رغم مرور ثمانية أعوام من النقاش حول تعديلات قانون العمل الموحد، والتي كانت مطلبًا رئيسيًا للنقابات والمؤسسات العمالية والحقوقية بعد ثورة يناير، وتبعها إصدار قانون الخدمة المدنية عام 2016، ذهبت الجهود التي بذلتها المنظمات الحقوقية النسوية، إلى الآن، أدراج الرياح فيما يخص علاقات العمل والمساواة بين الجنسين. ذلك وفق ما توضح مي صالح، استشاري النوع الاجتماعي والدعم المؤسسي بمؤسسة المرأة الجديدة، في ورقة سياسات جديدة حول القانون الجديد.

في ورقتها التي حملت عنوان “قانون العمل الجديد: رؤية تقليدية وتكريس للأدوار النمطية للنساء”،توضح مي أن المنظمات النسوية قدمت عددًا كبيرًا من الأطروحات والمطالبات وأوراق السياسات. وقد تناولت ضرورة امتلاك القانون لرؤية تشريعية جديدة لحقوق وعلاقات العمل.

قانون العمل.. نحو مزيد من العدالة

أشارت مي إلى أن كافة الأوراق المقدمة اهتمت بأن تتلاءم القدرة التشريعية مع تطور أدوار النوع الاجتماعي في طريق المساواة بين الجنسين وتقليل معدلات البطالة بين النساء، والتي تصل إلى 24%.

تقول: “مع كل مسودة جديدة تظهر كانت ترتفع معها أحلام وأماني العاملات والمؤسسات المهتمة في قانون أكثر عدلًا وفق معايير العمل اللائق، يكون من شأنها تحسين أوضاع النساء في سوق العمل كما وكيفًا. غير أنه -ومع الأسف- كلما اقتربنا من المسودة النهائية التي يتم مناقشتها الآن في مجلس الشيوخ، نجدها تنطوي على العديد من الإشكاليات، التي قد يبدو بعضها في صورة ميزات جديدة يمنحها القانون للعاملات بالقطاع الخاص.

وتابعت: هي في باطنها تعيد تكريس الأدوار النمطية التي تناولها القانون الحالي منذ عام 2003. وتقلل من مشاركة النساء في سوق العمل، وخصوصًا مع تغير خريطة ونظم العمل أثناء وبعد الجائحة.

استمرار أشكال التمييز بمشروع قانون العمل الجديد

أوضحت استشاري النوع الاجتماعي استمرار مشروع القانون الجديد في حرمان فئات بعينها من مظلة الحماية. متجاهلًا كل الفجوات التشريعية السابقة والمطالبات المستمرة بتعديل النصوص التي وصفتها بأنها “انطوت على ظلم واضح” وعددت من هذه الأمور “استمرار حرمان العاملات بالزراعة البحتة من الحقوق الانجابية التي تضمنها باب تشغيل النساء”. ما وصفته مي بأنه “تمييز واضح غير مبرر”، فضلا عن كل أشكال التمييز اليومي التي يتعرضن لها. من حيث الأجور والحرمان من الموارد والملكية.

لفتت الباحثة كذلك إلى استمرار استثناء عمال وعاملات الخدمة المنزلية -خاصة المصريات- من مشروع القانون. بالرغم من مطالبات المؤسسات الحقوقية المختلفة والمجالس القومية باستمرار لضرورة شمول عمال وعاملات الخدمة المنزلية بالحماية التشريعية والاجتماعية. وهو ما دعى منظمة العمل الدولية لإصدار الاتفاقية 189 بشأن العمل اللائق للعمال المنزليين عام 2011.

وبالرغم من نص مشروع القانون في أحد مواده على ضرورة المساواة في الأجور وعدم التمييز لأي سبب. إلا أن ضمانات الحماية من مخالفة النص لم تكن دومًا واضحة وكافية في هذا السياق. ما يفسر أن الفجوة النوعية في الأجور في القطاع الخاص قد تجاوزت 25%.

وقالت مي صالح: ذلك بسبب العقلية الذكورية التي لازالت تحكم أصحاب العمل وتراجع أولويات قضايا النساء والنوع الاجتماعي في برامج التنظيمات النقابية.

