مواجهة جديدة يخوضها فنار الإسكندرية الثقافي ضد جماعات هدم الآثار. يقف صامتا بمفرده في وجه مشاهد الاعتداء المتكررة على المباني الأثرية. إنه قصر “تيمافكو” أتيليه الإسكندرية. والذي افتتح للجمهور سنة 1934 علي يد الفنانين محمد ناجي وجاستون زنانيري. واستقبل كبار مفكري وأدباء مصر لعقد ندواتهم أمثال طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم.
ويواجه الأتيليه أزمة كبيرة تهدد بقاءه وتعرضه للهدم. فقد حصل الملاك الحاليون علي حكم قضائي يلزم مجلس إدارة الأتيليه بإخلائه. مستندين إلى حكم المحكمة الدستورية العليا. والذي يقضي بحق الملاك في إنهاء تعاقداتهم مع الكيانات الاعتبارية المستأجرة أملاكهم.
وبدأت مساء الأحد الماضى إجراءات تسليم مبنى “أتيليه الإسكندرية” وتحديد لجنة لجرد محتوياته بعد نزاع بين أعضائه والملاك. وذلك وسط حالة حزن سيطرت على المثقفين والفنانين.
ويحظى “الأتيليه” بمكانة تاريخية كبيرة باعتباره يرمز لحقبة تنويرية متعددة الثقافات والديانات والجنسيات في المدينة. حيث يقع القصر في الحي اللاتيني بالأزاريطة بشارع فكتور باسيلي. وهو ثانى أقدم مؤسسة أهلية بعد هيئة الآثار.
وشهد المقر جزءا كبيرا من التاريخ الثقافي وأسهم في تقديم العديد من الأجيال المؤثرة في الحركة الفنية المعاصرة. واستضاف الكثير من العروض لكبار الفنانين مثل بيكاسو ورودان. وعرض مصورون ونحاتين وفنانون من جميع أنحاء العالم أعمالهم فيه وأقيمت به معارض لهم.
ويتبع الأتيليه وزارة التضامن لكونه جمعية أهلية. وقد فشلت كل الجهود والوقفات الاحتجاجية والمناشدات لوزراء الثقافة والتضامن والآثار ومحافظ الإسكندرية وكبار المسؤولين على مدار عام كامل منذ صدور حكم التمكين. فى وقف تنفيذ قرار تسليم القصر ومحاولة تعويض الورثة حفاظا على الأتيليه ونشاطه.
تاريخ مبنى الأتيليه
تروي لنا أماني عز الدين -عضو الأتيليه- تاريخ القصر الفريد قائلة: مبنى رائع يرجع تاريخه إلى عهد الملك فؤاد الأول. وقد قام المهندس المعماري الإيطالي فوندريا مارتنيلى بناء على طلب اليوناني تمفاكو في عام 1925 ببناء هذا القصر وصار يحمل اسمه. إلا أنه لم تدُم ملكية القصر لليوناني تمفاكو وقتا طويلا. حيث انتقلت ملكيته لتاجر أخشاب كبير من الشام يدعى إدوارد كرم. الذي قام بإدخال بعض التعديلات على القصر عن طريق مهندس يدعى ماكس أدريانو. حيث استبدل الأرضيات المرمر بأنواع نادرة من الأخشاب التي كان يقوم بجمعها من جميع أنحاء العالم.
وتستكمل: بعد ذلك تعاقب الملاك على القصر عدة مرات. وفي عام 1956 اشتراه البنك المصرى الإيطالى وتم تأجيره بمعرفة البنك كمقر لأتيليه الإسكندرية.
الشكل البنائي لقصر الأتيليه
تواصل: القصر مكون من طابقين وسطح علوي وبدروم بُنى من الحجر الجيري ويحتوي على 10 حجرات تطل على الجهات الشمالية والشرقية والغربية من المبنى. وكل هذه الحجرات مراسم لفناني الأتيليه وجميع الأبواب الفاصلة بالقاعات عليها زخارف.
ويحيط بالقصر سور من ثلاث جهات الشرقية والغربية والجنوبية. ويلى السور حديقة القصر ثم المبنى الخاص بالأتيليه ويعلوه سقف خرساني باستثناء الصالة الرئيسية بالطابق الأرضى التي يسقفها تابلوهات مربعة مزخرفة مختلفة الألوان واكتست جدرانها حتى المنتصف بالأخشاب ويربطها بالقاعات أبواب خشبية عليها نحت بارز لأشكال آدمية وزخارف نباتية.
