يقول مالينوفسكي أحد أهم علماء الأنثروبولوجيا، إن الشعوب لديها قواعد مختلفة تسير بها. ولكن الدوافع واحدة. لقد توصل إلى أن كل شخص في كل مكان مدفوع بالدوافع نفسها: الجوع والخوف والأمن والجنس. وأن الطقوس والممارسات موجودة لإشباع حاجات الأفراد الأساسية.
حين نسمع عبارة الزواج مشروع فاشل نندهش. حيث أن قائليها بعض المتزوجين وغير المتزوجين على حد سواء، كما لو أنها الحقيقة التي اهتدوا إليها. وبالنظر إلى زيادة معدل الطلاق حسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء -ويذكر أن حالات الطلاق وصلت إلى حوالي 213 ألف حالة عام 2020 بواقع حالة كل دقيقتين- وليس ذلك فحسب، بل أن عدد عقود الزواج المثبتة في عام 2020 قد انخفضت عن مثيلاتها عام 2019 بمعدل 5.6%. فهل تفيد كل هذه الأرقام بفكرة فشل مؤسسة الزواج؟
لماذا نتزوج؟
حسب الرؤى الدينية، فإن الزواج يتم لأنه إعمار للأرض، والتناسل بطريقة شرعية، وفق سياقات الأديان والنظم الرسمية والاجتماعية المتعارف عليها. ولأن الزواج سكن ومودة حسب ما جاء في القرآن الكريم وكذلك الكتاب المقدس. لكن هذه الأسباب ليست كل الأسباب؛ فالزواج هو الباب الرسمي المعترف به لممارسة الجنس. ومن ثم، فإن الرغبة هي المحرك الأقوى في الدفع بعملية الزواج وإتمام طقوسه، حتى لا يُفتن الأبناء والبنات.
نحن في مجتمعات لا تحب ولا ترغب بمناقشة مشكلاتها. ومن ثم لا يتحدث أحد عن الجنس والرغبة فيه كمحرك أساسي في الدفع بأمور كثيرة. ولعل الخجل أو التواطؤ في هذا الموضوع تنتج عنه أضرار أكثر بكثير من تلك التي سنتعرض لها، إذا ناقشنا الأمر بشكل علمي ونفسي واجتماعي، في محاولة للوقوف على مشكلاته.
وإذا كان الجانب الأكبر يتزوج لإشباع الرغبة، فهذا يفسر ارتفاع حالات الطلاق. ذلك لأن طرف أو الطرفين لما تتحقق تصوراتهم الذهنية عن الأمر، فالخذلان الذي يصيب أحدهم يدفعه نحو الغضب والتجاهل وربما الصمت بما يصنع بيئة صالحة لتصاعد المشاكل والخلافات والتقدم بسرعة في طريق الانفصال. وهو ما نراه بصورة واضحة حتى أن آخر الإحصائيات عن الطلاق تذكر أنه هناك حالة طلاق كل دقيقتين و14 ثانية. وهذا أمر مزعج ويتنافى مع مفهوم أن الزواج سكن ومودة، والسبيل لإعمار الأرض. الأطفال الذين يولدون لأبوين بينهما صراعات لن يكونوا صالحين لإعمار الأرض أو أي شيء.
تغيرت المعطيات فصار الزواج في طريقه للفشل
يقول (ن. أ) -وهو في مكانة اجتماعية مرموقة وينتمي لطبقة عليا- إن الجيل الجديد ويقصد بهم من 18-25 أوضح في تحديد رغباتهم ولا يمانع الطرفين من اللقاء بغرض إشباع الرغبة. اللقاء واضح في هدفه ووظيفته. فهل هذا سبب تراجع نسب الزواج؟
إذا كانت فرضية أن الزواج في هدفه الأكبر لتلبية رغبة، فإن الملاحظة التي ذكرها السيد (ن) توضح أحد أسباب تراجع الزواج. كذلك فإن مصادر الثقافة الجنسية عبر مواقع التواصل وما يتيحه الإنترنت رفع من توقعات الطرفين ورسم صورًا ذهنية عن حياة متخيلة مع الشريك، سرعان ما تنكسر مع الواقع والقيود النفسية والتربوية التي يعاني منها الطرفين. وعند كسر التوقع والإحباط تُصبح أتفه مشكلة هي بحجم نيزك يصطدم بمشروع الحياة الذي بدأ للتو.
مجتمع تتصدر كلمة الجنس معاملات البحث على جوجل لديه، هو ذاته الرافض لمناقشة هذا الأمر بشكل علمي أو من منظور اجتماعي. هنا، تتصاعد كلمة عيب وما يصحش وتنصب المشانق. ولعل هذا ما يفسر لنا الثورة العارمة على الفنانة منى زكي على دورها في فيلم “أصحاب ولا أعز” عن مشهد هو حرفيًا لم يحدث، لكنه متخيل في عقل المشاهد. إننا فقط لا نحاسب على أزمة الخوف والتواطؤ نحن أيضًا نُحاسب على خيالات البعض.
أما في فيلم “النوم في العسل” والذي أُنتِج وعُرِضَ للمرة الأولى في منتصف التسعينيات، نجد أن البيوت امتلأت بالمشاكل والعراك الذي أوصل العديد لأقسام الشرطة، حين تراجعت القدرة الجنسية عند الذكور، فتسارعت المشكلات واشتعلت البيوت. أليست كل هذه مؤشرات أن الرغبة هي المحور الأساسي في العلاقة الزوجية، بما يجعلنا في ضرورة لمناقشة هذا الأمر.
التربية الجنسية مدخلًا لإصلاح الزواج
وانا طالبة في المرحلة الثانوية كنا ندرس الجهاز التناسلي للأنثى. ولأني كنت في مدرسة مشتركة ومدرس الأحياء رجل، أتذكر جيدًا حالة الخجل والصمت التي عمت الفصل. كان الأولاد يتهامسون في صمت، والبنات تخفض روؤسها وعيونها. مر هذا الدرس دون أن نتذكر منه سوى الرسم التوضيحي. وبالطبع هذا الدرس ليس موضع أسئلة. وبالتالي هو سد خانة، ولا أعرف هل تم حذف الدرس من المناهج أم مازال موجودًا.
نحن نستفيد من التقدم والاختراعات ونستخدم كل منتجات العلم. لكننا نقف عند بديهيات؛ فالعلاقات تراكمية. من البداية نتجاهل الوعي، ونحذف كل ما يخص الجنس من المشهد العلني، ونسلم أطفالنا وشبابنا لمصادر مفتوحة، كل يتعلم بطريقته المهم ألا يعلن ذلك، وطالما يحدث سرًا لا يهم.
هذا التواطؤ الذي ينفجر في التجربة العملية الصريحة المسماة الزواج. بالطبع، ليس الجنس هو المسؤول الوحيد عن فشل الزواج. لكن دوره بالغ الأهمية بما يدفعنا لمناقشة الأمر؛ فدس القمامة أسفل السجادة لا يعني أن البيت نظيف.
نحتاج إلى توعية جنسية علمية لكافة المراحل، ليس ذلك فحسب بل أن المقدمين على الزواج يحتاجون لدورات توعوية عن أفضل الطرق للتعامل مع الشريك.