أضعُ كلمة أفريقيا الواردة في العنوان بين قوسين، لأننا نستطيع أن نحذفها من دون أن يتغير المعنى.
كان الحضور في برنامج هذا المساء على قنوات “بي إن سبورت” الرياضية يهنئون الضيف المصري في الاستديو بفوز منتخبنا الوطني على منتخب غينيا بيساو، وحصد “الفراعنة” لأولى نقاطهم في المجموعة. غير أن الضيف المصري في الاستديو لم يبد سعيدا بالتهنئة. بل بدا غاضبا مكفهر الملامح، وردد مرارا ما معناه أنه من العيب أن يتفوق الفريق المصري على نظيره الغيني بهدف واحد فقط، بدلا من أن يحقق فوزا عريضا من عدة أهداف، تعكس “الفارق الكبير” بين مستوى الفريقين.
وبعيدا عن صحة أو خطأ قناعة الضيف المصري. وباستبعاد ما صرنا نعرفه من أنه لم تعد هناك مباريات سهلة ومضمونة في عالم كرة القدم. خاصة في المسابقات الوطنية التي يكتسب فيها اللاعبون دوافع إضافية يخلقها انتماؤهم لقميص بلادهم.
وحتى بغض النظر عن أن البطولة الأفريقية الحالية قد أثبتت -مجددا- أهمية تلك الدوافع بعد النتائج الرائعة التي حققتها منتخبات توصف بالصغيرة. فما نقف أمامه هنا ليس ما سبق، ولا حتى حقيقة أن عدد المحترفين في “أصغر” المنتخبات الأفريقية يزيد عن عدد محترفين بلدان عريقة في القارة كمصر وتونس. وإنما، يلفتنا، اجتراء الضيف المصري على الحديث بهذه اللهجة المتعالية عن فريق/منتخب آخر. والتحقير من شأنه بالقول أن مجرد الفوز عليه لا يكفي ولا يسعد سيادة الضيف، بل وحده الفوز الساحق الماحق هو ما ينبغي أن يكون.
في بلاد أخرى، وعبر وسائل إعلام دولية، لا يجرؤ أكبر المدربين واللاعبين في العالم على الحديث عن الفرق المنافسة إلا بأسمى آيات الاحترام. بل يصل مفهوم الاحترام إلى درجات قد لا يستوعبها البعض منّا، مثل استمرار فريق في تسجيل الأهداف في مرمى المنافس مهما زادت النتيجة. لأنه “من غير الاحترام” أن يبدي تجاهه الشفقة في الملعب كأنه أقل منه.
وللأسف، فإن الحالة التي أبداها الضيف المصري تجاه البلد المنافس، كانت جزءا من حالة مصرية عامة، تبدت في إعلامنا المحلي الذي لم يفوّت فرصة للسخرية من مشكلات تنظيم البطولة في دولة الكاميرون. ثم الانتقال للسخرية من “ماما أفريكا” بصفة عامة. مع التذكير طيلة الوقت بروعة وجودة تنظيم البطولة السابقة في مصر. وهو سلوك أقل ما يقال فيه، إنه لا يمت بصلة لا لعالم الرياضة ولا حتى لعالم الأخوّة الأفريقية.
ولأن المغرور هو أكثر من لا يرى عيوب نفسه، فهو ينسى أن دولة أفريقية كبيرة، مثل “جنوب أفريقيا”، قد نظمت من قبل “كأس العالم” ذاته على أعلى مستوى. وهي بطولة لم نفشل فقط في التنافس على تنظيمها بحصولنا على “صفر المونديال” الشهير. على الرغم من أننا لم نكن نتنافس على تنظيمها سوى مع دولتين أفريقيتين لا مع اليابان أو أمريكا. بل فشلنا حتى في التأهل إليها كرويا على رغم امتلاكنا أحد أعظم أجيالنا الكروية على الإطلاق. وهو الجيل الذي نحب أن نقول أنه كان “بينيّم أفريقيا من المغرب”.
ولا يرى المغرور أيضا الكوميديا التنظيمية في بطولاتنا الكروية المحلية. حيث قد تمتد بطولات الدوري إلى عام كامل أحيانا، تكون فيه بقية فرق العالم قد أنهت بطولاتها واستراحت وبدأت الموسم الجديد، أو أن “تختفي” بطولة أخرى كما حدث مع أعرق مسابقاتنا “كأس مصر”، التي تبخرت في ظروف غامضة بعد أن وصلت إلى دور قبل النهائي.
حين وصل كيروش إلى مصر سأل عن تاريخنا “المونديالي” فعرف أننا لم نتأهل إلى كأس العالم سوى ثلاث مرات في حوالي مئة عام هي عمر المسابقة. ومع ذلك فقد “غضبنا” منه لأنه استخدم كلمة “حلم” وهو يصف رغبة التأهل للمونديال. على اعتبار أننا من “أسياد أفريقيا” كما نحب أن نصف أنفسنا. فماذا عن الكاميرون، التي تأهلت للمونديال سبع مرات، بإمكاناتها الضعيفة التي نسخر منها. فضلاً عن حصدها -كشقيقتها نيجيريا- ذهبية الأولمبياد، أي غرور ينبغي لها أن تمتلك إذًا؟
وكما أن الأفكار تتحول إلى أفعال، فإن العكس صحيح، ولو مارسنا بعض التواضع حتى لو نكن مقتنعين به فقد نتعلمه بعد قليل. ومن ثم نبدأ في تأمل حالنا في حجمها الطبيعي بلا تهويل ولا نقصان، ونتعلم أننا جزء من أفريقيا قبل أن نكون جزءا من العالم.