بعد جولات التفاوض في فيينا، والممتدة منذ ربيع العام الماضي، ووصلت لنحو ثماني محادثات غير مشتركة بين إيران والولايات المتحدة لإنقاذ الاتفاق النووي. بينما لم تسفر عن ثمة نتائج، تتهيأ الأطراف والقوى الدولية، مؤخراً، للتوصل لاتفاق نووي. وذلك بعد إنهاء مجموعة من المعضلات والتعقيدات.
ومن المرجح أن تكون نهاية الشهر الحالي كانون الثاني (يناير) نقطة فاصلة بخصوص عملية إحياء إتفاق عام 2015. والذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وألمح الطرف الأوروبي إلى حدوث “تقدم” في المحادثات النووية. حيث إنه في أعقاب اجتماع غير رسمي لوزراء الخارجية الأوروبيين، كشف مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الأمن والسياسة الخارجية. جوزيب بوريل، عن تفاؤله باتفاق القوى العالمية على استئناف الصفقة النووية مع إيران المبرمة عام 2015.
وقال بوريل: “نشارف على بلوغ نهاية عملية طويلة. والأجواء تحسنت منذ عيد الميلاد. قبل عيد الميلاد كنت متشائما جدا، لكن، الآن، أؤمن بإمكانية التوصل إلى اتفاق، فالمباحثات النووية تمضي قدما، لكن يجب الإسراع فيها”.
غير أن منسق الاتحاد الأوروبي في المفاوضات، إنريكي مورا، عاود الحديث عن أن نجاح المحادثات في العاصمة النمساوية بشأن الاتفاق النووي الإيراني “غير مؤكد”. وتابع: “لا يسعني إلا أن أشيد بالتزام الوفود بنجاح المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الإيراني.. وهو أمر منطقي في مثل هذه المفاوضات المعقدة”.
كما حذر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، من “بطء” التقدم في المفاوضات والتوصل لاتفاق نهائي. وتابع: “الوقت قصير جداً ومجرد أسابيع وليس شهورا”. لافتا إلى التقدم المستمر في المشروع النووي الإيراني، والمتمثل في رفع معدل تخصيب اليورانيوم إلى مستويات غير مسبوقة تقترب من 90 بالمئة. واللازمة لصنع قنبلة نووية.
وقال بلينكن إنه في حال فشل المحادثات “سنبحث في خطوات أخرى وخيارات أخرى” مع حلفاء الولايات المتحدة “في أوروبا والشرق الأوسط وما بعدهما”. وأردف: “نحن مستعدون لأي من المسارين”.
محادثات فيينا
واللافت أن طهران، للمرة الأولى، تبدي تفاؤلها بخصوص التقدم في المحادثات النووية بفيينا، حسبما أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان. والأخير قال إن طهران لا تسعى إطلاقا للتسويف أو حرف مسار مباحثات فيينا حول برنامجها النووي. وأضاف: “إذا عاد الطرف الآخر إلى تعهداته المنصوصة في الاتفاق النووي، ستعود إيران إلى التزاماتها أيضا”.
كما وصف الوزير الإيراني موقف بكين في المحادثات بفيينا بـ”البناء والمنطقي”. وأردف: “خلال زيارتي للصين، تم التوصل إلى توافق واتفاقات حول مجموعة من القضايا المهمة. بما في ذلك تنفيذ الاتفاقية الاستراتيجية الشاملة بين إيران والصين. ومن أجل تنفيذ هذه الاتفاقية طويلة الأجل، يحتاج الجانبان إلى خارطة طريق”.
وأكد عبد اللهيان أن “طهران وبكين سيستفيدان من هذه الاتفاقية التي تشمل العديد من المجالات. بما في ذلك التجارة والزراعة والعلوم والتكنولوجيا والسياحة. فضلا عن التعاون الدولي”.
وتابع: “نعتقد أنه لا توجد تحديات في العلاقات الثنائية بين طهران وبكين. على الرغم من أن سلوك البلطجة للولايات المتحدة أثر على بعض التعاون الثنائي”.
وبحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، فقد تمت معالجة الكثير من “نقاط الخلاف” في مفاوضات فيينا. ونقلت الوكالة عن مصدر مطلع. لم تكشف عن هويته، أن “المفاوضات جارية حاليا حول القضايا الصعبة. وكيفية صياغة القضايا التي تم الاتفاق على مبادئها إلى عبارات وإدراجها في الوثيقة. كما أن العمل جار حاليا بشكل متزايد على الملحق الثالث حول التنفيذ والتسلسل للاتفاق المحتمل”.
اتفاق نووي نهائي
وفي حديثه لـ”مصر 360″، يقول المراقب الدولي السابق لدى الأمم المتحدة، الدكتور كمال الزغول. إنه لا يمكن الحديث عن وجود اتفاق نووي بصورة نهائية وتامة الآن. حتى في ظل الترجيحات القائمة على استنباط وتحليل منطوق تصريحات المسؤولين المشاركين في المفاوضات النووية. وكذا التسريبات التي تخرج من شخصيات يجري وصفها بأنها مصادر مطلعة. لافتا إلى وجود تعقيدات إقليمية وترتيبات دولية. بالإضافة إلى ما يتصل بالتقدم الهائل في الملف النووي الإيراني، والأمور الفنية الخاصة بعملية التخصيب. ثم قدرات طهران الصاروخية. وتحديدا ما يتصل بالصواريخ الباليسيتية، حيث إن كل ذلك لم يحسم بعد.
