساسية لنجاح الدفاع عنها وخلق مجتمع جديد قائمة على فرص العمل الجديدة التي تخلقها هذه المشروعات.

الدكتور أحمد عبد الموجود الشناوي- أستاذ الأنثروبولوجيا بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية- يرى أن التنمية الحقيقية في سيناء تقوم على على ركيزتين أساسيتين. هما التنمية والتوطين. فلن تنجح تنمية سيناء بالتوطين وحده. ولن يتم التوطين دون مشروعات تنموية توفر فرص عمل. وذلك في ظل توافر ظروف أفضل للحياة شمال وجنوب سيناء.

وأشار “الشناوي” إلى وجود فجوة تنموية بين سيناء والوادي والدلتا. تلك الفجوة أبقت سكان سيناء بين الجماعات الأفقر في مصر. لعدم وجود كثافة سكانية كافية تشجع على الاستثمار. وضآلة حجم السوق بها. وغيرها من المشكلات.

سيناء واتفاقية السلام

فرضت اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل سنة 1979 أوضاعا خاصة على شبه جزيرة سيناء لمدة 40 عاما. أعاقت تحقيق التنمية بها. بخاصة عملية التوطين بسبب الظروف الأمنية التي فرضتها الاتفاقية. وحاليا هل تقف معاهدة السلام حجر عثرة في تحقيق التوطين الآن؟

اللواء حمدي بخيت -الخبير الأمني والمحلل الاستراتيجي- يجيب بالنفي. ويرى أن تأخر عملية التنمية في شبه جزيرة سيناء لا يعود إلى تداعيات أو شروط معاهدة السلام مع إسرائيل. إنما يعود إلي سوء وتدني مستوى الخدمات في البنية التحتية وضعف شبكة الطرق في السنوات السابقة التي تربطها بباقي أطراف الدولة طيلة عقود.

ووصف “بخيت” هذه المنطقة بأنها كانت منعدمة الخدمات وعبارة عن مجموعة قرى قديمة. لذلك اهتمت الدولة في السنوات الماضية بإنشاء شبكة مرافق وخدمات ومحطات تحلية مياه وإنتاج كهرباء لإنشاء مدن اجتماعية جديدة تقوم على فكر متكامل صحيا وتعليميا وتنمويا وتوفير فرص عمل لجذب السكان وتشجيعهم على العيش فيها.

وأشار إلى أن التوطين عملية لاحقة على التنمية وليست سابقة لها، لذا تتطلب استكمال التنمية وبناء الخدمات أولا.

وأكد أن التوطين لا يقلق الطرف الآخر في معاهدة السلام. فسيناء أرض مصرية كاملة السيادة. وكانت مناطق الحسنة والتمد والنخيل والعريش والشيخ زويد وبير العبد والنقب وبالوظة ورابعة تجمعات سكانية قديمة يتم تطويرها وإقامة مدن متكاملة بها حاليا.

مشروعات بدأت ولم تحقق أهدافها

بدأ المشروع القومي لتنمية سيناء الذي بدأ عام 1994 حتى 2017. وتأسس المشروع على النظر إلى تنميتها باعتبارها جزءًا من الخطة الإقليمية لتنمية إقليم القناة. واستمرت معدلات أدائه قوية حتى 1997 وبدأ يتراجع تدريجيًا ليتعثر بشكل ملحوظ منذ 2002.

وبلغ حجم التدهور في تحقيق مخطط المشروع القومي لتنمية سيناء في قطاع الزراعة مثالا 70%. كما بلغت قيمة الاستثمارات السوقية في سيناء 8.2 مليار جنيه من 1982 حتى 2013. ووصلت الآن إلى 30 مليار -حسب تقديرات مركز المعلومات بمحافظة شمال سيناء. وشملت مشروعات البنية الأساسية والصرف الصحي ومحطات تحلية المياه وتنفيذ مشروعات الطرق والكهرباء والمجتمع البدوي.

وتشير دراسة أعدها المركز عن التنمية في سيناء إلى أنه تم إنفاق ما يزيد على 6.3 مليار جنيه ولم يزرع فدان واحد في نطاق شمال سيناء. كما كان من المفترض زراعة 420 ألف فدان على ترعة السلام لم يزرع منها سوى 56 ألف فدان. وما زال المشروع ذاته مستمرًا حتى اليوم حيث تم دمجه ضمن مشروع محور تنمية قناة السويس.

