يعانى الجميع فى مصر من تشريعات الأسرة، لكن لايستطيع أحد أن يمتلك الجرأة بطرح الحل العملى الوحيد القادر على القضاء على تلك المعاناة، وفى ذات الوقت تحقيق المواطنة والمساواة أمام القانون، فالمسلمين يواجهون مشاكل مع قانون الأحوال الشخصية الذى تجاوز مائة عام على صدوره، ويعاني المسيحيون مع لائحة 1938، وتوجد عقبات تواجه المصري/ة عندما يحاول توثيق زواجه من أجنبي/ة كما يواجه المصريون من ديانات غير الإسلام والمسيحية كبالهائيين مشاكل بسبب قوانين الأحوال الشخصية ويهدر حق الكثير من الأطفال من حقهم فى إثبات نسبهم بسبب تلك التشريعات .

كل تلك المعاناة يمكن وضع حدود لها بتشريع موحد ينظم تشريعات الأسرة بقانون ينظم الزواج المدني ليترك للزوجين حقهم فى وضع شروط عقد وانقضاء زيجاتهم وفقا لما يتفقا عليه، وسأعرض فى تلك المقالة الإشكاليات الحالية التي تجعل من الضروري مناقشة لماذا نحن بحاجة إلى إقرار الزواج المدني  .

أولا: قانون الأحوال الشخصية لسنة 1920 وإشكالياته

تنبع العديد من المشكلات من التوجهات المنحازة التي تتفاقم بفعل قانون الأحوال الشخصية التمييزي في مصر، ما يترك نظام الطلاق الذي يميز بشدة ضد المرأة، النساءَ أسيرات علاقات زوجية مسيئة لهن. وفي الوقت الذي يستطيع الرجل أن يطلق زوجته من دون إبداء الأسباب، يتعين على المرأة بالمقابل افتداء نفسها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية المترتبة على الطلاق إن هي أرادت “الخلع”، أو أن تتأهب لخوض غمار معركة طويلة ومكلفة في المحكمة كي تثبت أن زوجها قد تسبب بالأذى لها.

إنها فلسفة القانون الذى صدر من حوالى قرن والتى ترسخ لمفاهيم رجعية تظلم النساء ولا تعطي حقوق متساوية لأفراد الأسرة، الأمر الذي فرض المطالبة بمقترحات لإدخال تعديلات متضمنة تقنين تعدد الزوجات وسن الزواج وتقاسم الثروة بعد الطلاق، انطلاقا من تحقيق العدل والمساواة لكل أفراد الأسرة والحفاظ على حقوق الأفراد بما لا يخالف الدستور ومواثيق حقوق الإنسان عامة والمرأة والطفل خاصة، لاسيما فيما يتعلق بأحكام ما بعد الطلاق الذي أصبح في مصر ظاهرة مخيفة، إذ تبوأت القاهرة الصدارة بين مختلف العواصم في نسبة الطلاق بمعدل حالة كل 6 دقائق، وأصبح لدينا 2٫5 مليون مطلقة وفقا لبيانات مركز الوزراء ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، وكذلك جهاز التعبئة العامة والإحصاء.

وأيضا لأن الطلاق وتعدد الزوجات وسن الزواج ظواهر صارت مخيفة في مصر بعد ارتفاع معدلاتها بشكل لافت في السنوات الأخيرة، فالطلاق بلغت نسبته 180 ألفا و344 حالة عام 2014 مقابل 162 ألفا و583 حالة خلال 2013 بزيادة 17 ألفا و761 حالة بنسبة زيادة 10٫9٪، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وأصبحت مصر الأولى عالميا بمعدل فاق الـ170 ألف حالة معظمها عن طريق قانون الخلع وذلك وفقا للإحصاءات الدولية بالأمم المتحدة.