عمالة الأطفال والعنف الجنسي

وفق الباحثة، حمل مشروع القانون الجديد معه نفس إرث ومواطن الضعف التي تضمنها القانون الحالي. وعلى رأسها السماح بعمالة الأطفال، ووضع قواعد منظمة لها، بالرغم من تحديد اتفاقية حقوق الطفل منذ عام 1989 لسن الطفولة وهو 18 عامًا، والتأكيد على عدة مبادئ أساسية. منها مصلحة الطفل الفضلى وضرورة حماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي. بالإضافة إلى توفير فرص التعليم الملائمة للطفل.

تلفت مي إلى أن هذه الحقوق” يتم انتهاكها بشكل صارخ بموجب القانون”. تقول: “ذلك إذا وضعنا في الاعتبار أيضا غياب قدرة الأطفال على التنظيم والمفاوضة وعلى اتخاذ القرارات في الأسرة أو العمل. مما قد يحرمهم من الحقوق الأصيلة ويجعلهم الطرف الأضعف دائما في علاقات العمل غير المتكافئة”.

وتشير كذلك إلى أن مسودة القانون الجديد شهدت غياب آليات وسياسات وإجراءات الحماية من العنف داخل أماكن العمل “والغريب أنه بالرغم من وجود باب كامل بقانون العمل بعنوان السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل. إلا أن المشرع لم يأخذ في اعتباره أن آليات الحماية من العنف وتوفير بيئة عمل لائقة وآمنة للعاملات هي من صميم بيئة العمل”.

وتابعت: في حين يهتم القانون بضرورة توفير المنشآت لسبل الوقاية من المخاطر البيولوجية والكيميائية والفيزيائية. كان من الأجدر به أيضًا أن يؤكد على ضرورة الحماية من المخاطر الاجتماعية والجنسية، والتي كثيرًا ما يتسبب فيها عدم اتخاذ الإجراءات الأساسية اللازمة داخل أماكن العمل.

وتتمثل تلك الخروقات في عدم الالتزام بكاميرات المراقبة، وغياب الإضاءة ببعض المواقع، وعدم ملائمة أو عدم توفر وسائل مواصلات آمنة من وإلى أماكن العمل. بالإضافة إلى غياب آليات الشكاوى والتحقيق، وتأمين حماية المبلغات والشهود “والتي غالبا ما تفضي بالنساء إلى ترك العمل “.

وأوضحت أنه كان يتوجب على المشرع أن يضيف مهمة أخرى الى مهمات مفتشي السلامة والصحة المهنية، لمراقبة ورصد أشكال العنف الجنسي الموجه تجاه النساء. وفقًا لما ورد في اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 190، والتوصية 206 الملحقة بها بشأن القضاء على العنف والتحرش في عالم العمل الصادرة عام 2019.

الأدوار النمطية للنساء

ولفتت الباحثة إلى أن احتفاء النقابات ووسائل الإعلام بالمسودة الحلية يرجع لأنها ساوت في الحقوق بين العاملات في القطاع الحكومي والعاملات بالقطاع الخاص وخاصة فيما يتعلق بالحقوق الإنجابية في باب تشغيل النساء. وذلك في المواد من 50 وحتى 56. بينما في واقعها “تحتاج من المشرع لرؤية أكثر شمولية”، وفق استشاري النوع الاجتماعي.

وأضافت بوجود إضافة آليات ورؤى مختلفة للقانون “كما تحتاج إلى التأكيد على أن الدور الإنجابي هو مهمة مجتمعية. ولا يجب أن تدفع النساء ثمنها بالحرمان من العمل”، وذلك حتى تصبح التعديلات الجديدة متوافقة مع الواقع العملي.

وأشارت إلى أن الحكومة متوقفة بصورة كبيرة عن التعيينات الجديدة منذ عام 2004. ما أدى إلى أن تحكم القطاع الخاص في تعيينات النساء، بينما يعتبر أن “الحقوق الانجابية المكفولة للنساء بموجب القانون والمواثيق الدولية هي بمثابة خطاب توصية لرفض تشغيل النساء أو إنهاء عملهن بمجرد الزواج أو الحمل”.