ربط سيناء بالوادي والدلتا

نفذت الدولة خلال السنوات الأخيرة عددا من المشروعات التنموية. من أهمها مشروع تنمية محور قناة السويس. وقد بدأت الدولة منذ عام 2015 بوضع خطة جديدة تهدف لتحقيق التنمية المستدامة في سيناء. ومنها مشروعات عملاقة في مجالات الطرق والبنية الأساسية لتحقق الترابط بين سيناء والدلتا. وتميهد الطريق لإقامة مشروعات التنمية الصناعية والزراعية والتعدينة والسياحية لخلق بيئة جاذبة للاستثمار.

وأولت الدولة منذ 2014 أهمية لمشروعات البنية التحتية لجذب الاستثمارات وتسهيلها. وكان للمناطق الصناعية نصيب من تلك المجهودات. ومنها بعض المشروعات التي يتم استكمالها حاليا مثل مشروع ترعة السلام، الذي بدأ عام 1979 وجار استكماله حتى الآن.

ويهدف إلي إقامة مجتمع زراعي يسهم في إيجاد فرص عمل واستصلاح واستزراع 620 ألف فدان. 220 ألف فدان غرب قناة السويس و400 ألف فدان شرق قناة السويس بسيناء.

وتشير تقارير إلى انتهاء المرحلة الأولى من الترعة. والتي استفادت منها محافظتا بورسعيد والإسماعيلية. وتم تنفيذ نحو 30% من مكونات المشروع.

ويعد مشروع تنمية محور قناة السويس الذي بدأ في 2015 أضخم مشروع قومي عملاق يتم تنفيذه خلال هذه الفترة في مصر. ويهدف لإقامة سلسلة مشروعات متكاملة، صناعية وزراعية وبنية أساسية ومشروعات تنمية عمرانية. فضلا عن أنه يحقق ربط شبه جزيرة سيناء بالدلتا عبر أنفاق أسفل القناة.

هناك أيضًا المشروعات السكنية الممثلة في مشروع الإسكان الاجتماعي بالعريش وجنوب سيناء. وإنشاء مدينة رفح الجديدة. وكذا إنشاء 6 عمارات بكل مركز من مراكز الحسنة ونخل وبئر العبد. بالإضافة إلى إقامة 17 تجمعا بدويا بشمال وجنوب سيناء.

واهتمت الدولة بقطاع الطرق. حيث لن يمكن دمج سيناء بالمجتمع القومي إلا من خلال شبكة طرق قوية تمكن أهلها من التنقل بسهولة داخل سيناء من ناحية وبين سيناء والمحافظات المجاورة.

600 مليار

وذكرت دراسة لمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن سيناء عانت الإهمال والتهميش على صعيد التنمية. سواء البشرية أو الاقتصادية. ولذا فإنه كان لا بد من رفع مُخصصاتها المالية في الموازنة العامة ابتداءً والذي وصل حسب الدراسة إلى 600 مليار جنيه الآن.

وأشارت الدراسة إلى أن الإنفاق لن يكون كافيًا لدفع عجلة النمو. فقد لجأت الدولة إلى نوع جديد من التمويل يكون فيه التمويل للتخطيط مُنفصلًا عن التمويل للتنفيذ. بحيث يجرى التخطيط على المستوى الاستراتيجي بعيدًا عن التغيرات في المناصب التنفيذية.

من ضمن الأهداف التنموية التي ذكرتها الدراسة في سيناء مقاومة الإرهاب وخلق تكتلات بشرية تُسهم في تدعيم الأمن القومي المصري بمعناه الواسع. مشيرا إلى أن هناك تحولات كبيرة جرت على أرض سيناء في 6 سنوات بالفعل.

التعمير على أرض الواقع

تقوم أسس التوطين على فكرة الاستيطان المتكامل. أي إقامة تجمعات بشرية كبيرة تضم مدارس ومراكز رعاية صحية وطرقًا ممهدة ومختلف الخدمات والمرافق التي تخدم كل تجمع. وذلك حتى يتم تأسيس مجتمعات متماسكة قوية لها مصالح مشتركة دائمة. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تواري الطبيعة القبلية للمجتمع الحالي وإحداث تغيير أصيل في البنيان الديموغرافي لسيناء.

تعد قضية توطين أبناء المحافظات الأخرى بسيناء من أجل زيادة الكثافة السكانية بها قضية قديمة. فقد أشار الدكتور جمال حمدان في كتابه “شخصية مصر” إلى أهمية التوطين في سيناء ونقل جزء من سكان الوادي والدلتا إليها.