وبالنسبة لتعدد الزوجات في القانون المصري والمسموح به لمسلمي مصر على أساس أن الشريعة الإسلامية تتيح للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة في حدود 4 زوجات، وبشرط العدل المستطاع بينهن، والقدرة على القيام بواجبات هذا التعدد، وقد جرت محاولات عديدة لتقييد التعدد بالقضاء، منذ مقترحات عام 1926 بإضافة شرط موافقة القضاء عليه إلى قانون الأحوال الشخصية تأثرا بدعوة أطلقها الشيخ محمد عبده بإشراف الحكومة على تعدد الزوجات وحتى لا يقوم عليه من ليس له استطاعة وقد رفضت تلك المقترحات من قبل رجال الفقه والدين حتى صدور القانون رقم 25 لسنة 1929 وخلوه من أي تقييد لتعدد الزوجات، ثم تجددت المناقشات وأسفرت عن إصدار القانون رقم 44 لسنة 1979 الخاص بتعديل بعض قوانين الأحوال الشخصية الذي ألزم الزوج المسلم بتقديم إقرار موثق بحالته الاجتماعية، وذكر أسماء زوجاته اللاتي في عصمته مع قيام الموثق بإخطارهن بهذا الزواج.. كذلك اعتبار الزواج بأخرى بغير رضا الأولى أو دون علمها إضرارا بها حتى إن لم تشترط عليه في عقد زواجهما عدم الزواج عليها، وأعطى الزوجة حق طلب التطليق لهذا الضرر خلال عام من تاريخ علمها بالزواج عليها.. إلا أن المحكمة الدستورية العليا قضت بعدم دستوريته في مايو 1985 وذلك لعيوب شكلية وإجرائية حتي صدور القانون 100 لسنة 1985 ليحل محله، حيث أضاف حق الزوجة في طلب الطلاق من زوجها الذي تزوج عليها خلال عام، إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي يتعذر معه دوام العشرة مع تجدد حقها في طلب التطليق، ونفس الحكم للزوجة الجديدة التي لم تعلم بأن زوجها متزوج بسواها.

ثانيًا: لائحة 1938 الخاصة بالأحوال الشخصية للمسيحيين وإشكالياتها

ربما تكون قضية زواج الأقباط وطلاقهم هي إحدى أكثر القضايا الاجتماعية المتعلقة بهم إثارة للنقاش في الرأي العام، وقد تمت مناقشة أبعاد مشكلة طلاق الأقباط بشكل خاص في عشرات الدراسات والكتب وتناولتها مئات المقالات والموضوعات الصحفية ونظمت من أجلها المؤسسات الحقوقية عدة حملات متتالية ومستمرة.

إشكالية الطلاق عند الأقباط

هناك مئات الآلاف من الأزواج لهم قضايا طلاق مرفوعة أمام المحاكم يطالبون بتطليقهم وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية منذ جلوس قداسة البابا شنودة الثالث على كرسي الكرازة المرقسية عام 1971 ورفضه التطليق إلا لسبب واحد وهو الزنى الذي يصعب إثباته، وفي حالة إثباته يجد الزوج أو الزوجة نفسهما أمام خيارات صعبة خصوصا إذا كان لديهم أبناء .

لقد تجاوز قداسة البابا قانون توحيد القضاء الصادر عام 1955 وأصبح مستوجبا على من حصل على حكم بالطلاق أن يحصل على تصريح بالزواج مرة أخرى، وهناك الآلاف من طلبات التصريح بالزواج مرة أخرى معروضة أمام الكنيسة القبطية ولم تجد آذانا صاغية رحيمة بأحوالهم، فقد حكمت الكنيسة عليهم بأن يقضوا باقي عمرهم دون زواج ولا مخرج لهم سوى في أحد أمرين: إما الزنا الصريح أو الخروج من المسيحية واعتناق ديانة أخرى تسمح لهم بالزواج، وأغلب حالات التحول من الديانة المسيحية سببها الرئيسي هو تعنت الكنيسة وعدم منحها إياهم تصريحا بالزواج.

إشكاليات الزواج عند الأقباط

يحق للأقباط بعد موافقة الكنيسة الزواج قانونا، خلال الـ98 يوما في السنة التي صرحت فيهم الكنيسة للأقباط بالزواج في غير أيام الصوم، بشرط الحصول على شهادة “خلو موانع”. هذه الشهادة تصدر للأقباط من الكنيسة وليس من الدولة لتصرح لهم بحقهم في الزواج وتكوين الأسرة.

تصدر شهادة خلو الموانع من السجل الكنسي بناء على عدة عناصر منها:

تأكد الكنيسة من تسجيل طالب “تصريح الزواج” في سجلات الطائفة -التأكد من معموديته– ثم التأكد من أنه لم يتعهد للكنيسة بالبتولية من خلال انخراطه في الرهبنة، ثم التأكد من انخراطه في طقوس الصلاة دوريا (وهذا أمر رمزي يمكن التغاضي عنه بالضغط الاجتماعي وغيره من الوسائل، لكنه أيضا يستخدم كورقة ضغط ساحقة للمعارضين، فيمكن للكنيسة في أي لحظة أن تقرر دون أي وسيلة للطعن أن القبطي فلان لا يصلي بشكل كاف، أو ليس له أب اعتراف يضمنه في سجلها “المدني” وبالتالي يحرم قانونا من الحق في الزواج !