ويلفت المراقب الدولي السابق لدى الأمم المتحدة، إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى الدفع بكل السبل لإنجاز إتفاق نووي. وذلك في ظل ما يواجهه الرئيس الأمريكي جو بايدن من تحديات جمة. بعضها يخص انتخابات التجديد النصفي لعام 2022 في الولايات المتحدة، والمتوقع أن يفوز بها الحزب الجمهوري. والبعض الآخر يتعلق بالتنافس الجيوسياسي مع الصين وروسيا. ناهيك عن التعقيدات التي تضعها إسرائيل أمام المحادثات النووية. حيث ترفع الأخيرة درجة التوتر وتلوح بضربات عسكرية، الأمر الذي ربما يفاقم من مشكلاتها مع واشنطن.
ويردف: “من الناحية الإقيليمية، وفي حال التوصل لاتفاق نووي، سيكون مسار التهدئة محفوفا بتعقيدات متفاوتة. وقد تكون هناك مفاوضات سعودية إيرانية تتزامن مع التزام إيران بالاتفاق النووي الجديد. وهذا يفسره الانفتاح الأفقي للمملكة بين الشرق والغرب، بين آسيا وأوروبا وأمريكا. ويمكن النظر إلى التطورات الميدانية في اليمن باعتبارها ورقة في الاتفاق النووي”.
مرحلة ما بعد الاتفاق
ومن المتوقع بالنسبة لإسرائيل أنها ستظل تعتمد، بصورة تقليدية، في هذا الشأن على التقارير الاستخباراتية في مرحلة ما بعد الاتفاق. وبالتالي، تصرفاتها ستكون حسب تلك التقارير. لكن “التهدئة المتأرجحة هي التي سوف تتسيد المشهد السياسي المقبل، وليست التهدئة الشاملة. خاصة ونحن نشهد انتخابات نصفية أمريكية في تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، الأمر الذي سيكون له تداعيات جمة”.
وإلى ذلك، يوضح المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة). أن قادة إيران يؤمنون بأن امتلاك القدرة النووية سوف يسهم في منع أي معارضة أمريكية مؤثرة لأجندة إيران المحلية والخارجية. من وجهة نظر الإيرانيين، فالولايات المتحدة حينها لن ترغب في مواجهة إيران المسلحة نووياً. حالها كحال كوريا الشمالية المسلحة نووياً التي تبدو الولايات المتحدة غير مستعدة لمواجهتها.
ولقد استبقت إيران كل الجهود الدولية لمنعها من تطوير قدراتها النووية. ولم يعد من السهل أن تتخلى عما طورته خلال فترة انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي لمدة ثلاث سنوات. كما لم تعد إيران ملزمة فيها بتطبيق بنود الاتفاق السابق، بحسب المعهد الدولي للدراسات الإيرانية”.
ولذلك، قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي: نحن إزاء دولة لديها برنامج نووي متطور جداً وطموح. تخصب اليورانيوم بمستويات عالية جدا، قريبة جدًّا من المستوى المطلوب لصنع أسلحة نووية”.
ويردف: “في سياق زيادة التوتر بين إيران وإسرائيل، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، نفتالي بينيت، واشنطن، والتقى الرئيس بايدن. وقد حذر بينيت الأمريكيين من تبعات الاتفاق النووي الجديد، خصوصًا في ضوء التقدم الذي حققته إيران في الفترة الأخيرة في مجال القدرات النووية. ويبدو أن واشنطن مستعدة لدعم إسرائيل، وأنها قد تزود الجيش الإسرائيلي بتقنيات عسكرية تمكنها من تحقيق أضرار كبيرة بالقدرات النووية الإيرانية، أو على الأقل تشكل ردعا لإيران للعودة إلى الاتفاق النووي”.
ويختتم: “التصريح الأكثر إثارة فكان لبايدن عندما قال: “نحن نضع الدبلوماسية أوّلا. ننظر إلى أين يقودنا ذلك. لكن إذا فشلت الدبلوماسية فنحن مستعدون للانتقال إلى خيارات أخرى”. وقد لقي هذا التصريح استهجانا كبيرًا من النظام الإيراني. خصوصا من قبل المرشد الأعلى الذي وصف إدارة بايدن بأنها “ذئب مفترس” لا تقل وقاحة عن إدارة ترامب. هذا التصعيد. يمكن وصفه مؤشرا على أن المشهد المأزوم بين إيران والولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل قد يأخذ منحى أكثر حدة. ومن المحتمَل أن تنسيقا عسكريا أمريكيا-إسرائيليا يتزايد لاستهداف نووي إيراني حال لم تنجح جهود إعادة إحياء الاتفاق”.