وذهب “حمدان” في كتابه إلى أن التعمير البشري هو الرد “العملي” على أي ادعاءات كاذبة نحو سيناء. وأن الفراغ العمراني هو وحده الذي يدعو الأطماع الحاقدة إلى ملء الفراغ.

ومن وجهة نظر “الشناوي” فلا بد من تشكيل عوامل جذب للمواطنين بالمحافظات الأخرى وربط سيناء بالوادي معنويًا وماديًا ودمجها في المجتمع القومي لتكوين كثافة سكانية بها لتحقيق التوطين.

ويلفت “الشناوي” إلى أن عملية التوطين لا بد أن يتوافر لها عوامل جذب لتشجع الفئات المطلوبة للتوطين على ترك مجتمعاتهم الأصلية والاستقرار بشكل دائم في مجتمع ناشئ. أولها توافر فرص عمل وظروف حياة وخدمات أساسية واجتماعية. ثانيا: ضمان قبول أبناء المجتمع الأصلي لهؤلاء الوافدين.

ويرى “الشناوي” ضرورة التخطيط لعملية التعمير وفق ضوابط تحقق المصالح المشتركة للطرفين. فضلا عن احترامها ثقافة المجتمع المحلي وحقوق أبنائه وتوفر فرص حياة.

حوافز الانتقال إلى سيناء

من ضمن الضوابط التي يؤكدها “الشناوي” تطوير برامج الدعاية والتسويق المناسبة لجذب السكان للمنطقة الجديدة. وذلك بإجراء مجموعة تحفيزية مشجعة على العيش هناك. مثل تخفيض سعر الأرض. وتحديد نسبة منها للشباب وتيسير المنح والقروض لهم لتشجيعهم على إقامة مشروعات وتوفير فرص عمل بمقابل مادي أعلى.

أيضا وضع ومميزات أفضل للترقي. وحوافز معيشية مميزة للمقيمين بسيناء من أجل استقـطـاب الكـفـاءات. مثل توفير الخدمات التعليمية والصحية بمقابل أقل. أو تقديمها بالمجان بعد عدد سنوات معينة من الاستقرار. ووضع قواعد مختلفة لقبول أبناء سيناء بالجامعات. مع إلزام هؤلاء الخريجين بالعمل في سيناء لفترة زمنية محددة على الأقل بعد التخرج.

وأشار إلى ضرورة وضع أسس للتعامل مع النظام القبلي الذي يمثل تحديًا أمام تنمية بعض المناطق بسيناء. وذلك عن طريق الاهتمام بفهم خصائص التركيب السكاني للمجتمع البدوي والاعتراف بالتمايز الثقافي للبناء المجتمعي، وترك المصالح المشتركة تلعب دورها في الحد من دور هذه التمايزات الثقافية مستقبلًا. وقصر أدوار القبيلة على العلاقات الاجتماعية بين أفرادها. بحيث تصبح هي المحددة لشكل وطبيعة الحياة بالمجتمعات العمرانية الجديدة.

بدائل للاستقرار الحالي

طرح “الشناوي” مجموعة بدائل لحين انتهاء عملية التنمية وتوصيل الخدمة. والتي قد تسهم في ربط السكان بعملية التنمية الحالية.

منها توفير عوامل الاستقرار لأبناء المجتمع الحاليين حفاظًا على استمرارهم بالمجتمع في ظل الصعوبات الحياتية التي يواجهونها. وذلك من خلال حل المشكلات الأساسية ومحاولة توفير احتياجاتهم. حيث يتطلب الانتماء بيئة آمنة ترسخ الثقة في الجهات التنفيذية وتؤكد قدرتها على تقديم خدمات أساسية.

أيضا إعادة العمل ببعض الأفكار التي تم تنفيذها من قبل بالمجتمع السيناوي. مثل “معسكر الخدمات المتنقلة”. وهو عبارة عن قافلة من العربات تقدم الخدمات الطبية والضمان الاجتماعي والشؤون الإدارية والثقافة والتعليم الشامل والإعاشة للبناء البدوي بجوار مدارسهم. ومنها وجود مدارس متخصصة للفتيات لحين الانتهاء من مشروعات التنمية الجارية.

واختتم بضرورة استغلال فترة التجنيد أو الخدمة العامة للخريجين من أصحاب المؤهلات العليا من المدرسين والأطباء وأصحاب المهن. والتي يحتاج إليها المجتمع في ملء الفراغ الوظيفي في هذه المهن وتحفيز المجندين السابقين بسيناء على الاستقرار بها عبر حوافز مشجعة بعد انتهاء تجنيدهم.