تشترط شهادة خلو الموانع أيضا وبطبيعة الحال التأكد من أن طالب (طالبة) الزواج مسيحي أرثوذكسي أو كاثوليكي (وهنا مرة أخرى الكنيسة وليس الدولة هي من يثبت الديانة، وكأن خانة الديانة في شهادة الميلاد وفي البطاقة القومية لا قيمة لها). وتطلب الشهادة هذه أن يكون هناك من القساوسة من هو على استعداد للشهادة بتقوى المتقدم للزواج وديانته!، وبطبيعة الحال أيضا التأكد من أنه لم يسبق له الزواج (إلا في حالة حصوله على تصريح منفصل يشهد بأنه أرمل (أرملة) أو مطلق (مطلقة) بموافقة الكنيسة.

الموثق المنتدب بوزارة العدل لتوثيق عقود الأقباط

لا يقبل من الأقباط تسجيل عقود زواجهم أمام الدولة إلا من خلال وكيل التوثيق الخاص بهم وهو قسيس من رجال الدين التابعين -من حيث التعريف- للكنيسة ورئاستها الدينية. أي أن الموظف بوزارة العدل المسئول عن توثيق عقود الأقباط، هو رجل دين. موظف من رجال الدين تسند له الدولة أحد أبرز المهام البيروقراطية وأكثرها عمقا في مفهوم الدولة الحديثة، وهي مهمة توثيق عقود زواج مواطنيها. وبدون هذا “الموظف – رجل الدين” لا يحق للقبطي أن يخاطب وزراة العدل “المصرية” ليطالب “دولته” بالاعتراف بزواجه.

الحاجة إلى إقرار الزواج المدني

مما لاشك فيه أنه أمام تشدد الكنيسة في قصر الطلاق على حالات الزنى فقط، وإذا حصل الزوجان على طلاقهما بحكم محكمة فمحكوم عليهما بعدم التصريح لهما بالزواج مرة أخرى، فلابد وأن نجد مخرجا يعفي الكنيسة من الحرج في إعادة تحديث تفسير الكتاب المقدس وفقا لمعطيات العصر، فما كان يصلح منذ ألفي عام صعب أن يصلح في العصر الحالي، ولذلك كان لابد من وجود آلية جديدة ما تبعد الكنيسة عن أي ضغوط، والزواج المدني ليس بدعة، فهو معمول به في أغلب دول العالم ونجح في حال الكثير من المشكلات الأسرية على النحو التالي :

إن قانون الزواج المدني لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يكون بديلا للزواج الكنسي فسوف يستمر الزواج الكنسي بجوار الزواج المدني وللأزواج اختيار شكل زواجهما سواء كان كنسيا أو مدنيا ولا يمكن الخلط بينهما فمن تزوج مدنيا يعامل طبقا لقانون الزواج المدني ومن تزوج كنسيا يعامل طبقا للطقوس والأعراف الكنسية المعمول بها، وهنا أقصد أنه لايمكن لزوجين تزوجا كنسيا أن يطلبا الطلاق وفقا للقانون المدني، فطلاقهما يكون كنسيا أيضا، وفقا لمعايير الكنيسة في هذا والعكس صحيح.

يجب أن يكون الزواج وفقا لقانون الزواج المدني زواجا صحيحا مسجلا في سجلات الزواج والأسرة وفقا لقانون الأحوال المدنية ويثبت اسم الزوج في بطاقة الرقم القومي للزوجة وكذلك الأمر في نسب الأبناء وفقا لما هو معمول به في قوانين الأسرة والأحوال المدنية.

بموجب الزواج المدني يحق للأزواج الانفصال في حال تعذر واستحالة الحياة بين الزوجين، وبموجب مستند الطلاق يحق لكل منهما الزواج مرة أخرى سواء كان إعادة الزواج بينهما أو الزواج من أشخاص آخرين.

بموجب عقد الزواج المدني سوف يتم القضاء على حالات الطوابير التي تقف أمام الكنيسة طلبا لتصريح الزواج للمرة الثانية فبموجب الزواج المدني فإنهم ليسوا بحاجة إلى تصريح زواج، وليسوا في احتياج للتحول إلى ديانة أخرى من أجل الزواج.