والقصر مزين بالعديد من النقوش والزخارف الجصية والخشبية والمنحوتات الرائعة. فالمدخل الرئيسى للقصر معقود بعقد نصف دائرى يستند على اثنين من الأعمدة الأسطوانية في جانبيه ويصعد إليه بدرجات رخامية ويعلو المدخل شرفة صغيرة بمستوى الطابق الثانى لها درابزين حجرى وأسفل الدرابزين زخارف نباتية تشبه الإكليل يتخللها نحت لأشكال آدمية.
ويتكرر ذلك أسفل كل شرفات القصر وأعلى الواجهة الرئيسية ينتهى بشكل جمالونى يستند على شريط حجرى من المربعات الصغيرة أسفله أفريز من الزخارف النباتية الرائعة التى تتخللها منحوتات لأشكال آدمية مثل كيوبيد.
وقاعات القصر بها شرفات ذات عقود نصف دائرية كسيت بالخشب أيضا وبها زخارف نباتية مطعمة باللون الأخضر والذهبى. ويتم الصعود للطابق الثانى بسلم خشبى وتستخدم القاعات بهذا الطابق كمرسم للفنانين بالأتيليه وتفصل القاعات عن بعضها أبواب خشبية ذات أشكال آدمية أيضا.
ورثة الأتيليه ولجنة الجرد
الأستاذ مصطفى طلعت -محامي الأتيليه- أكد تمكين الورثة بالفعل من القصر يوم الأحد الماضي. وأنه تم تشكيل لجنة لجرد محتوياته. وتم فك الأفران والمعدات واللوحات والزخارف الخاصة بالرسامين التشكليين تمهيدا لتسليمه خلال أسبوعين.
وقال: محكمة النقض قضت في الشق المستعجل والموضوعي برفض الطعن المقدم على حكم التمكين استنادا على قرار المحكمة الدستورية. فيما ندد بالموقف السلبي للأجهزة الرسمية بالدولة تجاه أزمة الأتيليه لما يمثله من قيمة حضارية وثقافية في مصر لكونه أثرا يجب الحفاظ عليه.
وأشار إلى أن محافظ الإسكندرية اللواء محمد الشريف وعد بتعطيل قرار الهدم لحين توفير مكان بديل للأتيليه لاستمرار إقامة أنشتطه الثقافية.
حماية الآثار
كان محمد متولى -مدير عام آثار الإسكندرية- سبق ونفى في تصريحات إعلامية صحة ما يتردد بشأن هدم أتيليه الإسكندرية. وذلك بعد صدور حكم بعودته إلى ملاكه. كونه “مبنى أثريا إسلاميا”. وأن قانون حماية الآثار كفيل بحماية الآثار المصرية. والمبنى محصن بموجب القانون ولا يستطيع أحد المساس به أو هدمه.
وقال إن “أتيليه الإسكندرية” محصن أيضاً بالقانون رقم 144 لسنة 2006 لأنه مبنى يمثل حقبة تاريخية. لذلك استحالة أن يتم المساس به، لأن المكان مرتبط بالتراث العالمي واعترفت به وزارة الآثار.
وفي محاولة لإنقاذ القصر اجتمع عدد من الفنانين والأدباء والمهمومين بالحالة الثقافية بالإسكندرية والعديد من أساتذة الجامعات والفنون الجميلة والآثار والآداب وغيرها للتصدي لمحاولة إنهاء نشاط الأتيليه. الذي استمر لقرابة قرن مضي. واتفق الجميع على فتح باب التبرع لصالح الجمعية على حسابها البنكي لتعويض الورثة ماديا وإنقاذ المكان.
وندد مصطفي عمرو -عضو الأتيليه- بوقف نشاط المكان وتمكين الورثة من القصر. واعتبره أحد صروح الإسكندرية الثقافية والفنية التي تختفي ببساطة. مبينا أن موقف الدولة السلبي من الأيتليه سوف يتبعه إجراءات مماثلة في “كونسيرفاتوار” كما سبق في مقر نادي القصة بالإسكندرية الذي يواجه هو الآخر إنذارا بالإخلاء والطرد طبقا لحكم المحكمة الدستورية في القضية رقم ١١ لسنة ٢٣ق دستورية بعدم دستورية الامتداد القانوني لعقود الإيجار القديم للأشخاص الاعتبارية لغير غرض السكن.
وأكد أنهم كأعضاء لا يعقبون على أحكام القضاء ويحترمون حق الملكية المصون بالقانون. لكن الحفاظ على الآثار والتراث الثقافي مقدم على المصلحة الخاصة. فيما وجه نداء للحكومة -ممثلة في وزارة الثقافة، وأثرياء الإسكندرية لشراء القصر والحفاظ على استمرار نشاطه أو صدور قرار بنزع الملكية للمنفعة العامة مع التعويض.