يميل الاتجاه خلال السنوات الأخيرة التي أعقبت العام 2011 إلى وضع ضوابط وقيود على التصوير في مختلف الأماكن، وبشكل خاص داخل المؤسسات الرسمية. وهي ضوابط تشتد في كل مرة تنتشر فيها صور مرتبطة بحادثة معينة نال صداها ردود فعل قوية على نطاق واسع. بينما تصطدم تلك القيود بشكل مباشر مع أحد أبرز مبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليًا؛ حرية التعبير وتداول المعلومات.
حول طبيعة العلاقة بين الكاميرا والسياسة في مصر، أصدر مركز التنمية والدعم والإعلام (دام) ورقة سياسات جديدة. وقد استعرض الباحث ماريو ميخائيل خلالها ماهية هذه القيود المفروضة على الصورة في بلادنا. وانطلق منها إلى محاولة الإجابة على سؤال: ما الذي تخشاه الدول من صورة تلتقط للتوثيق؟ إذا ما كانت تعلن رغبتها في تحقيق الشفافية ومكافحة الفساد.
التصوير باعتباره أحد مبادئ حقوق الإنسان
إن تداول المعلومات بحرية يعد عاملاً رئيسيًا في تحقيق الشفافية ومكافحة الفساد. كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد على حرية تداول المعلومات. وينص على “أن
حق التعبير عن الرأي يشمل التماس المعلومات والأفكار وتلقيها والحق بنقل المعلومات إلى الآخرين بأي وسيلة ممكنة”. الأمر الذي كفله الدستور المصري أيضًا بالنص على حق التعبير عن الرأي بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غيرها من الوسائل.
وحق تداول المعلومات -بهذا المفهوم- غير مقيد بحدود مكانية معينة. لكنه يلتزم ضوابطًا تحرره من الاصطدام بحقوق أخرى. وهي ضوابط يحددها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ويفرض فيها ضرورة احترام سمعة وحقوق الآخرين. بالإضافة إلى حماية الأمن القومي والصحة العامة والنظام العام والأخلاق العامة. لكنه ينص أيضًا على ضرورة أن تكون تلك الضوابط للضرورة فقط وأن تكون محددة بنص قانوني.
وتشير اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة بأن الأساس هو حرية التعبير عن الرأي. أما القيود فهي الاستثناء، وللضرورة فقط، وبوسائل تضمن أقل تدخل وتتسق
مع مبدأ التناسب.
للاطلاع على ورقة دام..
ممنوع التصوير
يقول الباحث ماريو ميخائيل -في ورقته- إن القيود على التصوير في مصر خلال السنوات القليلة الماضية لم تقتصر على المؤسسات المغلقة. بل امتدت إلى الأماكن العامة
والشوارع.
وهو يعرض لأمثلة لهذه القيود التي فرضتها بعض الوقائع. ومنها جريمة القتل المروعة التي شهدتها مدينة الإسماعيلية نوفمبر الماضي. عندما قتل رجل آخر وفصل رأسه عن جسده في وضح النهار في شارع مكتظ بالمارة.
ومع انتشار مقاطع الفيديو والصور الموثقة لهذه الجريمة، اقترح بعض النواب تغليظ عقوبة تصوير ونشر الصور أو مقاطع الفيديو التي تعرض لجرائم.
أيضًا، بين الحين والآخر يتعرض بعض المصورين الفوتوجرافيين إلى الاستيقاف الأمني بسبب عدم استخراج تصاريح للتصوير في الشوارع والميادين الرئيسية على سبيل المثال.
وقد أضيفت إلى قانون العقوبات مادة تمنع تصوير أو نشر المحاكمات بدون تصريح. وامتد هذا المنع ليشمل المؤسسات الصحية. ذلك عقب انتشار مقطع فيديو يظهر حالة من الهلع بسبب وفاة مرضى في قسم العزل بمستشفى الحسينية أوائل العام الماضي.
الصورة.. محرك للحدث
لعبت الصورة دورًا محوريًا في الأحداث التي أدت إلى ثورة 25 يناير. وكانت الصورة الأبرز والأكثر انتشارًا تلك التي التقطت لخالد سعيد في المشرحة بعد قتله تعذيبًا على يد أفراد من الأمن في فترة عهد الرئيس الأسبق مبارك.
لقد أحدثت اللقطات التي انتشرت لعمال يدهسون صور الرئيس الأسبق مبارك في إضراب المحلة الكبرى في 2008 هزة عنيفة بصورته التقليدية كبطل وأب.
ساعد في انتشار مثل هذه اللقطات وغيرها في السنوات اللاحقة، التقدم التكنولوجي في شبكات التواصل الإلكتروني وكاميرات الهاتف المحمول سهلت مهمة توثيق الثورة من قبل أناس عاديين شاركوا في المظاهرات والتقطوا كل ما كانت أعينهم تقع عليه.
في 2011 صُنعت الصورة بشكل جمعي، وأظهرت العنف في الشوارع، والدور الفعال للمتظاهرين في مقاومته، ما كان له تأثير شديد القوة. لقد استخدمت الصورة ببراعة خلال هذه الأحدث، ووظفت سياسيًا، فساهمت في إنجاح الحراك. ولعل هذا ما أدركته الدولة لاحقًا وتحاول تفادي تكراره بوضع ضوابط وقيود إضافية.
الدولة والشعب والعلاقة الأبوية
يمكن توصيف الحكم في مصر بأنه ذو نمط أبوي، عززته الصور الدعائية للدولة منذ عقود، والثقافة الشعبية التي ترى الأب وسلطته غير قابلين للاهتزاز. إذا، فمشاهد مثل الممرضة التي ترتعد في زاوية داخل مستشفى بعد وفاة عدد من المرضى أو مشاهد الفوضى في المدارس، قد تؤثر سلبًا على هيبة وقوة الدولة. تلك الصورة المهيبة والقوية التي لا يجب أن تهتز بمثل تلك المشاهد.
وفي سبيل الحفاظ على “هيبة الدولة” فُرضت تلك السياسات التي تحجب التصوير وتنظم استخدام الكاميرات. وهو أمر يصطدم بشكل مباشر بحرية التعبير عن طريق الصورة وحرية تداول الصور عبر شبكة الإنترنت والإعلام.
توصيات
تطرح ورقة الباحث ماريو ميخائيل عددًا من التوصيات في سبيل تحرير حق تداول المعلومات وحرية التعبير من القيود الحالية المفروضة على التصوير. وتشمل هذه التوصيات:
- إلغاء القيود التي فرضت مؤخرًا على التصوير في المؤسسات الرسمية مثل المؤسسات الصحية والتعليمية.
- تخفيف القيود على التصوير في الأماكن العامة.
- إن وجدت قيود على التصوير في الأماكن والمؤسسات العامة يجب أن تكون بغرض حماية خصوصية الأفراد فقط، وألا تكون مفرطة بحيث تؤثر سلبًا على حرية التعبير وتداول المعلومات.
- تشجيع المواطنين/ات على استخدام الكاميرا للإبلاغ عن مختلف وقائع الفساد والجرائم ومنها التحرش، الذي تسعى الدولة لمواجهته.