ثالثا: مشكلات غير المسلمين والمسيحيين (البهائيين كمثال)

على الرغم من أن مصلحة الأحوال المدنية قد أصدرت بالفعل بطاقات رقم قومى لبهائيين مدون بها الديانة “أخرى” إلا أنها عادت وقيدت ذلك إلى الثلاثة أديان، بالكتاب الدورى رقم 49 لعام 2004م

ويشتكي البهائيون المصريون أيضا “من عدم تمكنهم من توثيق عقود زواجهم أو استخراج شهادات ميلاد أبنائهم، ويقولون إنهم يواجهون مصاعب عند استخراج شهادات الوفاة ولا يمكنهم الحصول على جوازات سفر أو التعامل مع البنوك وإدارات المرور، أو إلحاق أبنائهم بالمدارس والجامعات، أو إثبات موقفهم من التجنيد أو الحصول على وظيفة أو تصاريح عمل أو العلاج بالمستشفيات، أو حصول أراملهم على المعاش، وعدم إمكانية البيع أو الشراء أو التملك”.

وبالرغم إن البهائية لا تضع أي قيود على الزواج من الديانات الأخرى. “لكن المفروض إذا وجدنا في مكان يسمح بأن نذكر ديانتنا أن نفعل ذلك، أي أن الشرط الوحيد أن لا يدعي الشخص البهائي ديانة أخرى، وهذا لا يعني أنني إذا تزوجت غير بهائية أن تسجل هي أيضا أنها بهائية، فهي حرة في الديانة التي تسجلها لنفسها، ولكن في أغلب الأحيان يكون الزواج مدنيا كما في أمريكا وأوروبا حيث يتم بدون ذكر أي دين، وبعد ذلك إذا أراد الزوجان أن يتم زفافهما بالمراسم الدينية فهما حران ولهما هذا”.

وفى محاولة لحل هذه الإشكالية تقدم المجلس القومي لحقوق الإنسان بمشروع قانون إلى مجلس الشعب فى عام 2010، يسمح بزواج البهائيين، دون الاعتراف بهم كطائفة دينية، أو بمعتقداتهم وتضمن مشروع القانون السماح للبهائيين بتوثيق عقود زواجهم أمام مكاتب التوثيق بمصلحة الشهر العقارى بحيث يمكن لهم استخراج بطاقات شخصية تثبت فيها حالاتهم الاجتماعية كمتزوجين.

واقترح نص المذكرة الإيضاحية للقانون إصدار قانون يعدل المادة الخامسة من قانون الأحوال المدنية التى تمنع زواج البهائيين، ذلك أن المادة 5 من قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994 نصت على توثيق عقود الزواج بين المواطنين فى المحاكم الشخصية إذا كان الزوج والزوجة يعتنقان نفس الديانة أو نفس المذهب فى الديانة الواحدة، بعد أن يتم عقد القران على يد القس أو الكاهن، أو بالعرف داخل الطائفة الدينية المعترف بها بالنسبة للأديان السماوية الثلاثة.

وواصلت المذكرة بأنه يمكن إباحة توثيق زواج البهائيين من خلال إضافة كلمتين على المادة هما “أو اتحدا فى المعتقد”.

وأوضحت المذكرة أن إضافة الكلمتين ستسمح بتوثيق عقود البهائيين على اعتبار أن ديانتهم “معتقد” وليس ديانة، وهو ما يسمح بتمييز أهل كل ديانة ومعتقد حتى يكون كل مواطن على بينة بهوية من يتعامل معه خصوصا فى المجال الاجتماعى.

واستندت المذكرة إلى تصريح الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر الراحل فى إحدى الصحف من أن “كتابة البهائية كمعتقد فى خانة الديانة أمر ممكن ولا ضرر منه بل تمييز واجب لمن هو خارج عن الديانات السماوية”.

واقترحت المذكرة إلغاء المادة 134 من تعليمات الشهر العقارى التى تنص على أنه “لا يجوز توثيق عقود زواج البهائيين فيما بينهم أو بين غيرهم من معتنقى الديانات الأخرى المعترف بها فى جمهورية مصر العربية”.

لكن من هذا التاريخ لم يتم مناقشة هذا المقترح فى البرلمان ولم يتم البحث عن حل لهذه المشكلات بأى طريقة قانونية تحترم مبدأ المواطنة وسيادة القانون .

