في مباراة المنتخب الوطني لكرة القدم أمام نظيره منتخب كوت ديفوار، أمس، تعرض حارس المنتخب محمد الشناوي -الذي أدى مباراة رائعة- للإصابة، ونزل مكانه الحارس البديل محمد أبو جبل.

لعب أبو جبل بشكل جيد للغاية. بل كان أحد الأسباب التي أدت لفوز منتخب مصر ووصوله إلى الدور ربع النهائي في البطولة الأفريقية، ليواجه منتخب المغرب.

كان أبو جبل الحارس البديل جاهزًا دون أن يعلم أحد شيئًا عن المستوى الذي سيقدمه في البطولة. فالحارس الأساسي كان متصدرًا ومتقدمًا بشكل لا يعطي انطباعًا أن هناك بديلًا محترمًا سيؤدي بشكل رائع ويصلح لمنافسته. وقد سأل الجميع في نفس لحظة إصابة الشناوي: هل نملك بديلًا ينقذنا من ورطة الإصابة التي لحقت بالحارس الأول؟!

إنه سؤال مصر الأزلي!

في الكرة كما في السياسة، تكثر الأسئلة ويُطرح دائمًا “حديث البدائل” في مصر.

أسئلة للأسف الشديد تشير بوضوح إلى رجوع المجتمع إلى الخلف، وبالتحديد إلى ما قبل 25 يناير 2011، وقت أن كان السؤال الذي تغذيه السلطة: من البديل؟ وهل إذا غاب مبارك هناك من يصلح للحكم في مصر؟

هذا السؤال الذي يوحي دائمًا بالغموض والشك ما زال مطروحًا، هل هناك بديل للنظام الحالي يمكن أن يحكم؟

كاتب هذه السطور أحد المؤمنين بأن مصر تملك ألف بديل للسلطة القائمة، وليس بديلًا واحد فقط، فمصر الغنية بكوادرها وعلمائها ومثقفيها وأساتذة الجامعات والسياسيين والمبدعين لا يمكن أبدًا أن تعدم بديلًا سياسيًا يصلح للحكم!

فقط هو المناخ العام الذي يسمح بظهور “البدائل” أو يحاصرها ويمنع عنها الهواء ويخنق ظهورها للعلن. في المناخ المغلق والمقيد بأجهزة أمنية وقوانين واستبداد سياسي من الطبيعي أن يغيب البديل أو يتوارى خوفًا أو حصارًا. ومع ذلك تبقى مصر، وهي بلد كبير، تملك الكثير من البدائل، سواء على مستوى الأشخاص أو السياسات..

قبل ثورة يناير 2011 كان الجميع يتشكك في إمكانية وجود بديل لمبارك. وقد استغل الرئيس السابق ذلك الخوف الذي تملك المصريين ليقدم ابنه كبديل له. وظن أن المجتمع قد يتقبل الفكرة تحت وطأة اليأس من إيجاد البديل، أو التسليم للقدر المستعجل الذي هو مشروع التوريث.

ومع ذلك، فإن عدة أشهر فقط كانت كافية لينتج المجتمع والمناخ العام وقتها عدة بدائل وليس بديلًا واحدًا، فبعد عام تقريبًا من رحيل مبارك ضمت قائمة المرشحين لرئاسة الجمهورية 13 اسمًا، رأى فيهم الناس القدرة على الحكم، وحصلوا جميعهم على أصوات انتخابية وصلت إلى ملايين الأصوات، وقدم المرشحون وقتها برامج تشمل فهمًا دقيقًا لأزمات مصر، وطرحوا لها الحلول غير التقليدية، وتعهدوا بسياسات جديدة غير التي اتبعها مبارك طوال 30 سنة من حكمه المديد البليد، واستعان كل منهم بالمتخصصين والفنيين لوضع الخطط والبرامج التي تضع الحلول للمكشلات الكبرى والمعقدة..

هنا، كان المناخ الحر الذي عاشته مصر بعد الثورة هو الذي شجع على ظهور البدائل وتقديم البرامج والأشخاص والسياسات. وظهرت مصر الحقيقية كأجمل ما يكون، حينما توافر لها ولشعبها ما يتوافر لكل الشعوب؛ مساحة جيدة من الحرية والتنافس. ثم قبل هذا وبعده ثقة الشعب المصري في حقه في التقييم الحر للبدائل المطروحة. ثم حريته في أن يحسم أمره ويختار من يراه الأقدر على قيادة البلد لعدة سنوات. ثم اطمئنانه إلى أنه سوف يخرج بعد هذا الاختيار بعدة سنوات ليحكم من جديد ويقيم سياسات من اختاره في انتخابات جديدة!

هل مصر الآن بلا بديل سياسي للسلطة القائمة؟

الإجابة القاطعة: لا، فمصر تمتلك الكثير من البدائل التي لا يُسمح لها بالظهور أو الحركة أو التواصل مع الناس. وقد ظهر المشهد كأن مصر بلا بديل بعدما اختارت السلطة الحالية حصار الحياة السياسية. ثم عندما اختارت حصار الأحزاب داخل مقاراتها. ثم عندما اختارت السيطرة الكاملة الصارمة على وسائل الإعلام. ثم عندما قمعت الأصوات المختلفة معها ولم يسمح لها بالخروج للنور. كل هذا الحصار، وكل هذه القيود أنتجت السؤال القديم والأزلي، والذي يبدو أن السلطة ترحب بوجوده: من البديل؟!

الأكيد والمؤكد أن مصر تمتلك العديد من البدائل. وهي قاعدة اختبرناها بالفعل بعد سقوط مبارك الذي جثم على أنفاس البلد 30 عامًا متصلة. ومع ذلك كانت عدة أشهر كافية لأن يظهر لمصر ليس بديلًا واحدًا بل عشرات البدائل.

إذا، فالفيصل في الإجابة على السؤال هو إتاحة المناخ الحر والتنافسي الذي يسمح بظهور كل الأصوات وكل الرؤى والخطط والبرامج. وقتها ستكون الإجابة واضحة وقاطعة بما يكفي، وسيطمئن الناس لأن بلدًا كبيرًا مثل مصر لا يمكن أن تغيب عنه البدائل والبرامج التي تدفع المجتمع للأمام.

الفيصل الحقيقي هو الفرصة التي يجب أن تُمنح لكل الأصوات لتتكلم وتثبت ما لديها من تصورات. ووقتها يستطيع الناس الحكم والإجابة عن السؤال. فلولا إتاحة الفرصة لظهور أبو جبل بعد خروج الشناوي لكانت الشكوك قد استبدت بالناس وحاصرتهم بالسؤال: هل هناك بديل جيد لحراسة مرمى المنتخب! وقد تكفل ابو جبل بالرد على الجميع!