كذلك لا يلتزم أصحاب العمل عادة ببعض النصوص القانونية، ومنها إنشاء دور الحضانة. كما أن إضافة جملة “لمساعدة المرأة في التوفيق بين عملها ومسؤولياتها العائلية” في صياغة القوانين والقرارات الحكومية. هي تأكيد على ترسيخ الأدوار النمطية للنساء في ظل غياب تقسيم عادل للأدوار داخل الأسرة والمجتمع.


مطالب نسوية في مشروع قانون العمل الجديد

جاء ترتيب مصر 146 من إجمالي 156 دولة في مؤشر المساواة بين الجنسين لعام 2021. وذلك من حيث المشاركة الاقتصادية للنساء. ما جعل من المتوقع أن تبذل الحكومة جهودا أكبر من أجل دعم زيادة نسبة مشاركة النساء في قوة العمل. والتي تشكل حاليا نحو 24.2 % من إجمالي قوة العمل في مصر، بما يمثل تقريبا 7 ملايين امرأة.

وفق توصيات الباحثة، فإن من أهم هذه الجهود “أن يتم تغيير فلسفة القانون بما يساعد على سد الفجوة النوعية. وذلك بالاستجابة إلى استراتيجية تمكين المرأة، التي تهدف إلى زيادة نسبة مشاركة المرأة في قوة العمل إلى 35 % بحلول عام 2030. وذلك تماشيا مع أهداف ومؤشرات أجندة التنمية المستدامة”.

وكانت المؤسسات النسوية قد عرضت عدة مقترحات بديلة لتغيير هذه الأوضاع، منها تعديل المادة 56، الخاصة بدور الحضانة لتصبح: “على صاحب العمل الذي يستخدم خمسين عامل وعاملة فأكثر في مكان واحد أن ينشئ دارًا للحضانة. أو يعهد إلى دار للحضانة برعاية أطفال العاملات بالشروط والأوضاع التي تحدد بقرار من الوزير المختص”.

ويأتي الهدف من هذا التعديل للتأكيد على أن مسئولية الأبناء مسئولية مشتركة للآباء والأمهات ومن ثم يقلل فرص التنكر من هذا الالتزام.

الإجازة الوالدية وحظر عمالة الأطفال

وطالبت المؤسسات كذلك بتبني الاتجاه العالمي لاستبدال أجازه رعاية الطفل بـ “الإجازة الوالدية” والتي يحصل عليها في الأغلب أحد الوالدين ممن يكون راتبه أقل.  يُمثّل ذلك تأكيدًا لمبدأ عام، وهو أن الدور الرعائي ليس قاصرا على النساء فقط، وأن ترك بعض النساء للعمل لسنوات طويلة يؤثر بشكل واضح على مستقبلهن المهني. ومن ثم يجعل تفوق الرجال على النساء في بعض المهن هو أمر طبيعي ومتوقع. بالإضافة إلى ضعف فرصهن في الترقي وتقلد المناصب القيادية.

ومن التوصيات كذلك التراجع عن المادة 54، التي تمنح للعاملة الحق في إنهاء التعاقد بسبب الزواج أو الحمل. حيث أن وجود هذه المادة “يعطي انطباعا سلبيا عن هشاشة عمل النساء وتدوير العمالة. مما يشجع أصحاب العمل على إنهاء التعاقد بصورة قسرية وتعسفية بمجرد إعلان العاملة موعد الزواج”، حسب مي صالح.
وتضمنت المطالبات حظر عمالة الأطفال بموجب القانون وتقييدها لتصبح فقط في إطار التدريب المهني، بحسب مقتضيات مناهج التعليم الفني الثانوي. وتوقيع عقوبات على أصحاب المنشآت التي تستخدم أطفالا تحت السن. وإضافة نصوص خاصة بسياسات وإجراءات الحماية من العنف الجنسي داخل أماكن العمل وفق ما جاء في بنود الاتفاقية 190
كذلك أوصت المنظمات بتخصيص اهتمام أكبر في القانون للتدريب والتأهيل المهني داخل المنشآت الصناعية في القطاع الخاص. ووضع أولوية لخريجات التعليم الفني. اللاتي لا يزال 81 % منهن خارج قوة العمل بسبب عدم توافق المناهج التعليمية مع متطلبات سوق العمل. وأيضا بسبب عدم قدرتهن على العمل بالمهن الحرة، في ظل الثقافة المجتمعية وغياب آليات الحماية من العنف.