رابعًا: مشكلات توثيق الزواج من أجنبى أو أجنبية

وتوثيق  زواج الأجانب فى حالة تزوج المصرى بأجنبية أو العكس يثير الكثير من الإشكاليات ويضع الكثير من الشروط والعقبات تدفع الكثيرين باللجوء إلى توثيق الزواج خارج مصر، ذلك  لأن  المجتمع حينما يصطدم بقوانين تضعها الدولة وتكون هذه القوانين غير متوافقة ولا متوائمة مع احتياجات هذا المجتمع فإنه ينشئ قانونه الخاص المتوائم معه ويستغنى تدريجيا عن الالتجاء إلى قوانين الدولة غير المتوائمة مع احتياجاته، فعندما تطلب الدولة شروطا تعجيزية وهي شروط ليست ذات أهمية أو أساسية في إثبات الزواج فإنها تفتح بابا خلفيا للانصراف عن توثيق الزواج كلية عن طريق المكتب الذي أنشأته لذلك.

ولأن الزواج هو في أساسه اختيار شخصي بحت، فحينما يختار رجل وامرأة بعضهما البعض ويقررون الزواج لا يهمهما من مكتب التوثيق سوى إثبات زواجهما بطريقة رسمية بدون أن يكون لهذه الجهة أي دور أكثر من ذلك، أي لا يكون لها أي دور في الشروط المالية بينهما أو ولاية لهذا المكتب أو لأي جهة أخرى في الموافقة على الزواج من عدمه، أي لا تطلب منهم شهادات بموافقة جهات تعتبر نفسها وصية على الأفراد مثل السفارات أو البطريركيات.

ونتيجة لهذه الشروط المتعسفة أصبح من يرغب في الزواج ويصطدم بشروط مكتب التوثيق يلجأ إما للزواج العرفي فقط أو للزواج العرفي ثم توثيقه أمام المحاكم سواء بدعوى صحة التوقيع أو بدعوى إثبات الزوجية.

وبالتالي فسواء وافق مكتب التوثيق على إثبات الزواج أو لم يوافق فالزواج سيتم في كل الأحوال، وخصوصا أن القانون المصري اعتبر أحكام إثبات الزوجية الصادرة من المحاكم مساوية في قوتها لوثائق الزواج المحررة سواء بمعرفة المأذون أو الموثق المنتدب أو مكاتب التوثيق .

خامسًا: إثبات نسب الأطفال

تنص المادة 70 من دستور 2014 على عدة حقوق للطفل، وشملت حقه في الحصول على اسم مناسب. وينص قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008 في مادته الرابعة على حق الطفل في نسبه إلى الوالدين الشرعيين والتمتع برعايتهما، وله الحق في إثبات نسبه بكافة وسائل الإثبات بما فيها الوسائل العلمية المشروعة.

إثبات الزواج كشرطٍ لنظر دعوة النسب

إن المشرع المصري لم يشترط لإثبات النسب وجود وثيقة زواج رسمية، ولم يشترط في إثبات عقد الزواج العرفي تقديم العقد نفسه، بل اكتفى بإثبات الزيجة عن طريق البينة والقرائن المتعددة بما فيها شهادة الشهود. لكن اشترط المشرع إثبات الزواج بالفعل قبل النظر في دعوى النسب، أي أنه لا دعوى نسب دون إثبات زواج، سواء بالعقد أو البينة أو الشهود أو القرائن.

القانون هنا يستند إلى الشريعة الإسلامية ويهدر ثبوت النسب للمولود بسبب علاقةٍ خارج إطار الزوجية، وكان هذا نص جواب شيخ الأزهر عام 1979 ردا على وكيل وزارة العدل الذي خاطبه بشأن مشروع المبادئ العامة الخاصة بالمساواة بين الأشخاص المولودين دون زواج وعدم التمييز ضدهم، وكان المشروع في أساسه مرسلا من السيد السكرتير العام للأم المتحدة إلى وزارة الخارجية المصرية.

هنا يطرح تساؤل هام نفسه “ماذا لو لم يتم إثبات الزواج” ما مصير الطفل؟ أم أن الأمر كله تزمت تشريعي لا يضع حسبانًا للمصلحة العامة؟

كل هذه الإشكاليات التى ترهق حياة الكثير من المواطنين/ات فى مسائل ضرورية تتعلق بتكوين أو استمرار الأسرة وتثير العديد من المشكلات اليومية التي تعيق هؤلاء المواطنين عن ممارسة حقوقهم الأساسية وممارسة حياتهم الطبيعة، السبب فيها تشريعات الأحوال الشخصية الحالية ذات الصبغة الطائفية والتى تحتاج إلى إعادة نظر وإعادة تفكير بشكل جاد فى تقنين الزواج المدني كحل لكل هذه الإشكاليات.