أنا حر.. أنا حرة

تلك الكلمة التي نقولها طيلة الوقت ردا على مواقف وأقوال كثيرة. لكننا لم نقف مع أنفسنا في أي وقت لنعرف هل نحن فعلا أحرار؟

ظللنا نتذكر المقولة المنسوبة إلى الزعيم أحمد عرابي “لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقار” ونردد للآخرين بأن حريتك تبدأ عندما تنتهي حرية الآخر، غير أننا لا نناقش حدود الحرية لنا أو للآخر.

الحرية بين النشأة والشخصية

تُشير الحرية إلى حالة من البراح والفضفضة رامزين لذلك بطير يحلق في سماء مفتوحة. لكننا لسنا طيورًا، ولا نعيش في سماوات مفتوحة. فالنشأة والتربية التي نتربى وفقها تحدد حدود فضاءنا الشخصي الذي يختلف من شخص لآخر. وكلما كبر المرء سعى للتخلص من عدد كبير من القيود منها:

قيود العائلة

حيث كل عائلة تصنع بشكل ضمني قواعدها التي تراها وتُلزم بها بناتها وأبنائها، وإن كانت المجتمعات الشرقية تتهاون في الحدود/ القيود العائلية عندما تتعامل مع الذكور فهناك تشديدات مبالغ فيها بالنسبة للإناث. ولعل أبرز هذه القيود مواعيد العودة للمنزل واختيار الأصدقاء. وقد تمتد إلى شكل الملابس، وتعتبر الطبقة الوسطى بدرجاتها المتفاوتة هي الأكثر حفاظا على تلك القيود، سعيًا لصنع حالة من التميز وهمية. فنجد أن تلك القيود تقل وقد تنعدم إذا صعدنا إلى الطبقة العليا أو هبطنا في التدرج الاجتماعي إلى أدنى طبقة اجتماعية. كما أن المال والسلطة عاملان لهما من التأثير والقوة الكثير في صنع تلك القيود من عدمها.

قيود المجتمع

يسير المجتمع على قضبان من العرف والدين في جهة والقانون في جهة أخرى. ولكل منها قوة وسطوة في تقييد حرية الأفراد. غير أن قوة العرف قد تكون أكبر وأقوى أحيانا من الدين والقانون في بعض الجماعات. فالعامة وعدد غير قليل من النخبة يعني بما يفرضه المجتمع من قيود فكلمة عيب وما يصحش لها سطوة أكبر بكثير. وهذا العرف يتدخل في كل شيء يخص الفرد ملبسه وطريقته في الكلام حتى خجله الذي يفرضه عليه وخنوعه في بعض الأحيان.

كيف نصنع الحرية في المنزل؟

برغم ما ترمز له كلمة حر أو حرية من براح واتساع الفضاء إلا أن الإنسان الذي يعيش في جماعة ليست له هذه السمة. فالحرية الشخصية ليست أن تفعل كل شيء بشكل مطلق؛ لأنه لا وجود لهذا المطلق. حتى لو كان الإنسان يعيش بمفرده في غابة فستظل لديه قيود لها علاقة بسلامته الشخصية والحفاظ على حياته.

وإذا أردنا حياة تتمتع بحرية تسمح للإنسان أن يعيش حياته بشكل فيه كثير من الراحة والسعادة فعلينا أن نبدأ من تربية أبناءنا وفق منظومة الأخلاق. حيث اتفقت كل الأديان الوضعية والسماوية على منظومة الأخلاق. ومن ثم فالأخلاق لن تختلف من مكان لآخر أو من دين لآخر. وهنا نضمن مساحة مشتركة للعيش.

الحرية والأذى

أهم قاعدة في توصيف الحرية ألا تكون سبب في أي أذى يلحق بالغير، أيا كان نوع الأذى نفسي أو مادي، وأرى أن هذا هو المعيار الحقيقي والأساسي في توصيف الحرية وهى ألا تؤذي غيرك، فإذا كان المرء يلتزم بعدم الأذى ومنظومة أخلاقية فإن ذلك يصنع مساحة من الأمان للفرد ومن يحيطون به.

فالحرية تحتاج أن يتحرك المرء ويتصرف ويتكلم في مساحة من الأمان دون أن يتم محاسبته على أفعاله أو أقواله ما دام لا يؤذي أحد بفعله أو قوله، فإن كانت هناك منظومة أخلاقية تكفل ألا يتدخل الانسان فيما لا يخصه، ولا يسرق ولا يقتل ولا يكذب فنحن بذلك نوفر مناخ صحي. هذا لا يعني أننا سنعيش في المدينة الفاضلة، لكن أن تكون الأخلاق هي محددات الحرية فذلك يصنع سماءً رحبة بالفعل.

بينما تصنع الأيدلوجيات والوعي فروقها النوعية بين البشر، لكن وجود ميثاق أخلاقي يضمن للناس أن تتراجع بسهولة عن مواقفها أو تغير من وجهات نظرها وفق مقتضى الظرف وليس وفق عوامل أخرى.

إذ أردت أن تكون حرًا فابدأ من المنزل.